كيف لنا أن نستعيد براءة أطفالنا؟

يمارس أغلبُ الآباء الضغط النفسي على أبنائهم؛ إذ يطلبون إليهم الانصياع الدائم إلى أوامرهم وطلباتهم، وفي لحظة رفض الطفل الخضوع لأوامرهم؛ فإنَّ هذا كفيل في شن حرب نفسية ضده، واتهامه بسيل من الاتهامات الجارحة والكلمات المثبِّطة.



لا يعي أغلب الآباء مفهوم التربية، ويجدون أنَّهم السلطة العليا التي يجب أن تُحترم ولا يجوز مناقشتها بحال من الأحوال، ولا يُسمح للأبناء بالتعبير عن آرائهم والتمتع بمساحتهم وحريتهم. ولا يعلم أغلب الآباء أنَّ عناد الطفل ما هو إلا تعبير صريح عن التعدي على قيمة الحرية لديه، فقد وُلِد حراً بالفطرة، وسيؤدي أي مساس من قبل الأهل بهذه القيمة إلى سلوكات غاية في السلبية من قبل الابن.

لقد فقد أطفالنا البراءة واللطافة وتوجهوا نحو القساوة والعناد وصولاً إلى الوقاحة في بعض الأحيان، وذلك بفعل سوء تصرفات بعض الأهل معهم، وعدم دراستهم لسمات كل مرحلة عمرية يمر بها أطفالهم، فبينما يرى أغلب الأهالي أنَّ الحركة الزائدة للطفل علامة من علامات قلة الأدب، يرى علماء النفس أنَّها دليل قاطع على الذكاء والعبقرية.

وبينما يميل الطفل إلى الصدق في فطرته، إلا أنَّه قد يفقد صفاء تلك القيمة وعظمتها بفعل تصرفات الأهل الخاطئة أمامه؛ فمَن يعتمد أسلوب التشكيك المتواصل في كلام ابنه، ويحقق معه في أدق تفاصيله، فإنَّه سيُساعد على زراعة الخوف في داخله والميل إلى الكذب حكماً.

يفقد الطفل براءته عندما يهتم في نظرة الناس على حساب لعبه ومتعته وبهجته، وذلك بفعل المخزون السلبي من المعتقدات التي زُرِعت في عقله من قبل الأهل، حيث يقولون لطفلهم دائماً: "ما الذي تفعله، وكيف تفعل هذا؟ ألا تخاف من نظرة الناس لك؟ ماذا سيقول الناس عنك إن لم تحصل على درجات عالية في المدرسة؟".

كيف لنا أن نستعيد براءة أطفالنا؛ هذا ما سنجيب عنه من خلال هذا المقال.

ما هي البراءة؟

هي الصورة الطبيعية التي يجب أن يكون عليها الطفل بفطرته، كالصدق واللطافة والحركة والنشاط والخيالات غير المنطقية، والإدراكات غير الكاملة؛ إذ يبكي الطفل الصغير على سبيل المثال في حال لم يجد والدته أمامه؛ ذلك لأنَّه يظن أنَّها اختفت من حياته تماماً، ولا يستطيع استيعاب أنَّها موجودة في ذات المنزل ولكن في غرفة أخرى مختلفة عن غرفته.

كيف ساهم الآباء في تشويه براءة الأطفال؟

1. الإكراه والإجبار:

يُولَد الطفل على الحرية، وسيؤدي أي إخفاق من قبل الأهل في التعامل مع هذه القيمة؛ إلى الكثير من المشكلات؛ لذلك مَن يعتمد على فرض الأوامر والطلبات على ولده ومن دون أي شرح عن الهدف من هذا الطلب والإيجابية التي تقف وراءه؛ فعليه أن يستعد لعناد طفله.

يعدُّ أسلوب التربية الحديثة القائم على التبيان من أنجح وسائل التربية، وفيه يشرح الأبوان لطفلهما محاسن وعواقب الأمر ويتركون له حرية القرار على أن يؤمنوا له مجالاً آمناً في حال اختياره تجريب الأمر، ونتيجة لذلك يُشبعون لديه قيمة التجربة، ولن يميل الطفل بعدها إلى العناد والتمرد.

على سبيل المثال: تشرح الأم في حال رغبة الطفل في لمس كوب القهوة الساخن، مساوئ الأمر إلى طفلها وتقول له: "أنت حر، لقد قلت لك عواقب الأمر، وعليك تحمل نتيجة الأمر في حال لمس الكوب".

شاهد بالفيديو: كيف تتعاملين مع الطفل العنيد؟

2. التعامل الحاد مع الحركة والنشاط:

يمر الطفل بسمات مرحلية طبيعية على الأهل أن يعوا وجودها ويتعاملوا معها في منتهى الحكمة، على سبيل المثال: يميل الطفل بين عمر سنتين إلى عمر 3 سنوات إلى اكتشاف كل شيء، والرغبة في الحركة والنشاط، فعندما يحد الأهالي من هذه القدرة العبقرية لدى الطفل؛ فإنَّهم يمنعون الطفل من عيش حقيقته وبراءته.

3. المراقبة والتدقيق المستمر:

قد يميل الطفل ما بين عمر 3 إلى 4 سنوات إلى الكذب دون إدراك ووعي منه، كأن يكذب خوفاً من تحمل مسؤولية أمر ما، وهنا على الأهل تجاهل الأمر وعدم التركيز عليه، والعمل على غرس قيمة الصدق من خلال القصص؛ كأن تروي له الأم قصة النملة الصادقة التي فازت في النهاية على عكس الفيل الذي خسر من جراء كذبه.

من جهة أخرى، في حال تركيز الأبوين على كذب الابن ونعته بالكذاب، فإنَّه سيفقد براءته وتتحول مسألة الكذب من سمة عمرية طبيعية ومؤقتة إلى عادة سيئة جداً.

ومَن يعتمد أسلوب التحقيق والتشكيك الدائم مع طفله؛ فسيميل طفله إلى فقدان البراءة واعتماد الكذب لعدم شعوره براحة نفسية مع أهله، ولخوفه من ردة فعلهم، فهم لم يزرعوا الأمان في نفسه، ولم يتعاملوا معه على أنَّ قيمة الصدق قادرة على إلغاء أي عقاب على الإطلاق، فيكفي أن يكون صادقاً لينال ما يريد.

يميل الطفل إلى المماطلة بين عمر 3 إلى 4 سنوات؛ لذلك على الأهل استيعاب هذه المسألة، بحيث يطلبون إليه تحضير نفسه قبل ساعة من الوقت مثلاً، فإذا لم يُحسن الأهالي التعامل مع هذه المرحلة بالكثير من التروي؛ فستزداد لدى الطفل مدة هذه المرحلة ويفقد براءته ويتحول إلى طفل مشاكس وعنيد.

شاهد بالفيديو: 7 علامات تدل على أنَّك من نوعية أمّهات الهليكوبتر

4. عدم التعامل الجيد مع قول "لا":

لا يقدر أغلب الآباء حق الطفل في قول "لا"، علماً أنَّ الطفل يميل إلى رفض أي طلب يُطلب منه عندما يكون بين عمر 2 إلى 3 سنوات، وذلك كنوع من إثبات قوة شخصيته؛ ونتيجة لذلك يجب على الأهالي أن يُحسِنوا التعامل مع هذه السمة، على سبيل المثال أن يقول الأب لابنه: "حبيبي، ما رأيك أن تأكل هذه التفاحة؟"، فإذا أجابه الطفل بالرفض، فيجب عليه أن يحاول معه بطريقة أخرى دون أن يُشعِره بأنه متحكم ومسيطر عليه، كأن يقول له: "حسناً، ما رأيك أن تأكلها بعد مجيئنا من الحديقة".

5. الاستهزاء في أفكار الطفل:

يُعبِّر الطفل عن أفكاره بطريقة بريئة ومليئة بالخيالات المبالغ فيها، ويميل إلى فقدان البراءة والإبداع؛ عندما تُقابَل أفكاره بالاستهزاء والاستنكار، على سبيل المثال: في حال حديث الطفل عن بطل خارق ما بطريقة خيالية، فهنا على الأهل أن يُنمُّوا لديه مهارة الخيال، ومن ثم يحاولوا غرس القيم لديه من خلال القصص والروايات ما قبل النوم.

من جهة أخرى، لا يعرف الطفل الالتزام برأيه عندما يكون بين عمر 3 إلى 4 سنوات، فإن سأله أهله أن يختار ما بين أمرين، فمن الممكن أن يختار أمراً ما ومن ثم يغير رأيه بعد فترة من الزمن ويختار الأمر الآخر؛ وهنا إن لم يُحسن الأهل التعامل مع هذه الطبيعة، فسيؤدي هذا الأمر إلى نشوء شخص مذبذب الشخصية؛ لذلك يجب على الأهل استيعاب الطفل واحتواءه ومن ثم إخباره أنَّ عليه في المرة القادمة التفكير بشكل جيد قبل إعطاء رأيه في المسألة؛ لأنَّ الإنسان يجب أن يعرف تماماً ما الذي يريده ويرغب فيه في الحياة.

إقرأ أيضاً: فوائد القصص التربوية الهادفة للأطفال

6. الفهم الخاطئ لمفهوم البراءة:

لا يفهم بعض الأهالي البراءة بمفهومها الصحيح، فيميلون إلى ترك الطفل كما هو على طبيعته دون أي توجيه أو إرشاد، الأمر الذي يؤدي إلى تشويه براءة الطفل.

فعلى سبيل المثال: عندما لا يكترث الأهل لتعرض طفلهم إلى الاعتداء من قبل زميله المدرسي، ويقتنعون بأنَّ هذه الممارسات عبارة عن نوع من براءة الأطفال؛ فسيؤدي هذا إلى التأثير السلبي في شخصية الطفل؛ ذلك لأنَّ براءة الطفل وطيبته لا تتنافى مع قوته، فيجب على الأهل توعية الطفل إلى ضرورة التوازن ما بين النية الطيبة وما بين قوة شخصيته، فإن تعرض له أحد ما من قبل أصدقائه، فيجب عليه أن يدافع عن نفسه في البداية وذلك بأن يأخذ موقفاً حاسماً وقوياً يمنع عنه الاعتداء -حتى إن اضطر إلى الضرب- وذلك كي تتعزز لديه فكرة أنَّه قوي وقادر على الدفاع عن نفسه.

ومن ثم بعد ذلك يُعلم الأهلُ الطفلَ بأنَّه قوي وقادر على رد الإساءة بالإساءة ولكن قيمه العليا لا تسمح له بأن يُعامل الآخر بهذه الطريقة الدونية، وهنا في هذه المرحلة يصل الطفل إلى التوازن ما بين براءته وقوة شخصيته، ويدرك أنَّ الحياة مليئة بالشخصيات المختلفة ولكل شخص قيمه التي تميزه، وأنَّه قادر على التعامل بنفس طريقة الإنسان ذو الأخلاق السيئة؛ ولكنَّ قيمه العليا ووعيه لا يسمحان له بذلك، فهو في حال رده الإساءة بالإساءة فهذا يعني أنَّه قد خالف قيمه ومبادئه وسمح للطرف الآخر بتشويهه من الداخل.

إقرأ أيضاً: كيف تجعل أطفالك يصارحوك بحوادث التنمر المدرسي

7. ربط العمل بنظرة الناس:

يربي معظم الأهالي أطفالهم على ربط قيمهم بنظرة الناس عنهم، فهم يدرسون ويحصلون على المجاميع العالية طمعاً في كسب رضا الناس، فهم يعملون ويجدون من أجل أن يقول عنهم الناس أنَّهم "أذكياء"، في حين يجب على الأهالي أن يعززوا لدى أبنائهم ربط القيم بالله عز وجل، فهم يعملون ويتطورون؛ لأنَّ السعي هو من الأخذ بالأسباب.

يُعدُّ اتباع الطفل للنية الحقيقية من الحياة تجسيداً حقيقياً لبراءة الأطفال وفطرتهم السليمة.

8. الفهم الخاطئ لمفهوم التربية:

يَعِي الأب الناضج أنَّ مستوى وعيه هو مَا يربي أولاده؛ لذلك يعمل جاهداً على اكتشاف ما لديه من ثغرات في المعتقدات والأفكار، ويسعى إلى الوصول إلى أفضل صيغة من ذاته، بطريقة يكون فيها مؤهلاً للقيام بهذه المسؤولية الضخمة.

عندما تُستفَز الأم من تصرف ما فعله ابنها، فتسأل نفسها ما هو الدرس الذي عليها أنَّ تتعلمه؛ لكي تكتشف ذاتها أكثر، وتتطور أكثر، لكي تصبح جديرة بخلق إنسان متوازن نفسياً وجسدياً.

9. فقدان الأمان:

تُعدُّ العصبية من بين سمات الطفل ما بين عمر 2 إلى 3 سنوات، يستمر الطفل في نوبات العصبية ويفقد براءته في حال فقدانه للأمان والراحة النفسية؛ لذلك على الأهل التعامل مع نوبات الغضب بالكثير من الحذر، فيجب أن يعتاد الطفل على أنَّ الأهل إلى جانبه دوماً ويحبونه ولكن عليه أن يطلب ما يريد بأسلوب لطيف ولا يعتمد على الصراخ والبكاء وسيلةَ ضغط للوصول إلى ما يريد.

ففي حال بكاء الطفل للحصول على شيء ما، فهنا على الأهل أن لا يخضعوا إلى بكائه، بل يقولون له "نحن نحبك جداً، ومستعدين لنقاشك في حال كنت هادئاً، أما في حال إصرارك على البكاء، فاذهب من فضلك إلى غرفتك فهناك مساحتك الخاصة للتعبير، وأَعلمنا عندما تكون مستعداً للحوار".

الحب كائن عبقري جداً، فيجب معاملته على أنَّه شخص ناضج ولكن بجسد صغير؛ لذلك على الأهالي أن يكونوا في منتهى الحذر في أثناء تعاملهم مع أطفالهم.

10. التشتت وعدم الاهتمام:

لا يهتم أغلب الأهالي إلا بالجانب الجسدي والتعليمي لأطفالهم، ولا يعيرون اهتماماً للجانب النفسي والأخلاقي؛ إذ يضع معظم الأهالي الأجهزة المحمولة بين أيدي أطفالهم بمجرد انتهائهم من مهمة تدريس أطفالهم، دون أن يدركوا حجم العواقب المترتبة على إدمان أطفالهم للأجهزة الذكية، ودون أن يفكروا بالقيم المشوهة التي يكتسبونها من جراء تعاملهم غير الآمن مع هذه الأجهزة.

كما يميل معظم الأهالي إلى الابتعاد عن تربية أطفالهم أو غرس القيم الإيجابية في داخلهم، معتقدين أنَّ التربية مقتصرة على التعليم والطعام.

11. الحب المشروط:

لا يدري معظم الأهالي العواقب النفسية الكارثية الناتجة عن جملة "إن كان مجموعك الدارسي منخفضاً، فلن أستمر في حبك".

إنَّ من أهم أساسيات بناء طفل سليم نفسياً هو القدرة على إعطاء الحب في جميع الحالات وفي كل الأوقات، فالحب ليس موضع مساومة؛ لذلك على الأهالي أن يعوا إلى هذه الجزئية الخطيرة وأن يُغدقوا الحب على أطفالهم في جميع الحالات، وفي حال قيام الطفل بتصرف سلبي ما، على الأهالي أن يعالجوه بطريقة راقية بعيدة عن الأذى النفسي، كأن يقولوا له: "إنَّنا نحبك جداً، ولكنك قمت بسلوك سلبي ويجب أن تتحمل نتيجة هذا السلوك".

يجب الفصل ما بين الفعل والفاعل للحفاظ على نفسية الطفل البريئة الرائعة، أي الابتعاد عن شخصنة الأمور والتركيز على السلوك دون المساس بالشخص ذاته.

12. القدوة:

تُعدُّ القدوة الحسنة من أهم أساسيات المحافظة على براءة الأطفال وعبقريتهم، فعلى الأهل أن يدركوا أن الطفل ينسخ سلوكاتهم تماماً كما هي دون أدنى محاكمة عقلية، فهو يعتقد أنَّ الأب والأم عبارة عن الحياة بأسرها، ومصدر الثقة والأمان.

إقرأ أيضاً: 5 نصائح تساعدك لتكون أب مثالي لأطفالك

13. كسر المتعة:

يفقد الطفل براءته ومتعته في الحياة بسبب الضغط النفسي الذي يتعرض له من قِبل الأهل فيما يخص موضوع الدراسة؛ إذ يعتمد معظم الأهالي أسلوب القهر لإيصال المعلومة إلى الطفل، فبدلاً من ذلك على الأهل أن يتفننوا في تعليم الأطفال بطريقة محببة وممتعة، بحيث يشرحوا لهم أهمية العلم من خلال إعطاء أمثلة عن مشاكل في الحياة وكيف استُخدم العلم كوسيلة لحلها، وأن يُعمِقوا لديهم العلم بوصفه قيمة، والدراسة بوصفها وسيلة ممتعة لاكتساب المعلومات، وبذلك يدرسون بحبٍ ومتعة ويعلبون ويمرحون ويحققون التوازن ما بين العلم والتسلية.

الخلاصة:

أطفالنا أمانة في أعناقنا، فكونوا على قدر هذه المسؤولية، واعلموا أنَّ مَن يربي هو مستوى وعيكم، لذلك اسعوا إلى اكتشاف الثغرات التي تُعيقكم عن التعامل الجيد مع أطفالكم، وحاولوا تصحيحها وتعديلها بهدف الوصول إلى أفضل نسخة منكم، وستمتلكون بنتيجة ذلك الكفاءة والقدرة على صنع جيل قادر وواعٍ ومميز، جيل بريء القلب ولكن حديدي الإرادة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5




مقالات مرتبطة