لماذا تعد السعادة أسلوب حياة وليست هدفاً بحد ذاته؟

يفكِّر معظم الناس بالطريقة الآتية عندما يتعلق الأمر بالسعادة، منهم من يربط السعادة بالحصول على دخل مرتفع، ومنهم من يربطها بالزواج، وبعضهم الآخر بتغيير مكان سكنه أو الحصول على حياة مليئة بالعلاقات الاجتماعية الرائعة.يفكِّر معظم الناس بالطريقة الآتية عندما يتعلق الأمر بالسعادة، منهم من يربط السعادة بالحصول على دخل مرتفع، ومنهم من يربطها بالزواج، وبعضهم الآخر بتغيير مكان سكنه أو الحصول على حياة مليئة بالعلاقات الاجتماعية الرائعة.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب ديريوس فوروكس (Darius Foroux)، ويتحدَّث فيه عن أهمية تغيير مفهومنا عن السعادة من أجل عيش حياة سعيدة حقاً.

الحقيقة هي أنَّني أنا أيضاً فكرت فيما مضى بهذه الطريقة، وهذا المفهوم عن السعادة يُسمى السعادة المشروطة، وهي نمط من التفكير يلجأ إليه البشر جميعُهم.

لتحدِّد ما إذا كان مفهومك عن السعادة هو السعادة المشروطة، يكفي أن تراقب نفسك وأنت تستخدم كلمات "إذا" أو "عندما"؛ بمعنى سأكون سعيداً إذا حققت كذا، أو سأكون سعيداً عندما أحصل على كذا، وغير ذلك من الصيغ الشرطية التي تجعل الحصول على النتيجة معتمداً كلياً على معطيات أولية، لكن هل فكرت مسبقاً بأن تكون النتيجة عاملاً مستقلاً عن المُعطى؟ ماذا لو أنَّ السعادة ليست حالة مشروطة؟

ينطبق هذا الشرح بصورة أشمل على أيِّ جانب روحي في الحياة، ليس فقط السعادة؛ بل أيضاً في سعي الإنسان لإيجاد معنى الحياة، والرضى الراحة النفسية والسلام الداخلي، وامتلاك هدف يعيش لأجله، وغير ذلك من المصطلحات التي يستخدمها الناس في عصرنا الحالي لتوضيح أنَّهم يسعون إلى السعادة.

السعادة ليست خارطة طريق:

تعتقد المجتمعات المُعاصرة أنَّ السعادة عبارة عن نتيجة؛ أي شيء يمكنك تحقيقه، وهذا ما نراه بكثرة في مواقع التواصل الاجتماعي، فينشر الناشطون صوراً تتحدث عن الحرية والسعادة وتحقيق الثروة، ويشيرون إليها بكلمة "أهداف".

نجد أهدافاً تتعلق بالحصول على مظهر جسماني رائع، وأهدافاً لها علاقة بتحقيق نمط معين من الحياة، وهكذا دواليك، صحيح أنَّني أؤيد فكرة الأهداف، إلا أنَّني أتجنب على الصعيد الشخصي وضع أهداف ترتبط بالنتائج، فعلى سبيل المثال، على صعيد الصحة أسعى إلى رفع الأثقال ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع، والمشي لمدة 30 دقيقة على الأقل يومياً، وليس لديَّ رغبة في أن أنافس أحداً في اللياقة أو أتفوق على أحد بمظهري الجسدي، والسبب ببساطة أنَّه لا يمكنني التحكم بالنتيجة، لكن يمكنني التحكم بالإجراءات.

شاهد: 10 طرائق مثبتة علمياً تمنحك سعادة دائمة

المشكلة في السعي وراء السعادة وغيرها من النتائج هي أنَّها تؤدي إلى صراع داخلي لدى الإنسان؛ لأنَّك عندما تحصل على ما لا تريده فإنَّك لن تكون سعيداً، والنتيجة نفسها إذا لم تحصل على ما تريده.

لقد عانت المجتمعات القديمة والمُعاصرة هذه المشكلة على حدٍّ سواء، والحل بسيط وهو تجنُّب الانسياق إلى الرغبات وتجنُّب الخوف من الهواجس، لكن مثل المفاهيم الفلسفية، يبدو هذا المفهوم بسيطاً، ومن الصعب تطبيقه عملياً في الحياة اليومية؛ فهو يتطلب تدريباً مستمراً لتعيش حياتك دون رغبات أو هواجس، بالطبع لا مشكلة بالرغبات بحد ذاتها؛ بل هي إيجابية طالما أنَّها تحفزنا لتحسين حياتنا، لكن ماذا لو كانت حياتك في الواقع جيدة، ولا تحتاج إلى تحسين؟

عندما تصبح السعادة أسلوب حياة:

لطالما امتلكت دافعاً لجعل حياتي أفضل، لكن في مرحلة ما وبعد قراءة مئات الكتب الفلسفية وتطبيقها فقد أدركت أنَّ السعادة ليست هي الهدف، فكم مرة قلت لنفسك أو فكرت في أنَّك تريد أن تكون سعيداً؟ لكن إليك حقيقة بسيطة وعميقة في آنٍ معاً، السعادة ليست هدفاً؛ بل هي أسلوب لعيش الحياة.

قرأت ذات مرة أنَّه ليس هناك طريق يوصلك إلى السعادة؛ فالسعادة هي الطريق، وأُصبت بالذهول عندما قرأت ذلك لأول مرة، وفهمت أنَّنا كنا نفكِّر في السعادة بطريقة خاطئة، وليس ذلك مُفاجئاً إذا ما علمنا أنَّ حياتنا تتأثر تأثيراً هائلاً بثقافة الترويج التي نعيشها في مجتمعاتنا اليوم؛ فكلُّ شخص يقترح عليك منتجه أو خدمته، ويؤكِّد لك أنَّك ستصبح أفضل بكثير إذا استخدمته؛ لذلك في المرة القادمة التي تفكِّر فيها بالسعادة على أنَّها حالة مشروطة بتحقيق شيء ما، تذكَّر أنَّ ما من طريق يجعلك تصل إلى السعادة؛ بل إنَّ السعادة هي طريقة لعيش الحياة.

إذا لم تذكِّر نفسك بهذه الفكرة، فإنَّك تخاطر بالعودة إلى نمط الحياة المعتاد؛ لأنَّه وبصراحة يُعدُّ السعي وراء السعادة هو المعيار، هكذا يعيش معظم الناس حياتهم، ربما يكون ذلك بسبب طبيعتنا بوصفنا بشراً، أو ربما بسبب ثقافة الترويج والإعلان المنتشرة على نطاق واسع؛ لكنَّ النتيجة نفسها، سعي حثيث ومرهق نحو تحقيق السعادة.

ما يهم هو أن تدرك أنَّ السعادة تكمن في الطريقة التي تفعل بها أيَّ شيء في الحياة، وقد يبدو هذا غير مألوف، وبالنسبة إلي فقد استغرق الأمر بعض الوقت لأطبِّق هذا المفهوم وإلى الآن أغفل عن هذا المفهوم أحياناً، وأفكِّر بالطريقة المُعتادة، وعندما أعود إلى هذا النمط من التفكير، أجد نفسي أسعى وراء رغباتي مجدداً، وسرعان ما أشعر بالإحباط.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات سهلة للحصول على السعادة الأبدية

أحتاج إلى تذكير نفسي بأنَّني لست في سباق مع الزمن، وأنَّني لا أحتاج إلى أيِّ شيء، وكلُّ شيء في الحياة هو بمنزلة مكافأة، وليس ضرورة للعيش، وبهذه العقلية ستتمكن من القيام بأفضل أداء في العمل، وتشعر بالرضى عن نفسك، وعندها لن تصبح متطلباً.

كنت أعتقد أنَّ أسلوب الحياة هذا يحوِّلك إلى شخص كسول لا تحتاج ولا تفعل أيَّ شيء، في الواقع يخطئ من يعتقد أنَّ هذه العقلية متناقضة مع الطموح، لكنَّ هذا الطموح سيكون نابعاً عن قناعة، وليس عن رغبة في التفوق أو إثبات أيِّ شيء للآخرين، سيصبح الأمر عائداً لمحض إرادتك لتقرير ما إذا كنت ترغب في شيء ما حقاً أو لا.

إقرأ أيضاً: كيف تحصل على السعادة في حياتك؟

في الختام:

عندما تقرر تحقيق شيء ما في الحياة فإنَّ سعيك سينبع من شخصية هادئة وواثقة، وعندما تمشي أو تأكل أو تتحدث أو تعمل أو تستريح، فأنت تفعل ذلك بسعادة، وأنت تعلم أنَّك لم تَعُد في عجلة من أمرك للوصول إلى مكان ما؛ لأنَّك سعيد حقاً.

إذاً توقف عن السعي وراء السعادة؛ لأنَّك تمتلكها فعلاً، واسعَ وراء شيء آخر تريده حقاً، الآن أصبحت السعادة أسلوباً لعيش الحياة بطريقة حكيمة.




مقالات مرتبطة