كيف تكون حازماً، طلب ما تريد بصرامة وعدل

بدأ صبر نسرين ينفذ من زميلها أحمد، فقبل بضعة أيّام قلّل من شأنها والآن فعل ذلك مجدّداً، ولكن هذه المرة أمام الزملاء الآخرين خلال اجتماع الفريق الأسبوعي.، لذلك قرّرت أن تخبره كيف تشعر حيال ذلك. لكن عندما كانت على وشك الاقتراب منه فقدت أعصابها، ومرّةً أخرى أدلى أحمد بتعليقاتٍ مماثلةٍ أمس، وشعرت نسرين بالإذلال والإحباط مرّةً أخرى، بسبب عدم قدرته على رؤية تأثير تعليقاته عليها. لكنها لا تزال غير قادرةٍ على إجبار نفسها للتحدّث معه حول هذا الموضوع. هي تشعر بالغضب من نفسها، ولكنّها كانت مُذعِنةً للموقف.



من المُحتمل أنّك قد مررت بموقفٍ يشابه موقف نسرين، ورُبّما شعرت مثلها بعدم القدرة على فعل أيّ شيءٍ حيال ذلك. ولكن من خلال تعلّم كيف تكون حازماً أكثر، يمكنك أن تحمي نفسك، وتصبح شخصاً يتواصل بكلّ قوةٍ وثقة. في هذه المقالة، سنستعرض أهميّة الحزم في مكان العمل، ونستكشف بعض الاستراتيجيات التي يمكنك استخدامها لتصبح أكثر حزماً.

ما هو الحزم؟

ليس من السهل دائماً تحديد السلوك الحازم حقّاً، لأنّ هناك خطٌّ رفيعٌ بين الحزم والعدوانيّة، ويمكن للناس في كثيرٍ من الأحيان الخلط بين الاثنين. لهذا السبب، من المفيد تحديد السلوكين (الحزم والعدوانيّة) بحيث يمكننا فصلهما بوضوح:

  • الحزم يعتمد على التوازن: يتطلّب الحزم أن تكون مُباشراً حول رغباتك واحتياجاتك، مع الأخذ في الاعتبار احتياجات ورغبات وحقوق الآخرين. فأنت واثقٌ من نفسك عندما تكون حازماً وبالتالي تستمدُّ القوة من ذلك لإيصال وجهة نظرك بحزمٍ وعدل وتعاطف.
  • السلوك العدواني يقوم على الفوز: أنت تفعل ما هو الأفضل لمصلحتك دون اعتبارٍ لحقوق أو احتياجات أو مشاعر أو رغبات الآخرين. وتستمدُّ القوة عندما تكون عدوانيّاً من الأنانيّة. فيمكن أن تتصرّف بغطرسةٍ أو حتى بتنمّر. فأنت تأخذ ما تريد دون أن تسأل غالباً.

فمديرٌ يضع لك عملاً على مكتبك بعد ظهر يومٍ، قبل ذهابك في عطلة، ويطالبك بأنّ يتمَّ إنجازه على الفور، يكون عدوانيّاً. على الرغم من وجوب إنجاز العمل، ولكن بإلقائه عليك في وقتٍ غير مناسب، فهو أو هي يتجاهل احتياجاتك ومشاعرك. عندما تقوم من ناحية أخرى، بإبلاغ رئيسك أنّ العمل سيُنجز ولكن فقط بعد عودتك من العطلة، فتكون وصلت إلى الحدود بين السلبيّة (أي أن لا تكون حازماً بما فيه الكفاية) والعدوانيّة (أن تكون مُعادياً، وغاضباً أو غير مهذّب). أنت بذلك تؤكّد على حقوقك الخاصة مع المعرفة بحاجة رئيسك لإنجاز العمل.

إقرأ أيضاً: التنمّر في العمل: أسبابه، أعراضه، وطرق مواجهته

فوائد أن تكون حازماً:

إحدى الفوائد الرئيسية للحزم، هي مساعدتك على أن تصبح أكثر ثقةً بنفسك، كما تكتسب فهماً أفضل لذاتك وللقيمة التي تقدّمها. يوفّر الحزم العديد من الفوائد الأخرى التي يمكن أن تساعدك في مكان العمل وفي مجالاتٍ أخرى من حياتك. بشكلٍ عام، إنّ الناس الحازمين:

  • يصلحون كمدراء رائعين: فهم يَنجزون الأشياء عن طريق معاملة الناس بنزاهةٍ واحترام، ويتعامل الآخرين معهم بنفس الطريقة في المقابل. هذا يعنى أنّهم غالباً ما يكونون محبوبين، كما يُنظر إليهم كقادة يرغب الناس في العمل معهم.
  • يفاوضون على الحلول الناجحة "المُربحة للجانبين": فهم قادرون على التعرّف على قيمة موقع خصمهم ويستطيعون أن يجدوا أرضيّةً مشتركةً معه بسرعة.
  • يؤدّون بشكلٍ أفضل ويحلون المشاكل بشكلٍ أفضل: فهم يشعرون بالقوّة لفعل أيّ شيءٍ يتطلّبه الأمر لإيجاد أفضل حلٍّ للمشاكل التي يواجهونها.
  • أقلّ قلقاً وتوتراً: هم واثقون بأنفسهم ولا يشعرون بأنّهم مهُدّدون أو ضحايا عندما لا تسير الأمور كما هو مخطّطٌ لها أو كما هو مُتوقّع.

كيف تصبح أكثر حزماً؟

ليس من السهل أن تصبح أكثر حزماً، لكنّ ذلك أمرٌ ممكن. إذا كان لديك ميلٌ للتصرّف بسلبيةٍ أو عدوانية، فالعمل على المجالات التالية لمساعدتك في تحقيق التوازن الصحيح، يُعدُّ فكرة جيدة:

1. قدّر نفسك وحقوقك لتكون أكثر حزماً:

تحتاج أن تكتسب فهماً جيّداً لنفسك، فضلاً عن إيمانٍ قويٍّ في قيمتك الكامنة وقيمتك لمنظمتك وفريقك.

هذا الإيمان بالذات هو أساس الثقة بالنفس والسلوك الحازم. فهو سوف يساعدك على إدراك أنّك تستحقُّ أن تُعامَلَ بكرامةٍ واحترام، ويعطيك الثقة في التمسّك بحقوقك وحمايتها، وفي أن تبقى وفيّاً لنفسك واحتياجاتك ورغباتك.

إقرأ أيضاً: 4 طرق لإعلاء قيمة ذاتك عبر تقدير قيمة وقتك

2. التعبير عن احتياجاتك ورغباتك بثقة:

إذا كنت ستقوم بأداء إمكاناتك الكاملة فأنت بحاجةٍ إلى التأكّد من تلبية أولوياتك (احتياجاتك ورغباتك)، لا تنتظر حتى يدرك شخصٌ آخر ما تحتاجه. فمن الممكن أن تنتظر إلى الأبد! خُذ المبادرة وابدأ في تحديد الأشياء التي تريدها الآن. ثم حدّد الأهداف بحيث يمكنك تحقيقها. بمجرّد القيام بذلك، يمكنك إخبار رئيسك أو زميلك ما تحتاج منهم بالضبط، لمساعدتك في تحقيق هذه الأهداف بشكلٍ واضحٍ وواثق. ولا تنسى التمسّك بهذه الاحتياجات والرغبات. حتّى لو كان ما تريد غير ممكنٍ الآن، يمكنك أن تسأل بتهذيبٍ ما إذا كان من الممكن إعادة النظر في طلبك خلال ستة أشهر مرةً أخرى.

ابحث عن طرقٍ لتقديم طلباتٍ لا تحتاج فيها للتضحية باحتياجات الآخرين. تذكّر، أنت تريد من الناس مساعدتك، وطلب الأشياء بطريقةٍ عدوانيّةٍ مفرطةٍ أو طريقةٍ انتهازيّةٍ من المرجّح أن يؤجّل قيامهم بذلك وربما تضرّ بعلاقتك.

3. أَقِرَّ بأنّه لا يمكنك التحكّم في تصرفات الآخرين:

لا تقع في خطأ قبول المسؤولية عن كيفية ردّ فعل الناس على حزمك، على سبيل المثال، إذا تصرّفوا بغضبٍ أو استياءٍ نحوك، حاول تجنّب الرد عليهم بالطريقة نفسها.

تذكّر أنّه يمكنك التحكّم في نفسك وسلوكك فقط، لذلك افعل أفضل ما لديك لتبقى هادئاً إذا توتّرت الأمور، فطالما أنت محترمٌ ولا تنتهك احتياجات شخصٍ آخر، فأنت لديك الحقُّ في أن تقول أو تفعلَ ما تريد.

4. عبّر عن نفسك بطريقة إيجابيّة:

من المهمّ أن تقول ما يدور في ذهنك، حتى عندما يكون لديك قضيةٌ سلبيّةٌ أو صعبةُ التعامل معها. ولكن يجب أن تفعل ذلك بشكلٍ بنّاءٍ وحسّاس.

لا تخف من الدفاع عن نفسك ومواجهة الأشخاص الذين يتحدّونك أنت أو حقوقك. يمكنك السماح لنفسك أن تغضب! لكن تذكّر أن تتحكّم في عواطفك وأن تبقى مُحترماً في جميع الأوقات.

إقرأ أيضاً: 7 طرق لتبنّي التفكير الإيجابي كمنهج حياة

5. كن مُنفتحاً على النقد والمجاملات:

تقبّل كلّاً من ردود الفعل الإيجابيّة والسلبيّة بلطفٍ وتواضعٍ وإيجابيّة، إذا كنت لا توافق على النقد الذي تتلقّاه، فأنت بحاجةٍ إلى الاستعداد لتقول ذلك، ولكن دون أن تغضب أو أن تصبح دفاعياً. عليك ملاحظة ما وراء ردود أفعالك العاطفية للتغذية الراجعة، وبدلاً من القيام بردود الفعل هذه استخدمها لتحقيق تغييرٍ إيجابيٍّ كبير.

6. تعلّم أن تقول" لا":

إن قول "لا" هو أمرٌ صعب، خاصةً عندما لا تكون معتاداً على القيام بذلك، ولكنه أمرٌ حيويٌّ إذا كنت تريد أن تصبح أكثر حزماً.

فمعرفة حدودك الخاصة ومقدار العمل الذي تستطيع القيام به سوف يساعدك بإدارة المهام الخاصة بك على نحوٍ أكثر فعاليّة، وفي تحديد أيّ مجالات العمل يجعلك تشعر أنّه يتم استغلالك به.

تذكّر أنّه لا يمكنك القيام بكلّ شيءٍ أو إرضاء الجميع، لذلك من المهمّ أن تحمي وقتك وعبء عملك الثقيل بقول "لا" عند الضرورة. وعندما تضطرُّ إلى قول "لا"، حاول إيجاد حلّ مُربِحٍ للجانبين ويصلح للجميع.

إقرأ أيضاً: كيف تقول لا بلباقة؟

7. استخدام تقنيات التواصل بحزم:

هناك عددٌ من التقنيات البسيطة والفعّالة التي يمكنك استخدامها لتصبح أكثر حزماً. وهي:

7. 1. استخدام حالة "أنا":

استخدم "أنا أريد" أو "أنا أحتاج" أو "أنا أشعر" لنقل التأكيدات الأساسيّة وإيصال وجهة نظرك بحزم. على سبيل المثال: "أشعر أنّنا بحاجةٍ إلى جلب طرفٍ ثالثٍ للتوسّط في هذا الخلاف".

7. 2. التعاطف:

حاول دائماً التعرّف على آراء الشخص الآخر وفهم موقفه، ثم بعد أخذ وجهة نظره في الاعتبار، عبّر عن ما تحتاج منه. على سبيل المثال: "أنا أفهم أنّك تواجه مشكلةً في العمل مع نسرين، لكنّ هذا المشروع يجب أن يُنجز بحلول يوم الجمعة. دعنا نجلس ونخرج بخطّةٍ معاً".

7. 3. التصعيد:

إذا كانت محاولاتك الأولى لتأكيد نفسك قد باءت بالفشل، فعندئذٍ قد تحتاج إلى تصعيد الأمر أكثر. وهذا يعني أن تصبح أكثر تشدّداً (مع البقاء مُهذّباً ومُحترماً) مع الشخص الذي تطلب المساعدة منه، وقد تنتهي بإخباره بما ستفعله بعد ذلك إذا كنت غير راضٍ. على سبيل المثال: "أحمد، إنّ هذه هي المرة الثالثة هذا الأسبوع التي أحدّثك بها عن الوصول في وقتٍ متأخرٍ. إذا تأخّرت مرّة أخرى هذا الشهر، فسوف أقوم باتخاذ الإجراءات التأديبية حسب سياسة الشركة لدينا".

تذكّر أنّه رغم ذلك وبغض النظر عن عواقب التواصل مع الشخص المعني، فقد لا تحصل على ما تريد في النهاية. إذا كان هذا هو الحال، فقد تحتاج إلى اتّخاذ المزيد من الإجراءات من خلال الإعداد لاجتماعٍ رسميٍّ للحديث عن المشكلة، أو تصعيد قلقك وايصاله إلى قسم الموارد البشرية (HR) أو رئيسك في العمل.

7. 4. اطلب المزيد من الوقت:

في بعض الأحيان، من الأفضل عدم قول أيّ شيء. فقد تكون عاطفيّاً جدّاً أو أنّك قد لا تعرف ما الذي تريده بعد. إذا كان هذا هو الحال، فكن صريحاً وأخبر الشخص أنّك بحاجةٍ لبضع دقائق لتهيئة أفكارك. على سبيل المثال، قد تقول "بلال، لقد تفاجأت بطلبك. سأعود إليك خلال نصف ساعة".

7. 5. تغيير أفعال اللغة الخاصة بك:

حاول استخدام الأفعال الأكثر تحديداً وتأكيداً عند التواصل، هذا سيساعدك على إرسال رسالةٍ واضحةٍ، وتجنّب تجميل رسالتك لدرجةٍ تجعل الناس في حيرةٍ من أمرهم بما تريده منهم. للقيام بذلك، استخدم أفعالاً مثل "سوف أقوم" بدلاً من "أستطيع" أو "يتعيّن عليّ"، و"أريد" بدلاً من "أحتاج"، أو "أختارُ" بدلاً من "يجبُ". على سبيل المثال:

  • "سأذهب في إجازةٍ الأسبوع المقبل، لذلك سأحتاج إلى شخص ما أن يغطّي عبء العمل مكاني".
  • "أريد أن أستمرّ في هذه الدورة التدريبية لأنّني أعتقد أنّها ستساعدني في التقدّم في دوري ومسيرتي".
  • "اخترت هذا الخيار لأنّني أعتقد أنّه سيكون أكثر نجاحاً من الخيارات الأخرى المعروضة".

7. 6. كرّر رسالتك نفسها:

قم بإعداد الرسالة التي تريد نقلها في وقتٍ مبكّرٍ، على سبيل المثال إذا كان لا يمكنك القيام بأيّ عملٍ إضافيّ، فكن مُباشراً وقل، "لا يمكنني تولّي أيّ مشاريع أخرى الآن". إذا كان الناس ما زالوا لا يتلقّون الرسالة، استمر في إعادة صياغة رسالتك باستخدام نفس اللغة، ولا تلين. في النهاية سوف يدركون غالباً أنّك تقصد حقّاً ما تقوله، فمثلاً:

  • "أودّ منك العمل على مشروع بناء المدرسة".
    "لا يمكنني تولّي أيّ مشاريع أخرى الآن".
  • "سأدفع لك أكثر مقابل ذلك".
    "لا يمكنني تولّي أيّ مشاريع أخرى الآن".
  • "هذا مشروعٌ مهمٌّ حقّاً. يصرّ مديري على أن يتمّ إنجازه".
    "لا يمكنني تولّي أيّ مشاريع أخرى الآن".
  • "هل تقبل ذلك لأجلي كمعروفٍ شخصي؟".
    "أنا آسف، أنا أقدّر علاقتنا ولكنني ببساطة لا أستطيع تولّي أيّ مشاريع أخرى الآن".
إقرأ أيضاً: كيف تتقن مهارات التَّواصل الفعال في منزلك وعملك

7. 7. التوثيق:

غالباً ما يكون من الصعب معرفة كيف تعبّر عن مشاعرك بشكلٍ واضحٍ وواثقٍ لشخص ما عندما تحتاج إلى تأكيد نفسك. إن التوثيق هو تقنيةٌ يمكن أن تساعد في هذه الحالة. فهي تسمح لك بإعداد ما تريد قوله مُقدّماً، وذلك باستخدام أربع نُهُجٍ محوريّة تصف:

  1. الحدث: أخبر الشخص الآخر تماماً كيف ترى الموقف أو المشكلة. مثال: "نسرين، إن تكاليف الإنتاج هذا الشهر أعلى بنسبة 23% من المتوسط. أنتِ لم تعطِني أيّ إشارةٍ حول ذلك، مما يعني أنّني فوجئت تماماً من الأخبار".
  2. مشاعرك: صف شعورك حيال الموقف وعبّر عن عواطفك بوضوح. مثال: "هذا يُحبطُني ويجعلني أشعر أنّك لا تفهمين أو تقدّرين ما مدى أهمية الضوابط المالية في الشركة".
  3. احتياجاتك: أخبر الشخص الآخر تماماً بما تحتاج منه حتّى لا تتركه يُخمّن. مثال: "أريدكِ أن تكوني صادقةً معي، وتُعلميني عندما نتخطّى الميزانية في أيّ شيء".
  4. العواقب: صف الأثر الإيجابيّ الذي سيُحدثه طلبك على شخصٍ آخر أو الشركة إذا تمّت تلبية احتياجاتك بنجاح. مثال: "إذا قمتِ بذلك سنكون في موقعٍ جيّدٍ لتحقيق أهدافنا وربما نحصل على علاوةٍ أفضل في نهاية السنة".

 

المصدر: موقع "مايند تولز".




مقالات مرتبطة