لا تسبح عكس التيار: كيف تبني صداقات تحسِّن نوعية حياتك؟

إذا كان لديك خزانة مُمتلئة بالثياب، وأردت أن تشتري ملابس جديدة، ما هو الإجراء الصحيح الذي يجب أن تفعله؟ هل من الصحيح أن تشتري الثياب وتدفع الثياب القديمة لإفراغ مكان؟ أليس من الأفضل أن تتخلَّص من الملابس التالفة أو القديمة أو تلك التي لم تعد على مقاسك؟ فهذا الأمر يتعلَّق كذلك بالأصدقاء.



نحن لا نقصد الإهانة أو التقليل من قيمة الأصدقاء أو جعل الصديق مجرد ثوب ترميه عندما يصبح قديماً، وأنا أفهم هذا الأمر فهماً دقيقاً، فلقد عشت في مدينة صغيرة وأعرف معنى أن يكون لديك عشرات الأصدقاء.

لكن هذه هي الحقيقة، عندما تنتقل إلى مستوى متقدِّم في الحياة المهنية أو العلمية أو الروحية أو الفكرية، فمن الضروري أن يكون أصدقاؤك المقرَّبون ينتمون إلى المستوى نفسه أو مستوى قريب منك؛ وذلك لأنَّ وجودك في جوٍّ مليء بالأشخاص الذين ينتمون إلى مستويات مبتدئة لن يحقِّق لك عملية التطور التي تحتاج إليها.

بخلاف ذلك، فيمكن أن يجعل هذا الجو عملية التطور أصعب؛ لأنَّك ستجد نفسك تسبح عكس التيار، فعندما تكون ضمن جو من الأصدقاء الذين ينتمون إلى مستوى الطاقية نفسه، ستجد نفسك في حالة انسجام مع محيطك الخارجي ومع ورغبتك في النمو والتطور.

قاعدة هامَّة: لا تسبح عكس التيار

أنت تريد أن تتطوَّر وتتغيَّر وتحسِّن من حياتك، في حين هم مسرورون في حالة الثبات والاستقرار التي يعيشون بها، أنت تريد أن تعيش حياة فيها قيادة لذاتك ووفرة وثراء، أمَّا هم يريدون طوال الوقت أن يعيشوا دور الضحية ويلوموا الآخرين على ما وصلوا إليه من حالة سيئة؛ هل يمكن لهاتين الحالتين المتناقضتين تحقيق أي نوع من الانسجام أو التوافق أو المصلحة؟

بالتأكيد لا؛ وإنَّما هما تياران متعاكسان يُفني كل منهما الآخر دون تحقيق أي تقدُّم لكلا الطرفين، على عكس ما نحصل عليه في جو يحمل نفس الاتجاه الطاقي للأفكار أو الأهداف أو الدوافع؛ إذ تُجمع محصلة القوى مع بعضها بدل أن تُطرح.

شاهد: صفات الصديق الحقيقي

هل يُعدُّ التخلي عن الصداقات القديمة أمراً غير أخلاقي؟

هل يعني هذا إنكار صداقات الطفولة أو التبرُّؤ من الصداقات القديمة؟ لا، على العكس تماماً، يجب أن نكون ممتنين لهذه الصداقات الجميلة التي كانت مرحلة ضرورية لبناء شخصيتنا، فقد كانت مرحلة مفيدة تعلَّمنا فيها الكثير، وانطلقنا منها إلى مستويات أعلى، لكن أن نتركها لا يعني أن ننكرها، ولا يعني أن نتكبَّر عليها أو نرفضها أو نتجاهلها؛ بل يجب أن نعبِّر عن امتناننا الدائم لها، ونركِّز على الطريق الذي نسير فيه.

يجب علينا أن نعي تماماً أنَّ نسبة كبيرة من العلاقات أو الصداقات لا تمتد معنا طوال الحياة، لكن نشعر فيما بعد أنَّنا نسير في طريق وهم في طريق آخر مختلف تماماً، وهذا لا يعني أبداً أنَّهم سيِّئون؛ بل على العكس تماماً قد يكونون أشخاصاً رائعين، ولكن عند اختلاف الطرق التي نسلكها، يجب أن نبدأ وضع طاقة أقل في هذه العلاقات.

لماذا يُعدُّ موضوع الصداقات محورياً في حياتك الشخصية والمهنية؟

لماذا كل هذا التدقيق على موضوع الصداقات؟ لأنَّ جو الصداقات الذي تحيط به نفسك هو الذي سيحدِّد معيار التقبُّل لديك؛ إذ أثبتت الدراسات أنَّ كل إنسان هو محصلة أقرب خمس أشخاص محيطين به.

على سبيل المثال، عندما تعيش مع أصدقاء أو أهل أو أقارب يقدِّسون الفقر ويكرهون الثراء، وكلما مرت سيارة فارهة، ينهالون عليها بالشتائم أو التخوين أو النقد، ويقولون: "لقد سرق كثيراً حتى وصل إلى ما وصل إليه"، أو "إنَّه إنسان فارغ لأنَّ حياته عبارة عن جمع الأموال"، هذه الجمل والإشارات اليومية تؤثر في تفكيرك وذهنيتك وأسلوب حياتك، سواء بطريقة واعية، أم غير واعية.

أيضاً في حال كنت تود أن تبدأ مشروعاً ما لتحسين وضعك المادي، فستجد نفسك تتراجع لأنَّك مكبَّل بتلك الأفكار والكلمات والعبارات، وكأنَّ عقلك الباطن يقول لك: لا أريد أن أكون محطَّ سخط أصدقائي، لا أريد أن يُقال عنِّي إنسان فارغ، لا أريد أن أصبح غنياً لكي لا أصبح مكروهاً؛ فبهذه الطريقة يمنعك محيطك من التطور على الصعيد المادي.

هل يمكن للإنسان أن يعيش مع أصدقاء مختلفين عنه دون التأثر فيهم؟

قد تقول إنَّ الإنسان من الممكن أن يعزل نفسه عن أصدقائه، ويركِّز على مشروعه الخاص وأفكاره التي يؤمن بها، نعم قد يكون هذا ممكناً، ولكنَّه يشبه إلى حدٍّ كبير السباحة عكس التيار، وستجد نفسك تستهلك كثيراً من الجهد والطاقة من أجل الإبقاء على عملية العزل هذه، وهي عملية هدر للطاقة كنت تستطيع أن تستغلها في تطوير ذاتك، إضافةً إلى أنَّك لا تستطيع السباحة ضد التيار طوال الوقت، وستأتي النقطة التي تتعب بها وتريد أن ترتاح، وعندها ستجد أنَّ التيار قد جرفك في اتجاهه.

انظر إلى الناس الذين يمشون معاً في الشارع، تجد أنَّ لباسهم من نمط واحد، ودرجة اعتنائهم بمظهرهم واحدة، وهم منسجمون فيما بينهم، فإذا كنت روحانياً، فلن تستطيع أن تنسجم بين أشخاص يعتنقون الأفكار المادية، لأنَّ المبدأين لا يلتقيان.

أين أجد أصدقاء جدد ينتمون إلى المستوى الطاقي ذاته؟

قد تسأل سؤالاً هامَّاً: أين أجد أصدقاء جدد ينتمون إلى المستوى الطاقي نفسه الذي وصلت إليه أو لديهم التفكير أو الذهنية نفسها، الإجابة بسيطة، أولاً يجب عليك أن تحدِّد نوعية الأشخاص الذين تريد إحاطة نفسك بهم بما ينسجم مع خطتك في الحياة، ومن ثمَّ عليك التوجه إلى النوادي أو المقاهي أو التجمعات التي يجتمع بها مثل هؤلاء الأشخاص.

على سبيل المثال في حال أردت بناء علاقات مع أشخاص روحانيين يمكنك الذهاب إلى نوادي تدريب اليوغا، أو المؤتمرات التي تتكلَّم عن الطاقة الروحية وما إلى ذلك، وفي حال كنت تطمح إلى تحقيق نجاح مهني حقيقي، يمكنك التعرف إلى أصدقاء جدد لهم الهدف نفسه في المحاضرات التي تتناول تطوير الذات، وفي الدورات التدريبية التي تعزِّز ذهنية النجاح المهني والوظيفي وغيرها.

ما هو المحور الأساسي في قبولك ضمن صداقات جديدة؟

لكي تحصل على القبول في الصداقات الجديدة، يجب عليك الدخول من باب العطاء وليس من باب الأخذ؛ أي أن تُشعر من حولك أنَّك موجود لكي تقدِّم لهم الفائدة وتساعدهم، لأنَّ كثيراً من الناس يركِّزون على الأخذ، ويُلِحُّون في طرح الأسئلة والطلبات، فيُشعرون من حولهم أنَّهم مجرد عبء؛ لذا يجب علينا أن ندخل من باب العطاء، لأنَّ الآخرين عندما يشعرون أنَّك تريد أن تأخذ أكثر ممَّا تعطي، تتولَّد لديهم مشاعر الرفض اتجاهك.

إقرأ أيضاً: لماذا من الأفضل أن يكون لدينا عددٌ قليل من الأصدقاء!

لا معنى للنجاح دون الأصدقاء:

مشاركة الوقت الجيد والسعادة مع الأصدقاء لا تقدَّر بثمن، وغالباً ما تكون مشاركة أسعد اللحظات مع الأصدقاء هي التي تجعل حياتك أكثر ثراءً؛ إذ إنَّه لأمر رائع أن يكون لديك مجموعة من الصداقات الصحية، فأنت تُنشئ علاقة قوية مع الأصدقاء المقربين الذين يريدون جميعاً الشيء نفسه في الحياة؛ أن يعيشوا حياة سعيدة، وأن يكونوا محاطين بأشخاص سعداء؛ إذ يشارك الأصدقاء الحقيقيون الضحك والذكريات والنكات، فيشاركونك وقتك الممتع، ويزيدون من الشعور بالسعادة عندما تحقِّق أي شيء هام في الحياة، فإذا لم يكن أصدقاؤك موجودين للاحتفال معك، فلا معنى لهذا النجاح.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح بسيطة لكسب المزيد من الأصدقاء في الحياة

الأصدقاء الحقيقيون يساعدونك في الأوقات العصيبة:

يكون الأصدقاء الحقيقيون دائماً صادقين ويقفون بجانبك بصرف النظر عن السبب؛ إذ يمسحون دموعك، ويلتقطونك عندما تسقط، فهم موجودون في جميع أوقات حياتك، حين تمرُّ بتجارب الانفصال، وفقدان الوظيفة، والخسائر المادية، ويجعلونك تضحك حتى عندما تظنُّ أنَّك لن تبتسم مرة أخرى، فهم يساعدونك من خلال الاستماع إليك بعد إخفاقاتك، وينصحونك بكيفية التعافي بعد الفشل في الحياة، فالأصدقاء يساعدوننا بطرائق شتَّى، كما يساعدوننا على توسيع نظرتنا إلى الحياة.

الأصدقاء والصحة العقلية:

تزداد أهمية الأصدقاء لديك مع تقدُّمك في السن؛ لأنَّهم يؤدُّون دوراً أكثر أهمية في الشيخوخة من دور العائلات، وخلال ذلك الوقت ينشغل الأطفال وأفراد الأسرة الآخرون أو يتظاهرون أحياناً بأنَّهم مشغولون بمهنهم وقضاياهم الشخصية، فيما يشعر الآباء كبار السن بالوحدة، لكن ستكون صحتك العقلية أفضل بكثير إذا كان لديك بعض الأصدقاء الجيدين معك.

أظهرت دراسات مختلفة في العقود القليلة الماضية أنَّ التفاعل الاجتماعي عامل حاسم للصحة العقلية والبدنية الجيدة، فليس ضرورياً أن يكون لديك حاشية ضخمة من الأصدقاء؛ إذ ستكون قادراً على انتقاء أصدقائك الحقيقيين والجديرين بالثقة، وهذه الحياة تقتصر على الأشخاص الذين تشاركها معهم؛ لذا أحط نفسك بأصدقاء جيدين، وكن دائماً صديقاً جيداً.

شاهد بالفيديو: لا تسبح عكس التيار: أصدقاء النجاح

في الختام:

لا تقتصر إحاطة نفسك بالجو الإيجابي أو الداعم على الأصدقاء؛ إذ يمكنك بعد ذلك أن تختار مدرِّباً يُدير طاقاتك هذه بأسلوب صحيح، ويقدِّم لك النصيحة من وجهة نظر موضوعية بعيدة عن المشاعر والعواطف، وتستطيع أيضاً قراءة الكتب التي تخدم المجال الذي تعمل به أو تريد تعلمه، أو حضور كورسات أونلاين، وغيرها من الأمور التي تصبُّ في المستوى الطاقي الخاص بك، وتمنحك طاقة تركيز هائلة على العمل الذي تود إتقانه أو إنجازه؛ إذ يمكن عدُّها بمنزلة أصدقاء جدد، ويقدِّمون لك فوائد عظيمة.




مقالات مرتبطة