كيف تنمي حس المسؤولية في حياتك؟

كلمة "المسؤولية" هي واحدة من الكلمات التي لها ثقلها وأهميتها؛ حيث يخافها بعض الناس، ويستسلم لها بعضهم الآخر؛ وكلنا ننظر إليها بطريقتنا الخاصة. ويمكِن النظر إلى المسؤولية من وجهة نظر التنمية البشرية على أنَّها القدرة على الاستجابة؛ أي بعبارة أخرى، هي السلطة التي تمتلكها على المجالات الأخرى والتي تسمح لك بتوجيه الأحداث والتصرف حيالها.



السؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا نتهرب من تحمُّل المسؤولية؟ ربما نتهرب منها سعياً وراء الراحة، أو خشية قلة ثقتنا بالنتائج المرجوة؛ ومع ذلك، فإنَّ البشر الملتزمين بقيادة حياتهم يحرصون على تحمُّل المسؤوليات، ولا تتعلق المسؤولية بإرهاق نفسك بأطنان من المهام؛ بل تتعلق بحزمك في الأمور التي تشارك في العمل على إنجاحها، وتُحقِّق هذا الحزم بطريقة واحدة محددة فقط؛ ألا وهي العمل واضعاً هدفك نصب عينيك.

يعني التفكير بما يعنيه أن تكون مسؤولاً تجاه نفسك أولاً، وتجاه الآخرين ثانياً، وتجاه تفاعلك مع بيئتك أخيراً، تمتُّعك بدرجةٍ عاليةٍ ومطلقةٍ من الالتزام في داخلك، وهو ما قد يبدو حملاً ثقيلاً على العديد من الأشخاص؛ لذلك يُفضِّلون أن يكونوا غير مسؤولين إلى أقصى درجة؛ لذا عليك أن تفكر وتجيب بنفسك: أي من هؤلاء الناس يمثلك؟

اختر ما بين التصرف بشكل تفاعلي أو مبادر:

من الممكن التمييز بين ثلاثة أنواع من المسؤولية اعتماداً على مستوى القلق الذي يسببه لك الموقف عندما تؤدي دورك في أي مجال: إظهار ردة فعل، والمبادرة، والإبداع.

قال ستيفن كوفي (Stephen Covey)، المُحاضِر والمتخصص في مجال الإدارة: إنَّه عندما ينغمس الشخص في دائرة القلق - الحقيقية منها أو المتخيلة - فإنَّ هذه المشاعر تهيمن على كل شيء؛ وبالتالي تقلل دائرة تأثيره، حيث يحدث هذا عندما تُظهر ردة فعل.

من ناحية أخرى، عندما يختار الشخص العمل وتحمُّل المسؤولية، يبدأ في توسيع دائرة تأثيره، ويقلل من القلق، ويظهر بذلك جانبه الإيجابي والمبادر.

انطلاقاً من هذين المبدأين، من الممكن تحديد ثلاثة مستويات من المسؤولية الشخصية تجاه القضايا التي نتعامل معها، وهذا يتوقف على الموقف الذي تريد اتخاذه تجاهها:

1. المسؤولية القائمة على إظهار ردة فعل:

يشير هذا السلوك إلى أنَّك تظهر ردة فعل قبل وقوع حدث ما، وعلى الرغم من وجود أدلة لديك تشير إلى إمكانية حدوث شيء ما، كما من الشائع تقديم العديد من التبريرات والتفسيرات لسبب التأخير في التصرف بعد وقوع الحدث.

على سبيل المثال: عندما تكون في خضمِّ مشكلة توقَّعتَ حدوثها في حياتك الشخصية أو العملية، ستبذل قصارى جهدك لتقليل الضرر الناتج عنها، حتى لو كان رد فعلك متأخراً، وإنَّ الأمر أشبه بمحاولة إخماد حريق بدلو صغير مخصص للأطفال، بدلاً من استدعاء فِرَق الإطفاء.

يمكِننا القول إنَّ تصرفك هذا تصرف طارئ تجاه الأمر الواقع الذي حلَّ بك، على الرغم من وجود مؤشرات دلَّت بالفعل على احتمالية حدوثه، حتى قد يكون لديك في بعض الأحيان كل المعلومات التي تخبرك كيف سينتهي بك الأمر.

حس المسؤولية

أُجرِيَت دراسة في ولاية لويزيانا (Louisiana) في الولايات المتحدة بعد أن دمر إعصار كاترينا (Hurricane Katrina) العديد من المدن؛ حيث سألوا الضحايا الذين فقدوا كل شيء إذا كانوا يعتقدون أنَّهم يتحملون جانباً من المسؤولية عن تلك المأساة، فاستاء الغالبية العظمى من السؤال للغاية، بينما قال عدد قليل من الناس إنَّهم بالفعل يتحملون بعضاً من المسؤولية على ما حدث؛ فعلى سبيل المثال: كانوا قد اختاروا بوعي العيش في منطقة تُعَدُّ بؤرةً متكررة للأعاصير، كما أنَّهم لم يشتروا التأمين المناسب، أو لم يتبعوا تحذيرات السلامة التي أُصدِرَت، أو لم يحصلوا على موافقات للبناء في المنطقة هناك.

بعض العبارات المعتادة التي يقولها أولئك الذين يُظهرون مسؤوليةً قائمة على ردة الفعل: "لم أدرك ما كان يحدث"، "حاولتُ، ولكن..."، "كنتُ قد خططتُ للقيام بذلك..."، "نسيتُ أن أحذر من أنَّ هذا يمكِن أن يحدث"، "لقد ساعدتُ في حل المشكلة على أي حال"، "أشعر بالعجز"، "المخطئ هو..."

كما ترى، هناك الكثير من المعالم التي تشير إلى سلوك الضحية في هذه الحالات، بدلاً من تحمُّل المسؤولية الكاملة عن قراراتهم بعدم التصرف المسبق تجاه ما سيحدث.

إقرأ أيضاً: 13 خطوة للتوقف عن اختلاق الأعذار وتحمل المسؤولية

2. المسؤولية القائمة على المبادرة:

في هذه الحالة، تبذل قصارى جهدك لمنع الضرر قبل حدوثه، لا بل تفعل ما هو أعمق من ذلك، فربما قد تحلل السيناريوهات المحتملة وأسبابها، وتعمل عليها، وتنشئ خطةً تتبعها في حال وقوع حدث غير متوقع؛ أي أنَّك تتخذ إجراءً ما.

عندما تختار وضع خطط لمنع حدوث المشكلات، فإنَّك تقلل احتمالية حدوثها، والتي قد تندم لاحقاً على تجاهلها إن لم تُجهِّز نفسك لذلك.

على سبيل المثال: في فِرَق المديرين التنفيذيين في مختلف الشركات، من الشائع وضع خطط طوارئ خاصة بالمواقف الحساسة، ووضع سيناريوهات بديلة مسبقاً تسمح لهم بمواصلة العمل على الرغم من حقيقة أنَّ مسارات الشركة قد انحرفَت أو لم تَعُد كما توقعوا، فهناك أشخاص دُرِّبوا على تصميم الإجراءات الوقائية ليس فقط من أجل شركاتهم؛ بل من أجل أسرهم أيضاً.

وفي إطار المسؤولية، من الهام للغاية أن تقوم بدور نشط وأن تتمكن من تبنِّي عادة المبادرة؛ أي التحرك نحو تحقيق أفضل نتيجة ممكنة متوقعاً الأحداث التي يمكِن أن تَحدث في النهاية، ويُعَدُّ هذا إجراءً قياسياً عند وضع معايير السلامة التي يتم الالتزام بها دون استثناء مثلاً في تخصصات مثل الهندسة والعلوم.

إليك بعض العبارات التي يستخدمها أولئك المسؤولون المبادرون: "أحتاج إلى التصرف على الفور"، "أنا أتولى مسؤولية الموقف"، "مَن الذي يساعدني في حل هذا الجزء من المشكلة كي نعالجه معاً؟"، "أنا أبحث عن أفضل البدائل"، "أعلم أنَّني أستطيع حل المشكلة إذا عملنا معاً".

شاهد بالفديو: 7 نصائح للقضاء على المماطلة

3. المسؤولية القائمة على الإبداع:

في هذه الحالة، تُحقِّق مسؤوليتك من خلال خيالك وإبداعك، وهما موهبتان يتمتع بهما البشر جميعهم، على الرغم من رفض الكثيرين لهذا بحجة أنَّهم ليسوا مبدعين".

إليك مثالاً لتوضيح الفكرة: أُصيبَ عميل في قطاع السياحة ذات مرة بالشلل التام نتيجة جائحة فيروس كورونا؛ فاتَّخذَ زمام المبادرة، ووظَّف إبداعه، ووجد طريقةً لتوفير الدخل من خلال تقديم سلسلة من الندوات الافتراضية حول تخصصه، والتي بدورها سمحَت له بالترويج لخدماته، حيث تمكَّن من جذب عملائه الحاليين بفضل المشاركين الذين انضموا إلى ندواته من بلدان مختلفة، كما أنَّه تعاقد مع شركة أوروبية لتقديم الندوات ذاتها لصالح منظمات أخرى.

بمعنىً آخر، إذا كنتَ تتصرف بمسؤولية إبداعية، فإنَّك تسعى دائماً إلى حل المشكلات والتغلب عليها، بدلاً من حلها وفهمها فقط، ومع ذلك، تستمر في العمل على المشكلة بطريقة بنَّاءة.

من الشائع في هذا النوع من الحالات أن تسمع المرء يقول: "أنا أبحث عن إجابة عن هذا السؤال"، "سأفكر في حل مبتكر"، "أنا شخص مبدع وأعرف كيفية المضي قدماً"، "أنا مسؤول عن المشكلة وسأحلها".

إليك 3 أفكار أخرى تتعلق بالمسؤولية:

1. لا يقاوم الناس التغيير؛ بل يقاومون أن يتغيروا:

هناك صورة فكاهية متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر أشخاصاً يقفون في صفين: صف طويل لا نهاية له يقف فيه الناس أمام لافتة تقول: "من يريد التغيير؟" وصفٌّ آخر مؤلف من شخصين أو ثلاثة يقفون أمام لافتة تقول: "مَن يريد أن يتغير؟"

يدل هذا على أنَّ التغيير يبدأ بالفرد، وأنَّه يولد من خيار داخلي لتحمُّل المسؤولية عن جميع الأحداث في حياتك.

2. استبدال السؤال بسؤال آخر:

ستساعدك هذه الاستراتيجية على عكس المواقف التي لا تعرف فيها ما إذا كان عليك أن تتحمل المسؤولية أم لا، فاسأل نفسك: ما الذي يمنعني من تحمُّل المسؤولية في هذا الموقف؟ هل هناك نمط داخلي أتمسك به يدفعني للتصرف على هذا النحو؟ وما الذي يمكِن أن يحدث إذا تحمَّلتُ المسؤولية؟ ماذا لو لم أتحمل المسؤولية، وما هي العواقب المحتملة؟

ما تريده هو توسيع مجال رؤيتك للمواقف التي تواجهك كي تختار تحمُّل المسؤولية، بدلاً من أداء دور الضحية والتقاعس عن العمل.

إقرأ أيضاً: المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات

3. استبدال الاحتجاجات بالمقترحات، واللوم بالمطالب:

أهم ما في المسؤولية هو اتخاذ التدابير في حياتك عن طريق تولِّي زمام الأمور، أمَّا في حال التهرب من المسؤولية، فأنت بطريقة ما تحتج على الأمر، أو تعلن خلافك الضمني أو المضمر عبر الامتناع عن العمل؛ لذا قدِّم بدلاً من ذلك الاقتراحات والحلول البديلة، واقترِح دائماً ثلاثة مسارات عمل على الأقل، حيث يمثِّل ذلك المسؤولية القائمة على المبادرة في أنقى صورها.

كما أنَّ التعبير عن اللوم شائع جداً في حالة تبنِّي المسؤولية القائمة على إظهار ردة فعل؛ ففي كل مرة تُلقِي فيها اللوم على شخص آخر، تبتعد عن مسؤوليتك، وتقع في فخ أداء دور الضحية، وهذا ما يفعله من يقول: "أنا ملتزم بهذه القضية، ولكن لا تطلبوا مني أن أشارك في تحقيقها"، ما هذا الفتور تجاه مسؤولياتك؟ كان من الأفضل لك أن ترفض تحمُّل أيَّة مسؤوليات من الأساس.

لذا؛ بدلاً من إلقاء اللوم إذا كنتَ لا توافق على شيء ما، استبدِله بمطالبة رسمية تَحملُ توقيعك وختمك، وشتَّان ما بين الحالتين، حيث يشير هذا الفعل إلى أنَّك تتحمل المسؤولية الكاملة، وأنَّك تُطبِّق بعض البدائل، لأنَّ الأمر لا يتعلق بالاحتجاج بلا سبب فحسب؛ بل بإيجاد الحلول.

كما يقول المحاضِر التحفيزي والكاتب لس براون (Les Brown): "تقبَّل المسؤولية عن حياتك؛ إذ يجب أن تعلم أنَّك أنت من سيوصلك إلى حيث تريد، ولا يوجد أحد غيرك ليساعدك".

 

المصدر




مقالات مرتبطة