كيف تضمن الأدوية الرقمية التزام المريض بالدواء؟

في تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2017، وافقت إدارة الغذاء والدواء (FDA) على الحبوب الرقمية "أبليفاي ماي سايت" (Abilify MyCite) التي تعالج الفصام والاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب؛ ولكنَّ الحصول على هذه الحبوب يكلف المريض شهرياً 1500 دولار، وهو ما يفوق القدرة الشرائية لدى مرضى الفصام.



تحتوي الحبة على مستشعر رقمي يتفاعل مع حمض المعدة عند تناوله، ويرسل إشارة إلى قطعة قماشية يرتديها المريض، والتي بدورها ترسل إشارة إلى تطبيق على الهاتف الذكي لإخطار ما يصل إلى خمسة أشخاص بأنَّ الحبة قد تم تناولها.

عندما كانت إدارة الغذاء والدواء تدرس هذه الحبوب من أجل منحها الموافقة، فقد كانت هناك مخاوف بشأن إمكانية استعمال هذه التكنولوجيا لانتهاك الحقوق الشخصية، وأيضاً تم تداول مناقشات فيما يتعلق بالمخاوف من أن تستعمل الحكومات القمعية هذه التكنولوجيا في انتهاك حقوق المواطنين.

تبلغ كلفة الحصول على هذه الحبوب لمدة شهر نحو 30 ضعفَ تكلفة الحبوب العادية.

وبينما تبلغ نسبة المصابين بالفصام 1% من سكان العالم، فقد وجدت إحدى الدراسات التلوية التي أُجريَت على 51925 شخصاً مشرداً بأنَّ الأمراض الفصامية أكثر انتشاراً لدى السكان المشردين بأضعاف عدَّة، علماً أنَّ اضطرابات الفصام تشمل أمراضاً عدة منها، فصام الشخصية واضطراب الفصام والاضطراب الفصامي العاطفي.

كانت هناك أيضاً تساؤلات حول السبب في تطبيق هذه التكنولوجيا في بادئ الأمر على عقار يعالج الفصام، فهذه التكنولوجيا لن تكون مريحة لأشخاص يعانون الأوهام وجنون الارتياب، كونها ترسل إشارة من داخل أجسامهم.

الدواء من صنع شركة "ديجيتال بروتيوس هيلث" (Proteus Digital Health)، وعلى الرغم من أنَّ العقار الرقمي كان يهدف إلى ضمان التزام المريض بالعلاج الدوائي، إلَّا أنَّه ما من دليل يثبت أنَّه يُحسِّن من التزام المريض بتناول الدواء.

بعد أكثر من ثلاث سنوات وبعد أن استحوذت شركة "إيتيك تي آر إكس" على "بروتيوس" بسبب إفلاس الأخيرة، فقد ركزَّت الإدارة الجديدة للشركة في اكتشاف ما إذا كان العقار الرقمي يُحسِّن من التزام المريض بالدواء، من خلال إمكانية متابعة وضع المريض عن بعد وتقرير متى يجب التدخل الفوري من قِبل الأطباء.

بعض الشركات تسعى إلى تطوير هذه الأدوية:

تحدثت "فاليري سوليفان" (Valerie Sullivan) بصفتها الرئيس التنفيذي لشركة "إيتيك تي آر إكس" عن الاختلافات بين شركتها وشركة "بروتيوس" وغيرها من الشركات في هذا المجال.

وأكَّدت "سوليفان" أنَّ شركتها مختلفة؛ لأنَّ تركيزها ينصب بشكل حصري تقريباً في امتثال المريض للعلاج الدوائي بما في ذلك العلامات والإشارات السريرية.

وقالت "سوليفان": "لقد أدت ظروف الجائحة إلى تنامي الاهتمام بالرعاية الصحية عن بعد عموماً، ويمكن لمراقبة المريض عن بعد بفضل نظام "آي دي_كاب" (ID-Cap)، أن تقلل من تكاليف التجارب السريرية، وينتهي وضع عدم التزام المريض بالدواء، كما يسمح بالتدخل في الوقت المناسب متى استدعت حالة المريض ذلك".

وفي وقت مبكِّر من شهر يناير أفادت "وكالة ميدسيتي" (MedCity)؛ وهي وكالة تهتم بقطاع الصحة وعلوم الحياة أنَّ شركة "إيتيك تي آر إكس" تعاونت مع شركة "بير ذيربيوتيكس" (Pear Therapeutics) لتطوير منتجات تجمع بين تكنولوجيا الشركتين، وقد أعلنت الشركتان أنَّ المشروع الأول سيكون إطلاق مجموعة من الأدوية الرقمية في مجال الصحة النفسية.

وفي لقاء مع "ميدسيتي"، علَّقت "سوليفان" على هذا الخبر بقولها: "القيمة في هذا النوع من العقاقير تتجلى في جعل المرضى يلمسون التحسن بأنفسهم ويشعرون بالقوة عندما يتحسن وضعهم جراء العلاج".

وسيَحتوي الإصدار الجديد من هذه الأدوية على مستشعرات لاسلكية مُدمجة في الدواء لإرسال إشارات إلى جهاز على شكل شريط يمكن ارتداؤه من قِبل المريض؛ وذلك بدلاً من الرقعة القماشية التي تُلصَق على المعدة، ولكن لم تدخل شركتا "بير" و"إيتيك تي آر إكس" في شراكة مع شركات الأدوية لإنتاج حبوب رقمية لأدوية أخرى.

إقرأ أيضاً: أشهر أنواع الأمراض النفسيّة وأعراضها

الأدوية الرقمية قد لا تلقى الكثير من الاستحسان:

تتوقع "سوليفان" أنَّه قد يكون هناك بعض التردد من قِبل المرضى والأطباء وحتى شركات صناعة الدواء، وقد ذكرت شركة "ديجيتال كوميرس" (Digital Commerce) أنَّ شركات الاستشارات البريطانية "إل.إي.كي" (L.E.K.) وجدت من خلال بحثها أنَّ الحبوب الرقمية قد لا تلقى استحساناً كما تأمل شركات العقاقير الرقمية.

أعرب الطبيب "أميت سارباتواري" (Ameet Sarpatwari) في حديثه مع صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times) عن قلقه بشأن التكنولوجيا الدوائية قائلاً: "ربما تكون هذه التكنولوجيا قادرة على تحسين الصحة العامة، ولكن إذا ما استُعمِلَت بشكل غير صحيح، فقد تعزز عدم الثقة بدلاً من الثقة".

سيكون المريض على علم بأنَّ طبيبه وما يصل إلى أربعة أشخاص آخرين يتلقون البيانات التي تظهر وقت تناول الحبوب.

كما سيكون المريض قادراً على الوصول إلى تطبيق الهاتف المحمول، والذي يتيح له خيار حظر الأشخاص الذين يستلمون هذه البيانات، ولا يبدو أنَّ المرضى سيُمنَعون من استعمال هذه الميزة في المستقبل، ولكن يُتصَوَّر أن يختلف الأمر بالنسبة إلى المصابين بأمراض عقلية، والذين يدخلون إلى المصحات النفسية بطريقة غير طوعية؛ فقد يتطلب تخريجهم من المصحة أن يلتزموا بالأدوية الموصوفة.

وتبقى المخاوف الأكثر شيوعاً لهذه التكنولوجيا هي احتمال أن تُنتَهك خصوصية المريض واحتمال أن يشعر المرضى بالضغط نتيجة معرفتهم بأنَّ الأطباء يراقبون التزامهم بالدواء.

ويعتقد الطبيب النفسي "بيتر كرامر" (Peter Kramer) أنَّ الحبوب الرقمية قد تكون أخلاقية عندما يتم التعامل مع مريض لديه أهلية كاملة؛ ولكنَّه يتخوف من أن يصبح الدواء الرقمي أداةً لإجبار المريض على تناول الدواء.

ومن جهة أخرى يعتقد الخبراء أنَّ كبار السن الذين يواجهون صعوبة في تذكُّر أدويتهم، قد يرحبون بهذه التكنولوجيا، ويمكن أن تُستَعمَل هذه التكنولوجيا في مجالات أوسع من قِبل شركات التأمين؛ إذ يمكنها أن تراقب استعمال المواد الأفيونية ومتابعة المشاركين في التجارب السريرية.

من ناحية أخرى، وفي عام 2019 أعلنت "بروتيوس" أنَّها كانت تختبر حبوباً رقمية خاصة بالعلاج الكيميائي لمرضى سرطان القولون والمستقيم، وأيضاً كانت الغاية هي تحسين نتائج العلاج من خلال ضمان التزام المريض بالأدوية.

لكنَّ الاختلاف بين هذا النوع والنوع الذي يعالج الفصام هو أنَّه لم يكن من الضروري أن تمرَّ حبوب العلاج الكيميائي بالمراحل الموافقة نفسها التي خضعت لها حبوب علاج الفصام؛ وذلك بسبب الطريقة التي غُلِّفَ فيها المستشعر داخل الكبسولة.

من الممكن أن تساعد هذه التكنولوجيا على حل مشكلة عدم التزام المرضى بالدواء:

أدارت مؤسسة "فيرفيو هيلث سيرفايسيس" (Fairview Health Services) في "مينيسوتا" عقار العلاج الكيميائي؛ إذ دفعت المؤسسة لـ "بريتيوس" لقاء خدماتها على أمل أن يساعد ذلك المؤسسة على تحقيق وفر مالي من خلال تحسين حالة المرضى، ونصَّ العقد على أنَّ "فيرفيو" ستدفع لـ "بريتيوس" عندما يتلقى مرضى السرطان علاجهم الكيميائي كما هو موصوف لهم من قبل الطبيب؛ وذلك بنسبة 80% من الوقت المخصص للعلاج.

لكن عندما لا يحقق المرضى الحد الأدنى من العلاج، فإنَّ "بريتيوس" لن تحصل على أي مال، وعلى الرغم من كل الخطط التي وضعَتها إدارة الشركة لتصبح شركة تصنيع أدوية ذات تقنية عالية إلَّا أنَّ رؤية "بريتيوس" المستقبلية انتهت بإفلاسها.

ويقول الخبراء إنَّ الفشل كان نتيجة لسياسات الشركة وليس بسبب فشل التكنولوجيا.

وعلى وجه التحديد تمثَّل خطأ الشركة باختيارها منطقة "مينيسوتا"؛ حيث تبلغ صعوبة تحقيق النتائج المرجوة نحو 8 أو 9 من 10؛ وذلك وفقاً لصندوق المشاريع الصحية الرقمية ومجموعة الأبحاث "روك هيلث" (Rock Health).

والتصور العام ينطوي على ملاحظة أنَّه بينما تسعى شركات الأدوية الرقمية إلى الالتزام بمنتجاتها، فإنَّ توجهها قد يكون غير صحيح على المستوى المالي.

عندما يكون العلاج معتمداً على الأدوية فقط، فإنَّ قلة الالتزام بالدواء يمكن أن تؤدي إلى مضاعفات صحية وزيادة في التكاليف؛ وهذا يعني أنَّ الالتزام بالدواء هو من تحديات الرعاية الصحية التي يعاني منها النظام الصحي.

إقرأ أيضاً: 3 توجهات تقنية تعيد تشكيل قطاع الرعاية الصحية

تُظهِر البيانات الأسباب التي تقلل من التزام كبار السن بالأدوية، ومنها الافتقار إلى التواصل البنَّاء مع مقدمي الرعاية الصحية وتكاليف العلاج والخوف من الإدمان على الأدوية وأيضاً الآثار الجانبية للعقاقير، مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والربو والاكتئاب؛ وهذا يبيَّن أهمية إجراء تغييرات مستمرة في نمط الحياة والتغذية من أجل السيطرة على هذه العوامل.

ويختلف تأثير عدم الالتزام بالدواء في المرضى اختلافاً كبيراً؛ وذلك ما توصلت إليه الدراسات.

حيث أُبلِغَ عن ارتفاع في آثار عدم الالتزام وصلت في حدها الأعظمي إلى نسبة 90% وبلغت في حدها الأدنى 10%، كما تُظهِر البيانات أنَّ 50% من حالات عدم الالتزام هي حالات متعمدة بينما يكون النصف الآخر من هذه الحالات غير متعمد؛ إذ إنَّ بعض المرضى لا يدركون أنَّهم لا يلتزمون بالدواء كما هو موصوف من قبل الطبيب.

ومع ذلك، يعتقد فريق من الأطباء والمختصين في مجال الصيدلة أنَّه على الرغم من أنَّ الالتزام بالأدوية يمثل مشكلة في قطاع الصحة في العالم الغربي، إلَّا أنَّ هذه ليست المشكلة الوحيدة؛ بل ربما تكون هذه المشكلة على درجة أقل أهمية عند مقارنتها بمشكلات أخرى.

ويرى أحد الصيادلة أنَّ العلم لا ينبغي أن يهدف فقط إلى ضمان التزام المريض بدوائه؛ بل يجب أن يهدف إلى رفع كفاءة الأدوية في علاج المريض؛ وهذا يؤدي إلى الالتزام بها من جانبه.

ويرتبط رفع كفاءة الدواء بعدد من العوامل الأخرى غير التزام المريض، مثل آثار التفاعلات الدوائية الضارة والتداخلات الدوائية وفشل العلاج ومشكلات تتعلق بالجرعات.

وكل هذه العوامل تؤثر في التكاليف النهائية للعلاج.

معالجة المشكلة من جذورها:

تتأثر العديد من الحالات الصحية في أنماط الحياة السلوكية والغذائية، وعلى سبيل المثال: أظهرت بعض البيانات أنَّ الأشخاص المصابين بالفصام والذين يعانون من نقص فيتامين D، وحمض الفوليك وفيتامين B12 تظهر عليهم الأعراض بشدة أكثر.

بمعنى أنَّ هناك عناصر غذائية تساعد على تقليل أعراض الفصام والاكتئاب والقلق والعديد من الحالات الصحية الأخرى؛ لذلك قبل أن تصبح مُدمناً على العقاقير أو مضطراًَ إلى استعمال أنواع عدَّة من الأدوية لعلاج مرض واحد، يفضَّل أن تبحث عن جذر المشكلة وتحاول حلها.

ففي كثير من الأحيان يمكن للتغييرات في نمط الحياة والتغذية أن يكون لها تأثير كبير في صحتك العامة، وفي أعراض المرض وحتى أنَّها قد تساعد على العلاج.

المصدر




مقالات مرتبطة