كيف ستبدو مكاتب العمل بعد انتهاء جائحة كوفيد-19؟

عندما عاد بعض الموظفين إلى مكاتبهم للمرة الأولى بعد انقضاء عام على العمل عن بعد، لمجرد أخذ بعض الوثائق أو التشاور مع بعض أعضاء الفريق، شعروا وكأنَّهم كانوا في سباق ماراثون في اللحظة التي وصلوا فيها إلى المنزل؛ فقد كانت العودة إلى مكاتب العمل بعد هذه المدة أمراً مرهقاً للغاية.



لم يكونوا الوحيدين الذين انتابهم هذا الشعور؛ فقد كان الإغلاق الأوَّلي جرَّاء اندلاع الجائحة في الربيع الماضي مفاجئاً وغريباً؛ حيث تحتَّم على الناس أن يبدؤوا العمل من المنزل بمعزل عن البيئة التي ألِفوها، وذلك بين عَشِيَّة وضحاها.

كما أنَّ العديد من أرباب العمل يرتكبون خطأً باتِّباعهم الأسلوب التقليدي ذاته عند إعادة افتتاح المكاتب، وفرض أوقات وشروط لعودة الموظفين إلى عملهم؛ حيث تزداد مخاوف الناس بعد قضاء أشهر في عزلة نسبية لإعادة المشاركة مجدداً في بيئة مكتبية باتت غير مألوفة الآن.

ولكن هناك طريقة أفضل للتعامل مع الأمر؛ حيث يمتلك أرباب العمل فرصةً لتحديد أهدافهم والتشاور لإيجاد أنسب نهج للعودة إلى مكان العمل، وإعادة النظر في الممارسات الصارمة التي كانت متَّبَعة سابقاً لما ينبغي أن تكون عليه بيئة وثقافة مكان العمل، وإليك بعض الطرائق التي تساعدك في تجنُّب صعوبات العودة إلى مكاتب العمل:

1. اتِّباع نهج أشبه بالذي تتبعه النوادي في مكاتب العمل:

علينا اتِّباع نهج أشبه بالذي تتبعه النوادي عند إعادة افتتاح مكاتب العمل؛ حيث يسود جو من الراحة، ويجد الموظفون مساحةً للتواصل، ويستطيعون القدوم والانصراف متى شاؤوا، والأهم من ذلك أنَّه مكان يستجيب لاحتياجات أعضائه.

ويعني هذا من الناحية العملية توفير مساحة أصغر من المكتب العادي بحيث يكون الحضور اختيارياً؛ إذ لن تكون جميع العقارات والمكاتب هامةً عندما لا يأتي إليها سوى قلَّةٍ قليلة من القوى العاملة.

كما ستتضمن المكاتب كحال النوادي مقاعد غير مخصصة لموظف بعينه، مما يساعد الموظفين على العمل حيث يريدون، دون التقيد بمكتب معيَّن، حيث يكون الاهتمام منصباً على المرونة، وأن يكون مكان العمل مريحاً للمشاركة فيه، سواء كان ذلك لساعات قليلة أم حتى لبضعة أيام، كما هو الحال بالنسبة إلى أولئك الذين يُفضِّلون العمل في المكتب أكثر من العمل من المنزل.

ومع ذلك، لا يعني اتِّباع هذا النهج بأنَّه أفضل من العمل من المنزل أو حتى أكثر أهميةً منه؛ ولذا فإنَّ التقدُّم إلى الأمام يعني التخلص من التسلسل الهرمي القديم الذي يُقصي الموظفين العاملين عن بعد ويهملهم، ولكن هناك حاجة مُلحَّة إلى وجود مكان للقاء على أرض الواقع، إلا أنَّ هذه الأزمة أثبتَت أنَّ البعيد والقريب يتمتع بالقدر نفسه من الصلاحية في العمل.

شاهد بالفيديو: 7 أشياء يجب أن تتوافر لديك عند العمل من المنزل

2. تخصيص المكتب للنقاشات وجمع المعلومات، والمنزل لإنجاز المهام:

لن يكون المكتب الأشبه بالنادي مكاناً مناسباً لإنجاز العمل، بالنسبة إلى الكثير من الناس، لكنَّه سيكون مخصصاً للمدخلات؛ والمقصود بالمدخلات التجارب التفاعلية التي تتضمن جمع المعلومات، وتوليد الأفكار، ومشاركة المعارف باستخدام العصف الذهني، أو الاجتماعات، أو التحقق من العملاء، وما إلى ذلك، وتُظهِر الأبحاث أنَّ هذا النوع من الأفكار التعاونية هو بالضبط ما كان غائباً في حياة العمل قبل اندلاع الجائحة، ومن الهام أيضاً توفير برامج المنتورينغ وبرامج لدمج الموظفين الجدد.

لقد كان العام المنصرم صعباً خاصةً على العمال الشباب وحديثي العهد، وقد خَلصَت دراسة أجرتها جامعة "بوكنيل" (Buknell) إلى أنَّ الشباب شعروا بغياب برامج المنتورينغ والمهارات الناعمة التي يحتاجونها للمضي قدماً؛ لذا فإنَّ تخصيص الوقت في المكتب لتوفير هذه الأمور أمر أساسي.

ولكن عندما يتعلق الأمر بالنتائج؛ أي إنجاز المهام، فإنَّ أغلب الناس يعملون بشكل أفضل بكثير عن بعد؛ وذلك وفقاً للعديد من الأبحاث.

وقد تبيَّن بصورة عامة أنَّ الإغلاق كان له نتائج إيجابية على عمال المعرفة، كما أفاد أكثر من نصف المسؤولين التنفيذيين عن تحسُّن متوسط إنتاجية الموظفين فضلاً عن فوائد أخرى، وقد أظهرَت دراسة أُجرِيَت في جامعة "ستانفورد" (Stanford) أنَّ معدل تناقص الموظفين قد انخفض إلى النصف، وقد تناقصَت استراحات العاملين عن بعد، وقلَّ غيابهم، حيث يعمل العديد من الناس بصورة أفضل عن بعد بسبب غياب عوامل التشتيت التي كانت تنتشر ضمن مكاتب العمل؛ لذا فلنكن ممتنِّين لهذه الميزة.

3. عدم الخلط بين المكتب وثقافة الشركة:

إنَّ إعادة افتتاح المكاتب هي فرصة جيدة لضمان عدم تكرار الأخطاء نفسها مرة أخرى، والخلط بين مفهوم المكتب وثقافة العمل؛ ذلك لأنَّ الثقافة في الماضي كانت مرتبطةً بمساحة المكتب المادية، كإتاحة مطبخ ممتلئ بالطعام، وفصول اليوغا داخل الشركة كل أسبوع.

لكن لم تَعُد هذه اللفتات الكبيرة والجميلة تُحدِّد ثقافة الشركات؛ بل إنَّ العام الفائت قد جعل هذا الأمر جلياً في العديد من المنظمات، والواقع أنَّ هذه المظاهر قد حجبَت حقيقة ثقافتنا أو غطَّت على عدم امتلاك ثقافة بالأساس، ولكن هذا لا يعني أنَّنا سنتخلص من المزايا التي جعلَت من العمل متعةً.

أكثر الموظفين حظاً هم المبتدئون الذين بدؤوا العمل في الشركات قبيل اندلاع الجائحة؛ فرغم أنَّ أقدامهم لم تطأ مكاتب العمل أبداً، ولم يحظوا بفرصة واحدة للحصول على غداء مجاني أو حتى شراب من ثلاجة المكتب، إلا أنَّهم عبَّروا عن رضاهم وراحتهم في العمل؛ حيث يعزى ذلك إلى الاحترام الذي تلقُّوه، والمرونة التي مُنِحت لهم، إلى جانب التواصل والدعم؛ وبالتالي فقد تبيَّن أنَّ العمل من المنزل أعمق وأبسط من الأمور المادية، ويتعلق بالطريقة التي تعامَل بها الناس والتي لا يمكِن تزييفها والتي تتخطى حدود المكاتب.

إقرأ أيضاً: تطبيق أسس عمل مرنة في المؤسسة

4. اختبار مكاتب المستقبل:

لا بُدَّ من معرفة أنَّ هذا النوع الجديد من مكاتب العمل ما هو إلا للتجريب والاختبار، وقد نكون بحاجة إلى فترة تجريبية لمعرفة أفضل الطرائق للعمل؛ ولذلك فإنَّ فرض مجموعة واحدة من القواعد هو أمر سابق لأوانه حالياً؛ بل ينبغي في الوقت الراهن أن تكون شروط التطبيق والمرونة هي الغالبة.

وبدلاً من التعامل مع العمل عن بعد على أنَّه خروج عن المسار المعتاد، ينبغي أن نستثمره في الإبداع، وتستطيع توقُّع أنَّ موظفيك سيكونون قادرين على التكيف والمرونة، وأقل ما يمكِن أن تقوم به هو الشي ذاته لهم.

 

المصدر




مقالات مرتبطة