لماذا تعد النشاطات الممتعة أهم من السعي نحو السعادة؟

السعادة هي أمرٌ نصبو إليه جميعاً، ولا زالت فكرة تعلُّم السعادة بوصفها مهارة تُكتسَب شعبيةً للغاية؛ فالسعي نحو السعادة يعطينا بصيصاً من أمل، بدءاً من جيل كبار السن الذي يستذكر بشوق مُتَع الماضي، وصولاً إلى الشباب اليافع الذي يعاني من الوحدة والقلق والاستنزاف، فمَن منَّا لا يريد الخلاص من هذا الضيق الذي أصاب الجميع في الوقت الذي نخرج فيه ببطء من جائحة كوفيد؟



تزداد الرغبة في عيش حياة أسعد بالرسائل النابعة من حسن النية، التي تحاول إثارة الإيجابية في وقت الأزمة.

ماذا لو كانت استعادة السعادة سهلةً لهذا الحد؟ يقول الكاتب "روبي كوار" (Rupi Kaur): "لقد شاخت السعادة في انتظاري، وهرمتُ وأنا أبحث عنها في أماكن لم توجد فيها قَط".

وقع العديد منا في فخ الظن بأنَّنا سنكون أفضل حالاً إذا سعينا نحو السعادة، إلا أنَّ بحثاً للدكتورة "آيريس موس" (Iris Mauss) وزملائها أظهر أنَّ الانشغال بشأن السعادة أكثر من اللازم يأتي بنتائج عكسية؛ ويؤدي عادةً إلى جعلنا أقل سعادة؛ لذا إن لم نتمكن من جعل أنفسنا سعداء، فما هو العمل؟

جرِّب أن تُعدِّد مخاوفك حيال السعادة بوصفها حلاً بديلاً، وفرِّغ تلك الطاقة باتخاذ إجراءٍ فعلي بناءً على تبنِّي عاداتٍ ممتعة، ووجِّه أفعالك تجاه زيادة المرح في حياتك عن طريق تطوير منهج على طريقتك الخاصة وبسرعة تناسب ما تفضِّله، وهذه ليست وصفة سحرية للسعادة؛ بل خطة تتبعها عن طريق استكشاف اهتماماتك وإعادة تعرُّف التأثير الشخصي الذي أُخِذ منك خلال فترة الجائحة.

جوهر هذا المنهج الحديث، الذي يختصُّ بتبنِّي عادات ممتعة، هو استعمال قدر أقل من "التفكير" والمزيد من "الفعل"؛ إذ تعيد هذه الطريقة صياغة سعيك، وتساعدك على تحديد أولويات الوقت في جدولك للحصول على تجارب ممتعة.

منظور جديد للمرح:

سيتطلب الأمر القليل من الممارسة لإعادة اكتشاف قيمة المرح، ولكن توجد بعض الطرائق الملموسة للوصول إلى هذا الاكتشاف؛ فالخطوة الأولى هي مراقبة وقتك، لكي تصبح أكثر وعياً بكيفية استغلال 168 ساعة في أسبوعك، وباستعمال هذه المعلومات، فكر في الطريقة التي تقضي بها وقتك في استعمال أنموذج "بلاي" (PLAY).

يزوِّدك أنموذج "بلاي" (PLAY) بإطار عملٍ لفرز النشاطات في أسبوعك بناءً على مستوى المتعة التي من المحتمل أن تحصل عليها من المشاركة فيها، ويساعد استعمال أنموذج "بلاي" (PLAY) على زيادة الوعي بالنشاطات المتَّبَعة التي قد تتمكن من تغييرها، فضلاً عن اكتشاف الفرص التي يمكنك من خلالها تنفيذ المزيد من النشاطات الممتعة.

لاستعمال أنموذج "بلاي" (PLAY)، ابدأ بتنظيم الساعات المسجلة في جدول عملك إلى أربع فئات:

  • النشاطات المفرِحة: هي فرص يومية تضفي المزيد من المرح على حياتك، يمكنك إضافتها إلى روتينك بسهولة، وستعرف وحدك ما هي هذه الفرص؛ وذلك من خلال تجربتك الخاصة، ولكنَّها يمكن أن تتضمن: وقتاً تمضيه مع أصدقائك، أو نشاطات اجتماعية أخرى، أو اللعب العفوي مع أطفالك، أو ممارسة هوايات تستمتع بها.
  • نشاطات حياتية: هي ممتعة، لكنَّها غير سهلة مثل السفر، أو تعلُّم مهارة جديدة، أو الخروج من منطقة راحتك بطريقة أو بأخرى، وتغذِّي هذه الأنواع فضولنا وتؤدي عادة إلى لحظات من المفاجآت والذهول.
  • النشاطات المؤلمة: هي نشاطات صعبة الأداء، وتجلب لنا القليل من السرور أو لا تجلبه على الإطلاق، ومن الواجب القول إنَّ الحياة ليست ممتعةً دائماً؛ وبعبارة أخرى، يجب علينا جميعاً أن نقوم بما يسبب لنا التعب أو الألم من حين لآخر، ويندرج تحت هذه النشاطات مهام مثل الواجبات المنزلية، أو التنقل بين المنزل والعمل، أو دفع الضرائب، أو مهام العمل غير المجزية.
  • نشاطات الخضوع: يسهل القيام بهذه النشاطات؛ لذلك نقوم بها دون وعي، ولكن عندما ننظر إليها بعين الناقد، فهذه النشاطات لا تؤتي أُكلها سوى أنَّها تقوم بتمضية الوقت.

والمثال على ذلك هو متابعة وسائل الإعلام عن طريق مشاهدة الأخبار دون وعي، أو ممارسة الألعاب على الهاتف لتمرير الوقت، أو التصفح العشوائي على وسائل التواصل الاجتماعي.

إن أردتَ أن تحظى بالمزيد من المرح، فقيِّم نشاطاتك باستعمال الترتيب المذكور آنفاً، وانظر في أيَّة فئة يقع كل نشاط، وبينما تفعل ذلك، ستأتيك الأفكار حتماً بخصوص أيٍّ من تلك النشاطات تزيد المتعة، وأيٍّ منها التي تهدر وقتك ويمكن التخلص منها أو تحسينها.

على سبيل المثال: يمكنك دائماً الاستماع للأخبار مساءً لأنَّ هذا جزء من روتينك المعتاد، ولكن بعد تقييم هذه العادة، ستدرك أنَّك لا تستمتع حقاً بهذه الفترة من الوقت، وأنَّ الأخبار لها تأثير ضئيل في حياتك، فيمكنك استبدال الوقت المخصص للخروج مع الأصدقاء بالوقت الذي تقضيه في مشاهدة الأخبار، وبدلاً من استهلاك معلومات سلبية، يمكنك الاستماع لآخر الأخبار من الأشخاص الذين تهتم بهم حقاً.

يَحِلُّ هذا النشاط الاجتماعي الإيجابي الجديد - مقابلة الأصدقاء - في فئة "النشاطات المفرحة" محل "نشاط الخضوع" - لمشاهدة الأخبار - ومع مرور الوقت ستزيد الفرص المتاحة لك لتجربة وتوسيع مشاعرك الإيجابية.

إقرأ أيضاً: 5 طرق مثبتة علمياً لتعزيز السعادة على الفور

حل عطلة نهاية الأسبوع:

إذا وجدت نفسك تائهاً بعد تدقيقك الأوَّلي وتحتاج إلى تشجيعٍ لكي تبدأ، فإنَّ حيلة سهلة يمكن أن تفي بالغرض.

استقبل عطلة نهاية الأسبوع القادمة بعقلٍ مستعدٍّ للإجازة؛ إذ إنَّ ما يلزم هو القيام بمحاولة صادقة للوصول إلى "معاملة عطلة نهاية الأسبوع على أنَّها عطلة"، وباستعمال هذا النهج، ستُفاجَأ بالنتائج الإيجابية.

أظهرت الأبحاث التي أجرتها الدكتورة "كاسي هولمز" (Cassie Holmes) وزملاؤها أنَّ الأشخاص الذين ينخرطون في التعامل مع عطلة نهاية الأسبوع على أنَّها إجازة يميلون إلى الاستمتاع بها أكثر، والعيش أكثر في اللحظة الحالية، ويبدؤون أسبوعهم التالي أكثر سعادة بشكلٍ ملحوظ مقارنةً بمجموعة المقارنة.

يُعَدُّ فعل أمور لمجرد التسلية أمراً هاماً، ولكنَّ النشاطات الاجتماعية الإيجابية التي تشعر بالراحة معها؛ مثل تناول وجبة مع أفراد العائلة الذين لم ترهم منذ فترة أو مقابلة صديق للتنزه ضرورية، وبالأخص في الوقت الحالي نظراً للعجز الهائل في التفاعل البشري الذي مررنا به في العام الماضي.

وفي أثناء عملية تنظيم أسبوعك لتضيف المزيد من المتعة، إن استطعت، جد فرصاً ممتعةً لمشاركتها مع الآخرين، الذين يفكرون في جعل هذه النشاطات أولوية في حياتهم.

إقرأ أيضاً: 8 نصائح للاستمتاع في عطلة نهاية الأسبوع

في الختام:

لا يقتصر إمضاء الوقت بفعل أشياء ممتعة على شكلٍ أو مدة محددة؛ لذا خصص وقتاً للتجربة والعثور على ما يناسبك، والهام أن تستمتع بذلك؛ فأن تكون أكثر مرحاً لا يعني إهمال الالتزامات؛ إذ يمكنك فعل أمور روتينية ولكنَّها تفتح آفاقاً للمرح.

تساعد هذه الممارسة على تطوير مشاعرك الإيجابية، وقد تؤدي إلى المزيد من السعادة؛ اجعل عملك أقل التزاماً بهدفٍ محدد، وبدلاً من ذلك أعد التواصل مع ما كان ينتظرك طوال الوقت؛ كالأشياء التي تراها فريدة وممتعة، والنشاطات والأشخاص الذين تستمتع معهم، وبهذه الطريقة، يمكنك أن تجد أنَّك لم تكن بحاجة إلى "الوصول" إلى السعادة؛ إذ إنَّها كانت في الواقع بداخلك طوال الوقت.

المصدر




مقالات مرتبطة