كيف يساعد الذكاء العاطفي الفِرق على قهر الرغبة في بلوغ الكمال؟

يمكن أن يعيق السعي إلى الكمال الفِرق، ولذلك يستخدم القادة الأذكياء عاطفياً الفضول والمثابرة والتعاون والتعاطف لمساعدة الأشخاص على الحفاظ على النشاط ومواصلة التحسن.



يُعدُّ التطلع إلى تحقيق أهداف سامية أمراً صحياً، طالما أنَّه لا يعيق الأداء؛ لذا طبِّق النصيحة التي تقول: "لا تدع السعي إلى الكمال يقف عثرةً في طريقك للتقدم".

يهتم التطوير المرن (Agile development) اهتماماً كبيراً بالتكرار أو بفكرة الفشل السريع بغية التعلُّم والتكيف والتحسُّن بسرعة وباستمرار، ويرى فيهما أهميةً كبيرةً، لذا تعيق الرغبة في بلوغ الكمال في الحقيقة قدرتك على تطوير نفسك.

لا يمكننا أن نَعُدَّ جوانب التفكير الكمالي مثل الخوف من ارتكاب الأخطاء واعتماد عقلية "الكل أو لا شيء" أدواتٍ تعليمية مفيدة، ولن يساعد السعي إلى الكمال في كل مشروع على تحقيق أهداف المنتَج.

من خلال ممارسة الذكاء العاطفي، نحن نتعرف مَواطن قوتنا، وربما الأهم من ذلك: حدودنا وكيفية التوسع فيها من خلال التعلُّم من الأخطاء والتغلب على التحديات، لكنَّنا عندما نخوض تجارب أصعب ولا نهاب الفشل، نتعلم كيفية أداء عملنا على أتم وجه.

شاهد بالفيديو: كيف تعزز الذكاء العاطفي في فريقك؟

تكشف هذه المقالة أربعة جوانب للذكاء العاطفي، وكيفية الاستفادة منها لتحقيق الأهداف، وكيفية وضع حد للسلوكات التي تخفي رغبةً في بلوغ الكمال وأنماط التفكير التي تضر بالفِرَق النشيطة:

1. الفضول:

يتمتع الأفراد الأذكياء عاطفياً بفضول كبير، ويستكشفون إمكانات جديدةً ويطرحون الأسئلة ولا مانع لديهم في البحث عن مختلف الحلول، فإذا اتَّبعنا أنماط التفكير التي تخفي الرغبة في الكمال، فسنصبح على الأغلب مهووسين بأن تكون نتائج أدائنا على درجة عالية من الدقة أو التفرد، فنحصر تفكيرنا في أمور محددة لا نرى غيرها، ونعرقل عملية التعلُّم التي يُفترَض أن نتَّبعها في أثناء سعينا إلى بلوغ الأهداف.

عندما نكون في طريقنا نحو تحقيق الأهداف، من الضروري أن نتساءل بفضول عن العملية التي علينا خوضها في أثناء ذلك لكي نتمكن من تصحيح المسار في حال واجهتنا العقبات.

يجعلنا الفضول على دراية بالخيارات والتوجيهات الأخرى التي يجب اتخاذها لتحقيق أهدافنا؛ ولكن للقيام بذلك، نحن نحتاج إلى مقاومة التفكير في مبدأ "إمَّا كل شي أو لا شيء"، وأن نتقبَّل تغيير توجُّهات أهدافنا، لذا من الضروري أن نكون قادرين على التكيف في بيئة نشيطة عند حدوث غير المتوقع.

نحن لا نستطيع تجاهل أهداف الأداء تجاهلاً تامَّاً، إذ لا شك في أنَّنا سنتعامل في أثناء عملنا مع أهداف أداء قابلة للقياس، مثل تحسين وقت الدخول إلى السوق بنسبة 30% أو تخفيض التكاليف بنسبة 10% مثلاً، بيد أنَّ أهداف التعليم تُبعِد تركيزنا عن النتيجة النهائية وتوجِّهه إلى عملية تعلُّم أفضل طريقة لإحراز الهدف؛ لذا إذا لم يكن لنتيجة الأداء تبعات خطيرة على المشروع، يُنصَح بالتعامل مع الأهداف تعاملاً يُركِّز الاهتمام ما أمكن على التعلم.

جرِّب استراتيجيات جديدة، وحافظ على تقدُّمك، وواظب على التكرار حتى تجد أفضل حلٍّ واعد، ولا تحاول تحقيق نتائج مثالية؛ ذلك لأنَّها ستعيقك عن تعلُّم طرائق جديدة في تحقيق أهدافك.

عليك أن تُدرِك متى تنتقل إلى الحل التالي، ومن الهام أيضاً استيعاب أنَّك لن تستطيع تطبيق الخطط دون أخطاء، وهذا ينقلنا إلى جانب آخر من الذكاء العاطفي الذي يساعدك على تنمية مهارة الإصرار لديك.

إقرأ أيضاً: 5 قواعد ذهبية مثبتة علميًا في تحديد الأهداف

2. الإصرار:

تَحُول بينك وبين أهدافك كثير من الأمور التي تسبب لك الإحباط؛ فلا يمكنك منع بعض هذه الأمور المحبِطة من أن تعصف بك، في حين يمكنك السيطرة على غيرها، مثل: الأخطاء أو الانتكاسات أو الاتكالية أو التسويف، إذ سنواجه الإحباط في طريقنا لبلوغ الهدف مهما حاولنا تحاشيه.

لكن لا شيء يثني الأذكياء عاطفياً عن تحقيق هدفهم بغضِّ النظر عن المتاعب التي تواجههم، إذ يعرف هؤلاء كيف يعملون رغم الإحباط؛ وذلك نظراً لقدرتهم على تنظيم عواطفهم والحفاظ على الإيجابية تحت الضغط، وتهدئة أنفسهم مهما حاولت مشاعر الاستياء السيطرة عليهم.

ومع ذلك، إن استسلمنا للرغبة في بلوغ الكمال، فسيزداد خوفنا من ارتكاب الأخطاء، وعلى الأغلب سنُعدِّل هذه الأهداف كي يسهل علينا مواجهة الانتكاسات، ناهيك عن الاستمرار في التسويف؛ لأنَّه لا يمكن أن نفشل في شيء لم نبدأ به بعد.

لا يشمل توظيف الذكاء العاطفي لمحاربة الإحباط ضبط الذات وحسب؛ بل يتطلب تطوير قوة الإرادة أو شحذها؛ فعندما نؤمن أنَّنا سنحقق الأهداف لا محالة، عندها نسمح لأنفسنا بأن نبتعد عن السعي إلى الكمال.

يمكن لتطوير قوة الإرادة أن يخفف من العادات وأنماط التفكير التي تخفي وراءها سعياً إلى الكمال من خلال تعزيز الثقة بالنفس؛ حيث يتفوَّق الذين يؤمنون أنَّ بإمكانهم تحقيق أمر عظيم في الأداء مقارنةً بمَن يظنون العكس. فنحن عندما نثق أنَّ بإمكاننا بلوغ أهداف محددة، لن نخشَ الفشل انطلاقاً من إيماننا أنَّنا قادرون على الإنجاز بغضِّ النظر عن العقبات التي تعترض طريقنا.

في عالم البرمجيات مثلاً، عليهم أن يتقبلوا وجود العيوب، ففي الوقت الذي يصيب تقبُّل الفشل الناس بالإحباط، يتيح اتِّباع أسلوب الفشل السريع للفِرق المتطورة إيجاد الخلل وتصحيحه بوقت أسرع، ويعني هذا تناقص العيوب في المنتَج النهائي، وبالتالي يكون لديهم برنامج جاهز وعالي الجودة.

3. الإيمان بالتعاون والقبول:

يشارك القائد ذو الذكاء العاطفي بعضاً من عيوبه أو الانتقادات التي تغلَّب عليها؛ إذ يعي الأشخاص الأذكياء عاطفياً أنَّ في التعاون قوة، فالمنطق وراء التعاون في البيئة النشيطة بسيط: يمتلك الفريق ككل معرفةً وتجربةً أكبر ورؤيةً أوضح من التي يمتلكها فردٌ وحده.

سيضيِّع الفريق المتنوع الفرص إن فشل في توظيف هذه الخبرات الفريدة والرؤى؛ في حين كثيراً ما تعرقل العقلية التي تؤمن بالسعي إلى الكمال بيئة التعاون.

إنَّ السعي إلى بلوغ الكمال هو من حيث الجوهر مجموعة من الاعتقادات حول علاقة الفرد بالآخرين؛ حيث يُحفِّز السعيُ الحثيث للحصول على تقبُّل الآخرين من خلال المبالغة في الطموح عاداتٍ تخفي وراءها الرغبة في بلوغ الكمال، ففي عالم البرمجيات مثلاً: لا يعلو إنجاز الفرد على الأهداف الجماعية للفريق.

يجب على القادة ألا يشجعوا التعاون فحسب؛ بل أن يُوجِدوا بيئةً تعاونيةً يكون تقبُّل الآخر فيها أمراً غير مشروط، فيمكن لبيئات العمل أن توصل الموافقة والاستحسان والتقدير دون تكلُّف عندما يتمُّ العمل وفق معيار محدد فقط.

يمكن استبدال الفكرة العاطفية مثل: "أنا أوافق عليك وأعترف بك وأقدِّرك كموظف كما أنت" بعبارة مثل: "أنا أوافق عليك وأعترف بك وأقدِّرك كموظف عندما تُتِمُّ عملك على أتم وجه".

إذا كانت هذه هي الرسالة الوحيدة التي يمكن الوصول إليها، فيمكن للذين يسعون إلى بلوغ الكمال البدء بتحديد إحساسهم بالهدف ضمن الفريق من خلال الأداء فقط.

يستطيع القائد الذكي عاطفياً أن يُوصل بنشاطٍ السمات والإنجازات الإيجابية لفريقه؛ بل حتى أنَّ باستطاعته مشاركة بعض من عيوبه التي أُشير إليها والانتقادات التي وُجِّهت إليه وتغلَّب عليها.

إقرأ أيضاً: كيف تعزز الذكاء العاطفي في فريقك؟

4. ممارسة الوعي الذاتي المبني على التعاطف:

التعاطف سمة أساسية من سمات الذكاء العاطفي؛ ويُعرَّف التعاطف على أنَّه "القدرة على فهم مشاعر الآخرين ومشاركتها"، لكن علينا أيضاً أن نكون قادرين على ممارسة الوعي الذاتي المبني على التعاطف مع أنفسنا في أثناء عملنا لتحقيق أهدافنا.

هناك مواقف معيَّنة خارجة عن إرادتنا وتمنعنا من تجنب الفشل، مهما بذلنا من جهد؛ حيث يدرك الموظفون المميزون أنَّ عملهم سيفشل، لكنَّهم يعون أيضاً أنَّهم كلما فشلوا بسرعة، تمكنوا من إصلاح الضرر في وقت أقصر.

عندما نمارس الذكاء العاطفي، فإنَّنا نتقبَّل الظروف كما هي ونستفيد منها أقصى استفادة، فالوعي الذاتي هو الأساس لفهم مدى قدرتنا، وعندما يحدث شيء ما خارج نطاق قدرتنا، يمكن للفهم أن يجعلنا نحسِّن ما نفعله في المرة القادمة.

تطبيق الذكاء العاطفي على الأهداف:

الهدف هو مجرد حدث، وهو شيء لا يمكنك السيطرة عليه بالكامل؛ لذا يتطلَّب الالتزام بهدف ما، الوقت والمثابرة والفضول المستمر للتعلم، فإذا حاولت تحقيق هدف على أكمل وجه، فسوف تُهيئ نفسك لخيبة الأمل، وعندما تركِّز على بناء عادات ذكية عاطفياً، ستكون قادراً على تقبُّل النتائج كما هي على حقيقتها والاستمرار في تعلُّم طرائق جديدة للتحسن.

 

المصدر




مقالات مرتبطة