كيف يُنمّي العالم المعاصر النرجسية؟

تضخُّم الأنا ليس بالشيء الجديد؛ فقد استُعمِلَت أسطورة "نرسيس" اليونانية القديمة لقرون عدة للإشارة إلى هذا السلوك البغيض. تدور أحداث القصة حول صياد شاب وسيم يخوض رحلة بحثٍ عن الشريك المثالي؛ حيث تتودد إليه العديد من السيدات، ولكنَّ "نرسيس" ينظر لهنَّ نظرة دونية. تنتهي القصة بذهابه إلى بركة؛ حيث يقع في حب انعكاس صورته على وجه الماء، ويموت وحيداً.



إنَّ أسطورة "نرسيس"، مثلها مثل القصص القديمة، هي حكاية تحذيرية؛ فهي تحذر من مخاطر الغرور بالنفس. وقد اقتبس "فرويد" القصة لابتكار مفهوم النرجسية؛ وهي حالة عقلية تتميز بالعشق الصارخ للذات وافتقار مزمن للتعاطف مع الآخرين.

يقول "دبليو كيث كامبل" (W. Keith Campbell)، عالم نفس الشخصية الاجتماعية والباحث وأستاذ علم النفس في "جامعة جورجيا" (University of Georgia)، إنَّه عندما بدأ دراسة النرجسية منذ أكثر من 25 عاماً، لم يكن هناك اهتمام كبير بالموضوع. كان يُنظر إليه كمصطلحٍ تحليلي نفسي قديم، ذي أهمية ضئيلة في ذلك الزمن.

لكن في السنوات القليلة الماضية، استقطب هذا الموضوع اهتماماً كبيراً تجلَّى من خلال وفرة المقالات والكتب التي تناولته. وفقاً لـ "كامبل"، نحن نعيش الآن وسط وباء النرجسية، والذي تعززه العديد من سمات المجتمع الحديث. حيث يشير في كتابه الأخير، "علم النرجسية الجديد: فهم أحد أكبر التحديات النفسية في عصرنا - وما يمكنك فعله حيال ذلك" (The New Science of Narcissism: Understanding One of the Greatest Psychological Challenges of Our Time—and What You Can Do About It)، إلى مجموعة متنوعة من الطرائق، تعزز من خلالها الثقافة المعاصرة هذا السلوك.

وقد قال "كامبل": "إذا أردت بناء مجتمعٍ تزدهر فيه النرجسية، فسيكون مجتمعاً تسوده العلاقات السطحية، لن تصل فيه سمعتي السيئة إلى مسامع الناس، إذا ما قمت بخداع الآخرين؛ لأنَّني أستطيع بكل سهولة أن أكوِّن علاقات جديدة، فسيكون مجتمعاً يتفوق فيه المظهر على الجوهر".

انتشار الأنانية في الحياة المدنية:

من السهل أن تلاحظ كيف أنَّ ثقافتنا تروِّج للشعور بالأنانية وحب الذات؛ فقد حفَّزت صناعة الترفيه والإعلان المؤثرة رغباتنا لعقود من الزمن، وأثارت شهيتنا للمكانة الاجتماعية، وزرعت فينا التطلع للشهرة. أصبحنا نتوق للشعور بالتميز أكثر من أي جيل سابق، ولم نحظَ بالعديد من الفرص للتعبير عن ذلك، كالتي نمتلكها اليوم. نحن بمقدورنا أن نتباهى بأي لحظة في حياتنا من خلال صورة سيلفي التُقطت بدقة، أو بنشر مراجعة لاذعة للعامة، عندما لا يلبي أي منتج أو خدمة توقعاتنا.

يشير "كامبل" إلى أنَّ النرجسية حققت أفضل انتشار لها في المدن الكبرى وعلى الإنترنت - تلك الأماكن التي يمكنك فيها وضع بعض الحدود، والتعامل مع الآخرين من حولك بوصفهم أدوات يمكن التخلص منها - غير أنَّه يصبح الحفاظ على هذا السلوك أكثر صعوبة في بلدة صغيرة، أو في مجتمع متماسك؛ حيث يعرفك الجميع.

يقول "كامبل": "تختفي النرجسية من ذلك النوع من المجتمعات؛ لأنَّ الناس لا يرغبون وجودها؛ فالجميع يعرف ما إذا كنت مزهواً بنفسك؛ لذا، فإنَّهم يتجاهلونك فقط".

الثقة وعواقبها:

على الرغم من كل الأساليب التي تقودنا إلى حب الذات، فإنَّ النظرة النرجسية للعالم تحمل دائماً عيباً لا مفر منه؛ إنَّها تدمر العلاقات. اسأل أي أحدٍ متزوجٍ من شخصٍ نرجسي أو يعمل لصالح شخص نرجسي. تظهر الأبحاث أنَّ الأشخاص الأكثر عرضة للتأثر باضطراب الشخصية هم أولئك الذين يعيشون ويعملون على مقربة من ذلك الشخص.

ومع ذلك، يميل النرجسيون أيضاً إلى أن يكونوا جذابين للغاية، على الأقل في بادئ الأمر. يقول "كامبل" إنَّ هؤلاء الأشخاص غالباً ما يوحي مظهرهم بالثقة والقوة، التي تمثل سمات إيجابية في شريكك المحتمل. لكن مع مرور الوقت، يتلاشى سحرهم؛ عندما تكتشف أنَّهم لا يهتمون سوى بأنفسهم.

كمثيلتها من الاعتلالات العقلية الأخرى، تشكل النرجسية طيفاً متعدد المظاهر. يمكن أن نمرَّ جميعاً بلحظات نشعر فيها أنَّ الحياة غير عادلة، أو أنَّنا لم نحصل على ما نستحقه منها؛ نتيجة لبعض المضايقات الصغيرة. خاصة عندما تشعر الأنا خاصتنا بالتهديد، فإنَّنا ننجرف بسهولة نحو إقصاء مشاعر الآخرين والتفكير في مكاسبنا وخسائرنا الشخصية فقط. على أمل أن يعيدنا التواضع والرحمة بسرعة إلى منظور أكثر توازناً.

من ناحية أخرى، فإنَّ النرجسي الذي وصل إلى مرحلة متقدمة، لا تواضع لديه. وتنحصر غاياته في الحياة على السمو بغروره، وقليلاً ما يشعر بالندم تجاه من يؤذيهم. قد تساهم عوامل عدَّة في تشخيص الحالات الأكثر خطورة - اضطراب الشخصية النرجسية - ولكنَّ أحد العوامل الرئيسة المحدِّدة له هو عندما يتسبب السلوك في الضرر. يقول "كامبل" إنَّ الأشخاص المتغطرسين، أولئك الذين ما زال بإمكانهم ممارسة حياتهم بشكل معقول دون إيذاء الآخرين، لا يجوز تشخيصهم باضطراب في الشخصية.

سألت صحيفة "إيبوك تايمز" (Epoch Times) "كامبل" عن العوامل التي تساهم في نشوء السلوك النرجسي، والخطوات التي يمكننا اتخاذها لمواجهة هذه النزعة.

"إيبوك تايمز" (Epoch Times): عندما أفكر في الشخصية النرجسية، أتخيل شخصاً منفتحاً وواثقاً من نفسه إلى حد الغرور. ولكن على حد قولك أنَّ هناك نوعاً آخر أكثر شيوعاً من النرجسيين، هو النوع الهش والمتخفِّي.

"دبليو كيث كامبل" (W. Keith Campbell): عندما يفكر الناس معظمهم في النرجسية يخطر ببالهم الشخص المتعالي، شخص يتسم بالغرور، وإثبات الذات، وثقة واضحة بالنفس. أناسٌ مغرورون بأنفسهم، لكنَّهم يبلون حسناً في نهاية المطاف؛ لأنَّهم لا يخشون فكرة أن يصبحوا من المشاهير أو السياسيين.

في عالمنا المعاصر الذي تسيطر عليه وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح للنرجسي المتعالي أهمية أكبر. فهم يزدادون نشاطاً على وسائل التواصل الاجتماعي، ويروجون لأنفسهم أكثر.

شاهد: 8 علامات للسلوك النرجسي

ولكن هناك شكل آخر من أشكال النرجسية يتم ملاحظته سريرياً وهو النرجسية الهشة. النرجسي الهش كغيره، يريد الاهتمام، لكنَّه يخشى الاهتمام السلبي والتعرض للهجوم. إنَّها عملية دفع وجذب حقيقية ومؤلمة.

إذا كنت نرجسياً هشاً، فأنت ما زلت تَعُدُّ نفسك شخصاً رائعاً، ولكن تعتقد أنَّ الآخرين حمقى. النرجسية الهشة هي جوهر الكثير من المشكلات وسببٌ للكثير من المعاناة.

الأطباء الذين تناولوا الحديث عن النرجسية منذ الستينيات أو حتى قبل ذلك، قابلوا أشخاصاً هشين أكثر منهم متعالين. قد يدخل شخصٌ مصاب بالاكتئاب لرؤية الطبيب، لكن عندما يبدأ بالحديث، سيدرك الطبيب بأنَّه شخصٌ مغرور، ممن يعتقدون أنَّ لا أحداً يقدِّر عبقريتهم.

هذا من ناحية الشكل المتطرف من النرجسية. أما في الشكل المعتدل منه، فيعتقد الشخص أنَّه هام ولا أحد يقدِّره، لكنَّه في الحقيقة خائف جداً من الخروج ومواجهة الحياة. إنَّه يعيش في هذا الفضاء المخيف، ويريد الحصول على الاهتمام فيه ويخشى الحصول عليه؛ أي يعيش حياةً يحكمها القلق.

من المرجح أن ينتهي الأمر بهؤلاء الأشخاص برؤية طبيب؛ لأنَّهم يعانون في حياتهم حقاً، ويشعرون بعدم الأمان. وكونك شخصاً نرجسياً متعالياً، هو أمر سيجعل زوجتك وأطفالك وعمالك يعانون، لكنَّك لا تعاني مثلهم. تشعر بالرضى عن نفسك، وتعتقد أنَّ الأمور تسير على ما يرام، حتى تنقلب رأساً على عقب.

"إيبوك تايمز" (Epoch Times): ما هو الخط الفاصل بين الأشخاص الذين يمتلكون صفات نرجسية وأولئك الذين يعانون من اضطراب شخصية حقيقي؟

"دبليو كيث كامبل" (W. Keith Campbell): لكي يتم تشخيصه كاضطراب سريري، يجب أن تُظهر حالته نسبة عالية من السمات النرجسية. إنَّها مزيج من التكبر والهشاشة. لكن لا بد أنَّك تعاني أيضاً من قصور ما، وهذا أمر أساسي. لا بد أنَّه يعبث بحياتك بطريقة ما. ربما يؤثر سلباً في عملية اتخاذك للقرارات لأنَّك تخاطر كثيراً، أو ربما لأنَّك تمتلك ثقة مفرطة تؤذي علاقاتك. وهذا أمر هام جداً في التعامل مع الشخص النرجسي المتكبر؛ لأنَّك قد لا تشعر بالذنب تجاه ما فعلته، لكنَّك أفسدت زواجك، أو دمرت مكان عملك.

يمكن أن تعاني - بصفتك شخصاً نرجسياً هشاً - من اعتلال ما كالاكتئاب أو القلق. لكن يجب عليك الخضوع لفحص سريري، وتحتاج إلى طبيب نفسي لتشخيص حالتك؛ لهذا السبب لن تسمعني أبداً أقول: "هذا الشخص يعاني من اضطراب الشخصية النرجسية". يتطلب إجراء التشخيص السريري وجود اعتلال واضحٍ من الناحية السريرية، ومن الصعب القيام بذلك عن بُعد؛ لهذا السبب أترك الأمر للخبراء.

"إيبوك تايمز" (Epoch Times): إنَّ الأسباب التي تستدعي طلب الشخص النرجسي الهش للمساعدة واضحة للغاية، ولكن كيف يمكن أن يبدي النرجسيون المتعالون قدرة على التغير؟ إذا كنت تعتقد أنَّك معصوم عن الخطأ، فكيف ستعترف بوجود مشكلة لديك؟

"دبليو كيث كامبل" (W. Keith Campbell): في معظم الأبحاث، إذا ظهرت هناك مشكلة في تقديم العلاج للشخص النرجسي المتعالي، فإنَّه ينسحب بكل سهولة، أو قد لا يسعى إليه في المقام الأول.

لكنَّهم يعرفون بالتأكيد أنَّ لديهم مشكلة. إحدى الدراسات الحديثة التي قام بها أحد طلابنا الخريجين على مجموعة ضخمة من الأشخاص النرجسيين وتم سؤالهم عما إذا كانوا على دراية بسماتهم، إيجابية أم سلبية. وجدنا أنَّ النرجسيين المتكبرين يعترفون بأنَّهم عدائيون نوعاً ما، ويدركون أنَّهم يتصرفون بلؤم في بعض الأحيان، وحقيقة أنَّهم يعانون من مشكلة، ويتمنون لو لم يصل الأمر إلى هذا الحد.

لذا، فهم يدركون ذلك، وأعتقد أنَّ هناك طرائق تجدي نفعاً مع الناس. لقد سمعت بنفسي أشخاصاً يقولون إنَّهم يعلمون أنَّهم أساؤوا إلى أسرهم وأضرُّوا بعلاقاتهم. سيرى مثل هؤلاء الأشخاص أسرة سعيدة ويقولون، "أرغب في الحصول على الشيء نفسه في حياتي". قد لا يرغبون في التخلي عما يفعلونه، لكنَّهم يدركون أنَّه من اللطيف أن يكون لديك عائلة.

"إيبوك تايمز" (Epoch Times): لقد سمعت العديد من قصص مخيفة من أشخاص كانت تجمعهم علاقات مع شركاء نرجسيين؛ لذا، قد يعتقد بعضهم أنَّ الناس يتجنبون هذا النوع من الشخصية. لكنَّنا نستطيع القول إنَّ العكس الصحيح. إذن ما الذي يجعل النرجسيين جذابين للغاية؟

"دبليو كيث كامبل" (W. Keith Campbell): عندما نبدأ بالبحث عن شريك حياتنا، فإنَّنا نبحث عن سمات مثل: الأشخاص الواثقين بأنفسهم والاجتماعيين والمنفتحين، الذين لا يخشون تقديم أنفسهم. إنَّهم يتطلعون للارتباط. هذه الأنواع من السمات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالنرجسية. يمكنك أن تكون واثقاً بنفسك وشخصاً لطيفاً حقاً، لكنَّ هذه السمات هي أيضاً جزء من النرجسية المتعالية.

إنَّ المراحل الاعتيادية للعلاقة التي تربط شخصين هي أنَّك تتعرف الشخص، ثم تنمو العلاقة مع مرور الوقت، ليبدأ بعدها الاهتمام، ثم تصبح العلاقة أكثر حميمية من الناحية العاطفية.

لكنَّ هذا التطور في العلاقة لا يتم فعلياً بهذا الشكل الواضح بالنسبة إلى النرجسيين. يبدون لك في البداية أشخاصاً مثيرين للاهتمام وممتعين للغاية. بعد مرور ستة أشهر، تبدأ بالتفكير في المستقبل معهم وتبدي رغبة في الانتقال إلى الجزء الحميم من العلاقة. لكنَّ النرجسي يريد أن يبقي الأمور سطحيةً، ويستمر في تحقيق غايته من هذه العلاقة؛ ذلك حين تبدأ الأمور بالانهيار.

إنَّها مسألة صعبة حقاً، فما من أحد يرتدي قميصاً كُتب عليه "أنا نرجسي"، ولا يصرِّح أبداً بالقول: "سأجعلك تقع في حبي ثم سأحطمك. وبعد ذلك سأجعلك تشك في نفسك وتعتقد أنَّك فاشلٌ في الحكم على الناس".

عندما تقابل شخصاً مرحاً وممتعاً ومنفتحاً، من الصعب أن تعرف ما ستؤول إليه الأمور. سيجب عليك الحصول على سجل حياتهم الكامل. فسلوك الشخص في الماضي هو أفضل وسيلة للتنبؤ بسلوكه المستقبلي حسب اعتقادي.

"إيبوك تايمز" (Epoch Times): النرجسي هو الشخص الذي يفتقر إلى التعاطف مع الآخرين. لكن لماذا نحتاج إلى التعاطف؟ وما هو الخطأ في الاعتناء بنفسك فقط؟

"دبليو كيث كامبل" (W. Keith Campbell): المشكلة هي المستويات التي تنجح فيها الأمور. عندما تكون أنانياً متعطشاً للذة وتفعل ما يحلو لك طوال الوقت، تصبح شخصاً متهوراً، يرتكب الأخطاء، ويدمر علاقاته مع الناس. في النهاية، لن يرغب الناس في وجودك بالقرب منهم؛ لأنَّك لا تفكر إلا بنفسك دائماً.

غالباً ما تكون هناك لحظة في حياتك، ينبغي عليك فيها التضحية برغباتك من أجل مصلحة الفريق أو العائلة. لكن ما تجنيه بالمقابل هو أن تصبح فرداً منتمياً للمجموعة.

فإذا كنتُ ضمن فريق كرة قدم، فهذا يعني أنَّني أصبحت لاعباً منتمياً لهذا الفريق. أساند اللاعبين عندما يندفعون لتسجيل هدف، وأقوم بتمرير الكرة حتى يتمكن الآخرون من التسديد. المكاسب التي سأجنيها مع مرور الوقت أكبر بكثير مما سأحصده لو كنتُ أنانياً. في بعض الأحيان، يمكنك أن تنجو بفعلتك إذا كنتَ موهوباً جداً، لكن لن يرغب الناس في وجودك بحياتهم في نهاية الأمر.

يتعلق هذا الأمر بمقايضة بعض رغباتك الفردية لصالح الجماعة؛ وهذا ما سيعود بالنفع عليك وعلى الجماعة على الأمد البعيد. إنَّها نظرية اجتماعية كلاسيكية، لكن عليك التخلي عن شيء تحبه مقابل الحصول على ما هو أكثر. إذا كنت تعيش من أجل لنفسك، فلن تجني الكثير، وستعيش حياةً محدودة للغاية.

الناس الذين يفعلون ما يحلو لهم كل يوم ليسوا سعداء؛ لأنَّهم يفسدون كل شيء.

"إيبوك تايمز" (Epoch Times): غالباً ما يتم إلقاء اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي لأنَّها تجعلنا أكثر تركيزاً على ذواتنا، ولكنَّ هناك توجهاً ثقافياً آخر ذكرته يساهم في ذلك؛ وهو تقمُّص الأدوار الخيالية. كيف يشجع هذا على النرجسية؟

"دبليو كيث كامبل" (W. Keith Campbell): عندما كنتَ في المدرسة الثانوية، كان بإمكانك أن تكون قائداً لفريق كرة القدم، ولم يكن هناك الكثير من الفرص الأخرى المتاحة لتكون شخصاً رائعاً. لكن يمكنك أن تكون جزءاً من مجموعة، وهذا أمر جيد.

أما الآن، فقد ابتدعنا ثقافة يعتقد من خلالها الجميع أنَّهم رائعون، ولكن أنت تنتمي لعالم ما تزال فيه الفرص الفعلية لتكون شخصاً عظيماً محدودة للغاية؛ لذلك قمنا بابتكار مجالاتٍ أخرى يمكن للناس من خلالها أن يكتسبوا التقدير، مثل مواقع التواصل الاجتماعي أو الألعاب متعددة اللاعبين. التي تشبه الوظائف بدوام كامل؛ إذ يمكن للناس الارتقاء بمكانتهم الاجتماعية.

وتتم تلبية الكثير من احتياجاتهم النرجسية في هذه العوالم الخيالية. إنَّها ليست مجرد نرجسية بأي حال من الأحوال؛ بل يمكن أن تكشف عن جانب إبداعي كذلك. لكن يبدو أنَّ هذا جانب من الأمر فقط.

إقرأ أيضاً: الشخص المغرور: صفاته وكيفية التعامل معه

تتمحور عبارة "الأسطورة الكامنة في عقلك" حول صياغة سردٍ عن نفسك. ويمنحك تقمُّص الأدوار الخيالي مكاناً حقيقياً للقيام بذلك. ليس عليك أن تكون مديراً تنفيذياً أو محامياً رفيع المستوى أو قائد فريق كرة القدم بعد الآن. هناك مساحة أكبر للأشخاص في هذا العالم. إنَّه يفتح الآفاق أمام الارتقاء بالمكانة الاجتماعية والحصول على التقدير، الذي لم يكن متاحاً من قبل.

"إيبوك تايمز" (Epoch Times): ما الذي يمكن للوالدين فعله ليتجنبا تنشئة شخص نرجسي؟

السيد "كامبل": أولاً، كن قدوة حسنة لأولادك، وكن شخصاً محترماً، وامنح الحب لأطفالك. والشيء الثاني الذي أكرره دائماً للآباء هو التحلي بالرحمة والشغف والمسؤولية:

  • الرحمة: علِّمهم التعاطف مع الآخرين، أو على الأقل أظهر لهم ذلك بنفسك. يمكنك أن تكون متفاخراً بنفسك، ولكن طالما لديك بعض الرأفة، فلن تحوِّل حياتك إلى كارثة.
  • الشغف: عندما تشرك الأشخاص في أي نشاط أو مسعى يتملَّكهم شغف تجاهه. أياً كانت اهتمامات الأطفال، سواء أكانت الرقص أم الرياضة أم الفن، لن يشعروا بالغرور بالقدر نفسه في أثناء ممارستها. إنَّ للأمر علاقةً بحالة التدفق والتحفيز الذاتي والمتعة. إنَّ الذهاب إلى ركوب الأمواج وقضاء وقت مسلٍ أكثر متعة بكثير من التقاط مجموعة صور لنفسي وأنا أمارس تلك الرياضة، وأظهر للناس كم أنا شخصٌ رائع.
  • المسؤولية: يتعلق الأمر بتحمُّل مسؤولية أفعالك، سواء كانت حسنة أم سيئة، وإدراك أنَّك مسؤول عن النتائج. تتيح لك القدرة على تحمُّل المسؤولية المشاركة في العالم بصورة حقيقة. عندما تسير الأمور سيراً جيداً، تحصد التقدير، وعندما تسوء، فأنت الملام. ومع مرور الوقت، يمكنك تعزيز احترامك لذاتك من خلال ذلك. إذا استطعت أن تتبيَّن متى تنجح ومتى تفشل، يمكنك أن تعرف حقيقة نفسك. فأنت تعرف ما تجيده، وتعرف ما لست بارعاً به.

أنا أضع أطفالي في مواقف ذات عواقب طبيعية طوال الوقت، وهذا يثير حماستهم بشدة؛ لأنَّهم يستطيعون اكتشاف مواطن النجاح والفشل. ومن الممكن أن تتحسن مهاراتهم بسرعة مذهلة، فلا وجود للغرور هنا لأنَّه ما من أحد يطلق عليهم الأحكام في هذه الحالة. ولا وجود لأحد غيرهم.

"إيبوك تايمز" (Epoch Times): إذا وجدنا أنفسنا في علاقة عمل أو علاقة شخصية وثيقة مع شخص نرجسي، فكيف يجب التعامل معها؟

"دبليو كيث كامبل" (W. Keith Campbell): يعتمد الجزء الأكبر على هيكل السلطة في العلاقة. عليك أن تتأكد من أنَّه لا سيطرة لهم عليك. فأنت تحتاج إلى حماية نفسك قدر المستطاع. إذا كانت العلاقة في محيط العمل، فقد يسعون إلى إيذائك؛ لذلك عليك أن تحتفظ بسجلات لكل شيء، وتتحدث إلى قسم الموارد البشرية عن الأمر. أما إذا كانت في محيط العائلة، فعليك أن تحدد من يتحكم بمواردك المالية، وتتبيَّن فعلاً هيكل العلاقة.

عندئذ، بمجرد أن تشعر بالأمان وتتأكد أنَّك لست في موضع يعرضك للخطر، فلا بأس من التحدث إليهم مباشرة. إذا كان لديك مدير نرجسي، فتبيَّن مكانتك في الشركة، وأقِم بعض التحالفات، وبعد ذلك يمكنك إجراء مناقشة عن سلوكات محددة للغاية تسبب لك الإزعاج. لا تخبر مديرك في العمل أنَّك تعتقد أنَّه نرجسي. ولا تخض في الأمر وأنت غاضب. قد تعتقد أنَّه من الرائع أن تصارحه بذلك، لكن قد لا يكون الأمر كذلك.

لا أقصد أن أسبب لك الخوف، لكنَّني سمعت الكثير من هذه القصص لدرجة أنَّني أصبحت أؤمن جداً بأهمية التأكد من اتخاذ كامل الاحتياطات مسبقاً؛ فهؤلاء الناس مخادعون للغاية، ولا فرصة لك بالفوز أبداً، ولا يمكنك أبداً التفوق في الخداع على شريكك النرجسي؛ لذا من الهام جداً أن تأخذ وقتاً كافياً لحماية نفسك.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة