كيف تقوم بتغيير عاداتك؟

يقول الشاعر اليوناني "أرخيلوخوس" (Archilochus): "نحن لا نرتقي إلى مستوى توقعاتنا؛ بل نتراجع إلى مستوى تدريبنا"، ولأخذ المسألة من منظور آخر فأنت لا ترتقي إلى مستوى أهدافك؛ بل تتراجع إلى مستوى عاداتك.



تعرَّف إلى عاداتك:

عندما تكون قلقاً أو متعباً أو تتعرض لضغوطات، فمن المرجح أن تلجأ إلى أنماط التفكير والسلوك الاعتيادية؛ لكنَّها عادات لن تخدم هدفك أو تساعدك على بناء الحياة التي ترغب فيها.

يُفضِّل عقلك العادات؛ فهكذا لا يجب عليه بذل الجهد، فحتَّى العادات السلبية مريحةٌ أكثر من العادات الجديدة؛ لذا ما إن تبدأ بتمييز هذه الأنماط، يمكنك اتخاذ خيارات بملء إرادتك متعلقة بالعادات التي ترغب في الاستمرار بها وتبنيها، وهذا ما يقوم عليه كتاب "سلطة العقل على اللحظة" (Mind Over Moment) للكاتبة "آن غريدي" (Anne Grady).

العادة أمرٌ كان يتطلَّب منك جهداً واعياً في يومٍ من الأيام؛ لكنَّه أصبح تلقائياً الآن، ويتَّضح أنَّ جزءاً كبيراً ممَّا تفعله كل يوم - أي ما يزيد على نسبة 45% - ما هو إلا عادة، فيعتمد دماغك هذه الطرائق المعرفية المختصرة لتوفير الطاقة، فإذا سبق وقُدتَ السيارة إلى المنزل بلا وعي؛ لأنَّك كنت مُستغرِقاً في التفكير فأنت فعلت ذلك بحكم العادة.

أنت تعيش نحو نصف حياتك دون تفكير واعٍ بتصرفاتك، وإذا لم تتوخَّ الحذر، قد تصبح عبداً لعاداتك، وتصبح هذه العادات وسيلةً لتعيش حياتك على نحوٍ غير واعٍ بدلاً من اختيار ما تريد عمداً وإيجاد سبيلٍ للوصول إليه.

يمكن أن تكون العادات مفيدةً للغاية؛ ففي النهاية إذا كان عليك التفكير ملياً في ارتداء الحذاء أو الأكل أو الاستحمام أو ارتداء الملابس ستشعر بالإرهاق بحلول الساعة التاسعة صباحاً؛ إذ تسمح لك عاداتك بالحفاظ على طاقتك الذهنية.

على سبيل المثال: هل سبق أن ذهبت إلى متجر البقالة بعد أن أعادوا ترتيب الرفوف، وتساءلت أين وضعوا زبدة الفول السوداني مثلاً؟ فالبحث عن الأصناف التي كنت تعلم مكانها أمر مرهق للغاية بعد أن يتغير مكانها.

حتَّى دون أن تدرك ذلك عندما تخطط لذهابك إلى المتجر، فإنَّك تتخيل ما تحتاجه من كل جناح؛ لأنَّك تعرف مكان الأشياء بالضبط؛ فيمتلك دماغك خريطةً، وهي في الواقع شبكة عصبية تنطبع بصورة أعمق كلَّما فكَّرت في الأمر نفسه أو فعلته، وهذا يُسهِّل عليك التفكير أو القيام بأمور فكَّرتَ بها وفعلتها باستمرار.

لكن لسوء الحظ، إنَّ عقلك لا يُميِّز العادة الجيدة من العادة السيئة، ولا يُدرك الاختلاف بين شعورك بالتوتر والقلق والخوف أو التفاؤل والحماسة والامتنان، كما لا يُميِّز العودة من العمل من الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية؛ يأخذ دماغك أي أمرٍ تفكر فيه أو تقوله أو تفعله بتكرار ويُحوِّله إلى عادة.

شاهد بالفيديو: كيف يمكن تكوين وترسيخ عادات جديدة في حياتك؟

مارس عاداتك ممارسةً مدروسة:

خذ ثانيةً من وقتك لتُجرب ما يأتي:

  • اشبك ذراعيك كأنَّك تشعر بالبرد أو الغضب.
  • اشبكها الآن بالاتجاه المعاكس.

أية طريقة جعلتك تشعر بالغرابة أكثر؟ عندما شبكت ذراعيك في المرة الأولى، تلقَّيت الإشارة من الجهاز الحوفي، فهي عادةٌ لأنَّك فعلتها كثيراً دون تفكير، أمَّا في المرة الثانية التي شبكت فيها ذراعيك في الاتجاه المعاكس جاءت الإشارة من قشرة الفص الجبهي؛ لذا ربَّما بدا الأمر غريباً بعض الشيء وغير مريح، وكان عليك التفكير فيه، وإذا تدربت على عقد ذراعيك بهذا الاتجاه بانتظام ستتحول هذه أيضاً إلى عادة في النهاية.

يتطلب بناء المرونة أن تُمارس عاداتك ممارسةً مدروسة؛ ممَّا يعني أنَّه يجب عليك تحدِّي أفكارك وسلوكاتك الآلية، وهذا عمل شاق، فعندما يتعلق الأمر بحياتك شخصياً ومهنياً عليك التفكير بالعادات التي تدعم نجاحك والتي تعوقه.

لا يوجد جدول زمني لتغيير العادات؛ فقد ترسخت بعمق في مساراتك العصبية، ويتطلب الأمر تغييراً متكرراً ومنتظماً لبناء مسارات عصبية جديدة، كما أنَّ مجرد قيامك بتطوير مسار عصبي جديد لا يعني محو القديم؛ لذلك من السهل العودة إلى العادات القديمة.

فكر بعقلك كأنَّه حقل مليء بالعشب؛ فيمكنك المشي عبر الحقل، لكنَّ العشب سيظهر من جديد، وقد تُضطَر إلى السير في المكان نفسه مئة مرة قبل أن يستقيم المسار، ومجرَّد قيامك بفتح مسارات جديدة لا يعني أنَّ القديمة مهترئة وغير مريحة؛ فقد تكون المسارات القديمة الوعرة التي تعرفها أكثر راحةً من تلك المنبسطة التي تجهلها؛ لذا عليك أن تكون مستعداً للتأقلم في الظروف غير المريحة لتُغيِّر أنماط عاداتك.

إقرأ أيضاً: غيّر حياتك نحو الأفضل باتباع 6 عادات يومية

تغيير العادات العقلية:

إذا تركت عقلك يسرح على هواه فمن المحتمل أن تُطيل التفكير في السلبيات؛ فستنتقد نفسك، وتُشكك في قراراتك، وتندم على الأمور التي قلتها أو لم تقلها، وتلك التي كان باستطاعتك فعلها ولم تفعلها.

يمكنك قضاء اليوم كله في الندم إذا لم تكن حذراً، وقد يُصبح الأمر عادةً وعليك العمل على تغييرها، فالتدرُّب على إعلاء سلطة العقل يعني أن تضبط نفسك عند وقوع أي أمر، وتتخذ قراراً واعياً لما يجب فعله.

لسوء الحظ، لا يمكنك التخلص من عادة ما، لكن يمكنك استبدال الأفكار العقيمة بأُخرى أكثر إنتاجية، وليس المقصود هنا أفكاراً إيجابيةً بالمطلق؛ فعقلك لا يستطيع الانتقال بسرعة من الندم على أمر قلته إلى الشعور بسعادةٍ عارمةٍ لقولك ذلك، لكن بإمكانه الانتقال من فكرةٍ سلبيةٍ إلى أخرى واقعية؛ كأن تنتقل من حالة الندم تلك إلى تقبُّل ما حصل وتجاوز الأمر.

الأمر ليس سهلاً ويتطلب كثيراً من قوة الإرادة، لكن إيَّاك أن تحاول تغيير أكثر من عادة في الوقت نفسه؛ فهذه طريقة محتمة للفشل؛ فكِّر في قرارات السنة الجديدة، فقد قطعت عهداً على نفسك بأنَّ هذا العام سيكون مختلفاً؛ حيث ستتناول طعاماً صحياً، وتمارس التمارين الرياضية، وتقلل من المشروبات غير الصحية،.

لكن بحلول منتصف شهر كانون الثاني سيكون في إحدى يديك مشروباً غازياً، وفي الأخرى شطيرة لحم بالجبن، وستذهب إلى صالة الألعاب الرياضية؛ لكنَّك لن تُكرر ذلك؛ لأنَّك شعرت بالتعب، وستعود إلى سلوكك القديم.

شاهد بالفيديو: كيف تصنع التغيير في حياتك من خلال تغيير عاداتك؟

الجمع بين العادات لتبنِّي سلوك جديد:

يُقدم المؤلف "إس جي سكوت" (S.J. Scott) في كتابه "تراكم العادة" (Habit Stacking) مفهوم الجمع بين العادات لمساعدتك على تبنِّي سلوك جديد؛ ونظراً لصعوبة تنمية العادات الجديدة، فإنَّه يقترح "تكديس" عادة جديدة على أخرى موجودة.

على سبيل المثال، أنت تُنظف أسنانك مرتين في اليوم، وإذا كنت تحاول اكتساب عادة ممارسة الامتنان، فاختر وقتاً لفعل ذلك إمَّا قبل تنظيف أسنانك أو بعده مباشرة، ثمَّ فكِّر في ثلاثة أمور محددة تشعر بالامتنان لها؛ كأن تكون ممتناً لأنَّ:

  • عائلتك وأصدقائك بصحة جيدة.
  • لديك ما يكفي من الطعام والماء، وتمتلك بيتاً جميلاً.
  • الطقس لطيف ويمكنك الخروج في نزهة هذا الصباح.

إنَّ إضافة عادة جديدة إلى أخرى موجودة يجعل من السهل الالتزام بها.

إقرأ أيضاً: 7 خطوات لتغيير عاداتك السيئة

في الختام:

يَحدث تغيير السلوك بإحدى الطرائق الثلاث: إمَّا نادراً أو ببطء أو لا يحدث نهائيَّاً، وإنَّ ما يُغيِّر العادة ليست التغييرات الكبيرة التي تقوم بها دفعة واحدة؛ بل الأمور البسيطة التي تقوم بها على نحوٍ متكرر هي التي تُنشِئ سلوكاتٍ وأنماط تفكير جديدة مع مرور الوقت.

المصدر




مقالات مرتبطة