كيفية تحقيق الأفضلية على المنافسين: تنمية "محصِّلة المواهب"

ابتُكر مفهوم "محصلة المواهب" على يد الفنان وعالِم الاقتصاد الأمريكي "سكوت آدامز" (Scott Adams) المشهور بتأليف قصة "دلبرت" (Dilbert) الهزلية، وتقوم فكرته على جمع المهارات العادية حتى تحقق التميز المطلوب في مجال عملك.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذٌ عن المدوِّنة "سيلستين تشوا" (Celestine Chua)، وتُحدِّثنا فيه عن كيفية تحقيق الأفضلية على المنافسين في مجال عملنا عبر تنمية مجموعة من المهارات المتوسطة الإضافية.

يقول "سكوت": "إنَّه ليس فناناً لامعاً"؛ إذ يوجد فنانون أمهر منه، وأنَّه ليس خبيراً بالأعمال؛ بل يوجد خبراء أدهى منه، حتى إنَّه لم يحضر دروساً في الكتابة في الجامعة، ومع ذلك ألَّف قصة "دلبرت" الهزلية الشهيرة التي وُوزعت في 65 دولة، يقول "سكوت": "إنَّ صافي ثروته يبلغ 75 مليون دولار، وتأتي معظمها من قصة دلبرت".

كما يقول: "عندما أجمع مهارتي المتوسطة بالأعمال التجارية، وأخلاقياتي الراسخة في العمل، وتحمُّلي للمخاطر، وحسِّ الدعابة المقبول لدي، فإنِّي أصبح إنساناً متميزاً، ويكون لتميُّزي قيمة تجارية".

من الهام استيعاب مفهوم "محصِّلة المواهب"؛ إذ يظن الناس عادةً أنَّ تحقيق النجاح مرتبط بتنمية موهبة من مهارة واحدة، وهذا الكلام منطقي بالنسبة إلى بعض المجالات؛ فبالنسبة إلى الطب مثلاً ينطوي التقدُّم الطبيعي على اختيار تخصُّص.

في مجال الرياضة يُدرَّب الفرد حتى يصل إلى الاحتراف، ونذكر هنا مثالاً لاعب الغولف الأمريكي "تايغر وودز" (Tiger Woods)، ولاعب كرة السلة الأمريكي "مايكل جوردن" (Michael Jordan)، أما في مجال التمثيل، فيطوِّر الفرد مهارات تمثيلية متفردة، ونذكر هنا الممثل والمنتج الأمريكي من أصول إيطالية "روبرت دي نيرو" (Robert De Niro)، والممثل الأمريكي "مورغان فريمان" (Morgan Freeman).

لكن فضلاً عن تحقيق التميُّز في مهارة واحدة، تستطيع أن تنتج الموهبة من وجود محصِّلة فريدة من المهارات التي لا يملكها أحد غيرك؛ إذ تُسخَّر مجموعة من المهارات لتقديم خدمات للعملاء بأسلوب متفرد لتصبح مميَّزاً ومتفرِّداً في مجالك.

أمثلة إضافية عن محصلة المواهب:

"ليزا إلفريدج" (Lisa Elfridge) وهي فنانة مكياج للمشاهير على منصَّة "يوتيوب" (YouTube)، انشهرت قبل أن تبدأ موقعها الإلكتروني وقناتها على "يوتيوب"؛ لكنَّ تأثيرها ونجاحها تضاعف بعد إنشاء القناة والتركيز على النصائح الجمالية ومستحضرات التجميل.

يعود السبب في تزايد شهرتها إلى تميزها في مجالها؛ إذ:

  • يعمل فنانو مكياج المشاهير مع عملائهم من أجل جلسات التصوير والإطلالات، ولا يقوم هؤلاء الفنانون بنشر أعمالهم على الإنترنت؛ بل إنَّ معظم التسويق الذاتي يحدث بعيداً عن المواقع الإلكترونية عبر التواصل مع العاملين في المجال والعلاقات وغيرها.
  • من ناحية أخرى، يُظهر خبراء المكياج على الإنترنت طريقة وضع مكياجهم الخاص، دون أن يخضعوا إلى تدريب احترافي؛ ومن ثَمَّ يعجزون عن تقديم نصائح احترافية عن المكياج المناسب لمختلف درجات لون البشرة، أو لنوع البشرة المختلف عن بشرتهم على سبيل المثال.

لدى "ليزا" محصلة مواهب فريدة من نوعها لخوض عالم الجمال شديد التنافسية:

  1. مهارات المكياج: تتمتع بمهارات مكياج احترافية.
  2. معرفة بمجال العمل: لديها خبرة فعلية بالعمل مع المشاهير.
  3. مهارات التقديم: تقدِّم نصائح المكياج بأسلوب مبسط ومفهوم، وتستخدم خلفية بيضاء، دون موسيقى أو حيل إنتاجية؛ أي إنَّها تعتمد على نفسها وعلى نصائحها الجمالية.
  4. مهارات إعداد الفيديو: تجيد إعداد مقاطع فيديو احترافية، أو أنَّها توظِّف أحد المحترفين في هذا المجال.

لدى المتخصصين بمكياج المشاهير المهارتان الأولى والثانية، أما خبراء المكياج على الإنترنت فيتمتعون بالمهارتين الثالثة والرابعة؛ لكنَّ "ليزا" استطاعت تسخير المهارات الأربعة لتصبح استثنائية في مجال عملها، وهذه هي محصلة مواهبها.

إقرأ أيضاً: ما وراء التمويل: ما على قادة الشركات معرفته بشأن الاستفادة من المواهب

مثال: التدوين

عندما بدأت بالعمل على مدوَّنتي، لم أكن كاتبة محترفة ذلك أنِّي لم ألتحق بدروس لتعلُّم الكتابة، وكانت مهاراتي بتصميم مواقع الويب متوسطة، لكن كانت لدي مهارات تسويقية واستراتيجية عمل جيدة، ومهارات تحليلية ممتازة، وشغف قوي لتحقيق التنمية.

استطعت عبر جمع هذه المهارات من تأسيس مشروع كوتشينغ ناجح على الرَّغم من المنافسة الشديدة، وهذه مجموعة المهارات التي أتمتع بها وتؤهِّلني للتميز في سوق العمل:

1. التسويق واستراتيجية العمل:

لا يتمتَّع معظم رواد الأعمال عبر الإنترنت بمعرفة تسويقية احترافية؛ فقد لاحظتُ أنَّ الإجراءات التي بدت سليمة منطقياً بالنسبة إلي في تسويق نشاطي التجاري لقيتْ استهجان الآخرين، وبعد أن دخلتُ مجال التدوين، لاحظتُ أنَّ لا أحد يهتم بمسائل استراتيجية العمل وإدارته كما يجب؛ إذ إنَّ معظمهم يدوِّنون بصورة عشوائية دون وصف المدوَّنة على أنَّها منصة استراتيجية لنشاطهم التجاري، واستمر هذا الوضع حتى عام 2010 عندما برزت الإمكانات التجارية للتدوين.

شاهد بالفيديو: 6 طرق مجانية للترويج لعملك الصغير

2. التصميم والبرمجة:

لا يملك معظم أصحاب المشاريع الإلكترونية أدنى فكرة عن تصميم مواقع الويب أو البرمجة، مما يؤدي إلى معاناتهم من مشكلات تقنية لأنَّ إدارة نشاط تجاري عبر الإنترنت أصبحت معقدة جداً في الوقت الحالي؛ إذ تستطيع أن توظف مصمِّماً؛ لكنَّك عندها ستتورَّط بمشكلة نقل أفكارك؛ أي بالفجوة بين غايتك وترجمة المُصمِّم وتطبيقه لهذه الغاية، حتى لو دفعت أجوراً عالية لمصمِّمين محترفين، ناهيك عن موضوع الصيانة المستمرة للمواقع الإلكترونية التي تتطلَّبها المواقع جميعها في الوقت الحالي.

3. الكوتشينغ:

مهاراتي في مجال الكوتشينغ فريدة من نوعها بسبب قدرتي على التحليل ومعالجة المشكلات المعقدة من خلال التركيز على تناول الأسباب الجذرية، ومن ناحية أخرى يقدِّم معظم الكوتشز حلولاً سطحية وبعض الدعم العاطفي، وبالنتيجة تستمر مشكلات العملاء؛ لعدم معالجة السبب الجذري.

4. الكتابة:

يمكن القول إنَّ مهاراتي في مجال الكتابة متوسطة؛ لكنَّها مقبولة وصالحة بالنسبة إلى المقالات، كما أنَّني أعمل باستمرار على تنمية مهاراتي الكتابية.

5. المهارات التحليلية:

تساعدني قدرتي في التعلم وتحليل المسائل على تجاوز مواضع قصوري في بقية المهارات اللازمة.

مذ بدأت العمل على مدوَّنتي، بذلت ما بوسعي لتنمية مهارات جديدة لأتميز عن المنافسين، وأذكر منها: مهارات التحدث أمام الجمهور والبث الصوتي (podcasting)، وتحرير مقاطع الفيديو وبناء العلاقات، وأستطيع باستخدام هذه المهارات المتنوعة أن أحافظ على صدارتي على الرَّغم من التغيرات المستمرة في سوق العمل.

مبدأ عمل محصِّلة المواهب:

تعمل محصِّلة المواهب وفق الطريقة الآتية:

  • عليك الاستفادة من المهارات التي تمتلكها لتحقيق الأفضلية على المنافسين في مجالات مثل: التسويق وبناء العلاقات ومهارات تقنية والتصميم وغيرها.
  • في حال لم يكن لديك مهارات معينة، تستطيع أن تنمِّي بعض المهارات لتتميز عن الآخرين.
  • تستطيع أن تدمج المهارات العادية وتصبح متميزاً بجهودك دون الاعتماد على الآخرين.

مثال: التوظيف

لنقل إنَّك مهندس برمجيات لامع في مجالك، قادر على تصميم البرمجيات وتطويرها بكل سهولة؛ لكنَّك مع ذلك متعثر في وظيفة تدفع لك الراتب نفسه سنةً تلو أخرى.

يتميز معظم مهندسي البرمجيات بكفاءتهم في مجال التقنيات؛ لكنَّهم يفتقرون إلى المهارات اللازمة لتسويق أنفسهم؛ لأنَّ دروس الهندسة والحوسبة لم تعلِّمهم أساليب تسويق أنفسهم؛ لذا تستطيع تكوين محصِّلة مواهب في هذه الحالة كما يأتي:

  • المهارات التقنية: لا بدَّ أن تتقن هذه المهارة بصفتك مطوِّر برمجيات.
  • بناء العلاقات: تستطيع أن تكوِّن علاقات بنَّاءة مع الآخرين في الشركة، وتبرز نفسك للإدارة، وتبني علاقات مع مسؤولي التوظيف والباحثين عن الكفاءات والأقران في قطاعات مختلفة؛ لتوسيع خياراتك الوظيفية، ومن الهام أن تتعلَّم استخدام موقع "لينكد إن" (LinkedIn) للتواصل مع زملائك في مجال العمل والحصول على عروض عمل محتملة.
  • التقديم: إمكانية تقديم نفسك تقديماً لائقاً، والتعبير عن أفكارك ببلاغة.
  • التسويق: أن تعرف أساليب تسويق نفسك واستثمار قدراتك ومواهبك في سوق العمل، وأن تكوِّن سيرتك الذاتية المملوءة بالإنجازات بدلاً من المسؤوليات.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتوظيف أفضل موظف ممكن

ليس بالضرورة أن تكون مخضرماً في مهارات التسويق أو التقديم أو بناء العلاقات؛ بل إنَّ بعض المعرفة ستجعلك تتميز وتحقق الأفضلية على الآخرين؛ لأنَّ المنافسين جميعهم في مجالك يفتقرون لهذه المهارات.

سأتحدث هنا عن أحد عملائي، وهو مطوِّر تقني تعلَّم في السنة الماضية مهارات تقنية متنوعة برزت أخيراً في سوق العمل؛ وذلك لتعزيز مهاراته، وقد ساهمت هذه الخطوة في زيادة احتمالات قبوله عند الترشح للوظائف، وفي الوقت نفسه، عملنا على مهاراته في التسويق الذاتي، وأجرينا بعض التحسينات على سيرته الذاتية؛ إذ ركَّز على الإنجازات بدلاً من المسؤوليات، وتعلَّم تسخير مهاراته وقدراته؛ وبنى أيضاً علاقات مع مسؤولي التوظيف والباحثين عن الكفاءات، وزملائه في مجال العمل لزيادة معارفه وشهرته في الوسط.

في النهاية، حصل على عرض عمل براتب يزيد بنسبة 60% عن الوظيفة السابقة

ما كان ليحصل على عرض بهذا المستوى لولا عمله على تنمية مهاراته، ولكان واصل عمله في شركته الحالية تحت رحمة عرضها المقدَّم، هذا ما حصل في الواقع في وظائفه السابقة؛ لكنَّه استطاع بسبب مهاراته الحالية التنقُّل ضمن مجال عمله بسهولة والحصول على عرض العمل المثالي، ومع أنَّ مهاراته في التسويق والتواصل ليست متميزة، فإنَّ امتلاك مجموعة من المهارات المناسبة تكفي لإعطائه الأفضلية على الآخرين.

تهدف "محصِّلة المواهب" إلى تجميع مهارات متنوعة لاكتساب أفضلية على المنافسين في القطاع الذي تعمل به، سواء كنت مدوِّناً أم موظفاً براتب أم صاحب شركة أم خبَّازاً أم مطوِّر برمجيات أم كوتش أم أي مهنة أخرى.

3 أسئلة موجَّهة إلى القارئ:

  1. ما هو القطاع الذي تعمل فيه؟ التدوين؟ الصحة واللياقة؟ تكنولوجيا المعلومات؟ الكوتشينغ؟ الأعمال التجارية عبر الإنترنت؟ "اليوتيوب" (YouTube)؟ أم ماذا؟
  2. ما هي المهارات التي يتنافس عليها العاملون في قطاعك؟
  3. فلنفترض أنَّ جميع العاملين في القطاع يمتلكون المهارات نفسها، عندئذٍ ما هي المهارات الجديدة التي تستطيع تعلُّمها لرفع قيمتك السوقية؟

مثال إضافي: الموسيقى

تميل الموسيقى الإلكترونية للصخب وتستخدم في الحفلات الصاخبة، والنوادي الليلية والمهرجانات، وقد تميز العازف والملحِّن الياباني "كيتارو" (Kitarō) عبر استخدام الأدوات الإلكترونية والعادية في تأليف موسيقا شرق آسيوية تُطرب وتسرُّ المسامع، وتُعدُّ مؤلفاته الموسيقية تغييراً منعشاً في صناعة الموسيقى الأمريكية.

إنَّه ليس الأبرع في العزف على جهاز المزج أو الفلوت أو الطبل؛ لكنَّ قدرته على دمج نمط الموسيقى الغربية مع العناصر الشرقية جعلته أحد أبرز الموسيقيين في العصر الحديث، مع مبيعات تزيد عن 100 مليون نسخة حول العالم من ألبوماته التي يبلغ عددها 50 ألبوماً.

تكمن "محصِّلة المواهب" الخاصة بالعازف "كيتارو" بمهاراته في العزف على جهاز المزج، ومعرفته العامة بالموسيقى (عبر التعلم الذاتي)، وإلمامه بالثقافة الشرقية، واتصاله مع الطبيعة بوصفه يعيش في الجبال لاستلهام مؤلَّفاته الموسيقية.

إقرأ أيضاً: كيف تحتفظ بأفضل الموظفين لديك؟

ختاماً:

نقدِّم فيما يأتي مجموعة من المهارات التي تستطيع تنميتها لتأسيس "محصِّلة المهارات" الخاصة بك:

  • التحدث أمام الجمهور.
  • التسويق.
  • البرمجة (لتوجه عالمنا الحالي نحو البرامج والتطبيقات والأجهزة الرقمية).
  • التسويق عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
  • إدارة الأعمال.
  • أي مهارة أخرى تثير شغفك.

في الختام:

نذكِّر مجدداً بعدم ضرورة التفوق في المهارات جميعها؛ بل إنَّ مجرد تعلُّم مهارات جديدة تؤمِّن لك خيارات عدة، فقد يكون تعلُّم مجموعة من المهارات المختلفة ودمجها طريقة فاعلة لاكتشاف الشغف والموهبة بالنسبة إلى بعض الأشخاص بدلاً من مجرد الجلوس وانتظار الفرصة المناسبة.




مقالات مرتبطة