لماذا عليك التظاهر بالذهاب إلى العمل كل يوم إذا كنت تعمل من المنزل؟

قبل أن تجتاح جائحة كوفيد-19 العالم، أفاد 86% من 151 مليون عامل أمريكي الذين استُطلِعَت آراؤهم في "استطلاعات المجتمع الأمريكي" (American Community Survey) لعام 2018 أنَّهم اتجهوا بالسيارة إلى العمل يومياً، ثمَّ دون سابق إنذار، وضعَت جائحة كوفيد نهايةً لكلِّ هذا عام 2020.



أعرب في الاستطلاع 32% من الأمريكيين أنَّهم يفضلون تجنُّب الذهاب إلى العمل كلَّ يوم، لكنَّ هذه العقلية تغيرَت منذ وقتها، فبالرغم من اللقاح الذي يلوح في الأفق، والصعوبات التي نواجهها في العمل من المنزل، ما يزال هناك احتمال قويٌّ أنَّنا سنستمر بالعمل من المنزل حتى نهاية عام 2021، وقد لا يزعج ذلك العديد من الناس حتى الآن، ولكن فليأخذوا بالحسبان أنَّ هناك فوائد للتنقل من وإلى العمل سنخسرها بسبب ذلك.

قالت د."جيمي غولدستين" (Jamie Goldstein)، قائدة التجربة العلاجية في موقع "كوا" (Coa) لتقديم خدمات العلاج النفسي، في مقابلة مع موقع "هيلث لاين" (Healthline): "كان لدينا قبل الحجر الصحي وقت للتنقل من وإلى مكاتبنا، وخصَّصنا وقتاً في جدولنا للغداء والتنقل بين الاجتماعات والمواعيد، فمنحَتنا فترات التنقل الجسدي هذه الفرصة للانتقال نفسياً بين أدوارنا كآباء، أو أمهات، ومديري مشاريع، وشركاء، وغيرها". 

الآن، في غياب هذه الفترات الانتقالية، علينا التعويض عنها بالذهاب في رحلات وهمية.

ما هي الرحلة الوهمية؟

الرحلة الوهمية هي طقس يقوم به الشخص قبل بداية وعند نهاية ساعات العمل، وخير مثال عليها: هو طريقة قضاء "د. داميان ليونز" (Dr. Damien Lyons) محاضر في "سيدني" (Sydney) فترات الصباح؛ إذ يرتدي قميص العمل، ويركب سيارته، ويشغل المذياع، ثمَّ يقود لمدة عشر دقائق في طريق محدد، ويشرح ذلك قائلاً: "قد يبدو ذلك سخيفاً، لكنَّ الفكرة هي أنَّي أعُدُّ وقت التنقل هذا فترةً لتحضير نفسي قبل بدء اليوم؛ حيث كنتُ أخرج من المنزل، وأترك ما يحصل داخله خلفي".

بالنسبة إلى "ماريانا هيويت" (Marianna Hewitt) المؤسسة المشاركة لشركة مستحضرات التجميل "سامر فرايديز" (Summer Fridays)، تحلُّ نزهة قصيرة صباحاً وأخرى مساءاً محلَّ رحلتها إلى العمل، أمَّا "إيان سيلفيرا" (Ian Silvera) مدير الحسابات في شركة "نيوغيت للاتصالات" (Newgate Communications) فيستعيض عنها بالجلوس على مقعد في المنتزه ومراقبة الناس.

يمكِنك استخدام الرحلات الوهمية، أيَّاً كان شكلها بالنسبة إليك، للفصل بين حياة العمل وحياتك الشخصية، كما أنَّها تمنحك فرصةً للاستعداد قبل البدء بالعمل ولتسترخي بعد الانتهاء منه، إضافة إلى كلِّ ذلك فهي ضرورية لصحتنا النفسية.

أخبر الأستاذ الجامعي في قسم الأعمال من جامعة تورنتو (University of Toronto) "ديفيد زويج" (David Zweig) إذاعة الأخبار الكندية "سي تي في" (CTVNews.ca) في مقابلة عبر الهاتف: "اختفت الحواجز بين الحياة العملية والحياة الشخصية تماماً، سواء من الناحية النفسية أم غيرها، ويقع على عاتقنا نحن الآن أن نعيد بناءها"

"لم يَعُد لدينا طريقة لننفصل نفسياً أو نتعافى من متطلبات العمل"، ويضيف قائلاً: "في الصباح ليس لدينا فرصة للتفكير بالطريقة التي سنمضي بها يومنا لأنَّنا في خضمِّه منذ اللحظة التي نفتح بها أعيننا. وفي المساء، ليس لدينا الوقت لنريح تفكيرنا ونحوله بعيداً عن العمل."

إذا اقتنعتَ بالآراء السابقة، فأنت الآن تتساءل كيف لك أن تذهب في" رحلة وهمية"؛ لذا نستعرض فيما يلي الخطوات لتحقيق ذلك:

1. الحفاظ على جدول نوم منتظم:

يكتب الطبيب النفسي "مايكل بريوس" (Michael Breus)؛ "أنا أعرف أنَّ حالة انعدام اليقين التي تحيط بنا من كل النواحي، تجعل الالتزام بجدول نوم منتظم صعباً جداً؛ فربما لا تزال تتأقلم مع العمل من المنزل، أو تبحث عن طريقة لمساعدة أطفالك في تعلُّم موادهم الدراسية دون الذهاب إلى المدرسة، أيَّاً كان وضعك فهو تحدٍ ضخم".

ولكن تبيَّن أنَّ جدول النوم غير المنتظم يؤدي إلى السمنة المفرطة، ومرض السكري، والسكتة القلبية، وارتفاع ضغط الدم، حتى أنَّه قد يؤثر سلباً في صحتك النفسية، غير أنَّ النوم الهانئ ضروري للتركيز والإنتاجية.

لستَ مضطراً للعودة إلى نمط نومك قبل اندلاع الجائحة، ولكن إن أمكن، يجب أن تتَّبع النظام اليوماوي (circadian rhythm) الخاص بك، وفي كلتا الحالتين عليك أن تحافظ على جدول نوم منتظم ومتَّسق حتى في أيام العطل، واحرص أيضاً على تخصيص وقت كافٍ بين الاستيقاظ والبدء بالعمل للذهاب في "رحلة"، والأفضل لو خصصتَ فترةً من الصباح لروتين صباحي كامل.

2. الالتزام بمواعيد الرحلات نفسها:

إن كنتَ معتاداً قبل الجائحة على مغادرة منزلك الساعة 7:30 وقضاء 20 دقيقة في طريقك إلى العمل، فاستبدِل هذه الرحلة بنزهة صباحية في الوقت ذاته، وإذا اعتدتَ على مغادرة المكتب الساعة 4:30، فذلك هو الوقت الذي يجب أن تخرج فيه للتنزه بعد التوقف عن العمل.

إضافة إلى ذلك، إذا جرت العادة أن تأخذ استراحةً من العمل وتذهب لتناول الغداء في مطعمك المفضل في الساعة 11:30، فعليك الاستمرار بتناول الغداء في ذلك الوقت، وكذلك الحال بالنسبة إلى نزهة الصباح والمساء؛ فإن كان السير إلى المطعم يتطلب 10 دقائق سابقاً، فعليك الآن أيضاً أن تمشي لمدة 10 دقائق قبل تناول الغداء.

شاهد بالفيديو: 7 أشياء يجب أن تتوافر لديك عند العمل من المنزل

3. ارتداء الملابس والخروج من المنزل:

قد تتساءل ما الداعي لارتداء ملابس العمل؛ والجواب ببساطة هو أنَّ هذا النشاط البسيط سيفصل بين وضعية العمل ووضعية المنزل في عقلك، إضافة إلى ذلك، أظهرَت دراسات عدَّة أنَّ للملابس التي ترتديها أهمية؛ فعلى سبيل المثال: وجدَت دراسة نشرتها مجلة "العلوم الاجتماعية والنفسية والشخصية" (Social Psychological and Personal Science) عام 2015، أنَّ ارتداء الملابس الرسمية يزيد الحس الإبداعي لدى الشخص.

لا يعني ذلك أنَّه عليك التخلي عن ملابسك المريحة؛ فنحن اليوم نواجه جائحةً تحدث مرة كل قرن، وإذا ساعدَتك الملابس المريحة على التعامل مع الوضع، فلا تتردد في ارتدائها، لكن مازال عليك تبديل ملابس نومك في الصباح وارتداء غيرها.

إقرأ أيضاً: كيف تمنع العمل من المنزل من أن يستحوذ على حياتك الشخصية؟

4. كتابة قائمة تتضمن إيجابيات وسلبيات رحلات التنقل السابقة إلى العمل:

تقول المعالجة النفسية "إميليا ألداو" (Amelia Aldao): "خصِّص 15 دقيقة لتدوين الأمور التي استمتعتَ بها في روتينك الصباحي السابق"، بغضِّ النظر عمَّا إذا كانت مجرد "التنزه مع الكلب في الصباح، أو الاستماع إلى برنامجك الصباحي المفضل في طريقك إلى العمل، أو قضاء الأمسية باختيار ملابس اليوم التالي".

"كن دقيقاً جداً بالتوقيت وتكرار هذه الأمور، ثمَّ قيِّم تلك النشاطات على مقياس من 1 إلى 10 تبعاً للراحة والسعادة اللتين شعرتَ بهما، وبعد ذلك، اختر الأجزاء التي أحببتَها وتخلص من تلك التي لم تستمتع بها".

5. الذهاب إلى "المكتب":

إذا اعتدتَ على بدء العمل الساعة 8:45 صباحاً، فالتزِم بهذا التوقيت في أثناء العمل من المنزل، فقد لا يكون ذلك ممكناً لبعض الناس، مثل: الآباء الذين يقع على عاتقهم الآن تعليم أطفالهم من المنزل، ولكن إن كان بإمكانك ذلك، فالتزِم بروتينك اليومي السابق.

قد يغريك التقاعس عن مهامك والاستلقاء بالسرير كل اليوم، ولكن عليك مقاومته؛ لأنَّ هذه الخطوة تخفف من التوتر وتضمن حفاظك على العادات السليمة، كما ستمنعك من تأجيل المهام إلى آخر لحظة، والأهم من ذلك أنَّها مفيدة لصحتك النفسية والجسدية.

لذا، اتجِه إلى المساحة التي خصصتَها للعمل في المنزل خلال الوقت الذي تعمل فيه في المكتب عادةً، ولازِمها حتى نهاية يوم العمل الطبيعي؛ وإذا لم يكن لديك غرفة مخصصة للمكتب في المنزل وكنتَ تستخدم غرفةً إضافية، أو حوَّلتَ طاولة المطبخ إلى مكتب عمل، أو غير ذلك، فعليك أن تحترم هذه المساحة عبر القيام بالأمور التالية:

  • الحفاظ على ترتيبها ونظافتها.
  • إزالة مشتتات الانتباه مثل: إطفاء الإشعارات في جوالك.
  • تناوُل الطعام في مكان آخر غير مساحة العمل.
  • اختيار منطقة هادئة في المنزل لتعمل فيها، ويُفضَّل ألَّا تكون غرفة النوم.
  • مشاركة جدولك مع الآخرين كي يعرفوا متى يمكِنهم التواصل معك بشأن العمل ومتى ستكون غير متاح.

6. تعلُّم الكلمة الألمانية "نهاية يوم العمل" (Feierabend):

تحمل الكلمة "نهاية يوم العمل" (Feierabend) معنيين، كما يشرح "كريستوف ستينجيل" (Christoph Stengel) الذي يعيش في برلين ويعمل في تطوير البرامج؛ "فالمعنى الأول: هو اللحظة التي تتوقف فيها عن العمل لبقية اليوم، وبالطبع سيغمرك شعور جيد حينها، وأما المعنى الثاني: هو الفترة الفاصلة بين العمل والخلود إلى النوم".

يضيف "نيلز باكهوس" (Nils Backhaus) الذي جعل من الرحلات الوهمية إحدى أولوياته: "عليك أن تستريح بعد العمل مباشرة، ولا يمكِنك مضاعفة ساعات العمل في اليوم التالي؛ حيث يعمل القلق والراحة بالتناوب، ويشكلان معاً إيقاع الجسد".

في النهاية، النقطة التي يتمحور حولها الحديث هي الفصل بين حياة العمل والحياة الشخصية عبر رحلات وهمية، وتتضمن الأمثلة على ذلك: تغيير ملابس العمل، والخروج في نزهة على الدراجة بعد الانتهاء من العمل، كما عليك قضاء وقت مع أحبائك، والمشاركة في أنشطة غير متعلقة بالعمل مثل: المطالعة والطهو.

 

المصدر




مقالات مرتبطة