كيف غيَّرت كتابة اليوميَّات بخط اليد حياتي؟

في صيف عام 2015، عثرتُ على كتابٍ بعنوان "طريقك إلى الإبداع" (The Artist’s Way)، وهو عبارةٌ عن دليلٍ حول كيفية إعادة اكتشاف الإبداع الذي فقدناه بعد مرحلة البلوغ. ويشتمل على مخطط دورةٍ مدَّتها 12 أسبوعاً حول إعادة التأهيل الإبداعي.



ملاحظة: هذه المقالة مأخوذةٌ عن تجربةٍ شخصيةٍ للكاتب "مايكل بيترزاك" (Michael Pietrzak)، والذي يحدِّثنا فيها عن فوائد كتابة اليوميَّات بخط اليد.

إليك بعض الإرشادات الرئيسة التي جاءت فيه: اكتب ثلاث صفحاتٍ يوميَّاً، ثمَّ -ولمدَّة أسبوع- أطلق العنان لنفسك واخرج عن المألوف.

تلقَّيت هذه التعليمات بحماس، ووجدت أنَّ الجزء المتعلِّق بالكتابة بخط اليد كان أكثرَ من مجرَّد إدمانٍ بالنسبة إليّ. وبعد بضع أسابيعَ من الكتابة، لاحظت حدوث تغييراتٍ طفيفة، فقد بدأت باستخدام طريقةٍ مغايرةٍ في العمل، وبدأت بالتحدُّث مع الغرباء، وازدادت قوَّة حدسي، وهذا ما كان غريباً تماماً عني.

لقد أصبح توليد مزيدٍ من الأفكار أمراً سهلاً، ليس من أجل كتاباتي الاحترافيَّة فحسب، بل أيضاً بالنسبة إلى عملي؛ والسبب في ذلك: مواظبتي على الكتابة بشكلٍ شبه يوميٍّ، حتَّى لو اقتصرت على تدوين بعضٍ من شكاويَّ المقيتة. تحسَّنت صياغتي لرسائل البريدِ الإلكتروني الخاصَّة بعملي، وبدأتُ بعض الحملاتِ التسويقيَّة النَّاجحة. كما أنَّني، وفي لحظة خيالٍ جامحٍ، قرَّرت أن أنشر في إحدى المدونات قصَّةً ألَّفتها، وذلك بعد أن لاحظتُ التأثير الكبير لكلماتي في الحوارات الكلاميَّة المكتوبة على الورق.

لقد استغرقت مني عادتي الجديدة هذه 30 دقيقة كلَّ صباح، لكنَّني في المقابل حصلت على:

  • بداية رائعة ليومي بالتركيز والتأمُّل.
  • فرصة إنشاء ملاذٍ للاسترخاء والتعافي الذهني.
  • سرعة في البديهة بدأ النَّاس من حولي يلاحظونها.

كلُّ ذلك وأنا أستمتع باحتساء قهوتي على مَهَل.

لسنواتٍ عديدةٍ، كنت أكتب يومياتي بشكلٍ غير منتظمٍ على جهاز الكمبيوتر الخاصِّ بي، لكنَّ ذلك لم ينتج عنه أيٌّ من هذه الفوائد العجائبية. وكان عليَّ أن أسأل: ما هو الشيء المختلف؟ غير أنِّي أدركت لاحقاً أنَّ هناك العديد من المبادئ النفسية المرتبطة بعملية الكتابة اليدويَّة.

إقرأ أيضاً: إنشاء وكتابة المدوّنات بشكل احترافي

تجعلك الكتابة بجميع أشكالها أكثر ذكاءً:

لقد توصَّل الباحثون إلى أهميَّة وفوائد الكتابة عن التجارب التي نمرُّ بها. إنَّ الفضفضة التي نمارسها على الورق أو على شاشة الكومبيوتر، تساعدنا في محاربة الاكتئاب وتقليل عدد زيارات الطبيب، وتمنحنا نظاماً مناعيَّاً أكثر صحة. إنَّها مهمَّةٌ تحثُّنا على التفكير، وتقي أدمغتنا من الشوائب الفكريَّة، على عكس ما تقوم به بعض المواقع مثل: نتفلكس (Netflix).

قامت إحدى الدراسات مؤخراً بتتبع مجموعةٍ من المهنيين الذين  فقدوا عملهم السابق ويبحثون عن عملٍ آخر، وكانت نتيجتها: أنَّ نصف هؤلاء الأشخاص قد ثابروا على كتابة يوميَّاتهم، واستطاعوا الحصولَ على وظائف أسرع من أولئكَ الذين لم يكتبوا على الإطلاق.

عِلمُ القلم والورقة:

إنَّ خربشة اسمك على ورقةٍ تعدُّ من أبسط المهام، أليس كذلك؟ في الواقع يوجد العديد من العوامل المشاركة في إنجاز هذه المهمَّة، والتي يصفها الدكتور "مارك ج. سيفر"، وهو مختصٌّ في الطبِّ الشرعيِّ، بأنَّها: "نتيجة تفاعلٍ معقَّدٍ لعملياتٍ بدنيةٍ وعقليَّة، تتضمَّن مشاركةً بين المناطق المعرفية والحركية والعاطفية، عبر جذع الدماغ والنخاع الشوكي وصولاً إلى يدك".

باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي، وُجِد أنَّ ممارسة الكتابة يزيد من التركيز والاستجابة الحركية في الدماغ، وهو ما لُوحِظ أيضاً عند ممارسة التأمُّل. وهذا يفسِّر لماذا شعرتُ بالتركيز والنشاط بعد عدَّة أسابيع من كتاباتي الصباحية.

على الرغم من أنَّني أستطيع الكتابة بشكلٍ أسرع على جهازي المحمول، إلَّا أنَّ الأبحاثَ أثبتت أنَّ العكس هو الصَّحيح. أجرت الدكتورة "فرجينيا بيرينجر" (Dr. Virginia Berninger) من جامعة واشنطن، دراساتٍ أظهرت أنَّ الأطفال قد كتبوا المزيد عند استخدام القلم، وفعلوا ذلك بشكلٍ أسرع وبجملٍ تامَّة مقارنةً بأولئك الذين استخدموا لوحة المفاتيح للكتابة.

ينطبق ذلك أيضاً على البالغين أيضاً، فعند اختبار قدرة الطلاب على تذكُّر كتابة أحرف لغتي "التاميل" و"البنغالية"، تمكَّن أولئك الذين كتبوها بخطِّ اليد من تذكُّرها بشكلٍ أفضل من أولئك الذين تعلَّموا كتابتها باستخدام لوحة المفاتيح.

كما يشعر الطلاب الذين يدونون الملاحظات بخطِّ اليد بالسعادة، ويتفوقون عموماً على أولئك الذين يدونون ملاحظاتهم باستخدام اللابتوب. هذا ليس مفاجئاً؛ لأنَّ الحدود العليا لسرعة خط اليد تجبر مُدوِّن الملاحظات على إعادة الصياغة، في حين أنَّ الشّخص الذي يستخدم اللابتوب يدوِّن تقريباً بشكلٍ حرفي.

إقرأ أيضاً: 6 أفكار للعمل من المنزل لكل شخص يحب الكتب

5 طرق تجعل من تدوين اليوميات عادةً مكتسبة:

لقد جعل كلٌّ من: ماري كوري، وتشارلز داروين، وبنجامين فرانكلين، وعددٌ لا يحصى من الأشخاص الناجحين الآخرين - من تدوين مذكرَّاتهم عادةً يوميَّة.

يتطلَّب الالتزام بهذه العادة الكثير من الانضباط، ولكن تعلَّمت من خلال تجربتي أنَّ هناك خمسة أشياءٍ يمكنك القيام بها لتسهيل الأمر:

1. اجعل الكتابة أوّل ما تقومُ بهِ في الصباح:

استحمَّ وجهِّز قهوتَك أولاً إذا احتجت إلى ذلك، ولكن حاول أن تجلس للكتابة قبل أن تبدأ الشؤون اليومية بإثارة قلقك، ويصبح عقلك مشدوداً وغير قادرٍ على التركيز للبوح بمكنوناته بحريَّة.

إقرأ أيضاً: 8 عادات إيجابيّة يجب أن تقوم بها في الصباح الباكر

2. لا تُدخِل الآخرين بما تكتب:

ستفقد فوائد الكتابة إذا انشغلت عند كلِّ كلمةٍ تكتبها بالتفكير في السؤال: هل سيسخرون من كتابتي هذه؟ لذا غالباً ما تكون صفحاتي مكرَّرة، وتبدأ بعبارة: "فيما يلي بعض المفردات التي أخطها على ورقة".

3. جرِّب كتابة اليوميَّات لمدَّة شهرٍ على الأقل، قبل أن تقَرِّر أنَّها ذات فائدة:

تعدُّ كتابة اليوميات ممارسةً تتطوَّر تدريجياً، تماماً مثل ممارسة التأمُّل، حيث لا تستطيع رؤية الفوائد مباشرةً بعد جلستك الأولى. ويبدو أنَّ آثارها تراكميَّة.

4. حاول ألَّا تترك الصفحة الثالثة فارغة:

من المؤكَّد أنَّ ملء صفحتين يعدُّ نوعاً ما جيداً، لكنَّني وجدت أنَّ مهارتي وملكَة الكتابة لديَّ غالباً ما تتجلَّى في الصفحة الثالثة، وذلك بعد تخطِّي المرحلة التي اعتقدت فيها أنَّني لا أستطيع كتابة كلمةٍ أخرى.

5. إذا كتبت الشيء نفسه لسبعة أيامٍ متتالية، فقد حان الوقت لتتخذ إجراءً بهذا الخصوص:

واحدٌ من أكثر الأجزاء الممتعة في هذه العملية هو أنّك تتطوَّر بسرعة. يمكنك أن تشكو من التكرار لعدَة أيامٍ فقط، قبل أن تتخذ إجراءً لإصلاحه. لذا استمتع بحياتك الجديدة.

عندما نمسك القلم ونبدأ الكتابة، فإنَّنا نخطُّ رموزاً من الحبرِ على ورقةٍ لينةٍ من شجرةٍ كانت تنبضُ بالحياة حتَّى وقتٍ قريب، ونكتب بخطوطٍ لا يمكن لأيِّ كمبيوترٍ تشكيلها، وبكلماتٍ تمثل أفكارنا الأكثر حميميَّة.

إذا لم تكن هذه عمليَّةً تستحقُّ طقوساً يوميَّة، فماذا عساها تكون؟

 

المصدر.




مقالات مرتبطة