لماذا استغرقت 15 سنة لتحقيق أحلامي؟

تقول الحكمة: "تبلغ هدفك حينما تحقق كل أحلامك قبل أن تموت ولا يعود في جعبتك إلا الذكريات".

راودني حلم قبل سنوات خلت عندما كنت أدرس في الجامعة، فلم أكن آنذاك أهتم البتة في دراستي المتعلقة بالعلوم السياسية؛ لكنَّني كنت مولعاً بالتنويم المغناطيسي والتنمية الشخصية، وراودني هذا الحلم عندما كنت في حيرةٍ من أمري حيال مستقبلي ولا رغبة لي باتباع مسار مهني تقليدي، كنت أتحدث إلى جمهور من الناس وألهمهم بكلماتي.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن الكاتب "جو بارنز" (Joe Barnes)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته الشخصية في تحقيق حلمه الذي استغرق 15 عاماً.

عقب ذلك مضى 15 عاماً قبل أن أصبح قائداً في مجال التنمية الشخصية، وكانت سنوات حافلة بالتغييرات والتقلبات والصدمات والمفاجآت أصبحت خلالها كوتش كرة مضرب، ثمَّ اتجهت نحو احتراف العلاج بالتنويم المغناطيسي، وكنت في أثناء ذلك أواجه أزمات صحية كالأرق، ومتلازمة القولون العصبي، وألم مزمن في الكتف، فضلاً عن مشاعر الوحدة حتى استطعت في نهاية المطاف أن أنشر كتابي وأصبح مؤلفاً ومتحدثاً.

قد يحسب بعضهم أنَّ تحقيق حلمي استغرق وقتاً وجهداً أكثر من اللازم، وأنَّه كان علي أن أتَّبع طريقاً أسهل وأن أكون أذكى من ذلك، قد يكون هذا الاعتقاد في محله، وسأشارك في هذا المقال منهجية لتحقيق الأحلام بصرف النظر عن قدرات الفرد وطبيعة أحلامه.

ثمَّة عملية مؤلفة من ثلاث مراحل تضمن تحقيق الأهداف في الحياة، وينبغي أن تفهمها حتى لا تتعجب من طول مدتها وتتثبَّط عزيمتك نتيجةً لذلك.

أسلوب رحلة البطل:

أسلوب رحلة البطل هو العملية المؤلفة من ثلاث مراحل المذكورة آنفاً، وقد طوَّر الكاتب الأمريكي "جوزيف كامبل" (Joseph Campbell) هذه النظرية في أثناء دراسته الأساطير القديمة عندما اكتشف أنَّ ثمة مراحل أساسية يجب أن يخوضها الفرد حتى يحقق هدفه.

يبلغ عدد المراحل في الأساس 21 مرحلة؛ لكنَّني سألخِّصها في 3 عنوانات رئيسة وأستشهد بتجربتي الشخصية لتوضيح آلية تطبيقها، وبوسع كل فرد منا أن يحرز النجاح في الحياة ويكون "بطلاً محتملاً"، ويؤدي رسالته وغرضه الوجودي على أكمل وجه.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتحفيز قدرتك على تحقيق أهدافك

المرحلة الأولى: الانطلاق: من شهر شباط (فبراير) 2002 حتى شهر أيلول (سبتمبر) 2003:

تتحدد مرحلة الانطلاق بمباشرة السعي صوب الهدف المنشود، وما يرافقه من مشاعر ارتباك وحيرة وخوف من النتائج.

يكون لدى البطل في مرحلة الانطلاق "رسالة" (قد تكون هذه الرسالة فكرة لتأسيس عمل تجاري، أو هدف يرغب في تحقيقه)، وهنا تبدأ الحيرة بين حماسته لتحقيق الحلم من جهة وخوفه من خسارة الاستقرار والراحة في حياته الحالية من جهة أخرى.

واجهتُ شخصياً هذه الحيرة في شهر شباط (فبراير) عام 2002 عندما راودني ذاك الحلم آنف الذكر؛ وذلك لأنَّني رغبت بشدة في أن أسعى في سبيله؛ لكنَّنه بدا مستحيلاً آنذاك؛ وبالنتيجة قضيت وقتاً طويلاً في دراسة خياراتي لعلِّي أتخلص من حيرتي وأتوصل إلى قرار مناسب. 

تفيد نظرية رحلة البطل بأنَّك ستواجه في مرحلة الانطلاق "حارس العتبة"؛ وهو تعبير مجازي عن مشكلة أو عائق يحول دون تقدمك في مسعاك، ويقابل "حارس العتبة" في أيامنا هذه العائلة، أو الزملاء، أو الأصدقاء المحبطين أو الرافضين لفكرتك، أو مدير المصرف الذي يرفض منحك القرض، أو المتحاذق الذي يخبرك أنَّ تحقيق هدفك سيستنزف وقتك وجهودك أو أنَّه لن يتحقق على الإطلاق، ويستهدف هؤلاء الأشخاص بكلامهم أعظم مخاوف الفرد المتمثلة بالإفلاس والوحدة.

لا يعد تجاوز "حارس العتبة" أمراً هيناً، وبالنسبة إلى تجربتي الشخصية استغرقت سنة ونصف لاتخاذ قرار "الانطلاق" والتغلب على الشكوك التي أثارها بعض الأشخاص من حولي.

ساورتني بعض الشكوك بأنَّني لن أتمكن من نشر كتاب في حياتي، والأسوأ من ذلك أنَّني أخذت بكلام الآخرين واقتنعت بأنَّني ما زلت يافعاً ولا أمتلك الخبرة الحياتية اللازمة لتأليف كتاب ناجح، وبقيَت مخاوفي من الفشل لفترة طويلة أقوى من فضولي وحماستي ورغبتي في تحقيق رسالتي الوجودية في الحياة.

في النهاية قررت اتباع شغفي، وعارضتُ رغبة عائلتي في امتهان المحاماة، أو خوض عالم الأعمال، وخضعت للتدريب اللازم، ثمَّ أصبحت كوتش كرة مضرب (وهي الخطوة الأولى في سعيي وراء حلمي الأسمى في أن أؤلف كتاباً وأصبح قائد تنمية شخصية).

إقرأ أيضاً: 7 خطوات مهمة يجب ان تتقيّد بها لتصل إلى هدفك المنشود

المرحلة الثانية: البدء: من شهر أيلول (سبتمبر) 2003 حتى شهر شباط (فبراير) 2012:

تُعَبِّر هذه المرحلة عن المحن التي ستواجهها في أثناء سعيك إلى تحقيق هدفك، وتأتي هذه المحن على ثلاث مستويات: جسدية، وعقلية، وروحية، وتتغير نظرتك إلى الحياة بمجرد تجاوز هذه المرحلة، وقد انطوت مرحلة البدء الخاصة بي على محورين أساسيين؛ فقد وجب عليَّ من جهة أن أتعلم مجموعة من المهارات الاحترافية (تدريب كرة المضرب، والتنويم المغناطيسي، والكتابة المتميزة، وبناء العلاقات، والتعامل مع الفشل)، ومن جهة أخرى كنت أعمل على معالجة مشكلاتي الشخصية.

خاض أبطال أفلام "حرب النجوم" (Star Wars)، و"ذا ماتريكس" (The Matrix) التجربة نفسها؛ إذ أخضعهم المنتورز لسلسلة من التجارب بغرض تغيير مفهوم الواقع بالنسبة إليهم، ومن خلال ترويض القوى وتحرير مكنونات العقل تمكنوا من تعزيز إمكاناتهم والإيمان بقدراتهم على تحقيق أيَّة غاية.

ستُمتَحَن في مرحلة البدء في العديد من الأصعدة، وستحتاج إلى التحلي بالانضباط وبذل مزيد من المجهود، واكتساب المهارات القيادية لإقناع الآخرين بأفكارك، والبأس للتغلب على الشدائد، بالتأكيد لن تكون مرحلة البدء بسيطة، وعليك قبول هذه الحقيقة، وأن تضع في حسبانك أنَّ تقدمك في الحياة مرتبط بتجاوز هذه المحن وصقل قوتك الشخصية.

استغرقت بدايتي وقتاً أطول ممَّا تمنيت أو توقعت (ثماني سنوات ونصف). حدث هذا بسبب إصراري على إيجاد طرائق سهلة لتجاوز مشكلاتي، وعدم قبولي لأهمية العمل الجاد، فقررت ألَّا أعمل ما لم أشعر بالإلهام. 

بعد مضي وقت طويل قبلت حقيقة صعوبة البدايات، واتخذت قراري بأن أكتب لمدة ساعة كاملة يومياً بصرف النظر عن مشاعر الإلهام والحماسة، وقد ساعدني هذا النهج على إنهاء كتابي والتحضير للمرحلة النهائية من رحلتي.

إقرأ أيضاً: 4 استراتيجيات للحفاظ على الدوافع على الرغم من المِحَن

المرحلة الثالثة: العودة: من شهر شباط (فبراير) 2012 حتى شهر شباط (فبراير) 2017:

تبدأ مرحلة العودة باللحظة التي يكشف فيها الفرد نفسه للعالم، ويفصح عن موقفه ويثبت جدارته ويعلن نجاحه (إطلاق منتج، أو ابتكار، أو الدخول في منافسة، وغيرها) ويتابع سعيه في تحقيق هدفه النهائي.

بدأت هذه المرحلة وفق تجربتي الشخصية عندما نشرت الطبعة الأولى من كتابي في موقع "أمازون" (Amazon) بتاريخ 8 شباط (فبراير) عام 2012، واعتقدت حينها أنَّني على وشك تحقيق الشهرة والنجاح الذي طال انتظاره.

سرعان ما اكتشفت أنَّ مرحلة العودة لا تعني بالضرورة "نهاية الرحلة"، وكنت أتمنى أن أستريح في هذه المرحلة، وأكتفي بمراقبة المبيعات، وأعيل نفسي من عائدات الكتاب، وتتاح لي فرصة الحديث عن نجاحي وعن تفاصيل الكتاب، فلم يحدث شيء من هذا القبيل وتعلمت درساً قيماً إثر ذلك.

قد تواجه في مرحلة العودة تجارب فشل ورفض أكثر مرارة ممَّا اختبرته في البداية؛ فقد لا يهتم الجمهور بإنجازك أو مساهمتك ولا حتى بشخصك بصفتك إنساناً، ولا بأس في ذلك؛ فقد هيئتك مرحلة البداية لمثل هذه الظروف، وازدادت قوتك النفسية بعد تجاوز أزماتها ونكساتها.

من الطبيعي أن تواجه بعض المقاومة الداخلية للقيام بالعودة؛ فقد ورد في رحلة البطل أنَّ البطل سيشعر في غالب الأحيان بأنَّ العالم لا يتقبل ولا يقدر التطور الشخصي الذي أحرزه، والمساهمة التي قدمها. 

مررت بهذه الظروف بدوري عندما نشرت كتابي وأنشأت موقعي الإلكتروني، وتكهَّنت بأنَّ العديد من الناس لن يتقبلوا وجهات نظري وهو ما جعلني أشعر بالأسى؛ لكنَّني عوضاً عن الاستسلام قررت أن أغير طريقة تفكيري تماماً كما حدث لأبطال الأفلام آنفة الذكر، وأدركت ضرورة مواجهة المخاوف في مرحلة العودة؛ وبالنتيجة قمت بالتعبير عن ذاتي بصدق وشفافية بوصفه أعظم مخاوفي.

اكتشفت أنَّني يجب أن أعبر عن نفسي وأكون على طبيعتي أمام الجمهور حتى أحقق النجاح في نشر الكتاب وإتمام رسالتي الوجودية، وكانت هذه الفترة عصيبة لأنَّني كنت معزولاً في السابق؛ لكنَّني تمكنت في النهاية من تجاوز منطقة راحتي والتقرب من الجمهور، ولقيت الاستحسان والقبول بعد أن أظهرت حقيقتي.

سرعان ما بدأت أحقق النجاح؛ إذ ارتفعت مبيعات الكتاب، وزاد اهتمام الناس في موقعي الإلكتروني، وتلقيت مراجعات رائعة من موقع "أمازون"، وبدأت أعمل متحدثاً وملهماً، وبعد 15 عاماً من رؤية الحلم تمكنت أخيراً من تحقيقه.




مقالات مرتبطة