كيف تعزز التعاطف في العمل؟

يتفق معظمنا على أنَّنا بحاجة إلى مزيد من التعاطف للمساعدة على تقليل المعاناة الإنسانية في العالم، لكنَّ قلة هم الذين يعملون على تعزيز التعاطف في المكان الذي نقضي فيه معظم وقتنا، وهو مكان عملنا.



تشير الأبحاث إلى أنَّ أماكن العمل المفعمة بالتعاطف، تزيد من رضا الموظفين وولائهم، فالموظف الذي تُقدَّم له الرعاية في العمل، هو أكثر عرضة لاختبار مشاعر إيجابية، والتي بدورها تساعد على تعزيز علاقات العمل الإيجابية وزيادة التعاون وتحسين العلاقات مع العملاء، يمكن أن يقل التوتر من خلال التدريب في التعاطف لدى الأفراد، وقد يؤثر أيضاً في طول العمر؛ حيث يشير كل هذا إلى الحاجة إلى زيادة دور التعاطف في العمل والمنظمات.

لكن كيف يمكننا زيادة التعاطف في مكان العمل؟ على الرغم من أنَّ الأبحاث تشير إلى أنَّ التعاطف مهارة قابلة للتدريب، إلا أنَّ برامج التدريب على التعاطف الحالية غالباً ما تتضمن استثمارات كبيرة من الوقت والطاقة؛ مما يجعلها غير متاحة لمعظم الأمريكيين العاملين، كما قد يبدو التعاطف غير ضروري لبعض الأشخاص؛ حيث تستحضر كلمة "التعاطف" إلى أذهاننا صور الأم تيريزا وهي ترعى الفقراء أكثر من شخص عادي يحاول كسب لقمة عيشه.

في الوقت الحالي، يرغب بعض الباحثين في جعل التدريب على التعاطف أكثر ملاءمة وجاذبية لمن هم في مناصب تخوِّلهم من نشر فوائده؛ حيث ابتكر الباحثان دان مارتن (Dan Martin) من جامعة ولاية كاليفورنيا (California State University)، ويوتام هاينبرغ (Yotam Heineberg) من جامعة بالو ألتو (Palo Alto University) - في زيارتِهما إلى مركز ستانفورد لأبحاثِ التعاطف والإيثار والتعليم (Stanford’s Center for Compassion and Altruism Research and Education) - برنامج تدريب واعد؛ وهو تنمية التعاطف المزدوج (CDD)؛ ويأملان أن يساعد هذا برنامج على إحداث تغيير في مكان العمل.

العمل على تعزيز التعاطف في مكان العمل:

برنامج تنمية التعاطف المزدوج هو مزيج من التدريب على التعاطف والتكنولوجيا؛ حيث يلتقي شخصان عبر الإنترنت على تطبيق سكايب (Skype) لمدة ساعة في الأسبوع لثمانية أسابيع؛ وذلك لإجراء مناقشات منظمة حول الموضوعات المستقاة من علم السلامة الشخصية والاجتماعية، موضوعات مثل تأمل اليقظة الذهنية والمعرفة العاطفية وأهمية امتلاك عقلية النمو.

يساعد المنهج الذي يَعتمد جزء كبير منه على عمل الباحث بول جيلبرت (Paul Gilbert)، الناسَ على إدراك كيف يستجيبون عادةً للتوتر والتهديد في المواقف الاجتماعية والعمل، ثم يدربهم على الاستجابة بطرائق أكثر ملاءمة باستخدام أدوات مثل التهدئة الذاتية والإصغاء باهتمام والتعاطف.

يأمل مارتن وهاينبرغ، أنَّه باستخدام نهج تعليمي وليس علاجي، لن يضطروا إلى الاعتماد على مدربين خبيرين في التعاطف، وهو ما تفعله العديد من البرامج حالياً، يقول هاينبرغ: "لا يوجد عدد كافٍ من الخبيرين لتعليم كل من يمكنه الاستفادة من التدريب على التعاطف؛ إذ أردنا أن نُنشئ برنامجاً مستنداً إلى الأدلة ومشابهاً للتدريبات الشخصية، ولكن أيضاً جعله متاحاً على نطاق أوسع".

يقترح هاينبرغ أنَّ برنامج تنمية التعاطف المزدوج، قد يكون أكثر فائدة للشركات من برامج التدريب الأخرى القائمة على التعاطف؛ وذلك لأنَّها ملائمة، ولا تتطلب سوى التزاماً قصيراً نسبياً، بالإضافة إلى ذلك، فإنَّه لا يعتمد على التدريب القائم على ممارسة التأمل، والذي غالباً ما يكون جزءاً من برامج التعاطف.

بدلاً من ذلك، ينصب تركيز البرنامج على مساعدة الأشخاص على تحسين جودة تفاعلاتهم الاجتماعية في مكان العمل، وهو أمر يمكن أن يفهمه أي قائد.

تساعد حقيقة أنَّ المشاركين يستكشفون هذه الأفكار مع شخص آخر على جعل البرنامج أكثر من مجرد تدريب للمساعدة الذاتية؛ مما يسمح للمشاركين بالشعور بالتواصل في ظل بيئة تعلُّم آمنة.

شاهد بالفديو: كيف تستخدم التعاطف بفاعلية في العمل؟

النتائج التي أظهرها تشجيع التعاطف:

حتى الآن، يبدو البرنامج واعداً، فعندما اختبره الباحثون على عينة من طلاب إدارة الأعمال في حرم جامعة كاليفورنيا الولائية (CSU)، وجدوا العديد من مجالات التحسن الرئيسة، ففي نهاية الدورة، ازداد تعاطف الطلاب مع الآخرين وسعادتهم الذاتية ومهاراتهم القيادية، إلى جانب فوائد أخرى، على الرغم من حقيقة أنَّ الطلاب لم يتطوعوا بالضبط، فقد كُلِّفوا بالمشاركة في برنامج تنمية التعاطف المزدوج مع متدرب آخر اختاره المدرب دان مارتن، وبحلول نهاية البرنامج، كان 94% منهم راضين عن التدريب، وسيوصون به لصديق.

تعترف سامانثا سيرنا (Samantha Serna)، إحدى الطالبات في المجموعة التجريبية، بأنَّها لم تكن سعيدة جداً في البداية بفكرة المشاركة مع شخص غريب للتحدث عن قضايا شخصية.

كما قالت سامانثا: "بصفتك طالب إدارة أعمال، قد تتردد في إظهار تعاطفك وضعفك، فأنت تعلمت أن تكون قوياً ولا تظهر أيَّة عواطف".

وما زاد الطين بلة هو أنَّ شريكها تبين أنَّه شخص ليس لديها اهتمام بمعرفته، ولكن بعد الاستمرار في التدريب لبضعة أسابيع، وتعلُّم التواصل العاطفي، بدأ موقفها يتغير؛ إذ أدركت أنَّ هناك الكثير من الأشياء المشتركة بينها وبين شريكها؛ فكلاهما يعاني من مشكلات في الغضب ويسهل إحباطه، وكلاهما يمكن أن ينغلق على نفسه ويحمل الضغائن؛ إنَّها تعترف الآن أنَّهما أصبحا صديقين جيدين، واستمرا في مساعدة بعضهم بعضاً خلال الأوقات الصعبة، واستعانا ببعضهم بعضاً كلَّما احتاجا إلى ذلك.

يعترف هاينبرغ أنَّ معظم الطلاب - مثل سيرنا - كانوا أقل حماسة للمشاركة في البرنامج في البداية؛ حيث يقول: "لقد كانوا يتذمرون باستمرار، ولم يروا أنَّ البرنامج يعنيهم على الإطلاق".

لكن مع مرور الوقت ازداد انسجامَهم في البرنامج؛ حيث يقول هاينبرغ: "كان العديد من المتدربين يقولون إنَّ ذلك أعطاهم منظوراً مختلفاً عن كيفية التصرف، ولقد أثبتت أنَّها عملية هادفة".

على الرغم من أنَّ الطلاب ربما لم يتقبَّلوا البرنامج في البداية؛ إلا أنَّ الكثيرين استمروا بسبب نموذجه المزدوج، فعندما يعتمد شخص آخر عليك، يساعد ذلك على تشجيع هذا التوافق، كما أنَّه مع تَقدُّم البرنامج، أنشأ المشاركون روابط، بناءً على القصص والقيم الشخصية.

يقول هاينبرغ: "عندما نستخدم قيماً كهذه، نجد أنَّ الناس ينسجمون مع إنسانيتهم ​​المشتركة".

ينسب هاينبرغ الفضل في البحث الذي أُجري في جامعة ستانفورد (Stanford) إلى نظرية إثبات الذات في هذا البرنامج؛ حيث يطلب من المشاركين التفكير في قيمهم وأحلامهم، ومشاركة قصص نجاحهم، مع التركيز على كيفية معاناة هؤلاء الناس بطريقة ما، ولكنَّهم تمكنوا من التغلب على هذه المعاناة وتعلُّم تهدئة أنفسهم، يتيح تحليل قصص النجاح للمشاركين فرصة يمكنهم من خلالها استخدام هذه المعلومات في مواقف أخرى، مثل عندما يكونون تحت الضغط أو يختلفون مع زميل.

إقرأ أيضاً: التعاطف: مستقبل القيادة ومصلحة الشركات

أثر التعاطف في الحياة الشخصية:

وجدت سيرنا أنَّ البرنامج حسَّن علاقتها بشريكها في البرنامج، كما حَسَّن أيضاً علاقتها مع الآخرين؛ فحتى خطيبها لاحظ التغيير فيها.

تقول سيرنا: "كنتُ أؤمن بأنَّه عليَّ أن أُخطِئ بحق الآخرين عندما يُخطئون بحقي، لكنَّني تعلمتُ من البرنامج أنَّ الأمور لا تسير على هذه النحو؛ فلستُ مضطرة إلى اتخاذ هذا الموقف".

بالإضافة إلى تكوين صداقة جديدة واكتساب نظرة ثاقبة مهمة عن نفسها؛ فإنَّ متابعة البرنامج أدَّت إلى تحسين صحتها البدنية أيضاً.

تقول سيرنا: "قبل البرنامج، كان مزاجي سيئاً للغاية، فقد كنت أغضب كثيراً، ولأنَّني أعاني من الصرع؛ فقد كنت أصاب بنوبات متكررة، ولكن بعد البرنامج، انخفض مستوى توتري انخفاضاً كبيراً".

دفعت حماسة سيرنا تجاه البرنامج إلى التفكير في تغيير مجال دراستها إلى علم النفس التنظيمي، وهي تعتقد أنَّ هذا النوع من المعلومات يجب أن يُتَاح لعدد أكبر من الناس في أماكن أكثر.

يتفق هاينبرغ ومارتن مع هذا الرأي، ولديهم خطط لتقديم برنامج تنمية التعاطف المزدوج إلى العديد من المنظمات، بما في ذلك مجموعة من المستشفيات التي أعربت عن اهتمامها بتدريب موظفيها على التعاطف؛ حيث يخطط الباحثون لتقييم نموذجهم وإجراء تحسينات مع مرور الوقت؛ بحيث يكون أكثر فاعلية لأكبرِ عدد من الأشخاص.

المصدر




مقالات مرتبطة