كيف تنهض من سقوطك وانكسارك؟ دروس تعلمك إياها كرة القدم

يظل تاريخ السادس من شباط/ فبراير سنة 1958 أحد التواريخ الخالدة في تاريخ كرة القدم البريطانية؛ إذ تحطَّمت طائرة الخطوط الجوية البريطانية المخصصة لنقل لاعبي نادي مانشستر يونايتد عندما كانت تحاول الإقلاع من مطار ميونيخ؛ ليلقى 23 راكباً مصرعهم، منهم سبعة لاعبين من الشياطين الحمر.



وفي 27 نيسان/ أبريل سنة 1993 تحطمت طائرة كانت تنقل منتخب زامبيا لكرة القدم، بعد أن أقلعت من مطار الغابون لخوض مباريات تصفيات كأس العالم، وتوفي كل مَن كان في الطائرة من اللاعبين وكادر المنتخب.

كيف يجب أن تكون ردة الفعل الصحيحة تجاه السقوط؟

كانت ردة الفعل عند نادي مانشستر يونايتد في قمة الروعة والعظمة، فقد أصبح بعدها هذا النادي متربعاً على عرش أفضل أندية كرة القدم في العالم وأشهرها؛ إذ فاز بعد الحادثة بخمس سنوات ببطولة الدوري الإنجليزي، وبعد عشر سنوات فاز بلقب دوري أبطال أوروبا، وكانت تلك أولى الخطوات في مسيرة الإنجازات التي خاضها هذا النادي العريق.

أما بالنسبة إلى منتخب زامبيا، فقد شارك ببطولة أمم أفريقيا - بعد هذه الحادثة المروعة بأشهُر - بمنتخب جديد بشكل كامل، وقد قدموا أداءً مشرفاً وكرةً هجومية جميلة، حتى إنَّهم وصلوا إلى نهائي البطولة، وخسروا بفارق هدف وحيد أمام نيجيريا.

صحيح أنَّ طائرتي الفريقين سقطتا وتحطمتا واحترقتا، إلَّا أنَّه كان سقوطاً مادياً فقط؛ إذ إنَّ روحاً مفعمة بالإصرار والعزيمة نهضت من هذا الرماد؛ لا وبل صنعت العجائب.

كلنا في هذه الحياة نتعرَّض للسقوط في أيَّة لحظة، وقد نكون سعداء لأنَّ هذا السقوط لم ينهِ حياتنا، وقد نشعر بأنَّنا فقدنا كل شيء لدينا؛ وكأنَّ كل ما بنيناه طوال هذه السنوات قد تحطم. لا بأس؛ نبني من جديد فالحزن والبكاء والندب والشكوى لن يصلح شيئاً.

نمرُّ جميعنا في حوادث السقوط، وفي الوقت نفسه نكون قادرين على أن نفعل ما فعله الشياطين الحمر وما فعلته زامبيا؛ لتكون قصة خالدة في صفحات التاريخ، ونستطيع أيضاً أن نكون ضحايا، وتكون القصة مؤلمة لا تؤلم أحداً سوانا؛ لذلك قد يكون السقوط أمراً وارداً، ولكنَّ النهوض يجب أن يكون خياراً حتمياً.

الانكسار قرار شخصي:

في الحقيقة تزخر الرياضة بعدد كبير ويمكن أن نقول عدداً هائلاً من الرياضيين النجوم الذين مروا بمراحل ما من حياتهم، قال لهم الجميع بكل صراحة إنَّهم فاشلون وليسوا بالمستوى اللائق ويجب عليهم أن يرحلوا، ولكنَّهم لم ينصاعوا أبداً إلى هذه الإشارات السلبية أبداً؛ بل استمروا في الكفاح والنضال حتى برهنوا على أنَّ مَن لا يثق بهم هو على خطأ.

لقي لاعب كرة السلة المشهور "مايكل جوردان" الكثير من التشكيك وحتى التنمر بأنَّه قصير بالنسبة إلى الطول المطلوب لدى لاعب كرة السلة، وكذلك واجه النجم البرتغالي "كريستيانو رونالدو" الكثير من التشكيك في بداياته وبالغوا في التنمر على صبغة شعره وأنَّ لاعباً بهذه الهيئة لن يُكتَب له النجاح، وكذلك "بافيل نيدفيد" في بداية مشواره كان يُوصَف من قِبَل مدربه بأنَّه لا يمتلك القدرة البدنية الكافية كلاعب كرة قدم.

هل الانكسار أمر سهل أم صعب؟

في الحقيقة، إنَّ الانكسار والاستسلام والخروج من السباق هو أمر سهل للغاية، وليس صعباً كما يُروج بعض الأشخاص؛ إذ إنَّ الخيار الأصعب والأكثر مشقة هو استمرار نضالنا واستمرار كفاحنا من خلال مواصلة الطريق، فمن الممكن أن تأتيك أصوات من داخلك تقول لك إنَّه يجب عليك أن تنسحب وتستسلم، ولكنَّك تصر على أنَّك تستطيع الوصول إلى ما تريده وتصبو إليه، وبالفعل تصل إلى هدفك في نهاية الأمر، وفي الحقيقة سيجعل الإصرار هذا الصوت في داخلك يُصاب بالدهشة مما وصلت إليه، ومع تكرار نجاحك سيصمت هذا الصوت السلبي في داخلك؛ لا بل سيتحول إلى صوت إيجابي.

إقرأ أيضاً: سر السعادة: فن التعامل مع الحزن بطريقة أفضل

كيف ننتصر على الانكسار؟

إنَّ سبب الانكسار وقرار الاستسلام يأتي عادة كردة فعل على الألم الذي نعيشه؛ لذا نتوقف عن الاستمرار في مشروع قناة على يوتيوب على سبيل المثال؛ لأنَّها فشلت ولم تصل إلى مشاهدات كافية، فلو استمررنا فيها وصبرنا قليلاً، لربما جاءتنا فكرة جديدة طوَّرت من القناة أو ربما لتُعلِّمنا وسائل تزيد إمكانية انتشار المحتوى الذي نقدمه، وبعد ذلك تزداد المشاهدات وينجح المشروع.

إنَّ الكثير من الناس يسعون إلى تعلُّم اللغة الإنجليزية على سبيل المثال، فيبدأ المُتعلم بدايةً حماسية، ثم بعد فترة من الزمن يشعر بأنَّ التحسُّن الذي يمر به بطيء، فهو يصغي إلى الأغاني دون أن يفهم أي شيء ويتابع نشرات الأخبار ويجد نفسه تائهاً في خضم اللغة، فيأتيه صوت في داخله يطلب منه أن يكفَّ عن تضييع وقته، وهو لا يعرف أنَّ ما كان مطلوباً منه هو تَحمُّل هذا الألم أو الضيق والاستمرار في الاستماع للأغاني ونشرات الأخبار، ثم سيلاحظ حدوث المعجزات؛ وهي معجزات تحدث بالجد والجهد وتحمُّل الألم.

"أنتوان غريزمان" وعادة عدم الانكسار:

في بدايات اللاعب الفرنسي "أنتوان غريزمان" لم يجد أي فريق كرة قدم في فرنسا يضمه إلى صفوفه؛ إذ أنَّ أباه كان يصحبه معه من مدينة إلى أخرى، من أجل أن يصل إلى نادٍ يضم ابنه إلى صفوفه، وكان الرد من الجميع بأنَّهم يرون ابنه ضعيف البنية ونحيل الجسد وغير قادر على ممارسة لعبة خشنة مثل كرة القدم، حتى عثر على نادي ريال سوسيداد الإسباني الذي آمن بقدرته وموهبته، وأصبح بعدها من أهم لاعبي كرة القدم في أوروبا لسنوات، ولم يقف عند هذا الحد؛ بل حقق مع منتخب بلاده لقب بطولة كأس العالم في 2018.

يمكن أن نقول إنَّ نجاح "غريزمان" هذا لم يأتِ من فراغ، وتتويجه بكأس العالم لم يكن حظاً أو مصادفة؛ بل هو تتويج لعادة مقاومة الانكسار وعدم الخضوع له؛ إذ إنَّ عدم الانكسار عادة بحد ذاتها، كما أنَّ الانكسار يمكن أن يكون عادة.

"فيكتور فالديس"؛ خطأ واحد لا تمحيه ألف حسنة من ذاكرة الناس:

اعتزلَ حارس نادي برشلونة "فيكتور فالديس" اللعب بشكل نهائي سنة 2017، ثم ألغى جميع حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، وأوفى بكلامه الذي قاله في مقابلة تلفزيونية بأنَّه بعد اعتزاله لكرة القدم سيبتعد بشكل كامل عن أضواء الشهرة وأجواء الساحرة المستديرة، وهو يريد بعد اعتزاله أن يعيش بسلام مع عائلته، ولكنَّه بعد عامين من هذا الاعتزال أعاد إطلاق حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي.

وقبل فترة من اعتزال "فالديس" لكرة القدم، أُصيبَ بانقطاع في الرباط الصليبي وانتشر تسجيل مصور يقول فيه وهو متأثر جداً: إنَّ كرة القدم سَرقَت منه حياته الحقيقية مقابل الشهرة والمال، لدرجة أنَّه لم يعد قادراً على الاستمتاع بشراء كوب من القهوة الساخنة أو بوصول حافلة النقل العام بعد طول انتظار.

لقد مرَّ "فيكتور فالديس" بتجارب خلال مسيرته، تجارب علمته قوانين حقيقية يمكن تطبيقها على جميع مناحي الحياة؛ إذ قال عندما غادر ناديه "برشلونة" بأنَّه لم يشعر بالراحة والثقة هنا في برشلونة؛ إذ كان الجميع يُذكِّرونه بأخطائه التي ارتكبها في السابق، وهذا هو درس هام من دروس الحياة فالناس تنسى إنجازاتك وتتذكر أخطاءك وهفواتك.

نسي الجميع أنَّ "فالديس" تصدى لكرة "تيري هنري" في نهائي دوري الأبطال سنة 2006، ونُسيَ اعتراضه لكرة "دروغبا" في نصف نهائي دوري أبطال أوروبا سنة 2009، ولكنَّهم يتذكرون بدقة كل أخطائه، فالسيئة الواحدة يقابلها ألف حسنة في ذاكرة الناس.

لا أحد يحترم ماضيك أو تاريخك إلَّا في حال قدَّمتَ خدمة شخصية له، وكل ما يُقال حول احترام مسيرة اللاعب هو مجرد كلام مثالي لا أكثر ولا أقل؛ إذ إنَّ نادي "مانشستر يونايتد" لم يعامل "فيكتور فالديس" باحترام كما توقع الأخير.

هل الشهرة أمر إيجابي في أغلب الأحوال؟

نستنتج من هذا الكلام أنَّ أضواء الشهرة والنجومية قد لا تناسب الكثير أو حتى غالبية الناس؛ إذ إنَّها تحولهم إلى تحف جامدة لا يحركها سوى المال والإعلام والاقتصاد، وما نراه في الآونة الأخيرة من انتحار المشاهير أو إصابتهم بالاكتئاب أو الإدمان، ليس إلَّا إشارة إلى قانون واضح؛ ألا وهو أنَّ الحياة لا تعطي شيئاً بالمجان.

إقرأ أيضاً: أقوال وحكم تُساعدك على تخطي الفشل

ما هو الشيء الذي يمكن أن يكون أثمن من المال والشهرة؟

من الأمور التي حيَّرت متابعي كرة القدم هو رفض "أنتوان غريزمان" رفضاً قاطعاً الرحيل عن نادي "أتلتيكو مدريد" إلى نادي "برشلونة"، ثم تغيير رأيه بعد موسم واحد فقط؛ إذ وافق على عرض "برشلونة"، ترى ما الذي أقنع "غريزمان" برفض عرض مغرٍ بتمثيل أعرق أندية العالم؟

تبيَّن فيما بعد أنَّ سبب تمسُّكه بـ "أتلتيكو مدريد"، هو صداقته القوية بكل من "لوكاس هيرنانديز" و"دييغو غودين"، وبعد رحيلهما رحلَ "غريزمان" والتحق بصفوف "برشلونة".

ثم يعترف "غريزمان" فيما بعد أنَّه بعد رحيل صديقيه أصبح وحيداً بلا أحباب، ومن هنا نتعلم من هذه الحادثة أنَّ هناك أشياء أكثر قيمة من المال والشهرة، فمهما كان راتبك ومهما كانت سلطتك، فإنَّ الحياة دون أشخاص تحبهم ويحبونك هي حياة خالية من أي معنى، وأشبه بمن يملك سفينة كبرى في صحراء كبرى؛ إذ إنَّ العالم الذي يخلو من الأحباب هو عالم ميت.

في الختام:

إنَّها كرة القدم، وهي ليست مجرد لعبة أو كرة يركض اللاعبون وراءها؛ وإنَّما هي تاريخ وثقافة وحضارة؛ هي فلسفة إنسان صنعَ من كرة مطاطية عالماً كاملاً من المتعة والإثارة والفائدة.

المصدر: كتاب أكبر مما يعتقدون 3، للإعلامي الرياضي محمد عواد.




مقالات مرتبطة