كيفية إيجاد الامتنان حين تسوء حياتُنا بالكامل

أجريتُ برفقة زوجتي "آنجل تشيرنوف" (Angel Chernoff) مؤخَّراً مقابلةً مع إحدى العاملات في فندق في مقاطعة "ميامي" (Miami)، والتي تتقاضى الحد الأدنى من الأجور؛ وذلك من أجل أحد المشاريع التي نعمل عليها لدعم كتابنا الذي صنَّفته صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) ضمن قائمة أكثر الكتب مبيعاً والمُسمَّى "العودة إلى السعادة: غيِّرْ أفكارَك وواقعك وحوِّلْ تجاربك إلى انتصارات" (Getting Back to Happy: Change Your Thoughts, Change Your Reality, and Turn Your Trials into Triumphs)، وقد سألناها إن كانت تحب عملها، لتدهشنا بابتسامة عريضة وحماسة منقطعة النظير، وتستعدَّ نفسياً أخيراً إذ ردت قائلةً: "لن تصدق كم أحبُّ عملي؛ إذ أتمكَّن من إسعاد العشرات من نُزلائنا يومياً، بالإضافة إلى توفير الطعام لطفليَّ الجميلَين في الوقت نفسه".



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن الكاتب "مارك كرنوف" (MARC CHERNOFF)، ويُحدِّثنا فيه عن كيفية إيجاد الامتنان في مواقف الحياة المختلفة. 

ثمَّ التقينا بعائلةٍ مُكوَّنة من ستة أشخاص في بهو الفندق نفسه بعد 30 دقيقة؛ إذ كان أفرادها يقضون الوقت بالتسلية والضحك ويتشاركون قصصَهم ويتناوبون على قراءة مُقتطَفات واقتباساتٍ من أحد الكتب، وقد لفتَ حضورهم المُبهِج انتباهنا فسألناهم عن المكان الذي يقطنون فيه، فأجابنا الأب: "نحنُ نقطن في الفندق هذا حالياً؛ فمنزلنا احترق بالكامل في الليلة الماضية، إلَّا أنَّنا خرجنا منه جميعاً سالمين بأعجوبة، ممَّا يجعل يومنا هذا جيداً ورائعاً جداً".

لقد كان هذان الموقفان بمنزلة تحذيرَين متتاليَين لنا لإيقاظنا من غفلتنا، فثمَّة دوماً أمرٌ ما في الحياة يجب أن نكون مُمتنِّين لأجله وشاكرين لامتلاكه، وفي كتابي المذكور آنفاً، أُشارك الفقرة الآتية المأخوذة من دفتر يوميات جدَّتي والتي دوَّنَتها بتاريخ 9-16-1977 إذ تقول: "أجلس اليوم في سريري بالمُستشفى بانتظار إجراء عمليةٍ لاستئصال الثديين، ولكنَّني أشعر بأنَّني محظوظةٌ بطريقة غريبة؛ إذ لم أعانِ من أيَّة مشكلات صحية في حياتي حتى الآن، وأنا امرأةٌ تبلغ من العمر 69 عاماً، وتجلس في الغرفة الأخيرة في نهاية الممر قبل بداية قسم طب الأطفال في المستشفى، وقد شاهدت خلال الساعات القليلة الماضية العشرات من مرضى السرطان الذين يُدفعون وهم جالسون في الكراسي أو الأسرَّة المتحركة والذين لا يتجاوز أي منهم السابعة عشر من عمره".

لقد كان كلامُها هذا مُعلَّقاً في مكتبنا المنزلي على مدار العقدَين الماضيَين كي يذكِّرَني و"آنجل" باستمرارٍ بالشعور بالامتنان والشكر لما لدينا في السراء والضرَّاء؛ إذ نبذل ما في وُسعنا كي نستيقظ كلَّ يومٍ مُمتنَّين لحياتنا مهما كانت النِّعَمُ التي نحصل عليها أو المشكلات التي تواجهنا؛ لأنَّ ثمَّة أشخاصاً آخرين في أماكن أُخرى من هذا العالم يُحاربون باستماتةٍ للحفاظ على حياتهم.

أريدك أن تفكِّر بحياتك الخاصة؛ لأنَّك إن كنتَ كباقي البشر، فعلى الأرجح أنَّك لا تتخلَّى عن الصورة التي تظنُّ بأنَّ حياتك يُفترَض أن تبدو عليها، وتقدِّر حياتك بإخلاصٍ بكل ما فيها بدلاً من ذلك؛ وذلك لأنَّ الحديث عن إيجاد الشكر والامتنان الصادق الحقيقي أسهلُ بكثير من ممارسته في ظلِّ صخب وضجيج الحياة التي نعيشها اليوم، ولا سيَّما خلال الأوقات العصيبة.

مع أنَّني وزوجتي كبرنا في ظلِّ ظروف صعبة حقاً ونجحنا في تخطيها والتغلب عليها - وهو ما سأتطرَّق إلى الحديث عنه في نهاية هذا المقال - فإنَّنا يجب علينا أن نكون صادقين ونقرَّ بأنَّنا نختلق المأساة في حياتنا من حوادث ومشكلاتٍ ثانوية وغير هامَّة معظم الوقت؛ إذ نخاف ونفقد صوابَنا ونسمح للتوتر بأن يتملَّكنا تماماً حين لا يسير أمرٌ ما في حياتنا كما هو مُخطَّطٌ له بدقة، بدلاً من التعلُّم من التجربة التي مررنا بها، أو نقاوم الأجزاء الصغيرة من التقدُّم التي يمكننا إحرازها بسبب عدم قدرتنا على تحقيق كل ما نريده معاً في الوقت ذاته.

سأوكل إليك اليوم تحدِّياً يتمثَّل بأن تبدأ باختيار خيارات مختلفة، وألَّا تسمح للأشياء الخارجة عن نطاق إرادتك وتحكُّمك بالسيطرة عليك؛ إذ يحدِّد السلوك والمواقف التي نتخذها سيرَ أي من أيامنا العادية، فإمَّا نقود أنفسنا نحو السلام أو التوتر النفسي؛ إذ يتعلَّق الأمر كلياً بنظرتك إلى موقف ما والطريقة التي تقرِّر أن تتصرَّف بها خلاله والتذكُّر الدائم بأنَّه لا يوجد أمورٌ مؤكَّدة أو يقينٌ مُطلَق في الحياة، وأنَّنا لا نعرفُ ما يخبِّئه لنا المستقبل تماماً.

لذا فإنَّ أفضل استراتيجية للعيش في هذه الحياة هي الاستفادة بأفضل طريقة ممكنة من اللحظة الراهنة واستخلاص الأمور الأكثر إيجابيةً منها، حتَّى وإن كانت هذه اللحظة بعيدة عن المثالية والكمال؛ بل إنَّك يجدُر بك تطبيق هذه الاستراتيجية خصوصاً في اللحظات البعيدة عن المثالية.

لقد أوصلتك حياتك بكل ما فيها من تقلُّبات وتجارب غير مُتوقَّعة ومُنعطفات ومِحَن إلى هذه اللحظة الراهنة، وقد تطلَّب الأمرُ كلَّ موقفٍ مؤلمٍ وكلَّ وضعٍ مُعقَّدٍ ومُربك ومُبهَم تعرَّضتَ له في حياتك لإيصالك إلى الوقت والمكان الحالي، وإن كنتَ تملك الشجاعة للاعتراف بأنَّك خائفٌ قليلاً، والقدرة على الابتسام حتى وأنت تبكي، والجرأة كي تطلب المساعدة عندما تحتاج إليها، والحكمةَ لقبول المساعدة حين تُقدَّم إليك، فأنت تملك كل ما تحتاج إليه، وما عليك سوى الإيمان بذلك وتصديقه كي تتمكَّن من الانتقال إلى الخطوة التالية.

لذا سنلقي نظرةً سريعة على بعض الطرائق التي تساعدك على إيجاد الامتنان الصادق والحقيقي حين لا يكون لديك أي شيء واضح في حياتك يدعو للامتنان وحين تسير كل أمورك على نحوٍ خاطئ، فغالباً ما نعدُّ الأوقات العصيبة كهذه أموراً لا نحبُّها، كالتعامل مع موقفٍ صعب أو شخصٍ قاسٍ وعنيد، أو المعاناة بسبب التعرُّض لأحد تغيُّرات الحياة القاسية، أو خسارة شخصٍ نحبُّه، وما شابهها من المواقف العصيبة، فإنَّها ليست أوقاتاً جيدة أو ممتعة، ولا ألمِّح هنا إلى أنَّنا يجب أن نبتهج ونعبِّر عن سعادتنا في العيش على الرَّغم من تجارب الحياة المؤلمة والمُحبِطة، لكن ثمَّة طرائق تمكِّننا من إيجاد الامتنان الصادق فيما نكبُر ونتقدم بالعمر مروراً بتلك التجارب.

شاهد بالفيديو: 5 طرق للعيش بحالة من الامتنان كل يوم

فيما يأتي بعض الأمثلة القوية على كيفية القيام بذلك بالضبط:

1. كيفية إيجاد الامتنان عند العيش والاحتكاك بأشخاص قاسين وعنيدين:

نحن نتوقع عادةً من الناس أن يتصرفوا بطريقة مُعيَّنة، وننتظر منهم تحديداً أن يتعاملوا معنا دوماً بلطفٍ وعدلٍ ونزاهةٍ واحترام، ولكنَّ تصرُّفات بعض الناس لن تطابق توقعاتنا؛ إذ تجدهم ينفعلون ويفقدون أعصابهم، أو يتصرفون بحماقة، بصرف النظر عن الطريقة التي نعاملهم بها، وهو ما يجب عليك تقبُّله والتسليم به.

أنا لا أدعوك في هذه الحالة إلى تخفيض مستوى معاييرك عن نوعية الأشخاص الذين يجدر بك التعامل معهم؛ بل عليك تذكير نفسك بأنَّ التخلُّص من توقعاتك من الآخرين هو أفضل طريقة لتجنُّب الشعور بخيبة الأمل والإصابة بالحزن والإحباط بسببهم، وخصوصاً بالنسبة إلى الأشخاص العنيدين وصعبي المراس؛ إذ سينتهي بك الأمر حزيناً ومُحبطاً إن توقَّعت أنَّ الآخرين سيقدِّمون لك دوماً مثلما تقدِّم لهم، فلا يمتلك الجميعُ جوهراً وقلباً ونوايا مماثلة لما تمتلكه، إضافة إلى أنَّ الامتنان الصادق والمخلص لا يملأ قلوب الجميع.

حين تُضطَرُّ إلى التعامل مع شخصٍ صعب المراس، يمكنك أن تكون ممتناً لوجود أشخاص آخرين في حياتك يتمتَّعون بشخصيات أقلَّ صعوبةً وعناداً منه بكثير، كما تستطيع أن تكون ممتناً لجعله وسيلةً تمكِّنك من التدرُّب وتطوير مهاراتك في الصبر والتواصل وتخفيض توقُّعاتك عن الآخرين، ويمكنك كذلك جعل هذا الشخص معلِّماً يساعدك دون قصدٍ على أن تصبح شخصاً أقوى، ويمكنك على أقل تقدير أن تكون ممتناً لهذا الشخص لكونه بمنزلة تذكير كبير كي لا تصبح مثله يوماً ما.

2. كيفية إيجاد الامتنان في حالة التذمُّر والشكوى:

لقد أنشأ معظمنا عادةً خفيةً بالتذمُّر والشكوى بخصوص حياته، وقد لا نلاحظ حتَّى كم من مرةٍ نفعل ذلك، ولكنَّنا نشعر بالاستياء والمرارة مباشرةً في كل مرة نشهد فيها بعضَ التوتر في حياتنا بسبب عدم سير أمورنا كما نرغب تماماً، إذ يُعَدُّ الشعور بالاستياء شكلاً من أشكال التذمُّر، وهي إحدى الطرائق الشائعة التي نُهدِر حياتنا من خلالها.

يُعدُّ الامتنان ترياقاً يعالج ويُبطل تأثير ما سبق؛ ففي كل مرة تلاحظ أنَّك تشعر بالاستياء أو تتذمَّر بشأن أمر ما، عليك أن تنتبه لوجود قصةٍ ما في ذهنك تدفعك للشعور بتلك الأحاسيس وتقتصر على الطريقة التي ينبغي أن تكون حياتك عليها، وتلاحظ بأنَّك مَن يسمح لتلك القصة أن تسيطر عليك وتهيمن على حياتك، ومن ثمَّ عليك أن تجدَ وسيلةً أبسط لتشعرَ بالامتنان بدلاً من تلك المشاعر، وربَّما يمكنك أن تسأل نفسَك السؤالَين الآتيين في سبيل ذلك:

  • ما الذي يمكن أن تكون ممتنَّاً له الآن، إن كنت تريد حقاً الشعور بالامتنان؟
  • ما الذي يمكنك أن تقدَِّرَه في اللحظة الراهنة؟

أنصحك جدياً بالتفكير في سببٍ جيدٍ واحد فقط يدفعُك لأن تكون إيجابياً حين تعطيك الحياة كلَّ الأسباب والآلام لتكون شخصاً سلبياً ومتشائماً، وتذكَّر بأنَّه يوجد دوماً شيءٌ ما يدعوك للشعور بالامتنان لأجله.

3. كيفية إيجاد الامتنان عند الشعور بالإرهاق والارتباك:

يرهقنا أحياناً الأشخاص والأماكن التي ألفناها ونعتمد عليها والمواقف والالتزامات التي نتعامل معها يومياً، وخصوصاً حين تستخفُّ بها وتُصبح من المُسلَّمات بالنسبة إلينا، ولا بدَّ أنَّك لاحظت أنَّك كلَّما اعتدت أكثر على علاقة مذهلة أو وضع رائع في حياتك، تستخفُّ بها وتعدُّها من المُسلَّمات، ومن ثمَّ عندما تصبح تلك العلاقة غير ضرورية وأكثر قابليةً للاستغناء في عقلك الباطن، يربكك الأمر في أيامك المزدحمة والمليئة بالنشاطات، وتشعر بطريقةٍ ما أنَّ هذا الأمر الرائع في حياتك يعترض طريقك ويعوق تطوُّرك، مع أنَّ ذلك ليس حقيقياً فعلاً، فأنتَ وحدَك الذي تعوق تطوُّر نفسك.

إذ إنَّنا غالباً ما نستخف بأكثر الأشياء التي تستحقُّ الامتنان في حياتنا؛ لذا عليك أن تتحدى نفسك لقلب وتغيير منظورك للأمور في لحظات الارتباك والانهزام التي تمر بها باستخدام طريقة بسيطة لإعادة النظر في الأمور، وتُدعى: "وأنا أحبُّه"، والتي هي عبارةٌ يمكن استخدامها في نهاية أيَّة فكرة مربكة، وفيما يأتي بضعةُ أمثلةٍ لاستخدامها كي تساعدك على ذلك أيضاً:

  • يجب عليَّ الذهاب للتسوُّق لشراء الحاجيات، ودفع الفواتير، وإحضار أطفالي من المدرسة خلال ساعة، وأحبُّ فعل ذلك جداً.
  • صندوق الوارد الخاص بي مليءٌ برسائل البريد الإلكتروني من العملاء والتي ينبغي عليَّ الردُّ عليها اليوم، وهو ما أحبُّ فعلَه جداً.

إذاً؛ دع الطريقةَ السابقة تمنحك المنظور الذي ترغب به؛ لأنَّ الأشياء اليومية التي تربكنا غالباً ما تكون نعماً مخفية، وسنتطرَّق الآن لبعض الأشياء الأكثر صعوبةً.

4. كيفية إيجاد الامتنان بعد فقدان وظيفتك:

لا يعتمد الربحُ في لعبة الشطرنج على التقدُّم للأمام فقط؛ بل عليك أن ترجع للوراء أحياناً كي تضع نفسك في موقعٍ تتمكَّن من الربح فيه، ويمكن تطبيق هذا التشبيه على عملك في الحياة أيضاً؛ فعلى الرَّغم من شدة الألم التي قد تشعر بها بعد خسارة وظيفتك، إلَّا أنَّها نهايةٌ تقود إلى بداية كل الأمور التي ستحصل في حياتك بعد ذلك؛ إذ يمكنك استثمار تلك الخسارة بالسماح لنفسك باستبدال عبء النجاح وثِقَل همِّه الذي كنت تشعر به بخفَّة وإشراق الشخص المبتدئ مرةً أخرى.

كما يمكنك جعل هذه الانطلاقة الجديدة بدايةً لقصةٍ مختلفة في حياتك، وفرصةً لإنعاش حياتك وتحديثها، وإعادة ابتكار الشخص الذي أنت عليه، ويجدُر بك كذلك النظر إلى الجمال في هذه الفرصة المتمثِّل بالحرية والتحرُّر من روتينٍ ثابت على أنَّه أساسٌ متين يمكنك من خلاله إعادة بناء جوانب مُعيَّنة من حياتك بالطريقة التي أردتها دوماً.

إذاً، ذكِّر نفسَك كلَّما دعَت الضرورة بأنَّك تستطيع الامتنان للحظاتِ التحوُّل في حياتك، ولقدرتك على دفع نفسك نحو حالة التعب وانعدام الراحة الناجمة عن سعيك إلى إتقان إجراء مقابلات التوظيف أو تعلُّم مهارات جديدة أو الانتقال لمستوى أعلى، كما يمكنك إيجاد الامتنان للفرصة التي سمحت لك بأن تصبح شخصاً أقوى، حتى في وسط آلام التطوُّر التي قادتك إلى تلك المرحلة في النهاية.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك

5. كيفية إيجاد الامتنان في وسط الأمراض والمشكلات الصحية:

نكره جميعاً الآلام الناجمة عن المشكلات الصحية، وعادةً ما نتعذَّر بأنَّنا لا نملك ما نشعرُ بالامتنان لأجله حين نعاني من تلك الآلام؛ وذلك بسبب نسياننا لأمر هام يتعلَّق بما نمرُّ به، وهو أنَّ الأحياء فقط هم مَن يشعرون بآلام تلك الأمراض أو المشكلات، وهم الذين ما زالوا يملكون فرصة العمر وحياةً كاملةً لعيشها.

أخبرَتني صديقتي المُقرَّبة قبل عامَين في اليوم قبل الأخير من حياتها بأنَّ الشيءَ الوحيد الذي تندم عليه هو أنَّها لم تقدِّر كلَّ سنةٍ من حياتها بنفس الشغف والشعور بالهدف الذي كانت تتمتع به في العامَين الأخيرَين من حياتها بعد أن شُخِّصت إصابتها بالسرطان في مرحلةٍ نهائية مميتة، وكانت كلماتُها لي: "لقد حقَّقتُ كثيراً من الإنجازات مُؤخَّراً، وقدَّرتُ قيمة كل خطوةٍ اتخذتها بصدق، وأتمنَّى لو أنَّني علمت بمرضي، فعندها كنت لأبدأ بذلك في وقتٍ أبكر".

لقد دفعتني تلك الكلمات إلى البكاء والابتسام بالوقت ذاته، وقد كانت رؤيةُ الامتنان الصادق والحقيقي في عينيها في تلك اللحظة أمراً مُذهلاً وإعجازياً حقاً؛ إذ كانت ممتنةً فعلاً لقدرتها المُدهِشة على تحقيق كل ما أنجزته خلال عاميها الأخيرين، وقد بقيَ شعورها ذلك معي دوماً؛ لذا مع أنَّني أرى أنَّ المشكلات الصحية ليست ممتعةً أبداً، ويمكن أن تكون في مُعظَم الحالات مؤلمةً ومُوهنةً للجسم، لكن يمكن التخفيف من آلامها بواسطة الشعور بالامتنان لكوننا على قيد الحياة، وللفرصة التي ما زلنا نمتلكها للتقدُّم في الحياة، ولأنَّنا ما زلنا نملك حياةً ما تزال جديرةً بالعيش في كلِّ لحظاتها الثمينة.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك

6. كيفية إيجاد الامتنان عند وفاة أحد أحبائك:

يُعَدُّ الموت أحد أصعب الحقائق المُطلقة، والتي ينبغي لنا تحملها والتكيُّف معها، فالشخص الذي كان يُضفي معنىً لحياتنا لم يعُد الآن فيها - على الأقل لم يعُد معنا بشحمه ولحمه - ولم نعُد كما كنَّا بعد فقدانه؛ إذ يجب علينا أن نغيِّر من أنفسنا بعد الآن، فقد يتحوَّل أحدهم بعد فقدان شخصٍ عزيزٍ عليه إلى أبٍ دون ابنته، أو صديقٍ حميم يجلس وحده، أو أرملةٍ بدلاً من زوجة، أو جارٍ مجاور لشخصٍ جديد، ونشعر برغبةٍ في عودة الحياة إلى ما كانت عليه قبل وفاة ذلك الشخص، ولكنَّها مع ذلك لن تكون كذلك أبداً.

لكن، ما زالنا نستطيع أن نشعر بالامتنان لامتلاكنا هبة وجوده في حياتنا، وقد عانينا أنا وزوجتي من فقدان الأشقاء والأصدقاء المُقرَّبين، إمَّا بسبب المرض أو الانتحار؛ لذا فإنَّنا نعلم بناءً على خبرتنا بأنَّ الإنسان عندما يفقد شخصاً لا يستطيع تخيُّل الحياة من دونه، وينجرح في قلبه وصميمه جرحاً عميقاً، ولا يتمكَّن من تجاوز الخسارة والشفاء منها تماماً، ولا يستطيع نسيان فقيده العزيز أبداً.

على أي حال، لقد تعلَّمنا بطريقة عكسية وبالتدريج أنَّ ما سبق يمثِّل بشرى سارة أيضاً؛ لأنَّنا نكبرُ ونتفهَّمُ في النهاية أنَّ الموت هو جزءٌ ضروريٌّ من الحياة مع أنَّه يمثِّل نهايةً، ومع أنَّ النهايات المشابهة له تبدو غالباً سيئة ومخيفة، فإنَّها ضروريةٌ لتحقيق الجمال أيضاً، وإلَّا سيكون من المستحيل تقدير شخص أو أمر ما إذا كان غير محدود ودون نهاية.

إنَّ الحدود تمنح الجمال، والموتُ هو الحدُّ الأقصى والأخير الذي يذكِّرُنا بأنَّنا يجبُ أن نكون مُدركين ومتنبِّهين لوجود الأشخاص الجميلين والمُميَّزين في حياتنا، وأن نقدِّر الحياة الرائعة التي نمتلكها، كما يُعدُّ الموت بدايةً أيضاً؛ لأنَّه رغم خسارتنا لشخصٍ غالٍ علينا، فإنَّ هذه النهاية هي لحظةُ تحوُّل في حياة الإنسان تماماً كخسارة أي وضعٍ حياتي جميل.

على الرَّغم من حزننا العميق، إلَّا أنَّ رحيل أحبائنا يُجبرنا على تغيير حياتنا وإعادة ابتكارها تدريجياً؛ إذ تكمن في هذا التحوُّل فرصة لتجربة الجمال واختباره بطرائق وأماكن جديدة لم نرها سابقاً؛ وأخيراً يُعَدُّ الموت فرصةً لتكريم حياة الإنسان، ولكي نكون ممتنين لكل اللحظات والمواقف الجميلة التي عشناها مع أحبائنا الراحلين.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتتجاوز وفاة شخص عزيز عليك

في الختام:

ليس من السهل إيجاد الامتنان مع كل خيبات الأمل والصعوبات التي نتعرض لها في حياتنا، إلَّا أنَّها يمكن أن تصبح سبلاً رائعةً للتطور والازدهار إن تمكَّنا من إيجاد العِبَر فيها وتعلُّم الدروس منها، وإن تمكَّنَّا من النظر إلى كل ما يحدث لنا على أنَّه وسيلةٌ لتعليمنا.

إنَّ أفضل وقتٍ للتركيز على إيجاد الامتنان والشعور به بالفعل هو حين لا تشعر بالرغبة في ذلك؛ لأنَّه الوقتُ الذي يمكن أن يُحدِثَ فيه الشعور بالامتنان أكبر أثرٍ في تغيير حياتك.




مقالات مرتبطة