كيف تكون على طبيعتك؟

إن أردت معرفة كيفية إعادة تهيئة نفسك لتعيش حياتك بقلق أقل، انظر إلى المواقف من جميع الجوانب، وأصغِ إلى صوت الناقد في داخل ذهنك، فقد يكون هذا الصوت منخفضاً أو قوياً، ولكنَّه موجود لدى البشر جميعهم، ويجب أن نتقبل طبيعتنا البشرية بمحاسنها ومساوئها.



ملاحظة: هذا المقال مقتبس عن كتاب "كيف تكون على سجيتك: أسكِت صوتك الداخلي الناقد وتجاوز القلق الاجتماعي" (How to Be Yourself: Quiet Your Inner Critic and Rise Above Social Anxiety)، لمؤلفته عالمة النفس السريري إيلين هندريكسن (Ellen Hendriksen)، والتي تحدِّثنا فيه عن عدم الاكتراث لما يظنه الآخرون بنا وتقبُّل حقيقتنا.

أنا لدي الصوت الداخلي الانتقادي أيضاً، وعلى الرغم من أنَّ قلقي الاجتماعي قد تراجع عما كان عليه من قبل، إلَّا أنَّه يظهر في بعض المواقف دون سابق إنذار.

سأخبركم بقصة حدثت معي منذ وقت قريب؛ حيث سجلت ابني البالغ من العمر أربع سنوات في روضة تعاونية، وفيها تقوم كل عائلة بعمل تعاوني، وكانت مهمة عائلتنا هي التسوق لشراء مستلزمات الطعام، لهذا السبب كنا نتناوب أنا وزوجي في الذهاب إلى محل البقالة كل بضعة أسابيع، ونشتري كميات كبيرة من المواد اللازمة لإطعام أطفال الروضة.

بالنسبة إلى الكثيرين، يمثل التسوق في متاجر البقالة مصدراً للقلق الاجتماعي؛ إذ يشعرون أنَّهم يعترضون طريق الآخرين، ويقلقون من رأي الناس بمشترياتهم أو يتحاشون التكلم مع المحاسب، وبالنسبة إلي، لا يسترعي التسوق من البقالة عادة لدي أي قلق؛ لذلك عندما تطوعت في لجنة الطعام لم أحسب حساباً لأيِّ شيء.

شاهد بالفديو: 9 خطوات تساعدك على السيطرة على القلق

ومع ذلك، في المرة الأولى التي ذهبت فيها إلى متجر البقالة حاملة بيدي قائمة التسوق التعاونية المكونة من خمس صفحات، أدركت أنَّني سأحتاج إلى عربتين لأضع بهما الأغراض، وهذا أمر منطقي بالنسبة إلى أسبوع من الوجبات الخفيفة التي تُقدَّم مرتين في اليوم لخمسين طفلاً؛ تجولت في العربة الأولى حول المتجر وملأتُها تماماً، ثم تركتها في خدمة العملاء بينما شرعت في ملء الثانية.

عندما نظرت إلى ما تبقى في القائمة، وأدركت أنَّ عربتي الجديدة لن تحتوي إلا على عشرة غالونات من الحليب وأربعين موزة وثلاثين تفاحة، انتابني القلق؛ فشرد ذهني عندما كنت أتجول بالعربة في قسم الألبان أفكر فيما قد يعتقده الآخرون، ظننت أنَّهم يحسبونني أتَّبع حمية غريبة أو يسخرون مني.

إقرأ أيضاً: 10 أسباب تدفعك للشعور بعدم الانتماء إلى أي مكان

وضعت عشرة غالونات حليب في العربة واحداً تلو الآخر، ثم دفعت عربتي المحملة بالأغراض الثقيلة إلى قسم المنتجات وملأتها أيضاً بأربعين موزة، وأنا التي لم يسبق لي في حياتي أن اشتريت شيئاً بهذه الكمية، بينما كنت مدركة أنَّني أوضب ثلاثين تفاحة، تخيلت الأشياء البغيضة التي قد يقولها الناس؛ لكن اقترب مني رجل قائلاً: "تفاح ظريف"، عندها أصابني الذهول، وهنا تجلت لي الحقيقة.

التقت أعيننا وإذ به يبتسم لي ابتسامة عريضة، فقد عرفته؛ وذلك لأنَّه كان صديقاً قديماً لي، إنَّني متأكدة من أنَّ الأمارات التي بدت على وجهي لم تكن لطيفة؛ وذلك لأنَّ ملامحه سرعان ما تغيرت وبدا منزعجاً، وقال مبرراً: "عذراً، لابد أنَّني أجفلتكِ"، أجبته بصدق: "لا، أنا المُلامة؛ فقد كنت شاردة الذهن"، تلا ذلك حديث مقتضب لطيف، لم يذكر فيه أبداً شيئاً عن محتويات العربة، وأعتقد أنَّه لم يلحظها البتة.

إن كنت دائماً ما تسرح في مخيلتك متصوراً أسوأ السيناريوهات وأحكام الناس القاسية، أو كنت أنت من تنتقد نفسك وتجلدها، فستعاني الأمرَّين، وبالنسبة إلي، منعني ذلك من التركيز على المكان الذي كنت فيه فعلاً - في قسم المنتجات في متجر بقالة مزدحم بعد ظهر يوم الأحد - وجرني إلى الحكم الذاتي غير الصحيح، لقد حجب عن عينيَّ الأشخاص الطيبين في متجر البقالة، فلم أرَ حينها الزوجين اللذين كانا يتناقشان في نوع القهوة التي سيشتريانها أو الآباء مع أولادهم أو العجائز الذين يتفحصون الفاكهة، لم أكن أعلم حينها أنَّ لا أحد كان يراقبني أو يكترث لما في عربتي.

شعرت بالحماسة بعد أن غادر صديقي بعربته، وقررت أن أنظر إلى الناس وألا أُطأطئ رأسي، ونظرت إلى كل شخص وأنا أدفع بعربتي الملأى إلى الخارج، فقد كان بعض الناس ينظرون إلى الملصقات، وبعضهم الآخر ينظرون إلى الطعام على الرفوف، ونظر بعضهم إليَّ مجدداً؛ لكنَّهم لم يقولوا شيئاً، وحتى ولو أرادوا أن يعلقوا، فما أسوأ شيء يمكن أن يقولوه؟ أنا لست غريبة الأطوار؛ وإنَّما أقوم بعملي التعاوني، الذي يصادف أنَّه يتضمن شراء كميات كبيرة من الحليب والموز، لم يكترث أحد بما في عربتي، وحتى ولو فعلوا، في إمكاني التعامل مع الموقف.

إقرأ أيضاً: تعرّف على قواعد اتيكيت التواجد في الأماكن العامة

في ذلك اليوم في متجر البقالة، حصلت على شيء أكبر من جميع مشترياتي؛ لقد حصلت على جرعة من التفاؤل تذكرني بما استغرقني سنوات لتعلُّمه وهو أنَّ قلقي ليس مبرَّراً، ونادراً ما يقول أحدهم لك: "يا إلهي، تبدو غير مرتاح" أو "أنت غريب الأطوار ويجب ألا تتواجد بيننا" أو "لا نحب طريقتك في الحديث؛ لذا لا نريد الإصغاء إليك" أو في حالتي "سيدتي، هل هناك مشكلة؟ لا بد أنَّك غريبة الأطوار لشرائك كمية كبيرة من الحليب"، وحتى لو فعل أحدهم ذلك، فإنَّ كل مَن يراقبنا سينظر شذراً إلى الشخص الذي يوجه إلينا كلاماً كهذا، وسيكون الشخص المنتقِد هو الجاني وليس أنت، وإذا قال لي أحدهم: "ألا تتناولين إلا الحليب والموز؟ لا بد أنَّ بك خطباً ما" سأتغاضى عن إساءة هذا البخيل وربما أقدِّم له شيئاً مما ابتعت.

المصدر




مقالات مرتبطة