كيف يتغلب رواد الأعمال على الاكتئاب؟

في أحلك ساعات اكتئابي، كنت أشعر بكراهية شديدة تجاه نفسي، كرهت نفسي؛ وذلك لأنَّني لم أتمكن من فعل الأشياء التي أحببتها؛ وذلك لأنَّني كنت بالكاد أستطيع العمل بسبب الإرهاق العقلي، وكرهت نفسي لأنَّني شعرت بأنَّي محتال؛ فبعد أن درَّست لمدة 15 عاماً عن المساعدة الذاتية وألَّفت عنها 3 كتب، ومع ذلك، فشل كل شيء علَّمته للآخرين في مساعدتي أنا، لم يَهُم إن كان طعامي صحياً أم كم تمرنت أم قرأت.



ملاحظة: هذا المقال مقتطف من كتاب "حلٌ مؤكد: افهَم بيولوجية عقلك وجسمك لتحقيق النجاح في 90 يوماً" (Unstoppable: A 90-Day Plan to Biohack Your Mind and Body for Success) للمؤلف "بن أنجل" (Ben Angel).

كان كل شيء جربته مجرد دفعة مؤقتة من الحافز سرعان ما زال مفعولها، والأسوأ من ذلك، خسرت أهم شيء، وهو شعوري بذاتي.

وجدت نفسي أتساءل لماذا يستفيد بعض الأشخاص من المساعدة الذاتية بينما لا يستفيد آخرون؟ ولماذا تُغير حياة بعضنا بينما تترك آخرين يعانون بمفردهم؟ ولماذا لا نأخذ من يعاني من الاكتئاب على محمل الجد؟ إذا كسر أحدهم ذراعه نفهم سبب تألمه، ولكن إذا كان شخص مكتئباً نفترض أنَّه ضعيف، فنُسيء تشخيص الأعذار والتسويف والاكتئاب ونظن أنَّها أسباب وليست أعراضاً، ونفترض أنَّها نتيجة موقف الفرد السلبي؛ حاول أطبائي إقناعي بكل ذلك حين لم يعرفوا سبب مشكلتي، لكنَّهم كانوا مخطئين، فالحقيقة هي أنَّه بمجرد أنَّ مصدر الألم غير مرئي لا يعني أنَّ الألم غير موجود.

كل شيء درَّسته عن المساعدة الذاتية على مر السنين يُرسِّخ الاعتقاد الخاطئ بأنَّ الشخص إذا كان مكتئباً أو قلقاً أو يفتقد إلى الحافز، فما عليه إِلاَّ تغيير تفكيره؛ وذلك أمر ضروري، لكن كي ننجح في الحياة الواقعية، يجب أن يعمل عقلنا وجسدنا عملاً صحيحاً معاً، فهما وجهان لعملة واحدة، وحين نتأمل الأشخاص أصحاب الأداء العالي، فنحن ننظر فقط إلى جانب واحد من العملة، وهو علم النفس، بينما نتجاهل الكيمياء الحيوية التي تدعم عقلية ذلك الأداء العالي.

شاهد بالفديو: كيف تعيش بعيداً عن الاكتئاب

تتوقع منا ثقافة العمل الدؤوب حتى الإنهاك المنتشرة اليوم أن نبذل كل شيء يتطلبه الأمر كي ننجح، لكنَّ المشكلة هي أنَّنا لا نستطيع الاستمرار في بذل جهد نفسي مرتفع يوماً بعد يوم دون أن نتأثَّر بيولوجياً أيضاً؛ لذا يجب أن ننظر بعمق إلى الوضع ونسأل: ماذا يحصل حين يعاني شخص من مرض مجهول السبب مثل: نقص التغذية أو تغيرات هرمونية أو مشكلات الجهاز الهضمي أو الآثار الجانبية للأدوية أو الالتهابات أو السموم؟ وفقاً للأبحاث الحالية سيفقد ذلك الشخص الحافز وسيكتئب وسيشعر بالإرهاق، لكنَّنا نخطئ في تشخيص هذه الأعراض ونفترض أنَّها سلوك سلبي؛ وذلك لأنَّها تشبه الاضطرابات النفسية.

سنعود دائماً إلى حالتنا البيوكيميائية الطبيعية، وإذا كانت هذه الحالة عادة هي الإرهاق العقلي والجسدي، فلا يهم كم تحاول تغيير تفكيرك للخروج منها؛ وذلك لأنَّك ستعود دائماً إليها ما لم تتخلص من مسبباتها، لكن يجب أن تعرف أولاً ما هي تلك المسببات، ويمكنك الاستعانة بالمساعدة الذاتية قدر ما تشاء، وقد تتحسن مؤقتاً، ولكنَّها ليست علاجاً.

أقنعونا في السابق أنَّنا بحاجة إلى الإلهام والتفكير بإيجابية كي نشعر بالدافع، لكن أظهرت الدراسات أنَّ الالتهاب المزمن يؤثر سلباً في الدافع؛ وذلك لأنَّه يخفض مستويات هرمون "الدوبامين" (Dopamine) في الدماغ، وللالتهاب المزمن الناجم عن الإجهاد المزمن تأثيرات سلبية جسيمة على قدرة الدماغ على التركيز والإبداع؛ وفي استطلاع شمل 25000 فرداً، اكتشفنا أنَّ 6% فقط من الناس يصلون إلى ذروة الأداء، بمعنى أنَّهم يتمتعون بالوضوح الذهني والطاقة والقدرات المعرفية لمعالجة العمل النفسي بنجاح، بينما قال 53% من المشاركين إنَّهم يعانون من ضبابية التفكير والتعب والأفكار السلبية المتكررة والتسويف والشك الذاتي، مما يجعل الاحتفاظ بالفائدة من العلاج النفسي شبه مستحيلة.

إقرأ أيضاً: كيف يخبر نقص صفاء ذهنك عن حالتك الصحية؟

تخيَّل محاولة تحفيز نفسك حين تشعر بإجهاد عقلي شديد، وتخيَّل محاولة الاستمرار على الرغم من شعورك بالتعب الدائم معتمداً على قوة العزيمة، وتخيَّل أنَّك تحاول إقناع نفسك بأنَّك على ما يرام حين تشعر أنَّك تعاني في كل خطوة تخطوها، كأنَّك تحاول تشغيل سيارة فارغة من الوقود، فمهما حاولت تشغيلها لن تتزحزح من مكانها، ولن يتغير ذلك حتى تملأها بالوقود؛ وهذا هو حالنا، تغيَّرت بيئتنا لكنَّ تفكيرنا لم يتغير، لكنَّ الوقت حان ليحصل ذلك.

الحقيقة هي أنَّ السعي خلف أهدافك يشبه السير حتى تصل إلى مفترق طرق، بينما تحتاج إلى الانعطاف يميناً للوصول إلى أهدافك، ولكن إذا تعرَّضت للسموم أو الالتهابات أو مشكلات في الجهاز الهضمي أو الحساسية الغذائية أو الآثار الجانبية للأدوية أو غيرها، فسيجبرك دماغك البدائي على الانعطاف يساراً كي تستريح وتتعافى؛ وذلك لأنَّ طاقتك تكفي فقط لمحاربة العلَّة الجسدية التي تستنزفك، ولا تكفي لمتابعة السير نحو أهدافك، يدخل دماغك وضع الحفاظ على الذات، مُعطياً الأولوية للوظائف الجسدية الحيوية عوضاً عن أهدافك.

ستجد نفسك تتألم بسبب الفارق بين الشخص الذي أنت عليه وبين الشخص الذي يمكن أن تكونه، وإلى أن تزيل الأسباب الكامنة، سيستمر دماغك البدائي في إجبارك على إراحة جسدك؛ وذلك لأنَّه لا يملك الطاقة اللازمة للانعطاف يميناً والوضوح والحافز والهدف؛ لذا تشعر كأنَّك شخصان مختلفان في معركة دائمة ضد نفسك تزيدك إرهاقاً عاطفياً وجسدياً، وهكذا كانت حالتي أنا تماماً.

إقرأ أيضاً: 6 نصائح للتخلص من الاكتئاب والتمتع بالحياة

ولهذا أنا متعب، سئمت أولئك الذين يزعمون أنَّ هناك حلاً واحداً فقط لهذه المشكلة المعقدة، ومن أولئك الذين يقولون للناس أن يتحلوا بالقوة حين يحتاجون إلى المساعدة في تحديد سبب مشكلتهم، ومن أولئك الذين يطلبون من الآخرين التوقف عن اختلاق الأعذار، حان الوقت لنعثُر على طريقة جديدة قائمة على علم الأعصاب وعلم النفس وعلم الأحياء، ولنبحث في كل مكان عن حل ونساعد الجميع؛ ولهذا بعد معاناتي من الإرهاق العقلي والاكتئاب والقلق، استعنت بالمخزون الضئيل من الطاقة الذي أملكه، وخضتُ رحلةً دامت 90 يوماً بحثاً عن طريق يعود بي إلى الصحة ولاكتشاف العوائق التي تقف بيننا وبينها، معتمداً على العلم وليس الافتراضات، والأفضل من ذلك كله، توصَّلت أخيراً إلى إجابة لسؤال سبب فاعلية المساعدة الذاتية بالنسبة إلى بعضنا دون الآخرين، وحان الوقت ليعرفها الناس كي نتمكن من وضع حد للعذاب الداخلي الذي يعيش فيه الكثيرون.

المصدر




مقالات مرتبطة