كيف نتقن فن إدارة المشاعر والتحكم بعواطفنا؟

تُعرَّف المشاعر الإنسانية على أنَّها الأحاسيس التي تجتاح الإنسان جراء موقف أو سلوك محدد، وهي الانطباع الذي يتركه موقف ما في النفس البشرية، والله تعالى قد خلق الإنسان بمزيج متجانس من الروح والجسد، فإذا كانت الأعضاء هي أجزاء الجسد، فإنَّ المشاعر هي أجزاء الروح، والمشاعر هي التي تمنح الإنسان إنسانيته، وتسبغ عليه صفاته البشرية، وبتجريد الإنسان من مشاعره يصبح أقرب إلى كائن آلي، يستجيب وفق ما يمليه عليه كل من المنطق والحاجة.



والمشاعر الإنسانية موحَّدة ومشتركة بين جميع البشر، لكنَّ الاختلاف يكمن في كيفية استجابة كل إنسان لحالته الشعورية، ومقدار سيطرة المشاعر على تصرفات كل إنسان وتحكُّمها بقرارات حياته؛ لذا سنقوم في هذا المقال بتعداد أنواع المشاعر، وكيفية تأثيرها في تصرفات الإنسان، ثم سنتحدث عن فن إدارة المشاعر والتحكم بها أو ما يسمى الذكاء العاطفي وخصائصه، ونورد تمرينات على تطبيقه.

أنواع المشاعر:

تنقسم المشاعر الإنسانية إلى قسمين بحسب تأثيرها في الجسم؛ فمنها ما يسبب تأثيراً إيجابياً، ومنها ما يسبب تأثيراً سلبياً، وتظهر الأعراض الانفعالية على الجسد، ويكمن دوره في إيصال الشعور إلى الطرف الآخر، فتحمرُّ عيوننا عند الغضب، وتصفرُّ وجوهنا عند الخوف.

ومن المشاعر الإيجابية التي تترك أثراً لطيفاً في النفس البشرية: شعور الفرح، والحب، والامتنان، والأمان والسكينة، والفخر، والإنجاز وغيرها من المشاعر الإنسانية التي تجعل الإنسان يشعر بالخفة والتفاؤل والانفراج، أما المشاعر السلبية فهي التي تترك أثراً مؤلماً في الإنسان، ونذكر منها: شعور الحزن، والغضب، والإهانة، والخوف، والانكسار.

إقرأ أيضاً: إدارة المشاعر: تعريفها، وأهميتها، وطريقة إدارتها

تأثير المشاعر في الإنسان:

إنَّ البنية المستقرة للكائن الإنساني تملي عليه نمطاً من التوازن بين أفكاره العقلية المنطقية ومشاعره العاطفية، فإذا طغى العقل صار الإنسان غليظَ الطبع فظاً، وإذا ما طغت العاطفة تحوَّل الإنسان إلى كتلة هشة غير منطقية؛ إذاً فلا بد للإنسان من أن يتعلم كيف يوازن بين هذين العنصرين المكوِّنين لشخصيته إذا ما أراد بلوغ الاستقرار في حياته.

وتتحكم المشاعر بإفراز الهرمونات التي تؤثر بدورها في الأجزاء العضوية من الجسم البشري، وتتشكل بذلك استجابة الجسم تجاه الشعور، ويذهب الخبراء النفسيون في وصف علاقة المشاعر بالإنسان والتعبير عنها بمثلث "فكرة، شعور، سلوك".

وهذه العناصر الثلاثة مترابطة ببعضها بعضاً ويفضي كل منها إلى الآخر، فمواجهة الإنسان لموقف معين، من شأنه أن يثير في رأسه فكرة ما، عن نفسه أو عن المحيط، وهذا الأمر الذي يترتب عليه شعور ما يترجم على أرض الواقع بسلوك أو إجراء معين.

وإذا أردنا أن نسقط الأمور على أرض الواقع، فسوف نأخذ مثالاً من حياتنا اليومية، فلنفترض مثلاً أنَّ مدير الجهة التي طلبتَ التوظف فيها استدعاك إلى مكتبه وأجرى معك مقابلة، وأخبرك في نهاية المطاف أنَّ السيرة الذاتية خاصتك مرفوضة، وأنَّ خبراتك غير مطلوبة في شركته، وتمنَّى لك حظاً طيباً.

في مثل هذه المواقف سيقول أحد الأشخاص مخاطباً نفسه: "أنا فاشل ولستُ جديراً بالعمل في هذه الشركة" ثم سيسيطر عليه شعور من الحزن أو عدم الاستحقاق أو الإحباط وسيُترجَم هذا الشعور إلى انزواء في المنزل وتناول "طعام عاطفي"، وعزوف عن تقديم السيرة الذاتية لجهة أخرى.

وقد يقول شخص آخر في الموقف ذاته: "مدير هذه الشركة أحمق حقاً، لقد فوَّتَ على شركته الكثير في رفض مؤهلاتي، لعلَّ هذا كله لخير، ولعلَّ الله يخبئ لي الأفضل"، وهذه الأفكار من شأنها أن تثير في نفس المتقدم مشاعر الاطمئنان والتقبل والتفاؤل ونوع من التحدي، وتُترجَم على شكل بحث دؤوب عن فرصة عمل أخرى أفضل، وتقديم السيرة الذاتية إلى عدد لا يحصى من الجهات الموظِّفة.

وحريٌّ بنا هنا أن نشير إلى أنَّ المشاعر لا تحمل الخطأ والصواب، ولا يحق لنا أن نقول للشخص في المثال الأول ما كان يجب عليك أن تتحطم شعورياً، ولا أن نقول للشخص في المثال الثاني لم يكن ينبغي عليك أن تتفاءل، فالمشاعر هي تفاصيل شخصية بحتة وفردية بحتة، ولا يوجد قانون معين أو محدد يضبط تدفُّقها؛ أي إنَّها أمر خاضع للكثير من المؤثرات والتعقيدات وله ارتباطات متينة بالطفولة المبكرة.

ولكن ما يمكن ضبطه وإدارته، هو سلوكنا الناتج عن الشعور، والأفكار التي تثير هذا الشعور، وهذا ما نسميه "الذكاء العاطفي".

الذكاء العاطفي:

يُعرَّف الذكاء العاطفي على أنَّه القدرة على توصيف الشعور الذي نشعر به، وتحديد الفعل المؤدي له، والتعبير عنه، مع التحكم بتفريغه بطريقة سليمة.

فمثلاً شعرتُ بالغضب والحنق عندما عدتُ من عملي، وعند بحثي عن السبب الذي ولَّد فيَّ هذا الشعور، اكتشفتُ أنَّ زميلتي هي السبب؛ حيث إنَّها في كل مرة تسألني عما يجب أن ترتدي في مناسباتها، وترهقني بكثرة تردُّدها وعندما نختار معاً الثوب الذي تستقر عليه، أتفاجأ بها في الحفل ترتدي الفستان الذي تذمَّرَت منه، فإنَّها ليست المرة الأولى وهذا ما أثار فيَّ شعور الغضب.

إذاً فأنا أشعر بالغضب، فالموقف المؤثر هو إضاعة صديقتي لساعات من وقتي في ترددها، وتجاهُل رأيي آخر المطاف، فأستطيع في مثل هذا الموقف أن أُجري اتصالاً معها أوبخها فيه على فعلها غير المنطقي وأتسبب في حدوث خلاف، لكنَّ الذكاء العاطفي يقتضي تفريغ الغضب بطريقة مسالمة، واحترام حريتها، ومعاتبتها بلطف عمَّا حدث، مع اتخاذ قرار بالامتناع عن تقديم المشورة، أو تقديم المشورة دون انتظار استجابة منها.

ولا يتوقف تأثير الذكاء العاطفي على تفهُّم المشاعر الشخصية وإدارتها؛ بل يتعداها إلى تفهُّم مشاعر الآخرين وتقبُّل دوافعهم والتعاطف معها، وهذا ما يجعل الأشخاص الأذكياء عاطفياً قادة جيدين ومديرين ناجحين وأشخاصاً محبوبين ومرغوبين.

خصائص الذكاء العاطفي:

ألَّف عالم النفس الأمريكي "دانييل جولمان" كتاباً تحدَّث فيه عن خصائص الذكاء العاطفي وسماته، وسنقوم بتلخيصها فيما يأتي:

1. الوعي بالذات: وتُعَدُّ هذه السمة الأهم في الذكاء العاطفي، فالأشخاص الأذكياء عاطفياً صادقون جداً مع أنفسهم لدرجة الشفافية، فهم يعرفون نقاط قوَّتهم ويعملون على استثمارها، ويعرفون نقاط ضعفهم ويعملون على تعزيزها، كما أنَّهم قادرون على توصيف مشاعرهم بدقة، وتحديد الأسباب الماورائية لها بشكل متقن.

وتبدو أمارات الثقة بالنفس بادية على ملامح الأشخاص الأذكياء عاطفياً، وتبدو حياتهم بمعظمها تسير حسب سيطرتهم وتخطيطهم؛ إذ إنَّهم أشخاص يعرفون ماذا يريدون، ويرسمون طرقاً واضحة ومختصرة للوصول إليه.

2. التنظيم الذاتي: يتصرف الأشخاص الأذكياء عاطفياً تصرفات منضبطة، فهم لا يسمحون لأي تيار شعوري بأخذهم في سيله، كالغضب أو الحقد أو غير ذلك؛ بل إنَّهم بارعون في السماح لأنفسهم بالتعبير عن هذه المشاعر دون أن يستسلموا لها استسلاماً كلياً.

إنَّهم يُقدِّرون أنفسهم، ويعرفون مهارة قول " لا" عن شيء لا يريدونه، كما أنَّهم يطلبون بطريقة مباشرة دون الحاجة إلى اللف والدوران، وإنَّهم أشخاص نزيهون ومبدئيون، ويفكرون بعمق ومنطق، ويتأقلمون بسرعة مع المتغيرات، ولا يتخذون قرارات اعتباطية ومتهورة.

3. التعاطف: يتميز الأشخاص الأذكياء عاطفياً بقدرتهم الهائلة على وضع أنفسهم مكان الطرف الآخر، وتفهُّم أسبابه ودوافعه في تنفيذ أي فعل، وتقديم الحب غير المشروط، ويمتلكون مهارات التعاطف وتقديم الدعم، ولا يقومون بلوم الشخص عندما يُبدي أمامهم مشاعر ندمه مثلاً، ولا ينهالون عليه بوابل النصائح من قبيل "كان يجب أن تفعل كذا وكذا"؛ بل إنَّهم مستمعون جيدون، يدعمون من أمامهم بتكرار عبارة "أنت على حق، أتفهَّم شعورك"، ويشرحون لهم حقهم في الخطأ، فنحن جميعنا بشر وجميعنا نخطئ.

4. التحفيز: إنَّ هؤلاء الأشخاص بليغون، ويعرفون كيف يكون "لكل مقام مقال"، وهم بارعون في اختيار العبارات التحفيزية والتشجيعية التي من شأنها استثارة الهمم وإشاعة الحماسة، وهم أشخاص ذوو إنتاجية عالية، يؤدون مهامهم بكفاءة، فهم يعرفون ماذا يفعلون ولماذا يفعلون.

5. المهارات الاجتماعية: يسهل الذكاء العاطفي على الأشخاص بناء العلاقات الاجتماعية وتعريفها؛ إذ إنَّ تعريف الحدود في العلاقات من شأنه أن يحدد حقوق وواجبات كل طرف في العلاقة، فهم لا يخلطون بين الزميل والصديق، وبين القريب والجار، فلكل علاقة حدودها وواجباتها.

والأذكياء عاطفياً يحتفظون باستقلال شخصياتهم وكينونتها، ويرفضون الانصهار في الشريك أو في فريق العمل؛ بل يؤدون أدوارهم أداءً متقناً وعلى أكمل وجه مع الحفاظ على هويتهم الشخصية؛ لذا هم مساهمون فعالون في نجاح العمل، وبناء علاقات طويلة الأمد، والسؤال بعد كل هذا "كيف نصبح أذكياء عاطفياً؟".

شاهد بالفيديو: 10 علامات تدل على الذكاء العاطفي العالي

 كيف نتقن إدارة مشاعرنا والتحكم بعواطفنا؟

إنَّ لإدارة المشاعر دوراً هاماً في الحفاظ على الصحة النفسية والجسدية والعقلية، وبناء العلاقات الاجتماعية وتحقيق النجاح في الحياة الدراسية والعملية، وإذا أردنا إتقان هذه الإدارة، فيجب علينا اتباع ما يأتي:

  • استخدام الأسلوب المباشر في التعبير عن الشعور والمتطلبات: مثل "لقد شعرتُ بالغضب من إهمالك" و"لقد أحرجني ردك"، فهذا الأسلوب في التعبير يساعد الشخص على فهم نفسه، ويساعد الآخرين على فهمه بوضوح، واحترامهم لشخصيته ومشاعره.
  • تدريب النفس على الاستجابة للمشاعر بهدوء والابتعاد عن ردود الفعل: مثل محاولة الحفاظ على الهدوء في المواقف التي تسبب التوتر كالامتحانات مثلاً، والتفكير الجيد في الكلام في لحظات الغضب والانفعال العاطفي.
  • الاستماع والإنصات للمتحدث، ومحاولة فهم دوافعه وراء هذه الأفكار، والانتباه إلى لغة جسده التي تشرح الكثير من أقواله.
  • قانون حفظ الطاقة في التعاطف مع الآخرين وتقديم الدعم لهم دون التأثر السلبي بمشكلاتهم؛ لذا حاول أن تقدم لهم من طاقتك الإيجابية دون أن تأخذ من طاقتهم السلبية وتُحبَط مثلهم.
  • الحرص على تفريغ المشاعر السلبية تفريغاً صحياً وصحيحاً؛ وذلك منعاً لتراكمها والدخول في دوامات المشاعر المختلطة المعقدة، ويكون التفريغ عن طريق الكتابة أو التحدث بصوت مرتفع أو مشاركة شخص مقرب سبب انزعاجك.
  • التعبير عن المشاعر الإيجابية ومشاركتها مع الآخرين، ويكون التعبير عن الفرح مثلاً بالرقص، والتعبير عن الحماسة بالقفز في المكان مثلاً.
  • التمرين على تحديد الشعور تحديداً دقيقاً لمعرفة كيفية التعامل معه؛ وذلك عن طريق إجراء عصف ذهني لمجموعة المشاعر التي يحتمل أن تكون هي ما نشعر به، فمثلاً عند انتظارنا نتيجة امتحان نشعر بالقلق والتوتر وليس الغضب، وتفريغه يكون بتلوين الماندالا أو مكعبات الروبيك مثلاً، وعندما يتفوق علينا زميل في العمل نشعر بالغيرة وليس بالحقد ولا الغضب، وتفريغه يكون عن طريق إقناع النفس بأنَّ النجاح يتسع الجميع، وأنَّ الاجتهاد سيؤتي ثماره لا محالة.
  • الاهتمام بتعريف الأطفال إلى أنواع المشاعر، وتعليمهم خصائص كل واحد منها وكيفية التعبير عنه وتفريغه، ليعتادوا على فهم أنفسهم وتقبُّلها منذ الصغر.

في الختام:

يجب أن نذكر أنَّ المشاعر حق مشروع لنا، وأنَّ إدارتها بحكمة واجب علينا لنضمن لأنفسنا حياة مستقرة، ويجب أن ندرك أنَّ الذكاء العاطفي هو طريق نحو تحقيق النجاح والتوازن، وأنَّ التحكم بالعواطف سلوك مكتسَب، نتقنه بالتمرين والممارسة وبفعل الاعتياد ومرور الوقت.

المصدر




مقالات مرتبطة