كيف يساعدك التفكير المرن على تطوير العطف الذاتي؟

التفكير المرن قائم على مفهوم المرونة النفسية، الذي يُعرَّف على أنَّه "الاتصال الدائم بالحاضر بغض النظر عن الأفكار أو المشاعر النفسية أو الجسدية غير المريحة، وفي الوقت نفسه اختيار الفرد لسلوكه بناءً على الظرف الذي يواجهه أو قيمه الشخصية"، سمعت لأول مرة عن المرونة من عالم النفس السريري الحائز على شهادة الدكتوراه "ستيفن سي هايز" (Steven C. Hayes)، وأحد المشاركين في تطوير العلاج النفسي الفعال للقلق والاكتئاب "العلاج بالقبول والالتزام" (Acceptance and Commitment Therapy)؛ تهدف تعاليم هايز إلى تقبل المشاعر السلبية والتعامل معها عوضاً عن إنكار وجودها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدونة "بوبي جيمي" (Poppy Jamie)، والذي تحدثنا فيه كيف غيَّر التفكير المرن حياتها للأفضل.

 لقد أحببت فكرة التعامل مع أفكاري السلبية، عوضاً عن إجبار نفسي على الاستمرار بالعمل رغماً عني، فقد تعبت ومللت من التحلي بالعزيمة طوال الوقت، ولقد ضغطت على نفسي لكي أنهض مجدداً وأستمر، حتى حين كنت أعاني؛ يُعيد إلي التدريب على المرونة ذكريات مريعة من معسكرات التدريب، حين أكون مقطوعة الأنفاس وعضلاتي متشنجة وأتصبب عرقاً، والمدرب يصرخ فيَّ بأن استمر بالجري، حينها كنت أخشى أن أكون الوحيدة في المجموعة التي تشعر بالإرهاق وتريد الاستلقاء على الأرض وتزحف، لذا كنت أستمر بالجري، على الرغم من كل ما كنت أشعر به من ألم.

قبل المرونة النفسية كانت حياتي بأكملها معسكر تدريب، فقد كان يشغل تفكيري أنَّه يجب عليَّ تجاهل الألم وعدم الاستسلام، وهذا ما فعلته، لكنَّ تجاهل الألم لا يشفيه بل يزيده سوءاً؛ نحن بحاجة إلى استراتيجية جديدة ومخرج من حياة المعسكرات، تجعلنا عقلية العمل مرضى مزمنين وبؤساء حتى الإنهاك التام، لكنَّ هناك خيار أفضل، وهو العيش بمرونة.

كيف تعيش حياة مرنة ومتوازنة:

حين تعيش حياتك بمرونة لن ترى الأمور من وجهة نظر واحدة بل سيتسع الأفق أمامك، وحينها تصغي إلى جسدك وتجري تعديلات طفيفة، لتضمن راحتك وتختار بكامل إرادتك أنَّك لن تسمح لخوفك بالتحكم فيك؛ بالطبع ستواجه المصاعب، وستضطر إلى الاستمرار بالرغم من أنَّك قد تفضل الاستلقاء في سريرك وعدم النهوض، بدلاً من مواجهتها بعزيمة وإصرار، أو الوقوف عاجزاً في وجهها، تعني المرونة الاعتراف بوجود تلك الصعوبات، ومن ثم السماح لنفسك بالتفكير بأسلوب مختلف للتعامل معها، فهي مرونة نفسية تسمح لك بالنظر إلى المصاعب على أنَّها فرص وليست عوائق.

وفقاً لثقافتنا يجب علينا أن نكون مندفعين وعنيدين، لكن من ناحية أخرى، تسمح لنا المرونة النفسية بأن نتمهل قليلاً ونعامل أنفسنا بلطف وعطف، وأن ندرك أنَّنا حين نفعل ذلك سنعثر على طريق أفضل للمضي قدماً، ومجرد استطاعتنا إجبار أنفسنا على الاستمرار بالجري، لا يعني أنَّه يجب علينا فعل ذلك، وحين تعمل أكثر من طاقتك اليوم، فأنت تستهلك من احتياطي الغد.

إقرأ أيضاً: 4 أسباب تجعل المرونة مهارة شديدة الأهمية

التفكير المرن والتفكير المتحجر:

تهتمُّ الأفكار المرنة بالآخرين وتتقبلهم وتثير التحدي والفضول في نفوسهم وتحفزهم، وهي تدفعك إلى التساؤل عن شعورك في اللحظة الراهنة وسببه، ثم تقبُّله والتعلم من التجربة، تبدأ المرونة النفسية حين نلاحظ الضجيج داخل أذهاننا، ونتذكر أنَّ جميع الأفكار عابرة، فهي تأتي وتذهب ويمكن أن تمتد في آلاف الاتجاهات؛ 'التفكير النقدي' هو جانب أساسي من المرونة النفسية، وهو طريقة تفكير العلماء بالمشكلات، عبر النظر إليها من وجهات مختلفة وتخيُّل احتمالات متعددة.

الأفكار المتحجرة من ناحية أخرى، هي نقد بحت في أسوأ أشكاله، حيث تكون عالقاً في وجهة نظر واحدة، وعادة ما تكون مُهينة ومرهقةً وتستنفد الطاقة، فهي اختيار طريقة واحدة لإنجاز الأمور والتشبث بها، حتى لو كانت غير مناسبة للوضع العقلية المتحجرة هي امتلاك وجهة نظر ثابتة لا تنمو ولا تتطور أو تشكك في الأسباب والركائز القائمة عليها.

تقول أخصائية التغذية "كارين آر هيرد " (Karen R. Hurd) مؤلفة كتاب "قالوا أنَّه مستحيل: قصص أشخاص تعافوا من المستحيل" (And They Said It Wasn’t Possible: True Stories of People Who Were Healed From the Impossible):" حين تفشل خطة المعركة، لا يجب أن تحاول مجدداً وتبذل جهداً أكبر، عوضاً عن ذلك، يجب أن تضع خطة جديدة، وإذا فشلت هي أيضاً، ضع واحدة أخرى أفضل".

كيف تمارس التفكير المرن؟

  • عوضاً عن تجاهل الألم حتى يزول، حاول التفكير في أنَّك تتألم الآن، وحدد مصدر الألم وسببه.
  • عوضاً عن الاستسلام، حاول التفكير في أنَّك محبط، وهو أمر طبيعي ويحصل للجميع، لكن قبل أن تتسرع بالاستنتاج، يجب جمع المزيد من المعلومات وإحاطة نفسك بطاقة إيجابية.
  • عوضاً عن اعتقاد أنَّ الجميع يكرهك، حاول التفكير في أنَّ ثقتك بنفسك الآن ليست في أفضل حالاتها، ويبدو أنَّه أمر يحصل لك خلال ظروف معينة، حاول تحديد ما الذي يجعلك تشكك بنفسك في تلك الظروف، وما إذا تصرف أي أحد بطريقة تثبت شكوكك.
  • عوضاً عن الشعور بالإحباط ظنَّاً منك أنَّ الأمور سوف تستمر على هذا المنوال دائماً، حاول التفكير في أنَّك تشعر في هذه اللحظة بالانهزامية حين تتأمل في المستقبل، وهو أمر طبيعي تماماً، ثم افعل شيئاً يُشعرك بالتفاؤل بما سيجلبه لك المستقبل.

المصدر




مقالات مرتبطة