كيف تسرع وتيرة التعلم من خلال النظرية الإنسانية؟

يتَّفق معظم الناس مع الرأي القائل بأنَّ العالم مكان قاسٍ، وهذا لا يقتصر على البشر فحسب رغم أنَّ أغلب ما يحدث بمثابة تأثير مباشر أو غير مباشر للسلوك البشري، ولكن يمكن اعتبار نظرية الإنسانية على أنَّها خطوة نحو عالم أكثر حساسية ولطفاً.



قد تتساءل عن علاقة كل هذا بالتعلُّم، وكيف يمكن أن يجعلك ذلك أكثر مهارة، ففي الواقع ترتبط النزعة الإنسانية بنظرية الدوافع البشرية في علم النفس، وترتبط أيضاً ارتباطاً وثيقاً بنظريات التعلُّم؛ إذ تربط هذه النظرية السلوك بالتعلُّم، وهذا ليس أمراً غريباً، وقد تكون على دراية به إذا ألقيت نظرة على بعض نماذج التعلُّم الأخرى، ومع ذلك، تتَّسِم هذه النظرية باستخدامات ومزايا فريدة سنتحدَّث عنها في هذه المقالة.

ما هي نظرية التعلُّم الإنسانية؟

يجب أن تفهم النظرية فهماً واضحاً أولاً لتحقيق أقصى استفادة منها، فوفقاً لعلم النفس، تؤكد النظرية الإنسانية على أهمية دور كل إنسان في خلق بيئة أفضل، كما تهدف إلى بناء عالم قوي وموحد عموماً؛ إذ يساعد هذا الإحساس بالوحدة والتعاطف على التعلُّم من خلال تشجيع كل إنسان على اكتساب المعرفة بنفسه، ونشرها أيضاً؛ حتى يتمكن المزيد من الناس من الاستفادة منها؛ ومن ثم تهدف الإنسانية في المجمل إلى خلق عالم يتحلَّى كل مَن فيه بروح التعاون، حتى في الأوقات العصيبة، وتُحَلُّ فيه جمع الأزمات بالتعاون ومساعدة الناس بعضهم بعضاً.

إذا أردنا تعريف نظرية الإنسانية، يمكننا القول إنَّها تركز الاهتمام على إمكانات الفرد، وتهتم بأشياء مثل الإرادة الحرة والسلامة الشخصية لتقليل الآثار المُسبِّبة للتوتُّر.

ولا ترتبط هذه النظرية بأي اعتبارات؛ إذ تؤكد على أنَّ أي إنسان قادر على فعل الخير بغضِّ النظر عن أي شيء؛ ومن ثم تمنح هذه النظرية الحق لكل فرد في أن يفعل ما يشاء دون أي تداعيات أو انتقادات أو مكافآت أو عقوبات، ولأنَّ فكرة الإنسانية تدور برمتها حول التعلُّم التعاوني؛ فيجب مناقشة هذه الأفكار والمعتقدات ومشاركتها بانفتاح، مع عدم فرضها مطلقاً؛ إذ تقرُّ النظرية بأنَّ أقوى قوَّة على الأرض هي الجنس البشري نفسه، ومن ثم يُعدُّ كل شخص مسؤولاً عن التحكُّم في عقله وأفعاله.

افتراضات النظرية:

تبدو كل هذه الأفكار مثالية للغاية، وهي كذلك بالتأكيد، ولقد صُمِّمت نظرية الإنسانية بأربعة افتراضات رئيسة حول شخصية الإنسان:

  1. يفترض الباحثون في النظرية الإنسانية أنَّ كل إنسان جيد بطبيعته، ولا يوجد شر فطري على الإطلاق.
  2. ويؤدي الافتراض الأول إلى الافتراض الثاني، وهو أنَّ كل إنسان يريد أن يسعى ليصبح في أفضل حال يمكنه أن يكون كذلك، بغضِّ النظر عن الجهود التي ينبغي عليه بذلها.
  3. الافتراض الثالث هو أنَّ البشر يمكنهم التحكم في أفكارهم بحرية.
  4. الافتراض الرابع والأخير هو أنَّ الإيجابية والتفاؤل هما السبيل الوحيد لتحقيق الصلاح.
إقرأ أيضاً: 4 أساليب مختلفة تساعدك على التعلم بسرعة وذكاء

التعلُّم القائم على الإنسانية:

عندما نتحدَّث عن التعلُّم القائم على نظرية الإنسانية، فيجب ذِكر هذه المفاهيم الأساسية الثلاثة:

  1. الملاحظة.
  2. التقييم.
  3. المراجعة.

تعتمد الملاحظة على الحقيقة والواقع فقط، وعلى الأشياء التي يمكن ملاحظتها دون الاعتماد على أي نوع من أنواع الخيال، ولكنَّ هذا لا يقيِّد التعلُّم بقيود الحقائق المعروفة بالفعل؛ إذ يُعدُّ التقييم هو المكان الذي يأتي فيه كل الخيال والآراء ووجهات النظر الشخصية.

في الواقع، تدعم الإنسانية التعلُّم بقوة من خلال الوسائل الإبداعية مثل الفن والموسيقى والأدب، ويتضمَّن هذا أساليب التعلُّم المرئية والسمعية والقراءة أو الكتابة؛ ومن ثم تُعدُّ هذه النظرية داعماً قوياً للإبداع.

وتساعد المراجعة المرء على تكرار الأمور الصحيحة؛ ومن يُميَّز الواقع عن الانحيازات الشخصية والرؤى المجتمعية بوضوح.

تطوُّر نظرية الإنسانية:

ربما كان يفكِّر العديد من المفكرين في هذه النظرية، لكنَّها لم تكتسب شعبية حتى القرن العشرين؛ إذ عمل الكثير من الباحثين حول هذه النظرية بطريقتهم الخاصة، ولكنَّهم كانوا يتطلَّعون إلى هدف واحد مشترك، وهو إيجاد سبُل للتعلُّم تعزِّز نقاط القوة وتعالج نقاط الضعف في شخصية كل فرد، ورغم وجود العديد من الدراسات، إلَّا أنَّ "كارل روجرز" (Carl Rogers) و"أبراهام ماسلو" (Abraham Maslow) هما من أبرزا هذه النظرية؛ إذ أضافا لها المساهمات الآتية:

1. الاستقرار العاطفي:

طَرَح "كارل روجرز" (Carl Rogers) أفكاراً فريدة حول التعلُّم، ولقد اقترح أفكاراً معاكسة تماماً لبيئة التعلُّم المنظَّمة؛ إذ أكَّد على أهمية العواطف، وحرية التعليم، والقضاء على كل الحدود، كما توسَّع "روجرز" في نشر نظرية الإنسانية من خلال زعمه أنَّه يجب أن تكون عواطف المرء مستقرة ليتمكَّن من تعزيز نقاط قوَّته، ولقد كان محقاً بالتأكيد؛ إذ يصعب على المرء تعلُّم شيء ما إذا كان غاضباً أو حزيناً.

كما اقترح "روجرز" أن يختار كل فرد ما يريد تعلُّمه، وأنَّه يجب القضاء على قيود المناهج المحدَّدة؛ ممَّا يؤدي إلى تغيير دور المعلِّمين أيضاً من مدرسين إلى مجرد ميسِّرين، وينطبق هذا على كل جزء من التعلُّم؛ فعلى سبيل المثال: إذا كنت ستذهب إلى صالة الألعاب الرياضية، فبحسب هذا الاعتقاد، أنت تملك حرية الاختيار في تعلُّم رقصة "الزومبا" أو التمرُّن على جهاز الجري، ثم سيساعدك مدرب الصالة الرياضية حتى لا تتشنَّج عضلاتك أو تتأذَّى، وبخلاف ذلك تمتلك الحرية الكاملة لتصميم خطتك.

رغم أنَّ هذا الأسلوب قد يكون رائعاً لعدد كبير من الناس، إلَّا أنَّه يتجاهل تماماً الأفراد الذين يحتاجون إلى بيئة تعليمية مُنظَّمة، وبعض القواعد التي يجب اتِّباعها.

2. التسلسل الهرمي للاحتياجات:

لقد اشتهر "ماسلو" بتقسيم الدوافع والحاجات البشرية تقسيماً هرمياً متسلسلاً، ويبدأ هذا التسلسل بأوسع فئة من الاحتياجات الأساسية، مثل المأكل والملبس والمأوى، ثم ينتقل إلى الشعور بالأمان، ثم الحب والعلاقات، ويتبعها الاحترام وتقدير الذات، وتهدف كل هذه الفئات إلى تحقيق الذات، والذي يُعدُّ الهدف الأسمى، وتُرتَّب هذه الاحتياجات ترتيباً تنازلياً من الأكثر أهمية إلى الأقل أهمية للتعلُّم الفعَّال.

إقرأ أيضاً: ما هي احتياجاتك؟

ما هي أهداف نظرية الإنسانية في التعلُّم؟

إذا لُخِّصت هذه النظرية في هدفٍ واحد، فسيكون دعم جوهر كل فرد وأسلوبه وشخصيته، وينقسم هذا الهدف إلى العديد من الأهداف الأخرى التي تسعى إلى إفادة المجتمع برمته بدلاً من فرد واحد.

وتُعدُّ مفاهيم مثل التعلُّم العاطفي، والمعتقدات الذاتية، وحب الخير للجميع، ونشر الإيجابية هي مفاهيم ترتبط بالنزعة الإنسانية، وتؤكد عليها النظرية، كما تتمثَّل إحدى أهداف النظرية في إنتاج أفراد ناجحين في مجالاتهم، فإذا نظرت إلى الشخصيات الناجحة، ستجدهم يتمتَّعون بقدرٍ عالٍ من الإنسانية.

كيف تتعلَّم من خلال نظرية الإنسانية؟

تُعدُّ النظرية الإنسانية نهجاً متفائلاً، لكنَّ اتِّباع نهجٍ مثاليٍّ إلى أقصى الحدود هنا، على الرغم من كونه قابلاً للتطبيق، يُعَدُّ أمراً صعباً، ومع ذلك قدَّم "روجرز" و"ماسلو" طريقاً مناسباً ليتَّبعه المتعلِّمون، ومن خلال تنفيذ هاتين الخطوتين، يمكنك تحسين تعلُّمك بغض النظر عن المهارة أو نوع المعرفة التي تريد اكتسابها.

1. التعلُّم بلا حدود:

أولاً، هناك النهج الذي اقترحه "كارل روجرز" (Carl Rogers)، والذي يحرِّر المتعلِّمين من جميع أنواع الحدود الموضوعة؛ ومن ثم لك كامل الحرية في تصميم خطة تعلُّمك، ولكن نظراً لأنَّك لست خبيراً؛ يمكنك تلقِّي المساعدة من معلِّم ليسهِّل تقدُّمك في التعلُّم.

ويمكنك التحكم تماماً في الوقت والطريقة والمحتوى الذي تتعلَّمه، على سبيل المثال: إذا كنت مهتماً بتعلُّم لغة أجنبية، فستحتاج بالتأكيد إلى إرشادات من خبيرٍ في اللغة، ولكن يمكنك التخطيط بنفسك إلى مدى سرعة التعليم وجوانب اللغة التي تريد أن تتعلَّمها وتقسيم الجدول الزمني، والأمور المماثلة.

إقرأ أيضاً: 13 طريقة لتطوير التعلم الذاتي والتعلم بسرعة

2. ترتيب الاحتياجات الشخصية بالأولوية:

إنَّ أحد العوامل الرئيسة لتسلسل "ماسلو" الهرمي للاحتياجات هو تحقيق الذات، وهو الهدف الرئيس في الهرم، والذي يجب أن تسعى لتحقيقه، والذي يمكنك بلوغه باتِّباع تمرينات بسيطة تهدف إلى التطوُّر الشخصي؛ لذا وبمجرد أن تبدأ بتحقيق الذات، ستجد عملية التعلُّم تتماشى تلقائياً مع بقية النظرية؛ فهو مثل تأثير الدومينو.

وبمجرد أن تسير على المسار الصحيح يبدأ عقلك في المضي قدماً على نفس المنوال من تلقاء نفسه، كما يمكن استخدام التسلسل الهرمي للاحتياجات لتحديد أولويات احتياجات كل متعلِّم على حدة لكي تسير العملية بسلاسة وتحقِّق نتائج فعَّالة، وبهذه الطريقة تضمن الحفاظ على صحتك وراحتك واستقرارك العاطفي قبل المضي قدماً في التعلُّم، على سبيل المثال: يمكنك تأجيل درس الموسيقى حتى تجد مكاناً مريحاً للجلوس إذا كانت هذه هي حاجتك ذات الأولوية.

في الختام:

تركِّز نظرية الإنسانية على وضع معظم السيطرة في أيدي المتعلِّمين، ورغم أنَّ هذا قد يُحدِث بعض العيوب، إلَّا أنَّه نهج فعَّال إلى حدٍّ ما للأفراد الذين يعرفون ما يريدون تعلُّمه وإنجازه ليكونوا مؤهَّلين إلى شيءٍ معيَّن؛ إذ تضمن الحرية مع المسؤولية تعلُّماً فعَّالاً يمكِّن المرء من تعزيز نقاط قوَّته والتغلب على نقاط ضعفه.

 

المصدر




مقالات مرتبطة