لمَ لا يمكنك الوثوق بنفسك دائماً؟

يُعدُّ إدراك تحيزاتك الخاصة وأوجه القصور المعرفية الأخرى لديك الطريقة الوحيدة لضمان ألَّا تفسد حياتك وحياة الآخرين؛ فكما يقول الكاتب والفيلسوف برتراند رسل (Bertrand Russell): "تكمن المشكلة برمَّتها في أنَّ الحمقى والمتعصبين واثقون جداً من أنفسهم، بينما تملأ الشكوك الأشخاص الأكثر حكمة".



ربما من الأفضل أن تركِّز على التأقلم مع عدم اليقين والغموض، وتشكك في جميع معتقداتك وأحلامك الوردية، وتتبنى التشكيك في كلِّ شيء على وجه العموم، وفي نفسك على وجه الخصوص؛ فنحن لا يمكننا أن نثق بأدمغتنا بصورة أساسية؛ ذلك لأنَّنا لا نمللك أدنى فكرة عما يحدث فعلياً، حتى عندما نعتقد عكس ذلك، وخذ على هذا القياس.

سنقدم إليك ثمانية أسباب كيلا تثق بنفسك من وجهة نظر علم النفس:

1. أنت متحيز وأناني دون أن تعي ذلك:

ينص تحيُّز الفاعل- المراقب في الأساس على أنَّنا جميعاً أشخاص سيئون، فعلى سبيل المثال: إن كنت على تقاطع طرق وعبَر أحدهم الإشارة الحمراء، فستقول في نفسك أنَّه شخص طائش ومتهور يعرض حياة بقية السائقين إلى الخطر ليختصر بضع ثوانٍ إضافية، وربما تنعته بأشنع الصفات؛ لكن من ناحية أخرى، إن كنت أنت الشخص الذي يَعبر الإشارة الحمراء، فستبرر لنفسك أنَّها هفوة بسيطة منك لم تقصد بها أي أذى، وستجد المبررات لتصرفك، وتبتدع الحجج لفعلتك.

نلاحظ هنا أنَّ للفعل نفسه وجهتا نظر؛ فإن كنت أنت من قام بفعل ما، تعدُّه خطأً غير مقصود، غير أنَّه يصبح إثماً لا يُغتفَر عندما يقوم به شخص غيرك.

نمتلك جميعنا هذه العقلية، خاصة في حالات النزاعات؛ فعندما يتحدث الناس عن شخص أثار حنقهم لسبب أو لآخر، فإنَّهم دائماً ما يصفون تصرفاته على أنَّها غير منطقية ومرفوضة كلياً، وتختبئ وراءها نية خبيثة لإلحاق الضرر؛ لكن عندما يتحدث الناس عن الأوقات التي تسببوا فيها بإلحاق الأذى بشخص آخر، يبحثون عن جميع الأسباب التي تبرر أفعالهم وتجعلها صائبة؛ فبرأيهم أنَّه لم يكن لديهم خيار غير ذلك، وأنَّهم لم يُلحقِوا أذىً يُذكَر بالشخص، حتى أنَّهم يُلقون اللائمة عليه، ويعتقدون أنَّه من غير العادل أن نحمِّلهم ملامة فعلهم.

لا يمكن أن يكون كلا الرأيين صحيحاً، بل كلاهما خاطئ في الواقع؛ حيث وجدت دراسات المتابعة التي أجراها علماء النفس أنَّ الجناة والضحايا يشوهون حقائق الموقف لتتناسب مع رواياتهم.

يطلق أستاذ علم النفس في جامعة هارفرد "ستيفن بينكر" (Steven Pinker) على هذا الأمر اسم (الفجوة الأخلاقية)، والذي يعني: أنَّه كلما وجدنا أنفسنا داخل نزاع، نبالغ في تقدير نوايانا الحسنة، ونقلل أهمية نوايا الآخرين؛ مما يخلق دوامة نعتقد فيها أنَّ الآخرين يستحقون عقاباً أشد، ونستحق نحن الأقل.

يحدث كل هذا في اللاوعي، فيعتقد الناس بقيامهم بذلك أنَّهم منطقيون وموضوعيون تماماً؛ لكنَّ العكس هو الصحيح.

إقرأ أيضاً: 6 طرق تساعدك على التفكير بإيجابية

2. ليست لديك فكرة عما يجلب إليك السعادة أو الشقاء:

يوضح لنا عالم النفس بجامعة هارفارد "دانيال جيلبرت" (Daniel Gilbert) في كتابه "التعثُّر بالسعادة" (Stumbling on Happiness) أنَّنا لا نُفلح في تذكُّر كيف جعلَنا شيء ما نشعر في الماضي، ولا نخمِّن بدقة كيف سيجعلنا شيءٌ ما نشعر في المستقبل.

على سبيل المثال: إذا خسر فريقك الرياضي المفضل مباراة البطولة، ستشعر بالضيق؛ لكنَّ ذاكرتك عن مدى الفظاعة التي شعرت بها لا تعكس بدقة مدى شعورك بالسوء في ذلك الوقت؛ ففي الواقع، أنت تميل إلى المبالغة عند تذكُّر الأشياء السيئة أكثر مما كانت عليه في الواقع، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الأمور الحسنة، وبالنسبة إلى المستقبل؛ حيث نبالغ في تقدير مدى السعادة التي ستمنحنا إياها الأشياء الجيدة، ومدى التعاسة التي تصيبنا بها الأشياء السيئة.

في الواقع، نحن لا ندرك في كثير من الأحيان حتى ما نشعر به بالفعل في اللحظة الحالية، وهذه مجرد حجة أخرى لعدم السعي وراء السعادة بحدِّ ذاتها؛ حيث تشير جميع البيانات إلى أنَّنا لا نعرف حتى ما هي السعادة، ولا ندري كيف نتصرف إزاءها حتى لو حققناها بالفعل.

إقرأ أيضاً: 5 أسباب كي تعيش اللحظة الحالية وتتوقف عن المبالغة في التخطيط

3. يَسهُل التلاعب بك لاتخاذ قرارات سيئة:

ربما صادفت بعض الأشخاص الذي يوزعون كتيبات أو كتباً مجانية في الشارع، لكنَّك بمجرد أن تأخذ شيئاً منهم، يبدؤون مطالبتك بالانتساب إلى أمر ما، أو منحهم المال من أجل قضيتهم؛ فتكتشف هنا أنَّك قد وقعت في الفخ، وستجد أنَّه من المعيب أن ترفض طلبهم بعد أن قدموا لك شيئاً مجانياً، ولا تريد أن يظنوا أنَّك شخص لئيم.

اتضح أنَّه في الإمكان التلاعب بسهولة بعملية صنع القرار لدى الأشخاص عبر مجموعة متنوعة من الطرائق، من بينها تقديم هدية لشخص ما قبل طلب خدمة في المقابل كحيلة لزيادة احتمال قبول تأديته هذه الخدمة؛ لذا في المرة القادمة التي تريد فيها تجاوز دورك في أحد الصفوف، اطلب من أيِّ شخص أن يمنحك دوره لسبب أو لآخر، كأن تقول له أنَّك على عجلة من أمرك أو تدَّعي أنَّك مريض، فقد أظهرت التجارب أنَّه من المرجح أن يُسمَح لك بنسبة 80٪ بتجاوز مكانك في الدور عند تقديم عذر لتجاوزه مقابل عدم وجود عذر، والمثير للدهشة أنَّه من غير الضروري أن يكون السبب مقنعاً.

أظهر خبراء الاقتصاد السلوكي أنَّ لديك "استعداداً" لتفضيل سعر دون آخر دون سبب منطقي؛ فعلى سبيل المثال: حين عُرضت رحلة مقابل 2000 دولار، مع وجود ثلاث خيارات: رحلة إلى باريس مع إقامة فندقية تشمل وجبة الإفطار، أو رحلة إلى روما مع إقامة فندقية تشمل وجبة الإفطار، أو رحلة إلى روما مع إقامة فندقية لا تشمل وجبة الإفطار؛ تبيَّن أنَّ إضافة عبارة "روما بدون وجبة إفطار" جعلت مزيداً من الناس يختارون روما دوناً عن باريس، ويرجع ذلك إلى أنَّ الكثيرين يفضلون تناول الطعام في شوارع روما ويعدُّونها صفقةً رائعةً، فتنسى أذهانهم باريس كلياً.

4. أنت تستخدم المنطق والعقل عموماً لدعم معتقداتك الراسخة:

وجد الباحثون أنَّ بعضاً ممن أُصيبوا بتلفٍ في أجزاء من أدمغتهم مسؤولة عن الرؤية لا يزالون قادرين على "الرؤية" دون أن يدركوا ذلك حتى؛ ورغم أنَّ هؤلاء مكفوفون ويؤكدون أنَّهم غير قادرين على رؤية جسم ما مهما قرَّبناه من أعينهم، ولكن إذا عرَّضت إحدى عينيهم إلى الضوء، فسيكون بمقدورهم في أغلب الأحيان تخمين أي العينين قد وجَّهت عليها الضوء؛ ومع ذلك، سيقولون لك أنَّه تخمين بحت، لأنَّ ليس لديهم فكرة واعية عن الجانب المضاء، فكيف لهم معرفة لون الأجسام أمامهم؛ ولكن من ناحية أخرى، لديهم معرفة حول مصدر الضوء.

نكتشف هنا أمراً غريباً حول العقل البشري، حيث تعد المعرفة والشعور بإدراك هذه المعرفة أمران مختلفان تماماً، ويمكننا جميعاً مثل هؤلاء المكفوفين اكتساب المعرفة دون أن نعي أنَّنا اكتسبناها حتى؛ لكنَّ العكس صحيح أيضاً، إذ يمكنك أن تشعر وكأنَّك تعرف أمراً ما حتى وإن لم تكن تعرفه في الحقيقة.

هذا هو الأساس لجميع أنواع التحيُّزات والمغالطات المنطقية، حيث يستفحل الاستدلال المدفوع والانحياز التأكيدي عندما لا نعترف بالفارق بين ما نعرفه بالفعل وما نشعر وكأنَّنا نعرفه.

5. تُغيِّر عواطفك وجهات نظرك دون أن تلاحظ:

يميل معظمنا إلى اتخاذ قرارات سيئة مدفوعين بعواطفنا؛ فمثلاً: قد تشعر بالانزعاج جراء تعليق سخيف من زميلك في العمل، وتقرر إبعاد هذا الشخص عن حياتك، فتستقيل من عملك طلباً للراحة النفسية؛ لكنَّ قرارك لا يمتُّ للمنطق بِصلة.

يمسي الأمر أسوأ عندما يتضح أنَّ تجنُّبنا اتخاذ قرارات هامة مدفوعين بحالتنا العاطفية ليس أمراً جيداً بما فيه الكفاية، وأنَّ العواطف تؤثِّر في اتخاذنا القرارات بعد أيام أو أسابيع أو حتى أشهر، وحتى بعد أن تروق الأمور وتحلِّل الموقف أكثر.

الأمر غير البديهي المثير للدهشة حقاً هو أنَّ العواطف العادية التي تَخمد عاجلاً قد يكون لها تأثيرات طويلة الأمد في اتخاذك للقرار في المستقبل.

لنفترض جدلاً أنَّ صديقك يريد مقابلتك لتناول المشروبات، لكن يتفعَّل لديك حس الخطر لسبب ما، وتأخذ في الحذر؛ فأنت لا تريد الموافقة على الفور، رغم محبتك لهذا الصديق ورغبتك في قضاء الوقت معه؛ لكنَّك في الوقت نفسه حذر بشأن إبرام المواعيد، ولا تدري السبب لذلك؛ فربما قد نسيت ما حصل مع صديق قديم آخر قد جمعتك به علاقة متينة لفترة طويلة، لكنَّها أضحت متوترة بعد عدة مواقف سخيفة. وربما مضيت قدماً في حياتك ونسيت المشكلة من أساسها وعادت صداقتك مع هذا الصديق طبيعية في النهاية؛ ومع ذلك، سبَّب لك ذلك بعض الانزعاج وقليلاً من الأذى.

ربما لم يُغضبك الأمر في حينه، لكنَّه أزعجك للحظات، وأبعدت تلك المشاعر دون أن تعي ذلك؛ والآن، تتسبب ذاكرتك المبهمة وغير الواعية في الأغلب حول صديقك القديم في توخي الحذر مع صديقك الجديد، رغم أنَّه شخص مختلف تماماً، وأنَّ هذا الموقف مختلف كلياً.

في الأساس، غالباً ما تستخدم ذكريات العواطف التي انتابتك في وقت ما كركيزة للقرارات التي تتخذها في وقت لاحق، لكنَّك تفعل هذا طوال الوقت دون أن تعي؛ فقد تؤثر المشاعر القديمة التي قد لا تتذكرها فيك دون أن تدري، فتسبب اعتكافك المنزل ومشاهدة التلفاز، أو عدم الخروج مع أصدقائك، أو الانضمام إلى مجموعة ما.

إقرأ أيضاً: 9 نصائح لتحسين ذكائك العاطفي

6. ذاكرتك سيئة:

تؤكد "إليزابيث لوفتوس" (Elizabeth Loftus) -التي تعد واحدة من أبرز الباحثين في العالم في مجال الذاكرة- هذه الحقيقة، فقد تركَّز اكتشافها على إمكانية تبدل ذكرياتنا عن الأحداث الماضية بسهولة بتجارب سابقة أخرى أو بمعلومات جديدة غير صحيحة، وقد جعلت الجميع يدركون أنَّ شهادة شهود العيان ليست حقاً المعيار الأساس الذي يجب أن يبني عليه الناس أحكامهم في قاعات المحكمات.

وجدت "لوفتوس" (Loftus) وباحثون آخرون ما يأتي:

  • لا تتلاشى ذكرياتنا المرتبطة بالأحداث مع مرور الوقت فحسب، بل قد تصبح أكثر عرضةً إلى المعلومات الخاطئة مع مرور الوقت.
  • لا يساعد دائماً تحذير الأشخاص من إمكانية احتواء ذكرياتهم على معلومات خاطئة في التخلص من تلك المعلومات.
  • كلما كنت أكثر تعاطفاً، زادت احتمالية تضمين معلومات خاطئة في ذكرياتك.
  • ليس من الممكن استبدال الذكريات بمعلومات خاطئة فحسب، بل زرع ذكريات كاملة؛ نحن معرضون إلى هذا الأمر، خاصة عندما يكون أفراد العائلة أو الأشخاص الآخرون الذين نثق بهم هم من يزرعون فينا تلك الذكريات.

وبالتالي، لا يمكننا الوثوق بذكرياتنا، حتى تلك التي نحن موقنون مئة بالمئة من صحتها.

في الواقع، يمكن لعلماء الأعصاب أن يتنبؤوا بما إذا كنت ستخطئ في تذكِّر حدث ما بناءً على مخطط نشاطك الدماغي عندما تمر به، ويبدو أنَّ ذاكرتك السيئة قد بُنِيت مباشرةً في برنامج دماغك في بعض الحالات؛ لكن لماذا؟

قد يبدو الأمر في البداية وكأنَّ القسم المتعلق بالذاكرة معطوب لدينا كبشر، وأنت في المحصلة لن تستخدم جهاز حاسوب يُضيع ملفاتك أو يبدلها باستمرار بعد أن تتوقف عن العمل عليها؛ لكن لا يخزن عقلك جداول البيانات والملفات النصية والصور مثلما يفعل الحاسوب.

صحيح أنَّ ذكرياتنا تساعدنا على التعلِّم من الأحداث الماضية، مما يساعدنا نظرياً على اتخاذ قرارات أفضل في المستقبل؛ لكنَّ للذاكرة في الواقع وظيفة أخرى نادراً ما نفكر فيها، وهي وظيفة أكثر أهمية وتعقيداً بكثير من مجرد تخزين المعلومات؛ حيث نحتاج بصفتنا بشراً إلى هوية وإحساس بكيوننتنا بغية التصرف في المواقف الاجتماعية المعقدة وإنجاز الأمور في معظم الأوقات، حيث تساعدنا ذكرياتنا في تكوين هوياتنا من خلال تزويدنا بقصة مِن ماضينا.

لا يهم حقاً مدى دقة ذاكرتنا، حيث تخلق امتلاك قصة مِن ماضينا مخزنة في ذاكرتنا هذا الجزء من الإحساس بمن نحن، أي إحساسنا بالذات؛ وبدلاً من استخدام نسخ دقيقة تماماً من ذاكرتنا لذلك، فمن الأسهل استخدام الذكريات المبهمة، وسد الثغرات بسرعة لتناسب نسخة "ذواتنا" التي أنشأناها وتقبلناها.

ربما تتذكر مضايقات أخيك وأصدقائه المستمرة، وكم آلمتك في بعض الأحيان؛ لهذا السبب تفسر سبب عصبيتك وقلقك وخجلك؛ ولكن في الحقيقة، ربما لم تكن تلك التصرفات مؤذيةً إلى ذلك الحد.

ربما عندما تتذكر مضايقات أخيك، تأخذ المشاعر التي تنتابك بها الآن وتراكمها فوق تلك الذكريات، مثل المشاعر العصبية والقلق والخجل، مع أنَّ تلك المشاعر قد لا تمت بِصلة إلى مضايقات أخيك في الماضي.

الآن فقط تتناسب ذكرى معاملة أخيك السيئة التي سببت لك الشعور بالسوء -سواء أكان ذلك صحيحاً أم لا- مع هويتك كشخص عُصابي وقلِق إلى حد ما، مما يمنعك من القيام بأشياء قد تسبب لك مزيداً من الإحراج والألم في حياتك، ويبرر هذا في الأساس الاستراتيجيات التي تستخدمها كي يمر يومك بسلام، وقد تسأل نفسك هنا: "حسناً، هل تقول أنَّ الشخص الذي أعتقد أنَّني عليه ما هو إلا مجموعة من الأفكار التي اختلقها عقلي؟".

7. أنت لست الشخص الذي تعتقد أنَّك عليه:

فكر فيما يأتي للحظة، إنَّ الطريقة التي تعبِّر بها عن نفسك وتصوِّرها على منصات التواصل الاجتماعي كفيسبوك (Facebook) ليست تماماً الطريقة نفسها التي تفعل فيها ذلك على أرض الواقع، وقد يكون سلوكك مع أقربائك مغايراً تماماً لسلوكك مع أصدقائك؛ فربما لديك شخصية في العمل، وشخصية في المنزل، وشخصية مع الأسرة، والشخصية التي تكونها عندما تصبح بمفردك، وغيرها من الشخصيات التي تحتاجها لسبر غور حياتك، والنجاة في عالم تتشابك فيه العلاقات الاجتماعية؛ لكن أي واحدة من هذه الشخصيات تعبِّر عنك حقاً؟

قد تعتقد أنَّ إحدى نسخك أكثر واقعية من سواها؛ ولكنَّ كل ما تفعله هو إعادة سرد القصة التي تدور حولك أنت فقط في ذهنك، والتي علمنا تواً أنّها تُبنَى على معلومات بعيدة عن الكمال.

توصَّل علماء النفس الاجتماعي على مدار العقدين الماضيين إلى اكتشاف أمر يصعُب على الكثير منا تقبُّله، وهو أنَّ فكرة (الذات الأساسية) -وهي ذاتك الدائمة وغير المتغيرة- هي محض وهم.

وكشف بحث جديد عن كيفية بناء الدماغ إحساساً بالذات، وكيف يمكن للعقاقير المخدِّرة أن تغير قدرة الدماغ مؤقتاً حول الاحساس بأنفسنا، موضحاً كيف أنَّ هوياتنا عابرة وخداعة.

تكمن المفارقة في أنَّ هذه التجارب قد نُشِرت في كتب ومجلات مُعتَبرة من قبل أشخاص مشهورين؛ فكانوا يرددون أساساً ما يقوله الرهبان في التقاليد الفلسفية الشرقية منذ آلاف السنين، والذين لم يفعلوا شيئاً إلَّا الاعتكاف في الكهوف وعدم التفكير في أي شيء لبضع سنوات.

في الغرب، تُعدُّ فكرة الذات الفردية القاعدة التي تُبنَى عليها العديد من المؤسسات الثقافية، ناهيك عن صناعة الإعلان، وهم يركِّزون جل انتباههم على اكتشاف من نحن لدرجة أنَّنا نادراً ما نتوقف لفترة كافية لنأخذ في اعتبارنا ما إن كان هذا المفهوم مفيداً أم لا.

ربما تعيقنا فكرة "هويتنا" أو "ذواتنا" بقدر ما تساعدنا، وربما تقيدنا بطرائق أكثر مما تحررنا؛ إذ إنَّه لمن المفيد أن تعرف ما تريده أو ما تستمتع به، ولكن لا يزال بوسعك تحقيق الأحلام والأهداف دون الاعتماد على مثل هذا المفهوم الثابت عن نفسك.

إقرأ أيضاً: نصائح ثمينة لاستثمار الذات وتحقيق الأحلام

8. تجربتك المادية للعالم ليست حقيقية كما تتصور:

نحن نمتلك أجهزةً عصبيةً معقدةً لدرجة هائلة، فهي ترسل المعلومات باستمرار إلى عقولنا.

تقول بعض التقديرات أنَّ أجهزتنا الحسية مثل: البصر واللمس والشم والسمع والتذوق والتوازن ترسل ما يقرب من 11 مليون جزء من المعلومات إلى عقولنا كل ثانية، ولكن تُعدُّ هذه شريحةً متناهيةً في الصغر لا يمكن قياسها من العالم المادي من حولنا؛ فالضوء الذي يمكننا رؤيته هو عبارة عن نطاق صغير ضئيل من الطيف الكهرومغناطيسي، ويمكن للطيور والحشرات رؤية أجزاء منه بخلاف البشر، كما يمكن للكلاب سماع وشم رائحة أشياء لا نعرف حتى بوجودها؛ فأنظمتنا العصبية ليست في الواقع آلات لجمع البيانات بقدر ما هي آلات لفرز البيانات.

علاوةً على كل ذلك، يبدو أنَّ عقلك الواعي قادر فقط على التعامل مع نحو 60 بت (bits) من المعلومات في الثانية عند الانخراط في أنشطة ذكية مثل: القراءة، أو العزف على آلة موسيقية، وغيرها.

لهذا السبب، وفي أحسن الأحوال، تستطيع إدراك فقط نحو 0.000005454٪ من المعلومات المعدَّلة تعديلاً فائقاً، والتي يستقبلها عقلك في كل ثانية وأنت مستيقظ.

ولكي تستوعب الفكرة جيداً، تخيَّل أنَّه مقابل كل كلمة رأيتها وقرأتها في هذا المقال، يوجد 536303630 كلمة أخرى كُتِبت، ولكن لا يمكنك رؤيتها؛ وهذا هو ما نخوضه يومياً في حياتنا، وقد يكون سبباً في التركيز على ما يهمنا فقط وتجاهل أي شيء آخر.

 

المصدر




مقالات مرتبطة