كيف يحافظ الناجحون على هدوئهم؟

تُظهِر الأبحاث أنَّ القدرة على إدارة مشاعرك والبقاء هادئاً تحت الضغط ترتبط بشكل مباشر مع أدائك، حيث أجرت مجلة "تالنت سمارت" (TalentSmart) بحثاً شمل أكثر من مليون شخص، ووجدت أنَّ 90٪ من ذوي الأداء المتميز يتمتعون بمهارة إدارة عواطفهم في أوقات التوتر، ويستطيعون التزام الهدوء والسيطرة على أنفسهم.



هناك ملخصات بحثية مذهلة تستكشف الضغط المدمر الذي قد يحطم الصحة الجسدية والعقلية للفرد، مثل دراسة جامعة ييل التي وجدت أنَّ التوتر المتواصل يسبب تدهوراً في منطقة الدماغ المسؤولة عن التحكم بالذات.

الشيء المحير حول التوتر والضغط الذي يصاحبه أنَّه عاطفة ضرورية للغاية؛ ذلك لأنَّ أدمغتنا بتفاعلاتها الكيميائية يصعب عليها اتخاذ إجراء دون الشعور بمستوى معين من التوتر، والذي لا يعدُّ ضاراً طالما أنَّه لن يدوم طويلاً.

لقد كشف بحث جديد من جامعة كاليفورنيا (the University of California) فائدة التعرض إلى مستويات معتدلة من التوتر، وأشار إلى مدى أهمية إبقاء هذا التوتر تحت السيطرة في الوقت نفسه؛ إذ وجد البحث أنَّ الدماغ يميل مع بداية التوتر إلى تطوير خلايا جديدة مسؤولة عن تحسين الذاكرة، ولا يُرَى هذا التأثير إلَّا عندما يكون التوتر متقطعاً؛ ولكن بمجرد استمرار التوتر، فإنَّه يكبح قدرة الدماغ على تطوير خلايا جديدة.

بالنسبة إلى الحيوانات، يمثل التوتر المتقطع الجزء الأكبر ممَّا يتعرضون إليه من تهديدات بدنية في بيئتهم، وقد كان هذا هو الحال بالنسبة إلى البشر منذ زمن بعيد؛ ولكن مع تطور الدماغ البشري وزيادة تعقيده، تطورت القدرة على القلق والمثابرة على الأحداث، ممَّا خلق تجارب متكررة من التوتر طويل الأمد.

إلى جانب زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والاكتئاب والسمنة، يقلل التوتر أيضاً من أدائك المعرفي؛ ولحسن الحظ، طالما لم يطاردك أسد، يكون الجزء الأكبر من توترك تحت سيطرتك.

يمتلك أصحاب الأداء الأفضل استراتيجيات قوية يستخدمونها في ظلِّ ظروف التوتر؛ ممَّا يقلل من مستويات التوتر لديهم، ويضمن أنَّه متقطع وغير مستمر.

إقرأ أيضاً: أهم 10 أمور يجب معرفتها حول تأثيرات التوتر

بغض النظر عن العديد من الاستراتيجيات الفعالة التي يستخدمها الأشخاص الناجحون عندما يواجهون ضغوطاً، إلَّا أنَّ ما سنذكره في هذا المقال هو الأفضل.

قد تبدو بعض الاستراتيجيات الآتية واضحة، لكنَّ التحدي الحقيقي يكمن في التعرف على الوقت الذي يتعين عليك فيه استخدامها، والقدرة على القيام بذلك بالفعل رغم توترك:

1. يقدِّرون ما لديهم:

يحسِّن قضاء بعض الوقت في التفكير في الأشياء التي تمتن لها وتقدِّر وجودها في حياتك حالتك المزاجية؛ ذلك لأنَّه يقلل من مستويات هرمون الكورتيزول المسبب للشعور بالتوتر بنسبة 23٪.

لقد وجدت الأبحاث التي أُجرِيت في جامعة كاليفورنيا (the University of California, Davis) أنَّ الأشخاص الذين كوَّنوا موقفاً يومياً من الامتنان شعروا بتحسن في الحالة المزاجية والطاقة والصحة البدنية، ومن المحتمل أنَّ المستويات المنخفضة من الكورتيزول قد لعبت دوراً رئيساً في ذلك.

2. يتجنَّبون سؤال "ماذا لو؟":

يعدُّ سؤال "ماذا لو؟" أشبه بسكب الوقود على النار في أوقات التوتر والقلق، إذ قد تسير الأمور في أكثر من اتجاه مختلف؛ وكلَّما زاد الوقت الذي تقضيه في القلق بشأن الاحتمالات، قلَّ الوقت الذي ستقضيه في التركيز على اتخاذ إجراءات من شأنها أن تهدئك وتبقي توترك تحت السيطرة.

لذا، يعرف الناس الهادئون أنَّ سؤال "ماذا لو؟" سيأخذهم إلى منطقة من التفكير لا يريدون الذهاب إليها، ولا يحتاجونها.

3. يبقون إيجابيين:

تساعد الأفكار الإيجابية في جعل التوتر متقطعاً من خلال تركيز انتباهك على شيء خالٍ تماماً من التوتر؛ لذا عليك مساعدة عقلك على اختيار شيء إيجابي للتفكير فيه لإعادة تركيز انتباهك.

عندما تسير الأمور على ما يرام، وتكون حالتك المزاجية جيدة، يكون التفكير الإيجابي سهلاً نسبياً؛ أما عندما تسير الأمور بشكل سيء، ويُغمر عقلك بالأفكار السلبية، فقد يكون ذلك بمثابة تحدٍّ.

لذا في هذه اللحظات، فكر في يومك، وحدد شيئاً إيجابياً واحداً حدث لك مهما كان صغيراً؛ فإذا كنت لا تستطيع التفكير في شيء من اليوم الراهن، فكر في اليوم أو الأسبوع السابق، أو تطلع إلى حدث مستقبلي مثير يمكنك تركيز انتباهك عليه؛ فالمغزى من ذلك أنَّه يجب أن يكون لديك شيء إيجابي تكون مستعداً لتحويل انتباهك إليه عندما تصبح أفكارك سلبية.

4. ينفصلون عمَّا يوترهم:

نظراً إلى أهمية الحفاظ على فترات متقطعة من التوتر، فإنَّه لمن السهل أن نرى كيف يساعد قضاء بعض الوقت بعيداً عن شبكة الحاسوب في إبقاء التوتر تحت السيطرة.

عندما تجعل نفسك متاحاً لعملك ليلاً ونهاراً على مدار الأسبوع، فإنَّك تعرض نفسك إلى ضغوطات كبيرة؛ لذا يمنح إجبار نفسك على الانقطاع عمَّا يوترك أو إيقاف تشغيل هاتفك، جسمك استراحة من مصدر دائم للتوتر؛ فقد أظهرت الدراسات أنَّ شيئاً بسيطاً -مثل انقطاعك عن البريد الإلكتروني- قد يخفض مستويات التوتر لديك.

تُسهِّل التكنولوجيا من التواصل المستمر والتواجد على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، ممَّا يجعل من الصعب للغاية الاستمتاع بلحظة خالية من التوتر خارج العمل؛ ذلك لأنَّك قد تستلم رسالة في أي وقت على بريدك إلكتروني تغير تفكيرك، وتجعلك تفكر في ضغط العمل.

إذا كانت طبيعة عملك تحتم عليك التواصل الدائم على مدار الساعة طيلة أيام الأسبوع، فلابد من أخذ فترات راحة منقطعة عن أيِّ مصدر توتر في عطلتك؛ لذا افعل ذلك، وستندهش من مدى تأثير الأمر على صحتك النفسية والعقلية، وكيف يمكنك تقليل التوتر عن طريق وضع التغذية العقلية في جدولك الأسبوعي.

إذا كنت قلقاً بشأن العواقب المترتبة على اتخاذ هذه الخطوة، فحاول مبدئياً القيام بذلك في وقت لا تتوقع أن يتصل بك أحد فيه، كصباح يوم الجمعة.

كلَّما زاد ارتياحك حيال ذلك، وبدأ زملاء العمل يتأقلمون على الوقت الذي تقضيه في وضع عدم الاتصال؛ زاد مقدار الوقت الذي تقضيه بعيداً عن التكنولوجيا تدريجياً.

إقرأ أيضاً: 12 أمراً يجعلك مُرهقاً بشكل دائم (1)

5. يحدون من تناول الكافئين:

يؤدي شرب الكافئين إلى إطلاق الأدرينالين الذي يعمل على تفعيل استجابة الكر والفر، وهي آلية تجبرك على الوقوف أو القتال أو الهرب عندما تواجه تهديداً.

تجعلك استجابة الكر والفر تتجنب التفكير العقلاني من أجل الخروج باستجابة أسرع، وهذا شيء رائع عندما يطاردك دب ما في البراري أو الغابات؛ لكنَّه ليس رائعاً عندما ترد على رسالة بريد إلكتروني مزعجة.

عندما يضع الكافئين عقلك وجسمك في هذه الحالة العصيبة من التوتر، تغمر عواطفك سلوكك، ولا تقوى على التصرف بطريقة عقلانية أو ممنهجة.

6. ينامون نوماً كافياً:

لقد تحدثنا عن هذا على مر السنين، ولا نستطع قول ما يكفي عن أهمية النوم لزيادة حدة ذكائك وتركيزك، وإدارة مستويات التوتر لديك؛ فعندما تنام، يُعاد شحن طاقة عقلك حرفياً، فيخلط بين ذكريات اليوم ويخزنها أو يتخلص منها، بحيث تستيقظ في حالة تأهب وتركيز.

تقل قدرتك على التحكم بنفسك واهتمامك وذاكرتك عندما لا تحصل على قسط كافٍ من النوم، إذ يرفع الحرمان من النوم مستويات هرمون التوتر من تلقاء نفسه، حتى في حال عدم وجود ضغوطات.

غالباً ما تُشعِرك المشاريع المجهدة بأنَّك لا تملك وقتاً للنوم، لكنَّ عدم قضاء بعض الوقت في الحصول على نوم ليلي عميق هو الشيء الوحيد الذي يمنعك من السيطرة على الأمور.

شاهد بالفيديو: 8 نصائح لتحظى بنوم عميق

7. يجتنبون الحديث السلبي عن الذات:

تتضمن الخطوة الكبيرة في إدارة التوتر التوقف عن التحدث بسلبية إلى نفسك؛ فكلَّما زاد تفكيرك في الأفكار السلبية، منحتها قوة أكبر لتسيطر عليك.

تعدُّ معظم أفكارنا السلبية مجرد أفكار وليست حقائق؛ لذا، عندما تجد نفسك تصدق الأشياء السلبية والمتشائمة التي يقولها لك صوتك الداخلي، فقد حان الوقت للتوقف عن التفكير فيها، والشروع في كتابتها.

توقف حرفياً عمَّا تفعله، واكتب ما تفكر فيه؛ فبمجرد أن تتوقف لحظة لإبطاء القوة الدافعة لأفكارك السلبية، ستكون أكثر عقلانية ووضوحاً في تقييم مدى صحتها.

يمكنك المراهنة على أنَّ عباراتك غير صحيحة في أيِّ وقت تستخدم فيه كلمات مثل "أبداً" أو "أسوأ" أو "دائماً"؛ فإذا كانت لا تزال هذه الأفكار السلبية تبدو لك حقائق بعد كتابتها، فخذها إلى صديق أو زميل تثق به، واعرف ما إذا كان يتفق معك، وستظهر حينها الحقيقة بالتأكيد.

عندما تشعر وكأنَّ حدثاً ما يحدث دائماً أو لا يحدث أبداً، فهذا مجرد ميل طبيعي لعقلك بهدف تضخيم الأمور؛ لذا، سيساعدك تحديد أفكارك وتصنيفها كأفكار وليست حقائق في الهروب من دائرة السلبية والتقدم نحو آفاق إيجابية جديدة.

8. يعيدون التفكير في منظورهم:

يغذي القلق والتوتر تصوراتنا المشوهة للأحداث، إذ من السهل تصور أنَّ المواعيد النهائية غير منطقية، وأنَّ أرباب العمل غير متساهلين، وأنَّ الازدحام المروري الخارج عن السيطرة هو ما يجعلنا متوترين طيلة الوقت.

لا يمكنك التحكم بظروفك، لكن يمكنك التحكم بكيفية استجابتك لها؛ لذا، قبل أن تقضي وقتاً أطول من اللازم في التفكير في شيء ما، خصص دقيقة لوضع الموقف في منظوره الصحيح؛ وإذا لم تمتلك الوقت للقيام بذلك، فحاول البحث عن أدلة تفيد بأنَّ قلقك قد لا يتناسب مع حجم الضغوطات.

إذا كنت تفكر في عبارات مطلقة مثل: "كل شيء يسير بشكل خاطئ" أو "لن ينجح أيُّ شيء"، فيتعين عليك إعادة صياغة الموقف.

هناك طريقة رائعة لتصحيح هذا النمط من التفكير غير المجدي، وهي: "سرد ​​الأشياء المحددة التي لا تنجح بالفعل"؛ حيث ستعرف حينها أنَّ بعض الأشياء لا تسير على ما يرام، وليس كل شيء؛ وتعرف أنَّ نطاق هذه الضغوطات محدود أكثر ممَّا كان عليه في البداية.

9. يتنفسون:

تعدُّ أسهل طريقة للحد من التوتر هي التنفس؛ لذا عندما تشعر بالتوتر، خصص بضع دقائق للتركيز على تنفسك، وأغلق الباب، وابتعد عن كل المشتتات الأخرى، ثمَّ اجلس على كرسي في وضعية مريحة، وابدأ التنفس.

الهدف هو قضاء الوقت بالكامل في التركيز فقط على تنفسك، ممَّا سيمنع عقلك من التفكير فيما يوترك.

حاول أن تعدَّ كلَّ نفس يدخل ويخرج من رئتيك إلى أن تصل إلى 20، ثمَّ ابدأ من جديد، ولا تقلق إذا أخطأت العد؛ إذ يمكنك دائماً البدء من جديد.

قد تبدو هذه المَهمَّة سهلة للغاية، لكنَّك ستُفاجَأ بمدى شعورك بالهدوء بعد ذلك، ومدى سهولة التخلي عن تشتيت الأفكار التي يبدو أنَّها كانت موجودة دائماً داخل عقلك.

إقرأ أيضاً: تمارين اليوغا والتنفس وفوائدها للصحة

10. يستخدمون نظام الدعم خاصتهم:

إنَّه لأمر مغرٍ أن تحاول التعامل مع كل شيء بنفسك، ولكنَّه غير فعال على الإطلاق؛ فلكي تكون هادئاً ومنتجاً، عليك أن تدرك نقاط ضعفك، وأن تطلب المساعدة عندما تحتاج إليها؛ ويعني هذا الاستفادة من نظام الدعم عندما يكون الموقف صعباً أو معقداً بما يكفي لتشعر بالتوتر.

يمتلك كلُّ شخص صديقاً أو زميلاً يشجعه ويساعده للحصول على أفضل النتائج؛ لذا حدد هؤلاء الأفراد في حياتك، واسعَ إلى البقاء بقربهم والأخذ بمشورتهم وطلب المساعدة منهم عند الحاجة، إذ سيساعدك مجرد الحديث معهم والتنفيس عمَّا تشعر به في تقليل التوتر بشكل ملحوظ، ويمنحك رؤية جديدة عن الوضع، ويعزز علاقتك بالأشخاص الذين تعتمد عليهم.

المصدر




مقالات مرتبطة