كيف نحيي الحب من جديد؟

مهما كانت المرحلة التي وصل إليها الزوجين، ومهما كان حجم الخلاف واتساع الفجوة العاطفيّة بينهما، إلا أنَّ ذلك كلّه قد يتلاشى لترجع الحياة إلى سابق عهدها الجميل؛ لكن وفق منهجيّةٍ مدروسةٍ وخطّةٍ علاجيّةٍ وخطواتٍ وقائيّة تبدأ من تغيير القناعات الداخليّة. وكما يقول أحد الحكماء: "إذا أردت أن تغيّر النّاس من حولك فابدأ بنفسك"، والقول الأصدق من هذا هو قول ربنا سبحانه وتعالى في مُحْكَمِ التنزيل: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" [الرعد:11] فلا قيمة للعلاج إذا لم يلتزم المريض به، فالكون قائمٌ على المبادرات، وكلّ من ظفر بالنجاح والتغير كان من أصحاب المبادرة والمثابرة. ونحن إذ نستكمل مقالنا الأول "بعنوان دورة الحب في الحياة الزوجية"؛ فإليك عزيزي القارئ بعض النقاط والخطوات الهامة التي تساعد على إحياء الحب بين الزوجين وتعيد إليهما بريق ورونق الحياة الأسريّة السعيدة؛ والتي جمعتها في ستة نقاط رئيسة مقسّمة إلى قسمين، في كلّ قسمٍ منهما نقاطٌ ثلاث:



1. مهارات فكريّة:

1. 1. التخلص من الأحكام المسبقة:

تخلص منها جميعاً؛ فهي تُعطِّلُ دور الفص الأيمن للدماغ المسؤول عن الخيال والإبداع، وعن التفكير خارج الصندوق وتقديم الحلول. وأُوْلَى هذه الأحكام هو قولك: "لا أقدرُ على فعل أمرٍ ما"، أو "لا فائدة تُرْجَى مِمَّا أقوم به"؛ فأنت بهذين الحكمين قد وسمت نفسك بالعجز المطلق، وكبَّلتها بقيد الوهم الذي لن تنفكّ عنه ما حييت إلا من خلال تحرير عقلك، والتخلّص من قيودك الفكريّة وأحكامك الجائرة على نفسك والآخرين.

1. 2. معرفة النفس:

اعرف نفسك وتعرّف على احتياجاتك النفسية والجسدية والفكريّة بشكلٍ دقيق، فهذا سيعطيك صورةّ واضحةً عن نفسك والآخرين، فكيف لك أن تُشبِعَ حاجات شريك حياتك إن لم تعرف ماذا يريد تحديداً؛ وهو ما لن يتحقق إلا من خلال معرفتك العميقة بنفسك. وبناءً عليه ستكتشف أنَّ السعادة الحقيقيّة تكمن في الاستثمار في ذاتك، والتيقُّن من أنَّك أنت المسؤول الأوّل والأخير عن سعادتك الشخصيّة، لذا فلن تنتظر أن تحصل عليها من أيّ شخصٍ غيرك، ولن تستجديها أو تربطها بوجود المحيطين بك؛ فمن كانت جنته في صدره وسعادته مع نفسه وأنسه بربّه، فكيف له أن يحزن على أحد؟

1. 3. التقبّل:

يعني التَّقبل فيما يعني "الرّضى بالموجود وعدم السَّخَط أو الامتعاض". وهذا كفيلٌ بجعله من أهمِّ النقاط الواجب العمل عليها في العلاقات بشكلٍ عام، وفي الزواج بشكلٍ خاص؛ فالإنسان بطبيعته يكره التغير، ويميل إلى الروتين، لذا فإنَّ عدم التقبّل يضع الإنسان تحت توترٍ وضغطٍ نفسيٍّ يخرجه من دائرة الراحة إلى دائرة العمل، ومن هنا تحدث المقاومة تجاه التغير. والتقبل ليس بالضرورة القبول؛ وإنَّما هو الرضى بما هو أمامي دون التركيز على الجوانب السلبيّة أو النواقص.

إقرأ أيضاً: 7 خطوات لبلوغ الرضا عن الذات

2. مهارات عمليّة:

2. 1. الحوار:

إذا كان الإنسان لا يستطيع العيش بدون هواء؛ فالحوار بين الزوجين هو بمثابة أكسجين العلاقة الزوجية، إذ يصبح التنفس أكثر صعوبةً من دونه، وتصبح الحياة أكثر شقاءً وتعاسة. وهنالك ثلاثة عناصر هامَّة في الحوار يجب مراعاتها، وهي:

  • اختيار الوقت المناسب للحوار (فليست كلّ الأوقات تناسب الجميع).
  • اختيار أسلوبٍ مناسبٍ لإجراء الحوار؛ فمن المهمّ اختيار نبرة صوتٍ ولغة جسدٍ مناسِبَتَين، وإلا فإنَّه سرعان ما يتحوّل إلى شجار. يُجمع خبراء التواصل على أنَّ الكلمات تؤثر بنسبة (7%)، بينما يؤثر التواصل غير اللفظيّ بنسبة (93%)؛ ويشمل لغة الجسد ونبرة الصوت. ولكم أن تتخيلوا مدى أهمية العناية باختيار الوسيلة والايماءات المناسبتين لإيصال المعلومة.
  • انتقاء كلماتٍ مناسبة؛ فهي كالسّهام تأثيراً: إما يغنم بها راميها أو يغرم ويدفع الثمن غالياً فيكون من الخاسرين. وقديماً قالت العرب: "لكلّ مقامٍ مقال"، و"لسانُكَ حِصانُك".
إقرأ أيضاً: أخلاقيات الحوار مع الآخرين

2. 2. لغات الحب:

يخطئ الكثير من الأزواج في حصر الحبّ في تلبية الحاجات الفيزيولوجية الطبيعية كالمأكل والمشرب والملبس، أو في إيلاء أهميةٍ إلى سماع عبارات الغزل والغرام المبالغ فيها، والتي روّجت لها الأفلام والمسلسلات الخادعة؛ حيث صوّرت لنا أنَّ الحبّ رومنسيّة وحياةٌ ورديّةٌ دائمتان لا تنتهيان، وسعادةٌ غامرةٌ لا تنقطع. وحقيقة الأمر إنَّ الحب أكبر من ذلك بكثير، فهنالك طرائق أخرى يستطيع الزوجان من خلالها التَّفنن في التعبير عن حُبِّ بعضهما بعضاً، وهذا ما ذكره "د. جيري تشمبان"، مؤلف كتاب "لغات الحب الخمسة"، والذي جاء فيه أنَّ للحبّ لغات متنوعة يختلف كلّ شخصٍ عن الآخر في طريقة تعبيره عنها؛ فكلّ إنسانٍ لديه لغة حبٍّ خاصّة به يُعبِّرُ من خلالها بلغته وأسلوبه الذي يختصُّ بهما دوناً عن غيره.

لذا نجد أنَّ الخلاف بين الأزواج يحدث عندما لا يكون هناك توافق في اللغة غالباً، فيصعُبُ عليهما تفسير الأسلوب واللغة التي يتحدّث بها كلٌّ منهما، والحلّ هو أن تُعبِّرَ عن حبك للطرف الآخر باللغة التي يفهمها هو، لا بلغتك الخاصة، وقد جمعها في خمس لغاتٍ أساسيّة هي:

  • لغة تكريس الوقت: وهي تخصيص وقتٍ نوعيٍّ حقيقيٍّ لشريك الحياة يتمّ خلاله تنمية المشاعر عن طريق إجراء حواراتٍ حميمية، واستحضار الذكريات الرائعة بين الزوجين؛ فذلك يساهم بشكلٍ كبيرٍ في التأليف بين القلوب، وإعادة ملء مخزون الحب الذي يُمكِّنُهم من قطع مسافةٍ أطولَ في رحلة حياتهم الزوجيّة.
  • لغة المشاركة والخدمة: يُعدُّ الإقدام والمبادرة إلى مساعدة شريك الحياة في لحظات ضعفه من الأسباب الرئيسة التي تزيد من رصيد الحب بينهما؛ فالحبّ ليس مجرد كلمات، وإنَّما مواقف ومبادرات تُتَرجِمُ مدى صدق هذه الكلمات، وكم هو رائعٌ أن تأتي هذه المساعدة بتلقائيّة ومن دون طلب الطرف الآخر؛ فهذا له أثرٌ إيجابيٌّ بالغٌ على تنمية مشاعر الحبّ والامتنان والتقدير بين الزوجين.
  • لغة العطاء والعطايا: إنَّها من أكثر الطرائق فاعليّةً في التعبير عن الحب. وقد أكّد على ذلك نبينا الكريم صلوات ربي وسلامه عليه في الحديث الصحيح بقوله: "تهادُوْا تحابُّوا"؛ ذلك أنَّ الهدية وسيلةٌ ظاهرةٌ محسوسةٌ للتعبير عن المحبة، كما تدلّ على الكرم وعلى أنَّك تفكر في شريك الحياة. وقيمة الهدية الحقيقة ليست في ثمنها فحسب؛ وإنَّما في مدى ملامستها لحاجة الطرف الثاني، وكذلك في الطريقة والوقت التي تمّ فيها تقديم الهدية؛ فهذا كلّهُ لا يقلّ أهميّةً عن قيمة الهدية نفسها.
  • لغة التواصل الجسدي: أوضحت الدراسات أنَّ اللمسات الحميميّة والتقارب الجسديّ بصوره المختلفة بين الزوجين له فوائد صحية كثيرة، فهو يساعد على تخفيف التوتّر من خلال زيادة إفراز هرمون الدوبامين المسؤول عن الشعور بالسعادة والرضا، بالتالي فإنَّ من أبرز أسباب موت الحب بين الزوجين هو التباعد الجسدي بينهما، وعدم العناية بالملامسة الجسدية اليومية.
  • لغة كلمات التشجيع: يحب الرجل مدح الصفات الشخصية كالنجاح والثقة والقوة والإنجازات، بينما تعشق المرأة مدح الصفات المتعلقة بجمالها ومزاياها الشكلية والعاطفية. وبالتالي فإن استخدم كلّ منهما عبارة المدح المناسبة، سيكون لذلك بالغ الأثر في تعميق الحب بينهما.

2. 3. إدارة الخلافات:

لأنَّنا بشر، فإنَّه لمن الطبيعي جداً أن تنشأ الخلافات فيما بيننا، والتي قد تتشابه وموج البحر بين صعودٍ وهبوطٍ ومدٍّ وجزر. وهو ما قد يؤدّي بدوره إلى حدوث بعض التوتر الذي يصاحبه مشاعر سلبيّة تعكّر صفو العلاقة الزوجية. ومن هنا تأتي أهميّة وجود آلياتٍ واستراتيجيات حلِّ الخلافات؛ ففي ظلّ الظروف التي يغيب فيها العقل، تكون العاطفة المسيطر الرئيس الأكبر.

ومن هذه الخطط البديلة والمهارات الهامَّة هي:

2. 3. 1. إيجاد نقطة تجمع آمنة:

توجد في معظم المباني الحكومية لوحةٌ خضراء كتب عليها نقطة "تجمع آمنة"، والتي تُستخدَمُ في أوقات الكوارث التي يستوجب فيها إخلاء المباني وفق منهجيّة معدّةٍ تمّ تدريب العاملين في هذه المبنى عليها مسبقاً؛ وذلك حفاظاً على أرواح وسلامة الناس.

فمن المهم جداً أن تكون لدى الزوجين نقطة تجمع يلجآن إليها في أوقات حدوث النزاعات والخلاف فيما بينهما، وذلك حمايةً لهما من الحريق الزواجي الذي يلتهم المشاعر ويحرق رصيد الحب.

ومن أمثلة نقاط التجمع في العلاقة الزوجية على سبيل المثال لا الحصر؛ هو سحب أحد الزوجين للآخر بذكاءٍ ولطفٍ إلى موضوعٍ آخر بعيدٍ كلّ البعد عن أيّ موضوع حساس يثير حفيظة أحدهما؛ وبهذا يكونان قد جنَّبا نفسيهما الخوض في نقاشٍ عقيمٍ يؤدّي بهما إلى الوقوع ضحايا لأيِّ "حريق زواجي" قد ينشب بينهما.

2. 3. 2. إجراءُ جلسات تفريغ:

سبق وذكرت أنَّ الحوار أوكسجين العلاقة الزوجية، إلا أنَّ هذا الحوار قد يأتي بعدّة صور وأشكال ودوافع مختلفة، ولعلَّ أبرزها وأكثرها شيوعاً بين الأزواج هي حوارات التفريغ؛ وهي جلساتٌ حواريّةٌ يغلب عليها السلبيّة والتوتر والحدة في بعض الأحيان، والتي تحدث عندما يكون الزوجان منشغلين عن بعضهما لفتراتٍ طويلةٍ يغيب فيها التواصل الجسدي والحوارات اليومية، ما يخلق كبتاً نفسيَّاً يولد طاقةً عارمةً من الغضب والسَّخَط والمشاعر السلبيّة التي تتحيّن الفرصة المناسبة لتظهر على شكل هجومٍ لفظيٍّ قد يتحوّل -بشكلٍ مفاجئٍ- إلى عاصفةٍ مدمّرة.

وهذا النوع من الحوارات لا يمكننا إقصاؤه أو تجاهله؛ فهو جزءٌ من طبيعة التواصل بين الأزواج، ولكن هذا لا يعني عدم الوعي به أو الاستعداد والتهيئة المسبقة له بشكلٍ إيجابيّ؛ وذلك من أجل التوصّل إلى نتيجةٍ إيجابيّةٍ، وعدم المساس بمشاعر الحب بين الزوجين.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح ذهبية تساعدك على تجنّب الخلافات الزوجية

في الختام:

للحبّ في العلاقة الزوجية مذاقٌ مختلفٌ يمنحها رونقاً خاصاً؛ وكما العطر في خصائصه وروعة أنفاسه، والذي لا مناص من وضعه في زجاجةٍ محكمة الإغلاق كيلا تتطاير جزيئاته ويذهب ريحه؛ كذلك الحبّ لا قيمة له لو لم يُغلَّف بالاحترام والاهتمام بين الزوجين: فإذا انعدما، انعدم الحب معهما، وانقلب إلى عداوةٍ وبغضاء.

وبما أنَّ دوام الحال من المحال، فإنَّ التَّحلي بالمرونة أمرٌ مطلوبٌ من الزوجين كلاهما، وذلك لدوام استمراريّة الحياة الزوجية؛ فلا قيمة للزجاجة بلا عطر، ولا للحبِّ بلا مودّةٍ ورحمة.




مقالات مرتبطة