كيفية بناء ثقافة من الحرية والمسؤولية

في هذا المقال، تُجيب الاستشارية التنفيذية في قسم الموارد البشرية ومؤلِّفة كتاب: "القوة الحقيقية: ثقافة الحرية والمسؤولية" (Powerful: Building a Culture of Freedom and Responsibility)، باتي ماكورد (Patty McCord)، عن بعض الأسئلة، بالإضافة إلى مشاركة مقتطفات من كتابها.



1. ماذا تقصدين عندما تقولين إنَّ الناس يأتون إلى العمل بكامل نضجهم وبأنَّه يجب معاملتهم بهذه الطريقة؟

عندما نتحكم بسلوكات الناس باستخدام القواعد والسياسات، بدلاً من تثقيفهم ومكافأة حسن التقدير، فإنَّنا نستنفد طاقتهم، فعندما نفرض أنَّ الناس لديهم نوايا حسنة ويريدون تقديم العمل الجاد، تنخفض الحاجة إلى السيطرة.

2. يوجد قول للمدير التنفيذي السابق لشركة ثري أم (3m)، ويليام إل ماكنايت (William McKnight) مفاده: "يجب على القادة أن يوظفوا الأشخاص الجيدين ويدعوهم وشأنهم"؛ ولكن هل الأمر حقاً بهذه البساطة؟

من الناحية النظرية، الأمر أحياناً بسيط فعلاً، ولكن أولاً، يتطلب الأمر أن تكون النتائج واضحة، وكيف يبدو النجاح وسياقه، ويُحقِّق الحوار المستمر والتغذية الراجعة حول ما يحاول الفريق تحقيقه أفضل النتائج، والمشكلة في هذه المقولة البسيطة، هي أنَّ العمل الجيد نادراً ما يُنجَز إنجازاً فردياً.

3. هل لاحظتِ أنَّ مبادئك المتمثلة في الصدق التام والاستقلالية، تؤثر في الانطوائيين والمنفتحين تأثيراً مختلفاً؟

بالنسبة إلينا جميعاً، فإنَّ الصدق التام يتطلَّب الممارسة ولا يمكن إتقانه أبداً، فلا يعرف معظم الناس كيف يقدمون تغذية راجعة صارمة بلطف واحترام، ويواجه الانطوائيون صعوبةً في التعبير عن أفكارهم عند إجراء نقاش، لكنَّهم غالباً ما يكونون واضحين في أثناء الكتابة أو عند التفكير، وكثيراً ما يغفل كِلا النوعين من الناس تأثير التغذية الراجعة الإيجابية في وقتها.

تتكون الفِرق الرائعة عندما يعرف كل عضو وجهته وماذا يجب أن يفعل لكي يصل إلى ما يريده، فالفِرق الرائعة لا تتشكل عبر تقديم الحوافز والامتيازات؛ وإنَّما من خلال توظيف الأشخاص الموهوبين والناضجين، والذين يحتاجون إلى مواجهة التحديات، ثم التواصل معهم بوضوح واستمرار حول طبيعة هذه التحديات.

شاهد بالفيديو: أهم أسباب الفشل في العمل

الفلسفة السائدة للإدارة اليوم، هي أنَّه إذا كنت تريد الحصول على إنتاجية كبيرة من الناس، فيجب عليك أولاً تحفيزهم من خلال تقديم الحوافز، ثم التأكد من أنَّهم يعلمون أنَّك تدفعهم للشعور بالمسؤولية تجاه أعمالهم؛ حيث يوجد لدى العديد من الشركات أهداف قسم وأهداف فريق وأهداف فردية وعملية سنوية رسمية لقياس الأداء مقابل تلك الأهداف.

يُعد هذا التنظيم منطقياً ومعقولاً جداً، لكنَّه لم يعُد مناسباً لاستخدامه في العمل عن بُعد، وعندما تخبر الموظفين: "إذا نفذتم مهمةً ما، فستحصلون على مكافأة معينة"، يُفترض عندها وجود نظام عمل ثابت، ومع ذلك، لا يوجد عمل ثابت اليوم، والأهم من ذلك، على الرغم من أنَّ المكافآت رائعة، فلا توجد مكافأة أفضل من المساهمة مساهمةً كبيرةً في مواجهة التحديات.

مقتطفات من كتاب "القوة الحقيقية: بناء ثقافة الحرية والمسؤولية":

إنَّ نهج معظم الإدارات المعتاد هو تحقيق الأهداف، وهو أمر خاطئ جداً، فعادةً ما تجعل الجداول الزمنية التي نضعها والنظام المعقَّد الذي نشكله لقيادة الفِرق ومراقبة النتائج، تحقيق الأهداف أكثر صعوبةً ممَّا ينبغي.

إقرأ أيضاً: 3 طرق تساعدك على إيجاد ثقافة الشركة التي تناسبك

تستمتع الفِرق العظيمة بالتحديات:

عندما أقدِّم خدماتي الاستشارية للشركات الناشئة، أشعر بالحماسة الشديد حينما أعمل مع أولئك الذين اكتشفوا أنَّهم بدؤوا بخسارة أموالهم التي استثمروها، وأنَّهم يواجهون تحديات صعبة فعلاً؛ ومع ذلك تمكنوا من صنع فِرق رائعة؛ حيث تتشكل الفِرق العظيمة عندما تكون الأمور صعبة، وعندما يتعين عليك العمل بجد لتحقيق كل ما تسعى إليه أنت وفريقك.

عندما أسعى لتوظيف أحدهم، أبحث عن شخص متحمس فعلاً بشأن المشكلات التي يتوجب حلَّها، وعندما تكلِّف موظفيك بمشكلة كبيرة يجب عليهم معالجتها، وعندما تختار الأشخاص المناسبين، فإنَّ ذلك هو أفضل حافز للجميع؛ حيث يعتقد معظم الناس أنَّ للأشخاص الذين يكتشفون المشكلات دور هام في الشركة، لكنَّني لا أقتنع بذلك، فأي أحد قادر على إيجاد المشكلات؛ إلا أنَّ ما يهم فعلاً هو قدرتهم على حلها؛ لذا عليك أن تبحث عن أولئك الذين يعشقون حل المشكلات.

أخبرني نيل بلومنتال (Neil Blumenthal) وديف جيلبوا (Dave Gilboa)، مؤسسا شركة واربي باركر (Warby Parker): أنَّه من الممتع بناء الشركة الآن؛ وذلك لأنَّها تزداد تعقيداً حقاً عند إطلاقها كمتاجر تقليدية؛ إذ يجب عليهم دمج تجربة المتاجر على أرض الواقع مع تجربة الخدمات عبر الإنترنت، ويعد هذا الأمر تحدياً حقيقياً، ولا عجب أنَّ العلامة التجارية ناجحة جداً، وقد يختار بعض القادة الاستقرار عند النمو الذي حققوه بالفعل، لكن يسعدهم أن يواجهوا مشكلات أكثر صعوبةً.

اسأل أي شخص ناجح جداً عن أجمل ذكرياته في حياته المهنية، وسيخبرك حتماً عن النضال والكفاح الذي واجهه في بداية مشواره، أو بعض التحديات الصعبة التي كان يتوجب عليه التغلب عليها.

إقرأ أيضاً: 6 طرق مبتكرة لزيادة الوعي بالعلامة التجارية

لقد أجريت مناقشة رائعة حول هذا الأمر مع توم ويلرير (Tom Willerer)، نائب الرئيس السابق للمنتجات المبتكرة في شبكة نيتفليكس (Netflix)، والذي انتقل للعمل في منصة كورسيرا (Coursera)، مزود التعليم المبتكر عبر الإنترنت، وعندما سألته عمَّا أعجبه خلال مرحلة بناء الشركة، روى قصة حول إنجاز يبدو مستحيلاً أنجزه فريقه؛ ففي بداية السنة المالية، قرر الفريق التنفيذي أنَّه يجب على الشركة مضاعفة إيراداتها بحلول نهاية العام؛ ولذلك قرر هو وفريق الإنتاج أنَّهم سيحققون ذلك الهدف من خلال إطلاق خمسين دورةً تدريبيةً جديدةً بحلول شهر أيلول، وقبل أسبوعين من تاريخ إطلاق الدورات الجديدة، كانوا غير متأكدين من قدرتهم على تنفيذها، ومع ذلك نجحوا في ذلك، ونجحت الاستراتيجية نجاحاً رائعاً، لقد شهدوا ارتفاعاً مباشراً في الأرباح".

يقول توم إنَّه عندما انضم إلى العمل مع الشركة لم يكن متأكداً من أنَّها ستحقق النجاح خلال خمس سنوات، كما يقول: "أشعر أحياناً أنَّني سأفقد شيئاً هاماً مقابل القيام بذلك، لكنَّ الأمر يستحق العناء؛ وذلك لأنَّني أفعل أمراً هاماً وأضيف شيئاً إلى العالم، وهذا ما يحفِّز الناس"، فهذه هي الحماسة التي يجب أن يشعر بها معظم الناس تجاه أعمالهم.

كان احتمال تقديم المساعدة على إنشاء شركة توفر للموظفين تلك الفرصة هو سبب انضمامي إلى شركة نيتفليكس، على الرغم من اعتقادي أنَّني لن أعمل في شركة ناشئة مجدداً، وعندما تلقيت مكالمة في الثانية صباحاً في عام 1997، عرفتُ أنَّه المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لنتفليكس، ريد هاستينغز (Reed Hastings)؛ حيث لم يتصل بي أحد في مثل هذا الوقت مسبقاً.

لم يكن ريد من الأشخاص الذين يسمحون للنوم بإعاقة فكرة جيدة، وقد شاركني الكثير من أفكاره في وقت متأخر من الليل عندما عملت معه في شركة بيور سوفت وير الناشئة (Pure Software) الخاصة به، وبعد أن باع حصته في الشركة، عاد إلى الجامعة وبدأت أنا بالأعمال الاستشارية، وكنَّا نعيش في المدينة نفسها وكانت تربطنا علاقة وثيقة.

لقد أخبرني في تلك الليلة أنَّه يرغب في الانضمام إلى نيتفليكس، وأجبته: "تبدو خطوةً مهنيةً جيدةً، ولكن لماذا تخبرني بهذا الأمر في الثانية صباحاً؟" ثم سألني إذا كنت أرغب في الانضمام معه وأجبته: "مستحيل، لقد قضيت وقتاً رائعاً في شركة بيور".

ولكن بعد ذلك قال: "ألن يكون من الجيد إنشاء شركة نرغب حقاً في العمل فيها؟"، حينها سألته: "إذا فعلنا ذلك، كيف ستعرف أنَّه سيكون أمراً عظيماً؟" فقال: "أود القدوم إلى العمل كل يوم وأحل هذه المشكلات مع هؤلاء الأشخاص".

لقد عبَّر ريد في كلامه هذا عمَّا يريده الناس بالضبط من العمل، وهو أن تكون قادراً على القدوم والعمل مع الفريق المناسب المكون من الأشخاص والزملاء الذين يمكن الوثوق بهم، وبحيث يمكنكم التركيز على القيام بعمل رائع معاً.

المصدر




مقالات مرتبطة