لماذا تبدو السلبية حقيقية ومفيدة؟

التخطيط السلبي هو نمط من التفكير والشعور ينشأ في الطفولة المبكرة إلى المتوسطة؛ إذ تعتقد أنَّك ستفشل إذا حاولت وأنَّ العالم لن يبتسم لك، لذلك فمن الأفضل ألا تحاول وألا تبذل أيَّ جهد، بينما قد تعتقد أنَّ الامتناع عن المحاولة يقيك من خيبة الأمل والرفض، ولكنَّه في حقيقة الأمر يقلل من فرصة إجراء تحسينات واقعية في حياتك.



ما هي فوائد السلبية؟ ولماذا تبدو حقيقية؟

التفكير السلبي أو الاعتقاد بأنَّ النتائج من المحتمل أن تكون سيئة أو غير مناسبة ينبع من السايكولوجيا التطورية الموجودة في أدمغتنا منذ زمن بعيد، وقد يبدأ هذا التفكير لدينا في وقت مبكر من الطفولة؛ إذ إنَّ التحيز السلبي أو المعلومات السلبية تعلِّم الإنسان كيفية التكيف من أجل البقاء، لذلك نحن نميل بشكل طبيعي أو فطري إلى إعطاء الأولوية للسلبيات عوضاً عن الإيجابيات.

قد يفسر بعض الباحثين وخبراء علم النفس التطوري أنَّ التفكير السلبي يبدو وكأنَّه نوع من المعرفة ويصبح اعتقاداً راسخاً؛ إذ يمكن أن تشعر بالأفكار السلبية بأنَّها صحيحة ومنطقية وعقلانية أكثر، وترى ذلك على أنَّه حقيقة واضحة لا لبس فيها، مثل حقيقة أنَّك تقرأ هذه الكلمات الآن.

الحقيقة هي أنَّ العالم مكان صعب ولا ينحني لإرادتنا؛ لذا فإنَّ عملية النمو والتطور والبقاء تدور بشكل طبيعي حول التكيف مع الصعوبات والتعامل معها، وبهذا المعنى فإنَّ التحيز السلبي يتعلق بالواقعية والتكيف من أجل الوصول إلى أهدافنا.

أين تكمن المشكلة الكبرى في طريقة التفكير السلبية؟

المشكلة هي عندما يتحول التحيز السلبي إلى مخطط سلبي أو طريقة تفكير أو حتى أسلوب حياة كامل، والتفكير السلبي هو التركيز المفرط على الأمور السلبية لدرجة أنَّ نظرتك لما هو ممكن لا تعود دقيقة ولن تقودك إلى أهدافك، ويؤدي الإفراط في السلبية إلى شلل في العمل، وعندما يكون العمل محدوداً أو ضعيفاً يصبح إجراء التغيير الإيجابي أكثر صعوبة، وهذا يعزز النظرة السلبية ويغذيها.

قد يأتي التفكير السلبي من تجربة حرمان حقيقية وإهمال ومشقة عاطفية مررنا فيها في مرحلة ما من حياتنا وخاصةً مرحلة الطفولة، لذلك ربما كان هناك وقت كانت فيه السلبية في الواقع وسيلة مفيدة للتكيف، لكن تأتي المشكلة عندما نصبح أشخاصاً بالغين ومسؤولين عن أهدافنا ولنا حياتنا الخاصة، وستعوقنا النظرة السلبية عن متابعة حياتنا بشكل طبيعي.

إقرأ أيضاً: التفكير السلبي ضرورة!

ما هي أهم العلامات التي تدل على أنَّ طريقة تفكيرك سلبية؟

  1. أنت "تحاول فقط أن تكون واقعياً" بشأن حدودك وطاقاتك، وتقول إنَّك لست على استعداد للقيام بشيء ما.
  2. أنت تعتقد أنَّ العالم لا توجد فيه خيارات جيدة، ومن الأفضل أن تتقبل هذا الأمر بوصفه حقيقة مطلقة لا يمكن تغييرها.
  3. أنت تعتقد أنَّ مواجهة تحدٍ جديد سيكشف عن عيوبك وسيكون إذلالاً مؤلماً لك.
  4. تعتقد أنَّه من الأفضل "عدم رفع آمالك" أو تخييب أمل الآخرين بعدم وجود أي جدوى من المحاولة.
  5. أنت تعتقد أنَّ الفشل هو أمر غير مقبول وليس جزءاً من عملية النمو والتطور.
  6. تعتقد أنَّ المحاولة والفشل سيؤديان إلى الرفض وإلحاق الضرر بالعلاقات.
  7. تعتقد أنَّك لا تملك "دليلاً" على أنَّ بذل الجهد يؤدي إلى نتائج إيجابية.

ما هي جذور طريقة التفكير السلبية؟

تؤدي تجارب الطفولة المبكرة المليئة بالمشقة العاطفية أو الإهمال إلى ترك الطفل يفترض بشكل بديهي أو غريزي أنَّ الجهد الشخصي لن يؤدي إلى المديح أو الإحساس بالمشاعر الجيدة أو الوصول إلى نتائج إيجابية؛ لذا فإنَّه يلجأ إلى السلبية لتحميه من الأذى النفسي الذي تسببه مشاعر الإحباط أو الرفض، وينتج عدد من الأمراض أو الاضطرابات النفسية والعقلية عن الحرمان من المودة في نظام الأسرة.

السلبية تنتقل كالعدوى بين الأجيال:

في الواقع يمكن أن يمتد التفكير السلبي عبر أجيال في الأسرة، فعندما يواجه جيل واحد مشقة عميقة مثل العيش في ضائقة اقتصادية أو تجربة هجرة وحشية أو التعامل مع عنف جسدي أو نفسي طويل الأمد وعميق، يكبر على الاعتقاد بأنَّ الحياة صعبة وأنَّ الجهد والسعي في الحياة لن يؤديا إلى نتائج جيدة، وهو ما يتم نقله إلى أفراد الأسرة الأصغر سناً على أنَّه "واقعي" أو منطقي أو حتى بديهي.

يتعلمون أيضاً أنَّ إظهار العاطفة هو نوع من الحماقة أو علامة على الضعف أو نقص الرجولة، ويمكن أن يؤدي التاريخ العائلي الذي عانى أفراده الصدمة والإهمال والإدمان إلى اعتقاد قوي بأنَّنا لا نستطيع توقع المودة أو المحبة أو من أفراد الأسرة أو من أي طرف آخر، وهذا يؤدي إلى نمو نمط تفكير سلبي.

ما هي أهم الطرائق لتغيير طريقة تفكيرك؟

1. فهم الماضي:

اكتب سرداً لأحداث طفولتك بصيغة الغائب واسأل نفسك ما الذي يستطيع أن يفعله هذا الطفل للتخلص من السلبية عندما يكبر؟ وهل مرَّ بفترة من المشقة والإهمال العاطفي أم هناك ما هو أسوأ خلال هذه الفترة؟ وهل من المنطقي أن تجعله سلبياً؟ والآن بعد أن أصبحت بالغاً ليس عليك أن تظل عالقاً في نظرتك السلبية؛ بل يمكنك مساعدة نفسك بطرائق لا يستطيع الأطفال القيام بها.

شاهد بالفيديو: 10 نصائح مهمة لتعيش بإيجابيّة في جميع الأوقات

2. تحليل التكلفة والعائد:

يقدم العلاج السلوكي المعرفي أداة بسيطة ولكنَّها فعالة تسمى "تحليل التكلفة والعائد"، فارسم مخططاً بسيطاً من أربعة أعمدة، مع العنوان الأول "التفكير السلبي"، والثاني "تكاليف الحصول على هذه الفكرة"، والثالث "فوائد الحصول على هذه الفكرة"، والرابع "النتيجة المحتملة لاتباع الفكرة"؛ إذ سيساعدك هذا على معرفة ما إذا كان من المنطقي المتابعة في النظرة السلبية أو تغييرها.

3. تقبُّل الفشل:

تقبل أنَّ الفشل هو خطوة ضرورية نحو النجاح، فالكتَّاب والفنانون يفهمون أنَّ جهودهم الأولى في مشروع جديد قد تفشل أو لا تكون على قدر التطلعات، ولكنَّهم يستطيعون بناء منتج نهائي يفخرون به من هذه "الإخفاقات"، والمفتاح هو تقبُّل الجهود الأولية، فإنَّها ليست "سيئة"؛ بل إنَّها مثل ضربات الفأس الأولى على قطعة الحطب، صحيح أنَّها لا تقطع لكن دونها لن يكون هناك تقطيع للحطب.

4. تعلُّم كيفية التعامل مع المشاعر السلبية:

تعلم كيفية التعامل مع مشاعر الرفض وخيبة الأمل، كما هو الحال في الفشل، فإنَّ الرفض وخيبة الأمل هما مشاعر تنتمي إلى عملية التطور والنمو والازدهار، ويجب أن نختبر هذه المشاعر في أثناء الحياة التي نعيشها بكل ما فيها من جيد وسيئ، بدلاً من تجنبها تماماً أو عَدِّها غير مقبولة، وعندما تصبح هذه المشاعر الخاصة صعبة للغاية أو منغصة لحياتك، قد تساعد استشارة المعالج النفسي.

للتخلص من النظرة السلبية، ما هو رأيك في تجربة الرواقية؟

يقول الباحث "تيم ليبون": "أنا معالج نفسي ومدير أبحاث الرواقية الحديثة، وهي منظمة غير ربحية أحد أهدافها هو اختبار ما إذا كانت الرواقية تعطي نتائج فعلية أم لا، ففي كل عام ومنذ عام 2012م ندير أسبوع الرواقية الدولي، وهي فرصة للناس لتجربة الرواقية ومعرفة ما إذا كانت مفيدة لهم؛ إذ يُطلب من المشاركين إكمال مجموعة من استبيانات الرفاهية في بداية ونهاية الأسبوع لتحديد تأثيرها".

يضيف "تيم ليبون": "كدت أسقط من على كرسي عندما بدأت بتحليل النتائج من الأسبوع الأول، فكان معظم المشاركين إيجابيين للغاية في ملاحظاتهم، والأكثر لفتاً للنظر هو أنَّ استطلاعات الرفاهية أشارت إلى تحسن كبير سواء نظرنا إلى الرفاهية من حيث الرضى عن الحياة أم الازدهار أم زيادة المشاعر الإيجابية أم انخفاض المشاعر السلبية.

تم تكرار الحصول على هذه النتائج باستمرار في كل أسبوع رواقي نقيمه، وفي عام 2021م أكمل أكثر من 1200 شخص نشاط الأسبوع وسجلوا - في المتوسط - زيادة بنسبة 13% في المشاعر الإيجابية، إضافة إلى انخفاض بنسبة 21% في المشاعر السلبية، كما يمكن أن تساعد الرواقية في أوقات الأزمات، لكن على سبيل المثال لا الحصر".

إقرأ أيضاً: لماذا لا تعد المشاعر السلبية سيئة للغاية؟ وكيف تتعامل معها؟

ما هو رأيك في أن تكون رواقياً متحمساً؟

كانت إحدى النتائج البارزة في دراسة أجريناها سنة 2017م عندما اكتشفنا أنَّ السمة الشخصية الأكثر ارتباطاً بالرواقية هي الحماسة، وهذا يعني الطاقة والتطلع إلى تحديات الحياة، فأن تكون رواقياً لا يعني أن تجلس على شرفة قصرك العاجي تراقب غروب الشمس وتضع على طاولتك أشهى وأفخر أنواع الأطعمة والمشروبات، وعلى النقيض من ذلك تدفعك الرواقية إلى الانخراط في الحياة والعمل والمعرفة وطلب العلم، فالراحة لا قيمة لها إلا بعد العمل الشاق والدؤوب، فدون عمل لا يوجد أي معنى للحياة.

في الختام:

إذا كنت قد عشت معظم حياتك مع الأفكار السلبية، فقد تعاني من الاكتئاب والقلق، إضافة إلى الاضطرابات النفسية الأخرى؛ لذا يتطلب الأمر شجاعة وجرأة لمواجهة طريقتك في مواجهة الصعوبات والمخاطر التي يمتلئ بها هذا العالم، وقد تبدو المخاطر كبيرة، لكن إذا كنت تعيش مع نظرة سلبية، فما الذي ستخسره؟ وما عليك أن تكتسبه هو علاقة جديدة تكون فيها أكثر تعاطفاً مع نفسك في المستقبل التي ستحقق نتائج أفضل بشكل واقعي.




مقالات مرتبطة