كيف تواجه النزاعات الصعبة؟

ما هي المشكلة التي تتجنب الخوض فيها؟ كل مجموعةٍ من الناس - سواءً كانت عائلة أم فريق عمل - لديها حديث غير مريح أو معقد أو مشحون تتفاداه مع أنَّه لا بُدَّ منه.



ملاحظة: هذا المقال هو جزء من سلسلة "تيد" (TED) "كيف تصبح إنساناً أفضل" (How to Be a Better Human)؛ حيث تحوي نصائح من أناس في مجتمع "تيد".

قد يكون أمراً يتعلق بالراتب الشهري، أو الاتكال على وقت وجهود الآخرين، أو الأهداف، أو الأداء المتراجع، أو بعض الموضوعات الأخرى المشحونة، ويقول "آدار كوهين" (Adar Cohen) من مؤسسة "القيادة المدنية" (Civic Leadership Foundation): "أريدك أن تفكر في محادثة صعبة يحتاج إليها مَن حولك؛ إذ لا بُدَّ من وجود بعض المشكلات التي تمنعهم من تحقيق ما يريدونه، وربما يحتاجون إلى محادثة واحدة لإنجاز هذا الشيء، لكنَّهم لم يجروا تلك المحادثة، أو أنَّهم حاولوا ولم ينجح الأمر".

نميل بطبعنا نحن البشر إلى تجنب المحادثات الحرجة؛ ويرجع السبب إلى صعوبتها أو لأنَّنا قلقون من أنَّ إجراءها قد يزيد الأمور سوءاً، عَرف "كوهين" من خلال عمله جميع الأسباب التي تمنعنا من إجراء محادثات لتسهيل المفاوضات مع أشخاص من الفئات المختلفة جميعها، بما في ذلك الشركات والفصائل السياسية وإنفاذ القانون والمستشفيات والعصابات، في الولايات المتحدة وإيرلندا الشمالية والشرق الأوسط.

ومع ذلك، عندما نستمرُّ في تفادي هذه المحادثات، يقول: "يعمُّ الإحباط، ويتعثر التواصل، ويتفاقم التوتر، وتهتز الثقة، وتضعف روح التعاون".

بعد أن تتحلَّ بالإرادة والشجاعة للتعامل مع هذه المواقف الصعبة، سيكون لديك بعض الخطوات الأساسية التي يمكنك اتخاذها للتأكُّد من أنَّ الحديث سيكون مثمراً، غالباً بطرائق لا يمكنك توقعها أو تخيلها.

يلخص "كوهين" الأمر بثلاث قواعد لمساعدتك على قيادة المحادثات الصعبة:

1. مواجهة النزاع وليس تجاهله:

في حديثه في (TEDx Keene Talk)، تكلَّم "كوهين" عن اجتماع أشرف عليه في "سجن مقاطعة كوك في شيكاغو" (Chicago’s Cook County Jail)، والذي يضم أكثر من 6500 سجين، وهو أحد أكبر السجون في الولايات المتحدة؛ حيث كان هدف الاجتماع مناقشة أفضل طريقة لدعم السجناء عند إطلاق سراحهم من السجن والمساعدة على منعهم من العودة إلى نظام العدالة الجنائية مرة أخرى.

كان الجمع متنوعاً بشكل كبير؛ حيث ضمَّ أعضاءً سابقين في العصابات، ورواد أعمال، وضباط الإصلاحيات، ورجال دين، وعمالاً اجتماعيين، ومسؤولين مدنيين، ولم يكونوا معتادين على التعاون مع بعضهم بعضاً؛ حيث ابتدأ النقاش وكان مروعاً، ويقول "كوهين": "مهما حاولتُ، لم ينجح شيء؛ إذ رفضَ هؤلاء الجلوس إلى جانب بعضهم بعضاً أو حتى النظر إلى بعضهم بعضاً، وكانت هذه أصعب محادثة خضتُها على الإطلاق".

كان "كوهين" يائساً، وفي الاستراحة الأولى، يقول: "لقد اقتربتُ من ضابط الإصلاحيات الذي لم ينطق بكلمة واحدة طوال الصباح، وبدأتُ التحدث إليه: "مرحباً يا صديقي، ماذا عليَّ أن أفعل لأجعلك تكف عن الثرثرة هناك؟" وبهذا أكون قد تحركتُ نحو الصراع، والعجيب أنَّه لم يغضب مني؛ بل بدأ ذلك الضابط يضحك"، ومن خلال الاعتراف بالحرج، خلق "كوهين" لحظة مكاشفة مع أحد المشاركين.

يقول "كوهين": "النزاع هو مجموعة معلومات، وإن استفدنا منها، يصبح حل النزاع أسهل".

إقرأ أيضاً: أسباب الصّراع الثّمانية لبيل وهارت التي تسبب التوتر في أماكن العمل

2. التصرف كما لو كنتَ لا تعرف شيئاً عن الموقف:

بعد أن جعل ضابط الإصلاحيات يضحك، قال "كوهين": "سألتُه: "ما الذي يُخطِئ الناس في فهمه بشأن عملك؟" وهي طريقة أخرى لسؤال: "كيف يُساء فهمك؟" تغيرَت حينها ملامحه، وكأنَّه شخص مختلف، وقال: يعتقد الناس أنَّ شعوري طبيعي حيال ما أقوم به من إبقاء الناس في أقفاص طوال اليوم، ولكن ليس هناك شيء طبيعي في وظيفتي".

عندما انتهت الاستراحة، طرح "كوهين" السؤال نفسه على ضابط الإصلاحية، ولكن هذه المرة، أمام الملأ بأكمله، وكانت استجابة المجموعة لصراحةِ الضابط مذهلة؛ حيث يقول "كوهين": "أصبح الآخرون بذلك مستعدين إلى المشاركة، ولأنَّني لا أعرف شيئاً، أواصل طرح الأسئلة، واحداً تلو الآخر، وأخذ الجميع فرصتهم للحديث عما يتعلق بعملهم اليومي؛ مما يعني أنَّ الجميع يسمع بعضهم بعضاً، وكانت أسئلتي الساذجة تساعدهم على ذلك".

يوضح "كوهين": "اطرح أسئلة حول تجارب الأشخاص، واستمع لما يقولونه؛ حيث ستُقال أشياء هامة؛ وذلك لأنَّك هناك تستمع وكلَّما استمعتَ بشكل أفضل، أصبح الأشخاص الذين يجرون المحادثة يستمعون إلى بعضهم بعضاً بشكل أفضل، وعندما تتحدث، التزم مشاركة تجاربك الخاصة، وقاوم الرغبة في تقديم النصح أو التعليق أو التحدث نيابة عن الآخرين".

شاهد بالفديو: كيف نتخلص من التوتر في ظل الأجواء الصعبة التي نعيشها؟

3. التزام الهدوء وبالأخص في البداية:

يمكن أن يكون الصمت صعباً، فمعظمنا يميل إلى كسر حاجز الصمت أو فترات الهدوء غير المحبذة، ولكنَّه في الواقع يمكن أن يدفع الناس إلى التحدث، وبالأخص أولئك الذين لم يتكلموا بعد؛ إذ يمكن أن يؤدي تعلُّم أن تكون مرتاحاً مع الصمت إلى تفاعلات أعمق وأكثر جدوى، يقول "كوهين": "ظهرَت بعض أفضل الإنجازات التي رأيتُها في المحادثات الصعبة حقاً بسبب فترة وجيزة من الصمت، لا تتسرع في إنقاذ الجميع من تلك اللحظة المحرجة؛ لأنَّ وظيفتك أن تظهر لهم أنَّ اللحظة جيدة".

يشارك "كوهين" حكاية من محادثة قادها بين أشخاص من مجموعات معارضة في إيرلندا الشمالية:

في إحدى هذه الاجتماعات، بدأ رجل فجأة لم يتكلم، وشارك تجربته كوافد جديد إلى "بلفاست" (Belfast)؛ حيث كان يستقل الحافلة، منهكاً بعد العمل وفجأة أُحِيط بمجموعة من الرجال، ومن ثم اقتربوا كثيراً، وهمسوا له مهددين وحاصروه، وشرح كيف خفق قلبه وهو يمسك بمقبض الحافلة منتظراً توقفها حتى يلوذ بالفرار، وأخبر المجموعة أنَّه قد خاف على حياته في ذلك اليوم؛ حيث كان يأمل أن تكون الهجرة من الصومال إلى أيرلندا الشمالية نهاية الخوف على حياته.

كانت الغرفة هادئة تماماً، سمعه الجميع - حيث كانوا من طوائف دينية عدَّة - وفجأةً قال أحدهم: "هذا غير مقبول"، وقال الثاني: "هذه ليس بلفاست"، وقال الثالث: "ليست كما أردنا لها أن تكون".

رأى "كوهين" في عمله حول العالم، أنَّ محادثة واحدة فقط يمكن أن تغير حياة، وتفتح الباب أمام طريقة جديدة للنظر إلى العالم، والتعاون الذي بدا مستحيلاً في السابق، والتسامح والتفاهم والأرضية المشتركة، ويقول إنَّ أياً منا يمكنه تغيير العالم بهذه الطريقة، "المحادثات تصنع المستقبل، ونحن من نختار إجراءها وكيفية إجرائها".

المصدر




مقالات مرتبطة