كيف يتعامل المعلم مع الطفل الذي يعاني من فرط الحركة؟

تُعَدُّ قضية إعداد الطفل من القضايا المحورية وذات الأهمية الأكبر في المجتمع، فهي الأساس في تكوين بداية شخصية الإنسان، وإذا ما تم بناؤه بالصورة الصحيحة نتج الإنسان السوي ذو الشخصية السليمة؛ لذلك نجد أنَّ معظم الباحثين والعلماء عكفوا على دراسة مشكلات مرحلة الطفولة وتحليلها للوقوف على أسبابها ومحاولة وضع العلاج المناسب لها أو تحديد الطريقة المناسبة للتعامل معها، ومن بين تلك المشكلات التي تمت دراستها حركة الأطفال ونشاطهم.



فمن المعروف أنَّ الأطفال في مرحلة ما من مراحل حياتهم يكونون مشاغبين وكثيري الحركة ودرجة انتباههم لما يحدث حولهم ضعيفة، لكن توجد حالات معينة تتجاوز فيها تلك الحركة الحد الطبيعي المقبول وهو ما يسمى "اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه".

لقد حظي هذا الموضوع في الفترة الأخيرة بالاهتمام الكبير من قِبل العلماء والباحثين سواء في التربية أم علم النفس، فحاولوا جاهدين تحديد أسبابه وأعراضه وطرائق علاجه؛ وذلك بسبب انعكاسات هذا الاضطراب على حياة الطفل؛ إذ وجد الباحثون أنَّ ثمة علاقة وثيقة بين اضطراب فرط الحركة أو النشاط الزائد وبين صعوبات التعلم؛ أي صعوبة في الإدراك والذاكرة وصعوبات القراءة وصعوبات الكتابة وصعوبة العمليات الحسابية.

بالإضافة إلى صعوبات التعلم فإنَّ هذا الاضطراب يؤثر في الفهم الشفهي للطفل، وهذا ينعكس انعكاساً سلبياً على النواحي الاجتماعية والانفعالية والمعرفية وكذلك ما وراء المعرفية، وهؤلاء الأطفال لا تنقصهم القدرات العقلية بقدر ما تنقصهم الرعاية التربوية الجيدة والصحيحة.

غالباً ما يجد المعلم صعوبة كبيرة في التعامل مع هذه الفئة من التلاميذ؛ إذ يشكلون عائقاً في وجه سير العملية التعليمية داخل الفصل الدراسي؛ لذا يقضي المعلم وقتاً لا يستهان به في سبيل ضبطهم، وهذا يؤثر في دافعية المعلم نفسه للتعليم، فكيف يجب عليه التعامل مع الطفل الذي يعاني من هذا الاضطراب؟

أولاً: تعريف اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه

إنَّ مشكلة فرط الحركة أو النشاط الزائد عند الأطفال من أبرز المشكلات السلوكية في مرحلة الطفولة، وتتفاوت هذه المشكلة بين المجتمعات وبين دولة وأخرى، وتبلغ نسبتهم من 6 إلى 7 % لمن يبلغ عمرهم أقل من 18 سنة، والنسبة الأعلى موجودة في قارة أمريكا الشمالية؛ حيث تم تشخيص نسبة 16% في مدارس الولايات المتحدة الأمريكية مصابون باضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، أما في الوطن العربي، فتشير بعض الدراسات إلى أنَّ نسبة الإصابة به تتراوح بين 15 إلى 20%.

اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه هو اضطراب سلوكي عصبي يظهر في صورة عدم القدرة على التركيز لمدة كافية، كما يمكن أن يظهر في شكل سلوك يتسم بالحركة الزائدة والنشاط المبالغ به وغير الهادف الذي لا يتناسب مع الموقف والذي يسبب الإزعاج للآخرين، ومن الممكن أن توجد الظاهرتان معاً.

تعرِّفه موسوعة علم النفس بأنَّه "الطفل الذي ليست لديه القدرة على تركيز الانتباه، والمتسم بالاندفاعية وفرط النشاط، وتزداد هذه الأعراض شدة في المواقف التي تتطلب من الطفل مطابقة الذات وأيضاً الحكم الذاتي الذي يُظهر قصوراً في مدى ونوعية التحصيل الأكاديمي وقصوراً في الوظائف الاجتماعية"، من الناحية الطبية فيُعرف اضطراب فرط النشاط بأنَّه "اضطراب عصبي حيوي يؤدي إلى عملية قصور حاد يؤثر في الأطفال بنسبة 3 إلى 5%".

يوجد عدد كبير من الدراسات التي وضعت تعريفات مختلفة في الشكل ومتحدة في المضمون لهذا الاضطراب، فهي تجتمع على أنَّه اضطراب يؤثر في المراكز العصبية، وهذا يسبب مشكلات وخللاً وظيفياً في عمل المخ مثل التفكير والتعلم والسلوك والذاكرة، كما اتفقت الدراسات على أنَّ نسبته أعلى عند الذكور من الإناث وعند الأسر ذات المستوى الاقتصادي والاجتماعي المنخفض أعلى من الأسر ذات المستوى الاقتصادي الجيد.

ثانياً: سمات الطفل المصاب باضطراب النشاط الزائد وتشتت الانتباه

  1. الحركة المفرطة: يتحرك الطفل باستمرار سواء داخل البيت أم في المدرسة، وينتقل من نشاط لآخر دون إتمام أي منها، ولا يستقر في مكان واحد ويحرك أعضاء جسمه حتى في وضعية الجلوس.
  2. كثير الكلام: يتكلم الطفل كثيراً، كما يعمد إلى مقاطعة حديث الآخرين ولو لم يكن لديه أشياء مفيدة يقولها.
  3. شارد الذهن وضعيف الانتباه: لا يركز فيما يقال من حوله ويعطي إجابات سريعة دون تفكير أو حتى سماع السؤال بشكل جيد.
  4. يقوم بأعمال مؤذية سواء لنفسه أم للمحيطين به.
  5. يواجه مشكلة في ضبط انفعالاته، فيغضب بسرعة وبالوقت نفسه يمكن أن يهدأ بسرعة.
  6. كثيراً ما يتحرك من مقعده في الفصل الدراسي ويتململ بيديه أو قدميه، كما أنَّه يجري أو يقفز ويتسلق الجدران في مواقف غير ملائمة.
  7. الأسباب الوراثية

شاهد: كيف تتعاملين مع الطفل العنيد؟

ثالثاً: أسباب النشاط الزائد عند الأطفال

تؤدي الأسباب الوراثية دوراً في الإصابة باضطراب فرط الحركة من خلال نقل المورثات بشكل مباشر أو غير مباشر؛ من خلال نقل هذه المورثات لعيوب تكوينية تؤثر في أنسجة المخ وتؤدي إلى تلفها، وبدورها تؤثر في المراكز العصبية الخاصة بالانتباه والإدراك والذاكرة.

1. الأسباب البيئة:

منها تعرُّض الأم للأشعة السينية أو أشعة (X) خلال فترة الحمل، أو تناولها للأدوية خلال أشهر الحمل الأولى، أو تعاطيها للكحول أو المخدرات، أو سوء التغذية في أثناء الحمل، فكلها أسباب تؤدي إلى إصابة الجنين بتلف المخ، بالإضافة إلى حوادث بعد الولادة التي قد تصيب الطفل مثل كثرة ارتطام رأسه بالأرض أو إصابته ببعض الأمراض مثل التهاب السحايا والحمى القزمية، كما أنَّ قيام الطفل بتناول المواد السكرية بكثرة يزيد من حركته ويرفع من نشاطه.

2. الأسباب العضوية:

مثل الخلل الذي قد يصيب المخ أو الخلل في الجهاز العصبي أو الخلل في الناقلات العصبية.

3. الأسباب الاجتماعية:

منها أساليب المعاملة الوالدية التي تتسم باللامبالاة وإهمال الطفل واتباع أساليب العقاب البدني والقسوة والأساليب التي تدفعه للشعور بأنَّه طفل غير محبوب ومرفوض، وبخلاف ذلك قد يكون السبب الحماية الزائدة والتدليل المبالغ به، كما أنَّ المشكلات التي تمر بها الأسرة مثل سوء التوافق الأسري أو حالات الطلاق والحرمان من أحد الوالدين أسباب أخرى تجعل منها أسرة غير مستقرة وتزداد الضغوطات على الطفل، وهذا ينعكس على سلوكه وحركته.

من الأسباب الاجتماعية أيضاً هناك المدرسة، فالمدرسة بالنسبة إلى الطفل بيئة معقدة مقارنة بالأسرة، فقد يكون السلوك الذي اتبعه الطفل تقليداً لطفل أكبر سناً، أو قد يكون رد فعل على موقف لا يستطيع اتخاذ قرار به.

4. الأسباب النفسية:

تتعدد الأسباب النفسية التي تؤدي بالطفل إلى فرط النشاط مثل القلق، والتوتر، والضغوطات النفسية، وعدم الشعور بالراحة والأمان، وتدني مستوى الثقة بالنفس، وتشكل عقدة النقص، والإحباط الشديد، والرفض المستمر لأعمال الطفل، والتقليل من شأن ما ينجز ويفعل.

رابعاً: علاج الطفل الذي يعاني من اضطراب فرط الحركة (النشاط)

تختلف أساليب علاج حالات فرط النشاط عند الأطفال باختلاف أسبابها، فهناك العلاج الطبي، والعلاج السلوكي القائم على تعديل سلوك الطفل، والعلاج النفسي الذي يسهم به الأطباء النفسيون، والعلاج باتباع نظام غذائي معين.

1. العلاج الطبي:

يفترض الأطباء أنَّ فرط النشاط ينتج عن خلل في المخ؛ لذا يلجأ الأطباء إلى إعطاء الطفل بعض الأدوية والعقاقير الطبية لتهدئة حركته، وعلى الرغم من فاعلية هذه الأدوية وقدرتها على تهدئة الطفل وجعله أقل حركة وأكثر انتباهاً، إلا أنَّ لها آثاراً جانبية مثل دفعه للنوم والخمول وفقدان الشهية للطعام وغير ذلك.

2. تعديل السلوك باستخدام العلاج السلوكي:

بافتراض أنَّ أعراض النشاط الزائد التي يظهرها الطفل ما هي إلا مظاهر سلوكية تنعكس أثارها على المجتمع المحيط به عموماً، كان لزاماً اتباع أسلوب العلاج السلوكي لعلاج تلك المظاهر، والعلاج السلوكي هو تعلم محدد يهدف إلى إحداث تغيرات إيجابية في سلوك الطفل، وغالباً ما يعمد المعلمون إلى استخدام هذا النوع في التعامل مع حالات فرط النشاط لدى تلاميذهم.

3. العلاج باتباع نظام غذائي محدد:

على الرغم من عدم وجود تأكيد وإجماع من قِبل الجميع على علاقة ذلك بفرط النشاط لدى الطفل، إلا أنَّ الكثير من الدراسات التي دارت حول فرط النشاط عند الأطفال تشير إلى أنَّ نسبة كبيرة من هذه الفئة تتناول المواد السكرية بنسبة كبيرة؛ لذا فإنَّ اتباع الأطفال لنظام غذائي لا يحتوي على المواد السكرية والمواد الحافظة والملونات الصناعية، يسهم في تهدئة حركتهم.

4. العلاج النفسي:

العلاج النفسي في حالات فرط الحركة عند الطفل هام لكل من الطفل وأسرته من أجل تعليمهم كيفية التعامل معه، وعادة ما يتم اللجوء إلى هذا النوع من العلاج عند وجود أسباب تزيد من الضغوطات النفسية والإحباط والاكتئاب مثل المشكلات الأسرية وغيرها.

شاهد أيضاً: أهم النصائح لحماية الطفل من المشاكل النفسية

خامساً: كيف يتعامل المعلم مع الطفل الذي يعاني من اضطراب فرط الحركة (النشاط) وتشتت الانتباه؟

1. "التعزيز" (Reinforcement):

هو كل فعل يمكن أن يؤدي إلى تقوية السلوك المتعلَّم، وهناك نوعان للتعزيز:

2. التعزيز الإيجابي:

هو تقديم أي محفز أو مكافأة للطفل عند قيامه بالسلوك المطلوب، وللتعزيز الإيجابي أنواع عدة، فهناك المعززات الغذائية التي تكون بإعطاء الطفل شيئاً ما يحبه للأكل، وهناك المعززات الاجتماعية مثل قول كلمات المديح والثناء، ومن أنواع المعززات أيضاً المعززات النشاطية؛ أي إشراك الطفل في النشاطات التي يحبها سواء داخل المدرسة أم خارجها.

والمعززات المادية التي تكون بإعطاء الطفل أشياء مادية يحبها مثل أقلام التلوين، والتعزيز الرمزي؛ وهو عبارة عن أشياء مادية تعطى للتلميذ عند تحقيقه لشرط ما فور قيامه بالسلوك المرغوب، مثل قصاصات ورق بأشكال جميلة أو النجوم وغيرها، ومثال ذلك عند تمكُّن الطفل من الجلوس في مكان دون حركة والانتباه لما يقوله المعلم، يُمنح كلمات الثناء مع إشارة تميز.

3. التعزيز السلبي:

وهو ثني الطفل عن القيام بفعل غير مرغوب عن طريق استخدام أساليب معينة منها العقاب، كأن يُحرم الطفل من المشاركة في النشاطات الرياضية التي يحبها أو إنقاص من درجاته في النشاطات الشفهية الصفية.

4. اللعب:

يُعَدُّ اللعب من أكثر الأساليب التي يمكن اتباعها من أجل تعديل سلوك الطفل وتغيره، فاللعب يسهم في تنمية شخصية الطفل بأبعادها المختلفة، كأن يُطلب منه أن يمثل دوراً بشخصيتين متناقضتين ويميز بين ميزات وسيئات كل منهما.

إقرأ أيضاً: ما هو تأثير التشخيص غير الدقيق لاضطراب "فرط النشاط وتشتت الانتباه"؟

5. النمذجة:

يعتمد أسلوب التعلم بالنموذج على الملاحظة بحيث يتم تقديم نماذج للسلوك المرغوب تعلمه، ويشترط لنجاح هذا الأسلوب ضرورة جذب انتباه الطفل قبل عرض النموذج وخلاله.

6. الواجبات المنزلية:

يمكن للمعلم إسناد بعض الوظائف المنزلية التي تعزز سلوك الطفل الإيجابي.

إقرأ أيضاً: فرط الحركة عند الأطفال: تعريفه، وأعراضه، وأسبابه، وأهم طرق علاجه

في الختام:

تنعكس مشكلة اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه على حياة الطفل الحالية والمستقبلية أيضاً؛ إذ ينخفض مستوى تحصيله الدراسي، وتصبح علاقاته مع معلمه وأقرانه وكذلك أسرته مضطربة يسودها التوتر المستمر والنفور الذي يلاقيه من بعض الناس، والذي بدوره سوف ينعكس على نفسية الطفل، ويسبب له تدني تقدير الذات والمشكلات النفسية المختلفة التي تعوق نموه الصحيح، والمعلم هو الشخص الأجدر باكتشاف هذه المشكلة عند الطفل في وقت مبكر بحكم علمه وخبرته، كما يجب عليه وضع برنامج علاجي خاص بالطفل ضمن الفصل الدراسي وإعلام أسرة الطفل به؛ من أجل مساعدته على بناء شخصية سوية وعيش حياة متوازنة.

المصادر:

  • 1
  • محفوظة بنت سالم بن ناصر اليحمدي، فاعلية برنامج إرشادي في خفض النشاط الزائد لدى طلبة الحلقة الاولى من التعليم الأساسي في سلطنة عمان، كلية العلوم والآداب، 2013
  • محاسن مهدي عمر الحسين، اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وعلاقته بأساليب المعاملة الوالدية، كلية التربية ، جامعة السودان للعلوم والتكنولوجيا، 2015
  • مركز المعلومات الدوائية، نقص الانتباه وفرط الحركة عن الاطفال، شعبة المعلومات الدوائية، مستشفى الملك المؤسس عبد الله.



مقالات مرتبطة