لمعرفة سبب عودة الاهتمام بالتحول الرقمي، يجب أن ننظر أبعد من التكنولوجيا ونفهم التحول الجوهري في مواقف وسلوكات المستهلكين، التي سرَّعَت تبنِّي التكنولوجيا وأدت إلى ظهور قوة جديدة هي سرعة التوقع، ولكي نتمكن حقاً من تقدير المعاني المستترة والثورية للاقتصاد الرقمي والأدوات والاستراتيجيات وطريقة التفكير المطلوبة لقيادته، يجب أن نفهم جانب المستهلك من التكنولوجيا الرقمية.
كيف تواكب توقعات المستهلك في عصر التحوُّل الرقمي؟
لا تعني القيادة بفاعلية خلال التحولات الرقمية استخدام التكنولوجيا؛ بل فهم جانب المستهلك من الرقمية.
أصبح مصطلح "رقمي" اليوم أحد أكثر العبارات الطنَّانة انتشاراً في مجال التكنولوجيا، على الرغم من أنَّ التكنولوجيا الرقمية موجودة منذ أكثر من نصف قرن، ومنذ أن توقَّع أول كمبيوتر صُمِّم للاستخدام التجاري بشكل صحيح الفوز الساحق للرئيس الأمريكي السابق "دوايت أيزنهاور" (Dwight Eisenhower) في الانتخابات الرئاسية لعام 1952، ومنذ ذلك الحين، بدأَت رحلة التحول الرقمي (Digital Transformation) التي كانت سبب كل تقدُّم في التاريخ الحديث.
لمعرفة سبب عودة الاهتمام بالتحول الرقمي، يجب أن ننظر أبعد من التكنولوجيا ونفهم التحول الجوهري في مواقف وسلوكات المستهلكين، التي سرَّعَت تبنِّي التكنولوجيا وأدت إلى ظهور قوة جديدة هي سرعة التوقع، ولكي نتمكن حقاً من تقدير المعاني المستترة والثورية للاقتصاد الرقمي والأدوات والاستراتيجيات وطريقة التفكير المطلوبة لقيادته، يجب أن نفهم جانب المستهلك من التكنولوجيا الرقمية.
الثورة الرقمية:
على عكس التطورات السابقة حين أحدث اختراع واحد مثل الكهرباء تغييراً جذرياً، تتصف الثورة الرقمية الحالية بدمج التقنيات، ويشمل ذلك الشبكات الاجتماعية والهواتف المحمولة والتخزين على السحابة إنترنت الأشياء (internet of things) والذكاء الاصطناعي (Artificial Intelligence) وخاصية تعلم الآلة (Machine Learning) وغيرها الكثير، وفي حين أنَّ هذه التقنيات ليست ثوريةً بحد ذاتها، لكنَّها ضاعفَت قوى بعضها حين وُجِدَت معاً فأدى تأثيرها المشترك إلى تكوين واقع جديد يجب أن تتكيف معه جميع الشركات.
ترجمة الصورة:
Core digital technology |
التكنولوجيا الرقمية الأساسية |
social |
الشبكات الاجتماعية |
mobile |
الهواتف المحمولة |
Cloud |
التخزين السحابي |
IoT |
إنترنت الأشياء |
AL |
الذكاء الاصطناعي |
ML |
التعلم الآلي |
force multipliers |
مضاعفات القوة |
Pervasive connectivity |
إمكان الوصول الدائم |
extensive mobility |
حركة واسعة النطاق |
Scale-on demand |
الحجم حسب الطلب |
Intelligent machines |
الآلات الذكية |
The essence of digital |
جوهر الحياة الرقمية |
تلك القوى التي تحملها تقنيات التكنولوجيا الرقمية والتي يكمُن جوهر الحياة الرقمية المعاصرة عند تقاطعها هي:
1. إمكان الوصول الدائم:
أصبح الناس الآن متصلين أكثر مما مضى بفضل إنترنت الأشياء والتكنولوجيات الاجتماعية، ويشمل ذلك اتصالهم ببعضهم وبالأجهزة المتصلة ببعضها بعضاً أيضاً.
2. حركة واسعة النطاق:
وضع الهاتف المحمول قوة الحوسبة في متناول أيدينا وفي أي وقت؛ مما منحنا حرية "الاتصال" من أي مكان وفي أي وقت، وبالنتيجة أصبحنا نعيش في عالم حيث كل شيء متاح دائماً.
شاهد بالفديو: وظائف لا يمكن للذكاء الاصطناعي القيام بها
3. الحجم حسب الطلب:
يتطلب عمل الاقتصاد الرقمي كميات ضخمة من البيانات التي تتطلب قدرة هائلة على الحوسبة ومساحات كبيرة للتخزين، وتُوفِّر الخدمات السحابية قدرات ومرونة غير محدودة لضبط استهلاك الموارد حسب الحاجة.
4. الآلات الذكية:
لم تَعُد الآلات والبرمجيات مضطرةً إلى الاعتماد على المبرمجين البشر، وتستخدم الآن عوضاً عن ذلك الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لفحص مجموعات البيانات الضخمة وتعلُّم حل المشكلات بنفسها.
سرعة استقطاب المستهلكين:
بينما تعرقل التكنولوجيا الرقمية الاقتصاد العالمي، هناك ظاهرة أخرى متخفية تحصل بين المستهلكين في الوقت نفسه، ففي حين استغرق كل تقدُّم عبر التاريخ، بدءاً من المحرك البخاري ووصولاً إلى الإنترنت، سنوات لتقبُّله وتبنِّيه على نطاق واسع ولإحداث تأثير دائم في المجتمع، على سبيل المثال: استغرق الأمر 46 عاماً قبل أن تصبح الكهرباء المصدر الأساسي للطاقة، لكن بعد قرون من تخطي التقدم التكنولوجي للقدرات البشرية، استطاع المستهلكون أخيراً إدراك ذلك ويطالبون اليوم بتجارب أفضل.
السنوات التي تطلَّبها التبني على نطاق واسع: Years until mass adoption |
سنة التطوير: year developed |
التقنية: technology |
46 |
1872 |
الكهرباء: electricity |
35 |
1876 |
الهاتف: telephone |
31 |
1897 |
الراديو: radio |
26 |
1926 |
التلفاز: television |
16 |
1975 |
الحاسوب المحمول: PC |
13 |
1983 |
الهاتف المحمول: mobile phone |
7 |
1991 |
الإنترنت: the web |
4 |
2001 |
جهاز "الآيبود" (iPod): |
3 |
2006 |
موقع "فيسبوك" (Facebook) |
2.5 |
2007 |
جهاز "الآيفون" (iPhone) |
دورة الابتكار الرقمي:
هذه الدورة من الخلل المستمر شبيهة بالركض على آلة جري تتحرك ببطء، في البداية تكون الوتيرة معقولةً ويمكنك مجاراتها ولكن مع تسارع حركة الحزام يصبح الأمر منهكاً، إلى أن تضطرَّ إلى إيقاف الآلة تماماً، لكن على عكس آلة الجري لا يمكننا إيقاف دورة الابتكار الرقمي؛ لذا يجب على الشركات تطوير تجارب مستخدم أفضل، ويجب عليها فعل ذلك بحيث تجاري سرعة التوقع.
Digital innovation |
الابتكار الرقمي |
extensive mobility |
حركة واسعة النطاق |
Scale-on demand |
الحجم حسب الطلب |
Intelligent machines |
الآلات الذكية |
Pervasive connectivity |
إمكان الوصول الدائم |
advancing |
التقدم |
Ease of use/ access |
سهولة الاستخدام والوصول |
Accelerating |
التسارع |
User adoption |
تبنِّي المستخدم |
elevating |
التقييم |
User expectation |
توقعات المستخدم |
Fueling |
تغذية |
جوهر الرقمية:
لا تزال الثورة الرقمية مستمرةً بعد نصف قرن، والتكنولوجيا اليوم مختلفة إلى حد بعيد عما كانت عليه، فهي أذكى وأسرع ومتاحة ومتصلة، لكنَّ الأمر الذي يسبب خللاً أكبر من التكنولوجيا بحد ذاتها هو الوتيرة الثابتة للابتكار وتبنِّي المستهلك له وتمكينه، وعند النظر إلى التحول الرقمي عبر هذه العدسة التي تركز على الزبون، ربما يمكن تلخيص جوهر الرقمية في جملة واحدة فقط:
يمكن عَدُّ أنَّ شركتك تنتقل إلى الرقمية إذا كان في إمكانها تقديم تجارب أفضل للزبائن باستمرار بحيث تواكب سرعة التوقع.
لاحِظ أنَّ التكنولوجيا غير مذكورة في هذه العبارة، ومحط التركيز عوضاً عن ذلك هو القيمة التي تقدِّمها دائماً وبوتيرة تواكب توقعات المستهلك؛ أي تؤدي التكنولوجيا دوراً هاماً، ولكن يجب أن ترافقها تعديلات في طريقة التفكير التنظيمية والكفاءة والمرونة لتكون فعالةً، ويمكن تحديد عناصر التعريف كالتالي:
1. التسليم المستمر:
يتطلب نموذج تطوير تتابعي لدورات استخدام قصيرة تُقاس بالأسابيع وليس بالأشهر أو السنوات؛ مما يتطلب تجديد المهارات التنظيمية وتبنِّي عمليات جديدة لتخصيص الموارد والتمويل.
2. تجربة زبائن أفضل:
لا يمكن تحقيق تجربة زبائن أفضل عبر النظر إلى مجموعات ضيقة من الاستطلاعات والتركيز لجمع المعلومات؛ بل يجب أن تتعلم الشركات استخدام الشبكات الاجتماعية لتحفيز الزبائن على المشاركة في نشاطات تكوين التجربة التي تنتج قيمةً متبادلة وتؤدي إلى بناء الثقة، ويتطلب هذا أيضاً كفاءات فريدة يجب تطويرها أو اكتسابها.
3. العمل بسرعة التوقع:
يتطلب بيئة حوسبة مرنة يمكنها توسيعها وتغيير محورها بسرعة، كما يتطلب تنظيماً أقل هرميةً لتسريع اتخاذ القرار وتوجيهه إلى تحديد القيمة واكتسابها.
من الواضح في كل هذه الأمثلة أنَّ قوى العرقلة الرقمية تمثِّل تحدياً في تعديل طريقة التفكير أكبر من تبنِّي أدوات جديدة، وعلى الرغم من أنَّ استخدام أدوات العصر الرقمي مع طريقة تفكير العصر الصناعي قد يحقق مكاسب على الأمد القصير، لكنَّه لن يؤدي إلى تجارب أفضل دائمة للزبائن، فالتكنولوجيا في حركة دائمة، والشيء الوحيد الثابت هو القفزة العملاقة في السرعة والمرونة المطلوبة للنجاح في اقتصاد يركز على الزبائن.
"تكمن الصعوبة الحقيقية في تخطي الأفكار القديمة وليس في تطوير الأفكار الجديدة" - الإنجليزي الخبير في الاقتصاد "جون مينارد كينز" (John Maynard Keynes)
التحول المتوازن:
نحن نقف اليوم على عتبة اقتصاد تفقد فيه معايير العمل التي وجدَت لوقت طويل فاعليتها بسرعة، فلم تَعُد المزايا التي تُنسَب إلى حجم الشركة وأصولها هي أفضل مؤشرات على نموها، بينما أصبحَت السرعة والمرونة والاستجابة واهتمام العملاء هي المفاتيح الجديدة للاقتصاد الرقمي.
على الرغم من أنَّ متطلبات تحقيق النجاح قد تغيَّرَت، إلا أنَّ التطورات الدائمة التي تسببها الوتيرة المتسارعة لاعتماد التكنولوجيا هي المصدر الأساسي للخلل، لذلك يتطلب النجاح في هذا العصر الجديد التركيز على تعزيز القدرات الفنية والتنظيمية للتمكن من تحقيق القيمة بسرعة التوقع باستمرار.
System agility |
مرونة النظام |
Agile development |
التطور المرن |
Monolithic ERP to micro services |
الانتقال من تخطيط موارد الشركة المتجانس إلى الخدمات المصغرة |
cloud/ serverless |
الحوسبة السحابية وعديمة الخوادم |
Intelligent automation |
الأتمتة الذكية |
DevOps |
مفهوم الـ "ديف أوبس" (DevOps) |
API based integration |
الدمج القائم على واجهة برمجة التطبيقات |
Digital mindset |
طريقة التفكير الرقمية |
Customer obsession |
تعلُّق الزبون |
Continuous delivery |
التسليم المستمر |
Product to platform |
الانتقال من المنتج إلى المنصة |
Experiment and learn |
التجريب والتعلم |
Social IQ/ co-creation |
مستوى الذكاء الاجتماعي والإنشاء المشترك |
Expedited decision making |
تسريع عجلة اتخاذ القرار |
Advanced data and analytics platform |
منصة البيانات والتحليلات المتقدمة |
يتطلب تحويل شركة لتلبية هذه المطالب استراتيجية متوازنة ثلاثية الأبعاد تتضمن:
- تحديث أنظمة المكاتب الخلفية؛ أي المكاتب التي تقدِّم الدعم الرقمي والبنيوي للمكاتب التي تتعامل مباشرةً مع العميل أو الزبون، وذلك لتحقيق المرونة والتوسع حسب الطلب.
- تغيير توجُّه طريقة التفكير والمهارات التنظيمية الجماعية من الماضي الصناعي نحو المستقبل الرقمي.
- الارتكاز على أساس متين من البيانات والتحليلات المتقدمة للتنبؤ بتوقعات المستهلكين المتغيرة بسرعة.
لن يؤدي التركيز على أيَّة واحدة من هذه المكونات بمفردها إلى النجاح؛ إذ تتطلب سلاسة العمليات في المكاتب الأمامية؛ أي المكاتب التي يتعامل موظفوها مباشرةً مع الزبائن أو العملاء، سلاسةً بالقدر نفسه في المكتب الخلفي، ويجب أن يسترشد كلاهما بقرارات واستراتيجيات تعتمد على البيانات.
صحيح أنَّ التحديات التي تنتظر القادة في هذا العصر كبيرة، ولكن عند اتباع استراتيجية تحوُّل رقمي متوازنة سيجدون أنَّ فرص النمو والربحية هائلة أيضاً، ولكنَّك لن تتمكن من مواكبة التطورات إذا تعاملتَ مع التحول الرقمي على أنَّه مجرد وسيلة لأتمتة العمل الروتيني، فالوقت هو أهم عنصر، وهناك منافس رقمي يستعد في كل لحظة للاستيلاء على حصتك في السوق دون أن تلاحظ؛ لذا كن مستعداً لمواجهته.
في الختام:
في عصر التحوُّل الرقمي، لا تكفي الشركات التي لا تواكب سرعة التوقعات المتزايدة للمستهلكين، حيث تتطلب هذه المنافسة المتصاعدة استراتيجية متوازنة تركز على تحديث القدرات الفنية والتنظيمية، وبناء أساس متين من البيانات والتحليلات المتقدمة، وتغيير توجُّه طريقة التفكير الجماعية من الماضي الصناعي نحو المستقبل الرقمي.
أضف تعليقاً