لماذا تحتاج إلى الحكمة، وكيف تكون أكثر حكمة؟

يشير اعتقاد شائع إلى أنَّنا نكتسب الحكمة من تجارب الحياة، ومع كل الظروف التي واجهناها العام الماضي، يجب أن نكون جميعاً حكماء وعلماء وأذكياء للغاية، ولكنَّ للحكمة عمق ينبغي فهمه، لتتمكَّن من تطويره، وقد يكون الأهم من ذلك، أنَّنا نستطيع توظيفها خير توظيف في عملنا وحياتنا، مثل اتخاذ القرارات والاستمرار في النجاح وتعزيز العلاقات.



لا تقتصر الحكمة على كبار السن فحسب؛ وإنَّما يوجد رأي سائد يؤكد بأنَّه يمكن لأي شخص أن يكون حكيماً وفقاً لصفاته ومهاراته، ولا يتعلَّق الأمر بالضرورة بسنوات خبرته فحسب؛ فمن المعتاد أن يكون الحكماء أكبر سناً، لكن لا يعدُّ هذا شرطاً أساسياً.

بالإضافة إلى ذلك، تميل الحكمة إلى الارتباط بالوحدة قليلاً، وترتبط أيضاً بتركيبتنا البيولوجية، ففي دراسة جديدة رائعة أجرتها جامعة سان دييغو في كاليفورنيا (University of California, San Diego)، وجد الباحثون أنَّ ميكروبيوم الأمعاء الصحي (مجموع الميكروبات المتعايشة مع الإنسان أو أي من الأحياء الأخرى وتعيش على جسدها أو في داخل أمعائها) كان مرتبطاً بمستويات أعلى من الحكمة والتعاطف والمشاركة.

والحكمة هي أكثر من مجرد معرفة، فهي تطبيق المعرفة والتميز الذي يأتي من وجهات النظر، ويؤكد هذا الأمر القول التالي: "تساعدنا المعرفة على إدراك ما نقوله، أما الحكمة فتساعدنا على معرفة متى نقول ذلك"، وتُعدُّ المعرفة أمراً ضرورياً للحكمة؛ حيث يجب أن يكون لديك أساس تبني عليه، ولكن من الممكن أن تمتلك معرفةً؛ أي ذكاءً ناتجاً عن قراءة الكتب أو الوعي بأمر ما دون امتلاك الحكمة اللازمة لمعرفة طريقة استخدام ذلك.

لماذا تحتاج إلى الحكمة؟

يوجد الكثير من الأسباب التي تجعلك تحتاج إلى الحكمة، وأولها هي السعادة والوفاء، فعندما تتخذ قرارات حكيمة، فإنَّك تراعي احتياجاتك المُلحَّة، إلى جانب وجهات النظر طويلة الأمد، وهذا هو الحل لاتخاذ الخيارات التي تحقق لك السعادة، بالإضافة إلى ذلك، تتيح لك الحكمة تقديم مساهمات أفضل لمجتمعك من خلال تحقيق التوازن بين احتياجاتك وحدودك مع احتياجات وحدود الآخرين.

كما يمهِّد الأشخاص الحكماء الطريق نحو تحقيق أكبر قدر من الوفاء والالتزام في عملهم؛ وذلك لأنَّهم يستطيعون تمييز أفضل طريقة للتعامل مع كل أمر، بدءاً من العلاقات مع الزملاء إلى إصدار أحكام بشأن زبائنهم، وتعدُّ كلها أموراً هامةً لتحقيق الفاعلية في العمل.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتزيد آفاق المعرفة لديك

تطوير الحكمة:

تسهِّل الأبحاث السابقة في جامعة سان دييغو إدراك وبناء وتطوير الحكمة؛ حيث يوجد 5 عناصر رئيسة لذلك، وهي:

  1. التفكير في الآخرين: أحد العناصر الرئيسة للحكمة هو الشعور بالتعاطف تجاه الآخرين؛ فهي تعني الإيثار والقدرة على التعاون، وهذا الكلام منطقي للغاية، فعند اتخاذ القرارات وتحديد مسار العمل، يفكر الشخص الحكيم في طريقة تأثير أفعاله في الأشخاص من حوله؛ ونظراً لأنَّ لا أحد منَّا يعيش وحده، فإنَّ القدرة على التفكير في المجتمع والعلاقات من حولك تُعدُّ أمراً هاماً، وبالإضافة إلى ذلك، تتعلَّق الحكمة دائماً باتخاذ قرارات مناسبة وفهْم كيف سيؤثر أي خيار فينا وفي الآخرين من حولنا.
  2. إدارة نفسك: يتمثَّل عنصر آخر للحكمة في القدرة على تنظيم عواطفك، فعندما تسعى إلى تطوير حكمتك، يجب أن تكون على دراية بنفسك وتفكِّر بفاعلية في حالتك الذهنية وآرائك ومواقفك، ثم يجب أن تكون قادراً على اتخاذ قرارات بشأن الأمور التي تشاركها، وكيف تتحكَّم بعواطفك بطريقة مناسبة، وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الحكماء صادقون؛ ففي عالمنا المليء بالتزييف، حيث نحاول الظهور بأفضل حال من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يتصرَّف الأشخاص الصادقون بحكمة في كل علاقاتهم.
  3. السعي إلى التنوع: يشير الأشخاص الذين يبحثون عن الحكمة إلى أنَّها ترتبط باتخاذ قيم متنوِّعة، ولكن قد تعني أكثر من ذلك؛ حيث تتطلَّب الحكمة التعلُّم المستمر، وهذا الأمر لا يأتي إلا من الانفتاح الحقيقي على وجهات النظر المختلفة والإيمان بأنَّنا لا نمتلك جميع الإجابات.
    كما يتمتع الحكماء بالتواضع والإدراك بأنَّ وجهات نظرهم ليست الوحيدة، وتقدير مدى عدم معرفتهم؛ حيث يقول المؤلِّف رالف سوكمان (Ralph Sockman): "كلما زادت المعرفة، ازدادت معها الأفكار الجديدة"، وتتطلَّب الحكمة طرح الأسئلة والإنصات لزيادة الفهْم وتقدير كل ما هو مجهول.
  4. تقبُّل عدم اليقين: يتمثَّل عنصر آخر من الحكمة في القدرة على التعامل بفاعلية مع الغموض؛ إذ يفضِّل البشر الوضوح واليقين، لهذا السبب فإنَّ مرحلة النضوج المرتبطة بالحكمة تسمح لنا بالعمل من خلال هذا الميل الطبيعي وإيجاد طرائق لإصدار الأحكام، واتخاذ الإجراءات، وأن نكون بنَّائين حتى إذا لم يتوفر الكثير من الوضوح؛ إنَّ الأمر مشابه للخبرة المرنة؛ حيث تسمح الخطوات الصغيرة والتحسينات التدريجية بمواصلة الرحلة عبر إحراز تقدُّم ثابت على الرغم من الغموض.
  5. إلقاء نظرة بعيدة: تُبنَى الحكمة من خلال القدرة على وضع مكاسب قصيرة الأمد إلى جانب اتخاذ قرارات تخدمك على الأمد الطويل؛ حيث يمكنك الاستثمار في نفسك من خلال التعلُّم الإضافي لتطوير حياتك المهنية أو الشخصية.

الخلاصة:

في الوقت الذي تكون فيه الحكمة أحياناً من اختصاص كبار السن في مجتمعنا، فمن المفيد أيضاً استخدامها في عملنا، بغض النظر عن أعمارنا، سواءً كنت تسعى إلى اتِّخاذ خيارات أفضل في العمل أم لمجتمعك، فإنَّ القليل من الحكمة يمكن أن يساعدك كثيراً.

المصدر




مقالات مرتبطة