كيف توقف فيض المعلومات وتنجز مهام أكثر

يعتبر الحمل الزائد للمعلومات مخلوقاً طفيلياً بدأ ينمو على حساب جسد الإنترنت منذ لحظة ظهوره. فكلما ازداد حجم الإنترنت، ازدادت معه كمية وجودة المعلومات، وكلما زادت جودة المعلومات التي نجدها فيه، كلما ازدادت معها رغبتنا باستهلاكها. وكلما رغبنا باستهلاكها أكثر، كلما ازداد معها شعورنا بالحمل الزائد أكثر، وهو ما يجب أن يتوقف عن الحدوث في وقتٍ ما. ونستطيع القيام بذلك.



في الحقيقة لا يوجد وقت أفضل لإيقاف ذلك من الآن. ولكن قبل نشرح بالضبط ما نعنيه، دعونا نناقش الحمل الزائد للمعلومات (فيض المعلومات) بشكلٍ عام.

ما مدى خطورة فيض المعلومات؟

إنَّ حقيقة وجود المزيد والمزيد من المعلومات التي تُنشر على شبكة الإنترنت يومياً ليست هي المشكلة الحقيقية، ولكن وحدها المعلومات "النَّوعية" تصبح مشكلة. لعلَّك قد تستغرب هذا القول، لكن اصبر قليلاً.

فنحن عندما نرى بعض المقالات الرديئة، فإنَّنا لا نفكر في قراءتها، بل ننتقل إلى المقال التالي. لكن عندما نرى مقالاً يشدُّ انتباهنا بحق؛ فنحن نرغب في قراءته بشدَّة. بل ونشعرُ أنَّنا ملزمون بذلك.

أيَّاً كانت المواضيع التي تثير اهتمامنا، فهناك دائماً المئات من المدونات النَّوعية التي تنشر مقالاتها يومياً، أو كل بضعة أيامٍ على أقلِّ تقدير. ناهيك عن جميع كل تلك المنتديات ومواقع الأخبار الاجتماعية وما شابه ذلك.

إنَّ كمية المحتوى الجيد على الإنترنت في أيامنا هذه كبيرة جداً لدرجة تجعل من المستحيل استيعابها. لكنَّنا مع هذا، نحاول القيام بذلك. وعندئذٍ، نشعر بالحمل الزائد.

وإن لم تنتبه لنفسك، فستجد نفسك يوماً ما تقرأ المنشور الخامس عشر على التوالي عن التقنيات التي يقدمها أحد الهواتف المحمولة على سبيل المثال لا الحصر. ذلك لأنَّك تشعر بأنَّك "بحاجة إلى معرفة ذلك" لسببٍ ما.

إنَّ فيض المعلومات هو طاعون لا لقاح ولا علاج له، يجتاح شبكة الانترنت. والأمر الوحيد الذي بإمكانك فعله هو ضبط النفس.

لحسن الحظ، أنت لست وحيداً في معركتك تلك. إذ سنقدم لك بعض النصائح التي يمكنك القيام بها لحماية نفسك من فيض المعلومات ومحاربته. لكن يتوجب عليك أولاً أن تعترف بأنَّ فيض المعلومات يُعدُّ أمراً سيئاً بالنسبة لك.

لماذا يُعدُّ فيضَ المعلومات أمراً سيئاً بالنسبة لك:

يمنعك فيض المعلومات من اتخاذ الإجراءات؛ وهنا تكمن المشكلة الأكبر. فعندما تحاول استهلاك المزيد والمزيد من المعلومات كل يوم، تلاحظ أنَّه على الرَّغم من أنَّك قد قرأت الكثير من المقالات وشاهدت الكثير من مقاطع الفيديو، واستمعت إلى العديد من المدونات الصوتية؛ إلا أنَّ دفق المعلومات الواردة يبدو لا حدود له.

لذا تُقنع نفسك أنَّه عليك أن تكون متيقظاً دوماً من أجل أن تحصل على معلومات جديدة؛ ذلك إن كنت تريد أن تكون قادراً على إنجاز أيِّ شيء على صعيد حياتك الشخصية أو عملك وشغفك.

وتكون الحصيلة النهائية هي أنَّك تستهلك الكثير من المعلومات، وتتخذ القليل جداً من الاجراءات. ذلك لأنَّه لم يعد لديك الوقت الكافي للقيام بذلك. والاعتقاد السائد بأنَّك بحاجة لأن تبحث بشكلٍ مستمر عن المعلومات، هو ليس بالاعتقاد الصحيح تماماً. فأنت لا تحتاج إلى كل نصيحة ممكنة لتعيش حياتك أو تقوم بعملك أو تستمتع بشغفك.

إقرأ أيضاً: كيف تستفيد من قراءتك ؟

كيفَ توقف فيض المعلومات وتنجز مهامَ أكثر؟

إذاً كيف نتعرف على الجزء الذي يهمنا فعلاً من المعلومات المتاحة؟ الأمر يبدأ بتحديد الأهداف.

1. حدّد أهدافك:

إن لم تضع أهدافك في مكانها الصحيح، فسوف تقوم بالعمل بكل النصائح المتاحة؛ ظناً منك بأنَّها "كل ما كنت تبحث عنه".

إنَّ تحديد الأهداف هي مهمة أكثر أهميةً من كونها مجرد وسيلة للتخلص من فيض المعلومات. ونحن عندما نقول "أهداف"، لا نقصد بها أمور مثل "الثراء أو إنجاب الأطفال أو عيش حياة سعيدة". بل نقصد بها شيئاً يكون في متناول اليد. شيء يمكن تحقيقه في المستقبل القريب، في نطاق شهر أو عامٍ على الأكثر.

نحن نتحدث هنا وبصورة أساسية، عن شيءٍ تريد أن تجذبه إلى حياتك ولديك بالفعل خطة معينة تتعلق بطريقة تحقيق ذلك. لذا نحن لا نتحدث هنا عن آمال وأحلام، بل عن مجرد أهدافٍ دقيقةٍ قابلة للتنفيذ.

بمجرد ما إن تحدد أهدافك، فإنَّها تتحول إلى مجموعة من الاستراتيجيات والتكتيكات التي عليك أن تعمل عليها.

إقرأ أيضاً: الفرق بين وضع الأهداف وتحقيقها: 3 خطوات لتبدأ بتحقيق أهدافك

2. اعلم ما عليك أن تتغاضى عنه من معلومات:

بمجرد ما إن يكون لديك أهدافك وخططك واستراتيجياتك ومهامك، يمكنك استخدامها لتحديد المعلومات التي تلزمك بحقّ. لكن أولاً وقبل كل شيء، إن كانت المعلومات التي توشك على قراءتها لا علاقة لها بأهدافك وخططك الحالية، فعليك تخطيها. فأنت بغنىً عنها. أما إن كانت على صلة بأهدافك، اسأل نفسك هذه الأسئلة:

  • هل ستكون قادراً على وضع هذه المعلومات حيز التنفيذ مباشرةً؟
  • هل لتلك المعلومات القدرة على تغيير إجراءاتك أو مهامك الحاليَّة؟
  • هل هي على ذلك القدر من الأهمية والقيمة بحيث يتوجب عليك اتخاذ إجراء بشأنها على الفور؟

إذا كانت المعلومات غير قابلة للتنفيذ خلال يوم أو يومين، فقم بتجاهلها. إذ سوف تنسى أمرها على أيَّة حال، فهذا ما يحصل عادةً. استوعب ما يمكن استخدامه فورياً فقط. فإن كان لديك مهمة عليك القيام بها، فقم فقط بالأخذ بالمعلومات اللازمة لإنجاز هذه المَهَمَّة، وليس أكثر. وعليك أن تركز من أجل الوصول إلى قرارٍ واضح بشأنها، وتكون قادراً على تحديد ما إذا كانت بعض المعلومات ضرورية أم لا لزوم لها.

يفيدك التحكم بالنفس جداً في هذا الصدد. إذ من السَّهل جداً إقناع نفسك بأنَّك بحاجة إلى أمرٍ ما، لمجرد ضعف ضبط النفس لديك. حاول محاربة هذا الإغراء، وكن صارماً تجاهها قدر الإمكان، فإن كانت المعلومات لا تتطابق مع أهدافك وخططك، ولا يمكنك اتخاذ أي إجراء بشأنها في المستقبل القريب، عليك إذاً أن تتغاضى عنها.

3. كن على بينة من "الحد الأدنى للجرعة الفعالة":

يوجد شيء في الطب والصيدلة يدعى باسم "MED" وهو الحد الأدنى للجرعة الفعالة. يشرح رجل الأعمال والمؤلف تيم فيريس تلك الفكرة في كتابه "The 4-Hour Body" من خلال الحديث عن الأدوية والعقاقير الطبية.

يعلم الجميع أنَّ جميع الأدوية تحتوي على حدٍّ أدنى للجرعة الفعالة، وبعد هذه الجرعة المحددة، لا تحدث أي آثار إيجابية أخرى؛ بل  تحدث بعض الآثار السَّلبية إذا كانت الجرعة مفرطة. ذلك الأمر مشابه لاستهلاك المعلومات إلى حدٍّ ما. إذ عليك أن تحدد فقط كمية محددة منها لتساعدك على تحقيق أهدافك ووضع مخططاتك قيد التنفيذ.

كل شيء أكثر من تلك الكميَّة لن يحسن نتائجك أكثر من ذلك. وإن بالغت في التعاطي مع الكثير من تلك المعلومات، فسوف يحول ذلك كلياً بينك وبين اتخاذ أيِّ إجراء في نهاية المطاف.

إقرأ أيضاً: 6 خطوات تُشجّع القارئ المبتدئ على قراءة الكتب

4. لا تقع في فخ المماطلة:

لعلَّ أحد أكثر الأسباب الكامنة شيوعاً وراء استهلاك كميات سخيفة من المعلومات؛ هو الحاجة إلى المماطلة. فعبر قراءتنا للكثير من المقالات،؛ نشعر غالباً بأنَّنا نعمل بالفعل، وأنَّنا نقوم بأمرٍ جيِّد، فنحن نتعلم، مما يجعلنا في النهاية أكثر اكتمالاً وعلماً.

هذا مجرد خداع للنفس؛ فالحقيقة هي أنَّنا نماطل لا أكثر. فنحن لا نشعر بالرغبة بفعل ما علينا فعله حقَّاً ألا وهو الأشياء الهامَّة. لذا نبحث عن أمرٍ آخر، ونقنع أنفسنا بأنَّ "هذا الأمر" لا يقل أهمية عن سابقه. وهذا ليس صحيحاً. لذا لا تتعاطَ مع المعلومات من مبدأ الاطلاع عليها؛ فهذا لن يوصلك لأيِّ مكان.

لا ينصب تركيز هذه المقالة على كيفية التوقف عن التَّسويف، ولكن إذا واجهتك مثل هذه المشكلة، فإننا نوصيك بقراءة هذه المقالات التي نقدمها لك في موقع النجاح نت:

ملخص ما سبق:

كما ترى إذاً، يمكن أن يكون فيض المعلومات مشكلة حقيقية، وقد يكون له تأثير سلبي كبير على إنتاجيتك وأدائك بشكل عام. لابدّ أنك قد عانيت من ذلك وما زلت تعاني من وقت لآخر. ولكن بوضعك لهذه المجموعة البسيطة من القواعد حَيّز التنفيذ سيساعدك على تجنب الوقوع فيها، ومنع الجزء الأرعن في عقلك من تولي المسؤولية.

المصدر




مقالات مرتبطة