كيف تعمل عن بعد في منزلك؟

ليس بالضّرورة أن تبدأ عملك في مكتبٍ ترى فيه زملاء المهنة من حولك؛ على مكاتبهم، حواسيبهم أمامهم، ويتحدثون في الهاتف لثوانٍ لأداء مهامٍ جديدةٍ تُوكَل إليهم، ثم يعودون لعملهم؛ يُديرهم موّظفٌ مسؤولٌ عنهم، وعن سير الأعمال بالدقّة المطلوبة. فقد ظهرت في العصر الحديث، مهنٌ يستطيع الإنسان ممارستها، وهو في منزله يستند إلى أريكته الوثيرة، ويرتدي لباس المنزل، ويحيط به ابنه الصغير، وقد يصل الأمر به إلى تناول قطع الكعك في أثناء أداء مهامه الوظيفية عن بعد قد يتعدى مئات الكيلومترات. وفي سباق العالم نحو هذا النّوع المريح من الوظائف، يبدو الأمر بمثابة حلم، لكن يمكن لهذا الحلم أن يتّحقّق بطرائق عديدة؛ طالما أنّك تعرف ما تقوم به.



ففي الوقت الذي يجلس فيه المهنيون في مكاتبهم طوال اليوم، فإنّ العمل من المنزل يبدو وكأنّه حلم؛ إذ يمكنك التّخلص من السفر المتعب في رحلات العمل، وكسب ساعةٍ إضافيّةٍ أو أكثر من النوم. كما وأنّه ليس عليك أن تحزم معك وجبة الغداء حين يطول وقت العمل، ويمكنك أن تصنع قهوّتك كما تريد، والاسترخاء على الفراش الوثير طوال اليوم، وإحضار الأطفال من المدرسة. يمكنك حتّى البقاء بملابس النّوم (ما لم يكن لديك مكالمة فيديو عليك إجراؤها).

ولكنّ العمل من المنزل ليس سهلاً كما يبدو. إنّه يتطلّب منك القوّة والرّغبة في الوظيفة، والالتزام بقوانين العمل والإرشادات والتوجيهات التي تُملَى عليك (على الأقل في البداية).

إذا قبلت أوّل وظيفةٍ عن بعد، فمن المهمّ أن أقدّم إليك تهانيَّ الصّادقة؛ لأنَّ هذا يتطلّب منك أن تُحسِن السّيطرة على أمورٍ كثيرةٍ في حياتك اليوميّة، كالاستيقاظ في الوقت المناسب؛ فأنت المسؤول عن كلّ دقيقةٍ الآن، وإن كان الموظفون (أصحاب المهن المكتبيّة) يلتزمون بأوقات عملهم حسب قانون الحضور والانصراف الصارم، فأنت في الوظيفة عن بعد صاحب القرار الحقيقيّ الذي يدفعك بقوةٍ إلى أن تنهض من على سرير الراحة إلى العمل الجّاد، وهذا ما يسمّى بالرّغبة أو العزم (القصد).

لهذا السبب من المهمّ استخدام هذه النصائح العشر لتتقن العمل عن بعد، ولتُعِدَّ نفسك للنجاح بدءاً من الأسابيع الأولى من الوظيفة:

1. تفهّم فكرة أنك ستجلس طويلاً في أثناء العمل:

إن كان أصحاب المهن المكتبية يجلسون كثيراً في وظائفهم، فإنّك ستجلس أكثر عندما تعمل عن بعد. ولقد لاحظ هذه التغييرات "كاليب ساندرز"؛ مدير أول في (Talent Inc)، وخبير خدمات مهنية في جامعة واشنطن الغربية؛ وذلك عندما بدأ العمل عن بُعد منذ أكثر من أربع سنوات.

يقول: "غالباً ما أقضي وقتاً على جهاز الكمبيوتر الخاص بي أكثر مما أمضيه في المكتب".

إقرأ أيضاً: 7 نصائح مهمة للجلوس عند استخدام الكمبيوتر

2. غيِّر جلستك، وتحرّك كلّ ساعة:

قد تواجه مشكلةً صحيّةً بسبب طول مدّة جلوسك أمام الحاسوب، ومهما كان الأمر مستعجلاً أو مملاً أحياناً، فلا تحوّل سريرك أو الأريكة إلى مكتبٍ أبداً، بل هيئ لنفسك مكتباً مريحاً بجلسةٍ صحيّةٍ تضمن استقامة ظهرك بدءاً بالرقبة، ومروراً بالكتفين والظهر؛ لئلا تتعرّض إلى مشكلاتٍ صحيّةٍ خطيرةٍ يعاني منها أكثر مستخدمي الحاسوب؛ فهم ينشغلون في زحمة العمل عن الحركة التي تنّشط الدورة الدموية، وينسون أنّه من المهمّ تحريك أجسادهم وأرجلهم؛ وذلك تفادياً لآلام الظهر والرقبة. عليك أن تكون ذكيّاً إزاء هذه المشكلة، فمثلاً: ذكّر نفسك بضرورة الوقوف أو التّمدد كلّ ساعة، واستفد من المؤقت في هاتفك من خلال برمجته على أن يرسل إليك تنبيهاً بشكلٍ منتظم؛ ليُعلِمك بضرورة أخذ استراحةٍ قصيرة.

3. أتقِن طريقة العمل المعتمدة في الشركة:

بمجرد التّعرف على طبيعة العمل الخاصة بك سيكون الوقت مناسباً لإتقان تكنولوجيا وأدوات شركتك. هذا مهمٌّ خصوصاً عند العمل من المنزل؛ لأنّه لم يعد بإمكانك الاستفادة من زميلك في العمل لطرح الأسئلة، فأنت من سيتوّلى الإجابة عن كلّ الأسئلة التي ستتبادر إلى ذهنك وتقف أمام خطوات عملك.

خُذ وقتك في تصّفح وثائق تدريب الشركة والمواد الدّاخلية. وتعمّق في كلّ أداةٍ جديدة، خاصةً تلك التي تدور حول سير العمل والتواصل. يمكنك حتّى البحث عن برامج تعليميّةٍ إضافيّةٍ عبر الإنترنت.

4. ضَع جدولاً زمنياً صارماً لنفسك (على الأقل في البداية):

يتطلّبُ العمل عن بُعد مزيداً من المرونة، ممّا قد يكون خطيراً بغضّ النظر عن قوانين عملك. لهذا السبب من المهمّ أن تضع هيكلاً صارماً ليومك، خاصةً عند البدء لأوّل مرّة. "كُن صارماً مع نفسك"، فالتأخير مرفوضٌ تماماً، والكسل أو الخمول عن العمل قد يُخسِرك مصداقيّة القصد والعزم المرافقين لبداية كلّ عملٍ عن بعد.

يجب أن يتركّز الجزء الأول من جدولك على العادات خارج مسؤوليات عملك (أي في المنزل)، مثلاً: استيقظ وارتدِ ملابسَك شبه الرّسمية، وتناول طعام الإفطار، حضِّر كوباً من القهوة، واستقرّ في مكان عملك؛ وحدّد موعداً في وقت الغداء للابتعاد عن مكتبك وتناولِ وجبةٍ شهيّة. واذهب في جولةٍ سريعةٍ إذا كان لديك الوقت. 

والآن، يجب أن يتركّز الجزء الثاني من هذا الجدول اليوميّ على عملك والوظائف المطلوبة منك، مثلاً: ضع خطّة عمل، ونظم قوائم بأهدافك ورتبها حسب أولويّة تقديمها لربّ العمل، والتزم بالمواعيد النهائيّة.

يقول "كليب ساندرز": "أقوم ببناء يومي وفقاً للمهام التي أريد إنجازها. أريد أن أجعل الموّظفين ينجزون في يومي المعتاد من ثماني إلى تسع ساعات". ويوضح ساندرز: "إذا سمحت لنفسي بالإفراط في التكاسل والركود، فسوف أفقد ساعاتي الأكثر إنتاجيّةً في اليوم، مما يعني أنّني سوف أكون متأخراً في العمل عندما أكون مرهقاً أو حينما أحتاج إلى قليلٍ من الراحة".

إقرأ أيضاً: جدولة الأعمال بفاعلية: خطّط لأفضل استثمار لوقتك

5. كوِّن اتصالاتٍ مع زملائك في العمل، حتّى وإن جرى ذلك عن بعد:

يؤدي العمل من المنزل إلى زيادة الإنتاجيّة بالنسبة إلى بعض الأشخاص؛ فعندما تعمل من المنزل، فإنّك تتجنّب المداخلات في المكتب والاجتماعات المطوّلة مع زملاء العمل، فتشعر بالعزلة، فتنجز أكثر؛ ولكن لا بأس أبداً في التواصل مع زملائك في الفريق عن طريق استخدام برنامج اتصال، مثل: "سلاك Slack" أو "مايكروسوفت تيمز Microsoft Teams" أو "جوجل هانغ آوتس Google Hangouts". سيساعدك ذلك في فهم المطلوب أكثر عبر تحسين التواصل والتفاعل مع زملاء المهنة.

تستخدم بعض الفرق برامج الاتصال بشكلين مختلفين: أحدهما لمناقشات العمل، والآخر للمتعة فقط، حيث يتشارك الموّظفون ما يريدون فعله، وما فعلوه خلال إجازة نهاية الأسبوع، فيدرجون في تلك القناة صورهم مع أبنائهم أو أصدقائهم، والفعاليات التي استمتعوا بها؛ ممّا يقّلل من العزلة التي قد يشعرون بها في أثناء عملهم عن بعد، وبذلك يحافظون على التفاعل المستّمر مع المحيطين بهم.

6. اتخذ قرارك، وضع حدوداً بين العمل والحياة:

قد تتفاجأ في أثناء العمل عن بُعد. إذ تستيقظ، تشغل الكمبيوتر المحمول، وتبدأ في العمل للوصول إلى المواعيد النهائيّة الخاصة بك، وتمرّ الساعات، وتتخطى الغداء عن غير قصد، والعشاء تقريباً؛ وفي الساعة 11 مساءً، وبينما أنت مسترخٍ بعد يوم عملٍ طويل، تصلك رسالةٌ من ربّ العمل أو أيٍّ من زملائك في الفريق يطلب فيها وثيقةً إضافيّة. قد لا يعني الأمر الإجابة فوراً، وقد لا تُطلبُ منك على وجه السرعة، لكنّك لن تتوقف عن التفكير في الأمر؛ لذا تعود إلى جهاز الكمبيوتر الخاص بك، وتشعر أنّك متهالكٌ للغاية.

وكيلا يحدث هذا معك، ولتحسن التصرف في مثل هذه المواقف خلال عملك عن بعد، هناك بعض النصائح لمنع هذا الموقف:

  • التزم بالروتين الصارم الذي قمت بإنشائه، والذي يوازن بين احتياجاتك واحتياجات شركتك.
  • ضع حدوداً مع زملائك في العمل. إذا كنت تعمل لدى شركةٍ تعمل وفقاً لجدول زمنيٍّ غير محدد، فاسعَ لتحديد الساعات التي ستكون متصلاً فيها عادةً.
  • استخدم أدوات الاتصال وسير العمل في الشركة لصالحك. اذكر الساعات المعتادة التي تكون متصلاً فيها ومتاحاً للمحادثة، واكتم إشعاراتك خلال ساعات العطلة.

7. تعلَّم تفضيلات زملائك في العمل:

مثلما لديك تفضيلاتك الخاصّة في التواصل وإنجاز المهام، فإنّ زملاءك في العمل لهم ما يفضلونه أيضاً. عندما تتعرّف عليهم، تعرّف على تفضيلات التواصل والعمل لديهم. إذا كنت ترغب في ذلك من أجل إتمام العمل بالشّكل والوقت المطلوبين، فاطرح هذه الأسئلة مسبقاً:

  • "هل تفّضل مني إرسال رسالةٍ مباشرةٍ إليك أو نشرها في المجموعة؟".
  • "إذا كان لديّ أسئلة، فما الطريقة التي تفّضلها للسؤال؟"

يمكنك أيضاً تدوين الملاحظات ببساطةٍ في أثناء بدء العمل معاً، والتّعرف على عادات العمل؛ فذلك يعود بالنّفع عليك ويوّفر الكثير من الجهد والوقت.

8. كُن محّفزاً ومشّجعاً لنفسك:

لأنّك اخترت العمل عن بعد، ستكون بحاجةٍ ماسّةٍ إلى رأي مديرك في المكتب حول أدائك. من السّهل أن تسأل عبر رسالةٍ أو مكالمةٍ هاتفيّةٍ أو دردشة فيديو، كيف يبدو كلّ شيءٍ، هل كلّ شيءٍ على ما يرام؟

وقد يعقد مديرك اجتماعاتٍ أسبوعيّةً مع الفريق ككل، أو يخّصص أسبوعاً للاجتماع مع كلّ فردٍ من الفريق على حدة. سيكون هذا هو الوقت المثالي لتسجيل الوصول والتماس الملاحظات أو طرح الأسئلة. ومع ذلك، إذا كنت تشعر بالضياع والحيرة، أو بأنَّك تطفو في فراغ، فلا تتردد في التواصل مع مديرك.

9. استعدّ للأزمات، هل لديك خطة بديلة؟

في مثل هذا النّوع من المهن، يجب أن تشعر بالرضا تجاه نفسك التي تبدي نجاحاتها في التّحكم بزمام الأمور، وتوفير مساحة العمل الخاصّة بك، وروتينك، وقائمة الأولويات، وقنوات الاتصال الخاصّة بك. ولكن:

  • ماذا لو نفدت طاقتك؟ 
  • ماذا لو انقطع الإنترنت؟
  • ماذا لو كُنت ببساطةٍ لا تستطيع التّركيز لأداء مهامك المرتبّة في جدول أعمالك اليوميّ؟ 
  • ماذا لو كان كلّ ما يمكنك فعله هو التّحديق في سريرك في أثناء شعورك بالنعاس في وقت القيلولة؟
  • ماذا لو انشغلت بأمرٍ مهمٍّ جداً؟
  • ماذا لو أُصِبت بوعكةٍ صحيّةٍ تمنعك من أداء وظيفتك على أكمل وجه؟

حتماً ستحدث هذه الأمور يوماً؛ لذا ضع خطّة احتياطيّة. فمثلاً: عندما تشعر بنفاد الطاقة، أو بانعدام الرغبة في العمل، فتعرّف على المكان الذي يمكنك الذهاب إليه خارج منزلك أو شقتك للعمل. ابحث عن مقهى مناسب، أو أقرب مكتبة. سوف تشكر نفسك عند تعطل الإنترنت، وستخوض تجربةً جديدةً للعمل عن بعد ولكن بشكلٍ مؤقت.

إقرأ أيضاً: التخطيط لحالات الطوارئ: وضع "خطة ب" مُحْكَمة

10. حافظ على حياتك الاجتماعيّة خارج العمل:

لابدَّ أن تكافئ نفسك بعد شهرٍ من العمل في وظيفتك التي تحبّها، فمثلاً: ادعُ أصدقاءك لقضاء أوقاتٍ سعيدة، أو تناول العشاء مع شريك حياتك، أو توّجه إلى الحديقة مع عائلتك. 

الآن بعد أن أصبحت موّظفاً عن بُعد يعمل بدوامٍ كامل، سترغب في التواصل الحميم مع البشر، والتفاعل المحبب معهم، وليس مع جهاز الكمبيوتر لديك.




مقالات مرتبطة