كيف يمكن أن يكون الشرود الذهني مفيداً لك؟

تُبيِّن الأبحاث الجديدة أنَّه في إمكان الشرود الذهني أن يعود بمنافع تنعكس على أدائنا وعافيتنا، فعادة ما نختار عند تأليف كلمات أغنية أو قطعة نثرية أن نكون شاردي الذهن، على أمل أن نستمد الإلهام، ولاسيما أنَّ نجاحنا في ذلك من شأنه أن يمدنا بشعور عظيم.



وقد توصَّلت بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين الشرود الذهني والمشكلات النفسية؛ حيث إنَّه قد يتسبب في عدم القدرة على الشعور بالسعادة أو الاكتئاب أو حتى التقليل من متوسط عمر الفرد، وتفيد الأبحاث بأنَّ تركيز الفرد انتباهه على اللحظة الحالية، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بعافيته، على عكس الشرود الذهني الذي من شأنه أن ينعكس سلباً عليها.

تقدِّم الدراسات الجديدة التي تُجرى الآن إضافات بسيطة إلى هذه المعلومات؛ إذ يعتمد تحديد فيما إذا كان الشرود الذهني سلبياً أم لا على العديد من العوامل، على سبيل المثال فيما إذا كان شرودك الذهني أمراً متعمداً أم عفوياً ومحتوى تأملاتك، وطبيعة الحالة المزاجية التي تعيشها؛ حيث إنَّه في بعض الحالات، في إمكان شرود الذهن أن يؤدي إلى الإبداع وتحسين الحالة المزاجية ورفع مستوى الإنتاجية والتركيز بشكل أفضل على أهدافك.

إليكم ما تقوله بعض الأبحاث الحديثة حول إيجابيات شرود الذهن:

1. في إمكان الشرود الذهني أن يجعلك أكثر قدرة على الإبداع:

ربما ليس من المفاجئ أنَّ شرود الذهن يعزز القدرة على الإبداع، ولاسيما التفكير التبايني، أو القدرة على خلق أفكار مبتكرة.

في إحدى الدراسات، أجرى الباحثون للمشاركين في العينة المدروسة اختباراً يقيس القدرة على الإبداع، ويطلق عليه تسمية "مهمة الاستخدامات غير العادية" (The Unusual Uses Task)؛ إذ يُطلب فيه منك أن تتخيل استخدامات غير مألوفة لعنصر يومي؛ مثل مشبك الورق أو الصحيفة، بين المرحلتين الأولى والثانية، شارك الأفراد إما في تنفيذ مهمة متواضعة لتحفيز الذهن على الشرود، أو بأخرى شاقة استحوذت على كامل تركيزهم، وقد سُمح لبعض المشاركين بأخذ قسط من الراحة في حين لم يسمح لبعضهم الآخر بذلك.

إنَّ الأفراد الذين دخلوا في حالة من الشرود الذهني في أثناء إنجازهم للمهمة المتواضعة، حسَّنوا أداءهم تحسيناً أكبر مقارنة مع أولئك في المجموعات الأخرى؛ حيث إنَّ تشتت تركيزهم عن المهمة التي كانوا يعملون على إنجازها وشرودهم الذهني، لعب دوراً بالغ الأهمية في نجاحهم.

وقد وفرت النتائج التي توصل إليها الباحثون بشكل مثير للجدل دليلاً مباشراً على أنَّ الظروف التي تحفز الشرود الذهني، تؤدي إلى تعزيز القدرة على الإبداع، إضافة إلى أنَّه من الممكن أن يُوظَّف الشرود الذهني كأساس للإلهام الإبداعي.

كما وجدت دراسة حديثة، أنَّ الشرود الذهني يؤدي إلى تعزيز القدرة الإبداعية للأفراد، بالإضافة إلى العديد من آثاره الإيجابية الأخرى، كتحسين القدرة على القراءة ورفع مستوى الذكاء وتعزيز القدرة على حل المشكلات أو الأحاجي.

ويبدو أنَّ الشرود الذهني يتضمن تنشيط الشبكة الافتراضية للدماغ، والتي من المعروف أنَّها تنشط عندما لا نكون مشاركين مباشرةً في أداء المهام، كما أنَّها مرتبطة بالإبداع.

لذا من الممكن أن نكون على صواب عندما نطلق العنان لشرودنا الذهني في أثناء ممارستنا للكتابة الإبداعية، الأمر الذي يساعد الذهن على تجميع المعلومات على نحو غير مألوف ومن الممكن أن يكون مقنعاً دون إدراكنا لذلك، ولا عجب في أنَّ مصدر الإلهام الأفضل يتولَّد لدينا في أثناء أخذنا حماماً دافئاً أو التنزه لأميال طويلة.

شاهد بالفديو: 7 نصائح لتحسين مدى انتباهك وتركيزك

2. يجعلك الشرود الذهني أكثر سعادة بحسب ما يشغل تفكيرك:

إنَّ العلاقة بين الشرود الذهني والحالة المزاجية من الممكن أن تكون أكثر تعقيداً مما كنا نتصور، ففي أثناء إجراء إحدى الدراسات، تابع الباحثون المشاركين على نحو منتظم، لمعرفة ما كانوا يفعلونه، وفيما إذا كانت أذهانهم شاردة أم لا، وتحديد حالتهم الشعورية؛ حيث تبيَّن في تجربة سابقة أنَّ الناس يميلون إلى كونهم في حالة مزاجية سيئة عندما يكونون شاردي الذهن، لكن عندما اختبر الباحثون محتوى أفكار الأفراد في أثناء شرودهم الذهني، توصلوا إلى نتيجة مثيرة للاهتمام: إذا كانت أذهان المشاركين منشغلة في التفكير فيما هو مثير للاهتمام، ولا علاقة له بما ينبغي عليهم إنجازه من مهام، فإنَّ حالتهم المزاجية تميل إلى كونها إيجابية أكثر من كونها سلبية.

ويضيف الباحثون إلى أنَّ أولئك الذين يجدون أنفسهم شاردين على نحو منتظم، ويشغلون تفكيرهم بما يثير اهتمامهم، سيكون من الجيد لهم معرفة أنَّ لهذا النوع من الشرود ارتباطاً وثيقاً بالحالة المزاجية الجيدة.

من الممكن أن يكون تأثير الحالة المزاجية على الشرود الذهني أكبر مما هو عليه في الحالة المعاكسة، وفي دراسة مشابهة، توصل الباحثون إلى أنَّ الشعور بالحزن أو الحالة المزاجية السيئة قد تؤدي إلى شرود ذهني سلبي، في حين أنَّ الشرود الذهني بحد ذاته لا يقود إلى حالة مزاجية سيئة.

تُرجع بعض التجارب السابقة الشرود الذهني إلى استحضار الذكريات السيئة، وهو انشغال سلبي بالتفكير في تجارب سابقة فاشلة، ويرتبط بالاكتئاب.

تشير هذه الدراسة، إلى أنَّ الشرود الذهني ليس أمراً سيئاً بالمطلق فيما يتعلق بأثره في سعادتنا؛ بل إنَّ الإحساس بالحزن غالباً ما يدفع الذهن إلى الشرود، والذي غالباً ما يؤثر سلباً في حالتنا الشعورية.

في مراجعة للبحث الذي يدور حول الشرود الذهني تم التوصل إلى نتيجة مشابهة: الشرود الذهني منفصل عن استحضار الذكريات المؤلمة، ومن ثمَّ تربطه علاقة مختلفة بالحالة المزاجية.

هل في إمكاننا حقاً توجيه شرودنا الذهني نحو أفكار أكثر إيجابية وبعيداً عن اجترار تلك السيئة منها؟ تبين أنَّه في إمكاننا ذلك فعلاً؛ حيث توصلت إحدى الدراسات إلى أنَّ الأشخاص الذين شاركوا في ممارسة التأمل الذي يركز على العطف، كان شرودهم الذهني أكثر إيجابية، علاوة على ذلك، كان الناس الذي يتمتعون بشرود ذهني إيجابي أكثر ميلاً إلى رعاية أنفسهم والاهتمام بالآخرين، وهو ما يرتبط بحد ذاته بالسعادة.

3. قد يؤدي الشرود الذهني إلى تحسين الأداء:

إنَّ أخذ استراحة من العمل في إمكانه أن يكون أمراً جيداً بالنسبة إلينا؛ إذ إنَّه يتيح أمامنا فرصة أكبر لتحرير أذهاننا.

يكون الشرود الذهني مفيداً على وجه التحديد في حال كان عملك روتينياً، ففي إحدى الدراسات، اختُبرت حالة الشرود الذهني لدى المشاركين في أثناء ممارستهم مهام متكررة، وتبين أنَّ دخول المشاركين في حالة من الشرود الذهني أدى إلى تحسين أدائهم وزيادة سرعتهم في إنجاز المهام، وتقليل فترات استجابتهم تقليلاً ملحوظاً؛ والسبب في ذلك بحسب اعتقاد الباحثين، أنَّ الشرود الذهني سمح للمشاركين بالتخلص من ضغط المهمة لفترة وجيزة، لإعادة ضبط البيانات ومعالجتها على نحو جديد مختلف؛ مما جعلهم جاهزين لمقابلة التغيرات المفاجئة.

في دراسة أخرى، تمكن العلماء من الكشف عن مناطق الدماغ المتأثرة بالشرود الذهني، وتوصلوا إلى نتيجة غير متوقعة، عندما حُفزت الفصوص الأمامية لأدمغة المشاركين بتيار كهربائي بسيط بغية تعزيز حالة الشرود الذهني، أدى ذلك إلى تحسن طفيف في قدرتهم على التركيز.

بالطبع، لا يتطلب كل عمل شرود الذهن حتى يؤدى على نحو أفضل، فالجراح أو السائق مثلاً لا بد من أن يحافظا على تركيزهما على المهمة التي يجتهدان في تنفيذها؛ حيث يمكن للشرود الذهني أن يلحق الضرر بكل منهما، ومن جهة أخرى، سيكون الشرود الذهني مريحاً بالنسبة إليهما بعد انقضاء يوم عملهما، وسيساعدهما على التركيز تركيزاً أكبر في المرة القادمة.

إقرأ أيضاً: 6 طرق لتقوية الذاكرة وطرد الشرود الذهني

4. يساعدنا الشرود الذهني على تحديد أهدافنا:

قد يبدو أنَّ الشرود الذهني من شأنه أن يكون مدمِّراً عندما يتعلق الأمر بالتخطيط للمستقبل، إلا أنَّه في الواقع، تشير بعض الأبحاث إلى أنَّه في إمكانه تحسين قدرتنا على تحديد أهدافنا.

في تجربة حديثة في مجال علم الأعصاب، أدى المشاركون مهمة سهلة، وأعدُّوا تقارير عن محتوى أفكارهم في أثناء فحص الباحثين لأدمغتهم باستخدام جهاز الرنين المغناطيسي الوظيفي، بعد ذلك كتب الأفراد في المجموعة الضابطة - مجموعة تُستخدم لمقارنة نتائج المجموعة التي تُجرى عليها التجربة بنتائج أشخاص لم يخضعوا للبحث - لمدة خمس عشرة دقيقة عن أهدافهم الشخصية أو البرامج التلفزيونية، ثم كرروا تنفيذ المهمة السهلة والكتابة عن الأهداف أو البرامج التلفزيونية.

طُلب من المحللين الذين هم ليسوا على دراية بغرض الدراسة، تقييم مدى دقة المشاركين في تحديد أهدافهم ووصفهم للبرامج التلفزيونية، وكانت النتيجة أنَّ الأفراد الذين كانوا شاردي الذهن، وغالباً ما بدؤوا التفكير فيما يريدونه حقاً من الحياة بعد الجلسة الأولى من الكتابة، كانوا أكثر قدرة على تحديد أهدافهم بدقة وتوصيف البرامج التلفزيونية على نحو أكثر واقعية مما كانوا عليه في الجلسة الثاني؛ وعلى مدار التجربة، أظهر فحص أدمغتهم اتصالاً أكبر بين الحصين والقشرة ما قبل الجبهية وهي المناطق المتأثرة بعملية تحديد الأهداف.

كما توصلت الأبحاث أيضاً، إلى أنَّه كلَّما زاد ميل الأفراد إلى كونهم شاردي الذهن في أثناء أدائهم مهمة ما، زادت رغبتهم في الحصول على مكافأة، وبحسب الباحثين، فإنَّ الشرود الذهني يساعد على تأخير الإشباع ويرتبط بالعمليات المتعلقة بالإدارة الناجحة للأهداف على الأمد الطويل.

من جهة أخرى، تشير بعض الدراسات إلى أنَّ الشرود الذهني يجعلنا أقل قدرة على الحفاظ على التركيز اللازم لتحقيق أهدافنا، ولاسيما إذا كان عفوياً وغير متعمد؛ لذا من الضروري أن تحدد في أي مرحلة أنت من تحقيق أهدافك قبل أن تقرر أنَّ الشرود الذهني من شأنه أن يكون فكرة جيدة.

لا يدل أي من هذا على أنَّ الشرود الذهني أفضل لنا من التركيز، ومن المحتمل أن تكون كل عملية نافعةً في جهةٍ ما، في ظل الظروف الملائمة، قد يكون الشرود الذهني مفيداً لنا ولمن هم حولنا؛ حيث إنَّ الحيلة تكمن في معرفة متى يكون الوقت مناسباً لتحرير عقلك.

المصدر




مقالات مرتبطة