كيفية توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم

لا تخلو حياة إنسان على وجه الأرض من التحديات والألم، هكذا هي سنَّة الكون "مَن يعيش لا بدَّ له أن يعاني"؛ وذلك لأنَّ الألم جزء من مسيراتنا وأقدارنا، وتتفاوت الصعوبات والتحديات التي تمر في حياة كل فرد، ولكنَّ أقساها على الإطلاق هو خسارة الإنسان لوالديه، ولا أقسى من ذلك إلا وقوع هذه الخسارة وهو في سن الطفولة.



تخبُّط للطفل بين الحزن وعدم الإدراك وبين الفراغ ودفء العائلة وبين الدعم والوحدة، مشاعر صعبة لا يقدِِّر قيمتها إلا من مر بها ولا يحس بمرارتها إلا من ذاق علقهما، ولكنَّ لطف الله الخفي موجود دائماً فهو الذي لا يكلف نفساً إلا وسعها، فيبعث لمن فقدوا ذويهم من يعتني بهم ويعينهم على شق طرقهم في الحياة.

إذا ما كنت أيها القارئ من الذين اختارهم الله ليكونوا عوناً ليتيم كُسر فؤاده وتبحث عن كيفية أداء هذا الدور بكل أمانة وإخلاص، فجزاك الله كل خير أولاً، وتفضل بقراءة مقالنا عن كيفية توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم ثانياً.

ما هي الرعاية النفسية؟

قبل أن ندخل في صلب موضوعنا عن تقديم الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم لا بد لنا من تعريف مفهوم الرعاية النفسية، هذا المفهوم الذي يُعَدُّ من ضرورات الصحة النفسية وأساسياتها التي تساهم في تحقيق شخصية سوية خالية من الصراعات والاضطرابات النفسية، وهذا هو السبب في حرص دور رعاية الأيتام المؤسسات المعنية بتكفل اليتيم لمنحها للأطفال اليتامى، ولقد أثبتت الدراسات أنَّ البيئات الحاضنة لليتيم إذا ما حرصت على منحه مقومات الصحة والسلامة النفسية فإنَّها بذلك تساهم في إعداد شخصيات سوية تسعى إلى نيل النجاح والرفعة.

أما عن الرعاية النفسية للطفل اليتيم فهي الاحتضان والاحتواء وتقديم الدعم والمقومات التي تجعل من الطفل محاطاً بأسرة بديلة تمنحه الرعاية التي تقدمها الأسرة عادة، وتحرص على إمداده بالقيم والأخلاق الصحيحة التي تضمن بناء شخصيته بناءً متوازناً وصحياً ومتماسكاً في ردود فعله السلوكية واستجاباته العقلية، وإنَّ دور الأيتام بهذا الدور النبيل الذي تقوم به المتضمن تقديم الاحتواء المادي والرعاية النفسية للطفل اليتيم تكون بذلك تتبع ما حض عليه القرآن الكريم، وأعد لمؤديه جزاء حسناً ودرجات عليا في جنان الخلد.

ما هو الدعم النفسي للطفل اليتيم؟

الدعم النفسي لليتيم هو نوع من الدعم النفسي الاجتماعي الذي يُعَدُّ مقياساً للرعاية الاجتماعية التي تشمل كلاً من الفرد والبيئة التي ينشأ فيها الطفل اليتيم، ولا يقتصر تقديم الدعم النفسي للطفل اليتيم على أسرته وأصدقائه ومعلميه وبقية أفراد المجتمع؛ إنَّما يمتد ليشمل الخدمات النفسية والاجتماعية المتخصصة التي تساعد هؤلاء الأطفال على تعديل حياتهم.

من الضروري الإشارة إلى الدور الهام الذي يقوم به المعلمون في تربية الأطفال الأيتام الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم والفرصة المثلى للنظام التعليمي في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي، الذي يحتاجه الأطفال الأيتام والضعفاء، والذي غالباً ما يتم إغفال أهميته وإعطاء الأولوية للاحتياجات الغذائية والاقتصادية والمادية بكافة أشكالها.

شاهد بالفيديو: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

لماذا يحتاج الطفل اليتيم إلى رعاية نفسية خاصة؟

يحتاج الطفل اليتيم إلى رعاية نفسية خاصة واهتمام زائد مقارنة بأقرانه الذين ينشؤون في محيط أسري متكامل؛ وذلك لأنَّ فقده لوالديه أو أحد منهما يدخله في دوامة من المشاعر التي لن يدرك كيفية التعامل معها بشكل صحيح وحده، كما أنَّ مشاعر الخسارة والفقد هي مشاعر صعبة ومعقدة تحتاج إلى ذكاء عاطفي يصعب على البالغ امتلاكه، فكيف يكون الحال يا ترى مع طفل يختبر مشاعر صعبة بهذه القساوة وهو غض كبرعم صغير؟

إنَّ الطفل اليتيم إن لم يحصل على الرعاية النفسية المطلوبة فسيكون عرضة لما يأتي:

  • فقدان الثقة بالنفس والإصابة بالاكتئاب.
  • المعاناة من ضغوطات نفسية شديدة أصعب من أن يستطيع احتمالها.
  • سيطرة التشاؤم والسوداوية على حياته وأفكاره.
  • الشعور المستمر بالوحدة والدونية والاحتياج العاطفي.
  • قد يتجه الطفل إلى السلوك العدواني بوصفه استجابة لمشاعره المتخبطة.
  • سرعة الغضب والعناد.
  • سيطرة الخوف الدائم والمبالغ به على حياته وأقواله وأفعاله.
  • انخفاض المستوى الدراسي الذي يكون بسبب فقدان الشغف وعدم تنمية الدافع لديه تجاه حب التعلم، إضافة إلى التشتت الذهني الذي يصيبه بسبب الصدمة النفسية التي مر بها في حال حدث الفقد خلال سن المدرسة.
إقرأ أيضاً: الإرشاد النفسي: تعريفه، وأهدافه، وأهميته، وأهم طرائقه

استراتيجيات تقديم الرعاية الاجتماعية والدعم النفسي للطفل اليتيم:

إنَّ كيفية توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم تتم عبر اتباع الاستراتيجيات الآتية:

1. تقديم الخدمات الإرشادية:

إنَّ توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم يتم أولاً عن طريق تقديم الخدمات الإرشادية له؛ وذلك لأنَّ الأطفال الأيتام عرضة كما تحدَّثنا آنفاً للإصابة بالاضطرابات النفسية والسلوكية مثل تدني تقدير الذات والعدوانية وانخفاض الروح المعنوية، الأمر الذي يجعلهم بحاجة إلى استشارات نفسية يتم تقديمها لهم من قِبل المتخصصين، كما يحتاج الأطفال الضعفاء أيضاً إلى هذا النوع من الاستشارات من أجل تعديل سلوكهم وتعزيز مستوى ثقتهم بأنفسهم واحترامهم لذواتهم.

من المعوقات التي تقف في وجه توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم المتمثلة في استراتيجية تقديم الإرشاد نذكر قلة المتخصصين المهنيين والمستشارين الاجتماعيين المؤهلين، ومن ثمَّ تكون زيارتهم للمدارس ودور الأيتام قليلة تكاد تكون مرة واحدة في السنة، الأمر الذي يجعل الأطفال الأيتام يواجهون تحدياتهم وحدهم، وهو ما يؤثر في أدائهم المدرسي وسلوكهم الاجتماعي؛ لذا من الضروري أن يحرص المعنيون على توفير عدد كافٍ من الاختصاصيين الاجتماعيين والنفسيين ليتولوا مهمة زيارة مدارس الأيتام بشكل دوري ومكثف.

2. تزويدهم بمهارات التوجيه الحياتي:

من الاستراتيجيات المتبعة في توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم نذكر ضرورة تزويدهم بالمهارات الضرورية لتوجيههم في الحياة اليومية ومواجهة التحديات الحياتية التي يمكن أن يمروا بها في مواقف الحياة اليومية من تنمر ومحاولات استغلال وغيرها من التحديات التي غالباً ما يلجأ الطفل إلى أسرته من أجل مواجهتها.

إنَّ مهارات التوجيه الحياتي التي يجب أن تحرص الجهات المعنية على تدريب المعلمين لتمريرها إلى الأطفال الأيتام من شأنها أن تجعلهم أكثر صلابة في تقبل الظروف، وأكثر مرونة في التعامل مع متطلبات الحياة ومصاعبها.

3. تقديم الدعم لأولياء الأمور:

يُعَدُّ تقديم الدعم اللازم لأولياء الأمور من ضمن استراتيجيات توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم، وهذا ما يمكن تطبيقه عندما يفقد الطفل واحداً من والديه ويبقى تحت رعاية الآخر، ويكون هذا الدعم ضرورياً من أجل إطلاع الولي على طريقة التعامل المثلى مع الطفل في غياب الشخص المتوفى، وكيفية تشجيعه على تفريغ مشاعره وتجاوز صدمة الفقد والحرمان.

إذا كان الأبوان يقومان عادة بدور متكامل في تنشئة الطفل فإنَّ غياب أحدهما قد يؤثر في توازن نمو الطفل ويشعره بوجود بعض الثغرات؛ لذا من الضروري التواصل مع ولي الطفل اليتيم وتنسيق مواعيد دورية بينه وبين هيئة المدرسة والمعلمين، من أجل إطلاعه على تطورات طفله الدراسية والمشكلات السلوكية التي قد تظهر في تصرفاته؛ وذلك بهدف وضع خطط متكاملة لحلها يتعاون على تنفيذها المعلمون والمربون.

كما يجب تنظيم ورشات عمل وندوات للآباء من أجل مساعدتهم على تفهُّم ضرورة استكمال الطفل اليتيم تعليمه المدرسي وبذل إمكاناته في سبيل تحقيق ذلك، ومن المفضل اشتراك هيئات فعالة في المجتمع في مثل هذه الندوات من أجل تقديم أنواع أخرى من الدعم لأولياء الأمور تساعدهم في أثناء رحلة تربية الطفل اليتيم وتنشئته بشكل متوازن.

إقرأ أيضاً: 7 تصرفات تفسد تربية الطفل حاول أن تتجنبها

نصائح هامة عن كيفية توفير الرعاية والدعم النفسي لليتيم:

إذا ما كنت مسؤولاً عن دار أيتام أو صاحب يد بيضاء أخذت على عاتقك مسؤولية رعاية طفل يتيم، فنحن نقدم لك مجموعة من النصائح عن كيفية توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم:

1. حفِّزه نحو المشاركة الاجتماعية:

إنَّ فقد أحد الوالدين أو كليهما يجعل الطفل اليتيم منطوياً على نفسه وخجولاً، لذلك فإنَّ النصيحة الأولى ضمن سلسلة النصائح المتعلقة بكيفية توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم هي محاولة دمجه في نشاطات اجتماعية من شأنها أن تعرِّفه إلى أناس جدد وتكسبه أصدقاء إضافيين يقوم باللعب معهم للخروج من انعزاله ووحدته ويساعدونه على فهم التجارب الحياتية بشكل أفضل.

2. عامله بتوازن:

النصيحة الثانية من مجموعة النصائح المتعلقة بكيفية توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم هي معاملته بتوازن، فبعضهم يحاول تعويض الطفل عن فقد أحد ذويه بتعاطف مبالغ فيه يجعله يفرط في تدليله والاهتمام به، الأمر الذي يجعل منه شخصاً متواكلاً كسولاً، أما بعضهم الآخر فقد يتعامل معه بقسوة ظناً منه بأنَّه يساهم في تقوية شخصيته وزيادة صلابته لمواجهة تحديات الحياة، الأمر الذي يجعل منه إنساناً قاسياً يكبت مشاعره، وإنَّ الحل هو التوازن بين الحالتين دون تطرُّف.

3. ارحمه:

قد ينتج عن الطفل تصرفات غريبة قد تكون مستفزة للمربي بسبب التخبط العاطفي الذي يمر به؛ لذا فإنَّ النصيحة الذهبية ضمن جملة النصائح المتعلقة بكيفية توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم هي التعامل معه برحمة والصبر على تصرفاته ومحاولة تقويمها بالحسنى دون إشعاره بالشفقة؛ لأنَّ ذلك يمكن أن يؤثر فيه تأثيراً سلبياً.

4. احتويه:

احتواء الطفل اليتيم من أهم النصائح المتعلقة بكيفية توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم، وهو يعني تقبُّله وتقبُّل ظروفه وتصرفاته وتوفير الملجأ الآمن له من قسوة الحياة، ومن الضروري جداً أن يشعر الطفل اليتيم بوجود شخص قريب منه يفضي له بأسراره، ويعترف أمامه بأخطائه دون خوف، ويطلب منه العون على مصاعب الأيام.

5. ربِّه بحب تربية صحيحة:

تعليم الطفل اليتيم مكارم الأخلاق وتشجيعه على تبنيها هو نصيحتنا الذهبية ضمن سلسلة النصائح المتعلقة بكيفية توفير الرعاية والدعم النفسي للطفل اليتيم؛ لأنَّ ذلك يجعل منه إنساناً قويماً في سلوكه وأخلاقه وعضواً بنَّاء في المجتمع، ولا يجب اتباع سلوك القسوة في تعليم الطفل اليتيم هذه الأخلاق؛ إنَّما باللطف والحب والكلمة الطيبة والحرص على تقديم كل ما يبهج الطفل اليتيم من هدايا أو دعم نفسي باستمرار دون انقطاع.

شاهد بالفيديو: 18 طريقة تجعل تربية الأطفال سهلة

في الختام:

إنَّ تقديم الرعاية الاجتماعية والدعم النفسي للطفل اليتيم لا يقلان أهمية عن المساعدات المادية واللوجستية، فإنَّه الإعداد الداخلي للطفل اليتيم ليكون إنساناً خلوقاً ومتوازناً ومتقبِّلاً لما مر به وجاهزاً لمتابعة مسيرته الحياتية بشكل سليم بعيداً عن الاضطرابات النفسية والسلوكية.




مقالات مرتبطة