كيف يؤثر الشعور بالذنب في طريقة إنفاقنا؟

هكذا بدأ فيلم "القلب الواشي" (The Tell-Tale Heart) المأخوذ عن قصة الكاتب الشهير إدغار آلن بو (Edgar Allen Poe)، والذي يتحدث فيه عن قصة قاتل يتغلَّب عليه الشعور بالذنب لدرجة هلوسته بأصوات دقات قلب ضحيته، بحيث يصبح هذا الشعور شخصية قوية تدفع القاتل في النهاية إلى الكشف عن الجثة والاعتراف بفعلته.



يمكن القول بأنَّها القصة الأكثر شهرة حول قوة الشعور بالذنب؛ فهي تشير إلى تعقيد هذا الشعور وقوته المتقلبة.

عندما نشعر أنَّنا ارتكبنا خطأً ما، تتصرف أذهاننا بطريقة غريبة لا يمكن التنبؤ بها لتتجاوز هذا الشعور؛ فالشعور بالذنب ليس عاطفة متعلقة بالجرائم المروعة فحسب، بل إنَّه شعور مألوف لدينا جميعاً كمستهلكين؛ ولفهم تأثير ذلك في طريقة إنفاقنا للمال، علينا الغوص في فكرة التسويق العصبي للذنب (neuromarketing).

السلوك الاستهلاكي المدفوع بالذنب:

تستخدم العديد من الحملات الإعلانية الشعور بالذنب كعاطفة أساسية؛ فمثلاً: تأمَّل في إعلانات مكافحة التدخين التي غالباً ما تستهدف آباء الأطفال الصغار برسائل تتضمن: "عندما تدخن؛ فهم أيضاً يدخنون"، وكذلك إعلاناً يتحدث عن إرسال الرسائل النصية في أثناء القيادة، حيث يضيفون رسماً تصويرياً لحادث مأساوي نتج عن عدم القدرة على إغلاق الهاتف.

يعدُّ أسلوب الإقناع هذا منطقياً تماماً؛ ولكن مع ذلك، نحن نمتلك تحيزاً سلبياً قوياً؛ فنحن أكثر حساسية تجاه الأشياء المضرة مقارنة بالأشياء التي توفر لنا المتعة، فمثلاً: إنَّ خسارتك لمبلغ من المال أمر مؤلم أكثر بكثير من سعادتك لكسب المبلغ نفسه.

ومع ذلك، فإنَّ الشعور بالذنب أقوى وأعمق من المشاعر السلبية؛ فهو يؤكد على قيام الشخص سابقاً بفعل قد مضى أصلاً، ويزعزع نتيجة لذلك الشعور الإيجابي بالنفس.

نحن نسعى جميعاً إلى رؤية أنفسنا من منحىً إيجابي؛ وعند ارتكابنا لخطأ ما، نحاول التعويض عن ذلك بشتى الطرائق؛ فمثلاً: تخيل أنَّك اصطدمت بامرأة مسنة عن طريق الخطأ في أثناء عبورك الشارع.

رغم أنَّك لم تقصد القيام بذلك، إلَّا أنَّك تشعر بالذنب؛ ولكي تثبت لنفسك أنَّك شخص جيد، فإنَّك تبذل قصارى جهدك للقيام بشيء أخلاقي للغاية في المقابل، وقد تسعى إلى التبرع لجمعية خيرية، أو تتأكد من صحة صديقك، أو تساعد سيدة عجوزاً أخرى على عبور الشارع؛ وقد لا تدرك سبب قيامك بذلك، لكنَّ شعورك بالذنب يحفزك لإصلاح خطأك، فالقليل من هذا الشعور كافٍ لدفعك إلى فعل الكثير من الأمور.

وكذلك الأمر في عادات إنفاقنا؛ فعندما نشعر بالسوء حيال شراء شيء ما، يجب علينا مواجهة هذا الشعور والتخفيف من حدته؛ تماماً مثل فيلم "القلب الواشي" (The Tell-Tale Heart)، حيث يصبح الشعور بالذنب بحد ذاته شخصية أساسية في القصة، ولا يمكننا توقع تأثيره في سلوكنا الاستهلاكي.

إقرأ أيضاً: كيف تنفق المال بحكمة (2)

الذنب والسلوك الاستهلاكي والتعويض:

يعتقد معظم الناس أنَّ استغلال اليد العاملة بأجور منخفضة أمر غير أخلاقي، وأنَّه يجب معاقبة الشركات على ذلك بأيِّ شكل من الأشكال؛ ولكن من هم أكثر من يريدون معاقبة هذه الشركات المستغلة؟

لقد كان الجواب مفاجئاً: أراد الأشخاص الذين اشتروا سلعاً مصنعة من قبل هذه الشركات فرض عقوبات شديدة عليها؛ والمثير للدهشة أنَّ هؤلاء الأشخاص كانوا أكثر صخباً وغضباً في موقفهم المناهض للاستغلال.

يعود كلُّ هذا إلى الشعور بالذنب؛ فعندما يشعر الناس بالتواطؤ في ارتكاب مخالفات أخلاقية، يحاولون التخفيف من ذلك من خلال حماية صورتهم الذاتية التي تُظهرهم على أنَّهم أشخاص صالحون.

يحمل الشعور بالذنب المتعلق بعمليات الشراء السابقة تأثيراً غريباً على السلوك في المستقبل، ولا يقتصر هذا التأثير على المنتجات فحسب، وإنَّما على المال نفسه؛ فمن الناحية المنطقية، المال قابل للاستبدال بشكل أساسي؛ أمَّا من الناحية العملية، يمكن ربط المال بمعنىً معين، وهذا ما يُطلِق عليه علماء النفس "العلامة الفعالة" التي تؤثر فيما ننفق عليه أموالنا.

أظهرت الدراسات أنَّنا عندما نشعر بالذنب بشأن تلقي أموال لا نستحقها، فمن المرجح أن نتنازل عنها بسهولة؛ فعلى سبيل المثال: إذا تلقينا الأموال من مصدر لا نحبه، سيبدو كسبها سيئاً لنا، ونسعى نتيجة لذلك إلى تخليص أنفسنا من هذه المشاعر السلبية من خلال إنفاقها بطريقة إيجابية، كالتبرع للجمعيات الخيرية؛ وهذا ما حصل مع شركة تبغ فيليب موريس (Philip Morris) المصنعة لسجائر "مارلبورو" (Marlboro).

في المقابل، عندما نتلقى المال من أحد الأقارب أو من شخص نحبه، فمن المرجح أن ننفقه على الأشياء التي نحبها مثل الآيس كريم؛ فنحن غير مجبرين على التفكير بمصدره إن كان غير مشروع أم لا، ولا نتردد في إنفاقه على  أنفسنا.

شاهد بالفيديو: 8 علامات تدلّ على أنَّك لا تُجيد استثمار أموالك

يخلق الحصول على الكسب غير المشروع صراعاً داخلياً بين رغبتنا في الحصول على هذا المال، وبين رغبتنا في الشعور بأنَّنا أناس جيدون؛ وهذا ما يُسمَّى بالتناقض المعرفي التقليدي (cognitive dissonance)؛ فإذا قبلنا بالأموال المكتسبة بطرائق سيئة وغير شرعية، فإنَّنا نضطر إلى القيام بشيء يؤكد أنَّنا أشخاص صالحون، وبالتالي نخفف من حدة هذا التناقض ونحافظ على نظرتنا الإيجابية لأنفسنا؛ إذ يقودنا تلقي المال بطرائق غير مشروعة إلى التصرف بطريقة أخلاقية كي نعوض عن ذلك؛ وتبعاً لمصدر الشعور بالذنب، نتصرف بطرائق تعويضية محددة؛ حيث وجدت الأبحاث أنَّه عندما يتلقى الشخص الأموال بطرائق مخالفة للأخلاق، سينفقها بطرائق اجتماعية إيجابية، كالتبرع لمؤسسة خيرية.

ومن ناحية أخرى، عندما يأتي المال نتيجة الجشع -مثل عدم قدرتنا على ضبط النفس- فإنَّنا نسعى إلى إنفاقه على الأمور المتعلقة بتحسين الذات مثل: شراء المعدات الرياضية، والالتحاق بدورات التأمل؛ فمهما كان العيب المتعلق بالمال المكتسب، فإنَّنا ننفقه بطريقة تعوض عنه.

يمكننا هنا تشبيه المال بالخطيئة، وتشبيه النزعة الاستهلاكية بالاعتراف بها؛ وبالتالي يعدُّ الذنب عاطفة متقلبة لا يمكن التنبؤ بها، وقوة فعالة في حياتنا، وعندما ننظر إليه من وجهة نظر التسويق العصبي، فإنَّنا نرى بوضوح تأثيره في قرارات الشراء لدينا.

 

المصدر




مقالات مرتبطة