كيف يزيد الانتباه من تحقيق أداء أفضل وإنتاجية أعلى؟

وفقاً للمعالج النفسي "ميهالي تشيكسنتميهالي" (Mihaly Csikszentmihalyi)، "التركيز" أو "التدفق" (flow) هو "حالة يكون خلالها الشخص منغمساً في النشاط لدرجة لا يبدو أنَّه يكترث لأيِّ شيء آخر؛ وهي تجربة ممتعة لدرجة أنَّ الناس يستمرون بالسعي إليها حتى لو كلفهم ذلك الكثير لمجرد الشعور بها".



فحين تدخل حالة التدفق تصل إلى أقصى إنتاجيتك وتقدِّم مخرجات أعلى جودة، وفيها ينتج المؤدون العظيمون أفضل أعمالهم؛ وعلى الرغم من أنَّهم قد لا يعلمون أنَّهم في حالة التدفق، لكن هناك نقاط تشابه متكررة يذكرونها جميعاً.

حالة التدفق هي حالة "بلا أفكار" يهدأ فيها العقل؛ ويمكن أن يمتد التدفق ليشمل مجموعة من الأشخاص الذين يعملون معاً، كما أنَّ التركيز والوضوح اللذان يرافقان حالة التدفق يسمحان لك بإنجاز مهام تتطلب في العادة أياماً، خلال ساعات، ويتعارض هذا الأمر تماماً مع "ثقافة العمل الدؤوب" (hustle culture) أو عقلية النشاط الدائم؛ إذ لا يمكنك الوصول إلى حالة التدفق تحت الضغوطات، ولا يعني كونك دائم العمل والانشغال بأنَّك منتِج.

تساعدنا مراقبة سلوك الأشخاص الناجحين في العالم وهم يعملون على فهم كيف يمكننا خلق حالة التدفق لأنفسنا؛ ومن هذا المنطلق، نشرت شركة تصميم المنتجات وتصميم تجربة المستخدم "ديزاين بارتنرز" (Design Partners) تقريراً يستند إلى آراء 11 خبيراً وناجحاً.

الدماغ وحالة التدفق:

تلازم السعادة حالة التدفق؛ وذلك لأنَّ الشعور الذي يتلو أداء مهمةٍ ما على أكمل وجه وإنتاج مخرجات عالية الجودة يؤدي إلى إفراز هرمون "الدوبامين" (dopamine) في الدماغ؛ لذا يمنحنا الأداء بأقصى قدراتنا الرضا عن عملنا؛ لكنَّ التوتر والقلق يمنعانك من الوصول إلى حالة التدفق، فعليك أن تتعلم التعامل معهما أولاً.

تتقلص القشرة الجبهية (وهو قسم الدماغ المسؤول عن التخطيط بعيد الأمد) مؤقتاً خلال التدفق، ويمكننا بهذا التركيز تماماً على اللحظة الراهنة؛ وعند التركيز على العملية عوضاً عن النتيجة المرجوَّة؛ يمكنك أن تنغمس كلياً في الحاضر وتنتج أفضل أعمالك، وقد يبدو أنَّ ذلك يخالف المنطق، لكن في الحقيقة كلما استطعنا إهمال النتيجة، زاد تركيزنا على المهمة بين أيدينا.

شاهد بالفيديو: 7 نصائح لتحسين مدى انتباهك وتركيزك

ما الظروف التي يجب توافرها كي تحدث حالة التدفق؟

يجب أن تكون خبيراً في مجال عملك، لكنَّ ذلك لوحده غير كافٍ؛ كما أنَّ تحقيق التدفق يعتمد على وجود حالة تحسُّن دائمة؛ حيث يجب أن تضع تحديات لنفسك، ولكن دون أن تصعِّب الأمر على نفسك كثيراً لدرجة أن يسبب لك القلق، وينبغي أن يكون هذا التحدي خارج منطقة راحتك؛ يعني ذلك أنَّ التحدي سيؤدي إلى أفضل نتائج حين تزداد صعوبته تدريجياً، على سبيل المثال: حين تتمرن في النادي الرياضي، عليك زيادة الأوزان تدريجياً؛ وإلا قد تؤذي نفسك إن حاولت رفع وزن يفوق قدرتك مبكراً.

كما يقول النحات المعروف عالمياً والمصمم "جوزيف والش" (Joseph Walsh)، الذي عُرضَت أعماله في "متحف الفنون" (Museum of Art) في "نيويورك" (New York) و"مركز بومبيدو" (Pompidou Centre) في "باريس" (Paris): "السر هو عدم النظر إلى الخبرة كهدف عليك تحقيقه؛ بل هو سلوك عليك اكتسابه؛ فالخبير هو شخص يسعى نحو تحسين نفسه دوماً".

تجربة التدفق عارمة ويمكن أن تشمل مجموعة من الأشخاص حين يعمل الفريق كوحدة متكاملة، وكلُّ فرد في مجال إبداعه؛ لكن في ظروف محددة مثل إدارة مسرح، قد تشعر بالتوتر، ويعرقل هذا حالة التدفق؛ لذا من الهام أن توجِّه تفكيرك بعيداً عن الضغوطات لتستمر حالة التدفق، ومن الطريف أنَّ أمراً بسيطاً كإطلاق دعابة كفيلٌ بتبديد القلق والتوتر؛ ويجدر بالذكر هنا أنَّ حالة التدفق ليست حكراً على المجالات الإبداعية؛ بل يمكن لأيِّ أحدٍ يرغب في الابتكار أو حلِّ مشكلة بطريقة خلَّاقة أو إنتاج أفضل أعماله تطبيقها.

إقرأ أيضاً: "التدفق": تحقيق التوازن بين التحدّيات والمهارات المطلوبة لإنجازها

كيف تدخل حالة التدفق؟

في تقرير "ديزاين بارتنرز" (Design Partners)، كشف الخبراء عن طقوس شخصية مصممة لتساعدهم على دخول حالة التدفق؛ حيث تتمحور هذه الطقوس حول العثور على السكينة داخل الذهن عبر تطبيق تقنيات الاسترخاء، وتهيئة الظروف للنجاح من خلال خلق بيئة مناسبة لحالة التدفق؛ وقد يعني ذلك مثلاً إيقاف تشغيل هاتفك المحمول أو قطع الاتصال بالإنترنت لتجنُّب تشتت انتباهك.

لن يكون التحكم بالبيئة المحيطة بك ممكناً دائماً، لكن هناك أدوات يمكن أن تساعدك على خلق شعور التدفق؛ فمثلاً إن كنت رياضياً، يمكنك ارتداء نوع معين من الأحذية، أو إذا كنت مصوراً، يمكنك استخدام كاميرات من علامة تجارية محددة؛ فهذه الأشياء تصبح امتداداً لشخصيتك وتساعدك على دخول حالة التدفق؛ وحين تدخل حالة التدفق، تعمل تلقائياً، وتدخل حالة "بلا أفكار".

في أثناء محاولة اكتشاف أدواتك الخاصة للوصول إلى التدفق، قد تجد من المفيد التفكُّر وتأمل ما كان يحصل معك، وما الذي كنت تفعله وكيف كنت تقوم به خلال أعمق حالات التدفق التي اختبرتها؛ حتى لو كانت مجرد بضع دقائق، ستساعدك على اكتشاف نقاط هامة عن العملية التي تمر بها حتى تحقق أقصى إنتاجية وتقدِّم أفضل مخرجات.

المصدر




مقالات مرتبطة