كيف تستمتع بوقتك دون أن تشعر بالذنب؟

ثقافة العمل الدؤوب التي نعيشها اليوم تضع على الإنسان كثيراً من الضغوطات كي يكون دوماً على أهبة الاستعداد ليقوم بشيء منتِج.



يمكن أن يجعلنا هذا الموقف المجتمعي نشعر كما لو أنَّنا نهدر الوقت عندما نقوم بنشاطات مثل مشاهدة التلفاز أو إجراء محادثة مرحة مع الأصدقاء أو العائلة أو مجرد قضاء وقت في الخارج بغرض الاسترخاء.

قد تكون ممن يشعرون بالذنب لكونك تفعل شيئاً لا يتطلب منك جهداً وتشعر دوماً بأنَّه يجب عليك أن تقضي وقتك كاملاً في النشاطات المتعلقة بالعمل، لكن عندما تتذكر أنَّك تشاهد الكثير من مقاطع الفيديو التحفيزية أو تقرأ مقالات في علم النفس، فإنَّه يصبح مفهوماً لماذا هذا الشعور بأنَّك لا تستهلك وقتك بحكمة كما يجب أن تفعل، لكنَّ الأبحاث الحديثة تشير إلى أنَّ هذا المنظور الثقافي السائد ليس جيداً لصحتنا وهو أحد أسباب الموت المبكر.

الاستمتاع له فوائد وليس دائماً مضيعة للوقت:

ربما شعرتَ في وقت من الأوقات بضغط الحاجة لفعل شيء منتِج باستمرار، أو ربما شعرتَ أنَّ العمل يجب أن يكون أولوية، وأنَّ الاستمتاع ما هو إلا نوع من العبث، لكن في الواقع، فإنَّ العمل وفق وجهة النظر المجتمعية هذه يرافقه آثار جانبية مُقلقة.

نشرت "مجلة علم النفس التجريبي الاجتماعي" (Journal of Experimental Social Psychology) بحثاً وجد أنَّ الأشخاص الذين يتبنون وجهة النظر هذه لم يُحرَموا فقط من الاستمتاع بوقت فراغهم؛ بل أيضاً كانوا أكثر عرضة لمستويات مرتفعة من التوتر ومشكلات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق.

لخَّصَت "سيلين مالكوك" (Selin Malkoc) أستاذة التسويق في "جامعة أوهايو" (Ohio) وإحدى المشاركين في مقالة البحث تلك الديناميكية التي ربما اختبرها العديد من الأشخاص دون أن يدركوا.

تقول "مالكوك": "هناك الكثير من الأبحاث التي تشير إلى أنَّ الترفيه له فوائد على صعيد الصحة العقلية، وأنَّه يمكن أن يجعلنا أكثر إنتاجية وأقل توتراً، لكنَّنا نجد أنَّ الناس ما إن بدؤوا بالاعتقاد أنَّ وقت الفراغ مضيعة للوقت حتى أصبحوا أكثر اكتئاباً وأكثر توتراً".

"ريبيكا ريكزيك" (Rebecca Reczek) - وهي أيضاً أستاذة التسويق في "جامعة أوهايو" وأحد المؤلفين المشاركين في كتابة مقالة البحث - توافق على هذا الكلام وتقول: "إذا كان من الممكن توجيه وقت الفراغ بحيث يحتوي على نوع من الأهداف المثمرة، فإنَّ ذلك سيساعد الأشخاص الذين ينظرون لوقت الفراغ على أنَّه مضيعة للوقت في الحصول على بعض الفوائد نفسها".

ونظراً لأنَّ جميع العينات التي تمت دراستها عَدَّت أنَّ القيام بأي نوع من النشاطات الترفيهية هو هدر للوقت، فلم يتمكنوا من الاستمتاع كما يجب عند القيام بهذه النشاطات، وقد كانت هذه نظرتهم بالنسبة إلى جميع النشاطات سواء أكان النشاط الترفيهي سلبياً مثل مشاهدة التلفاز أم حركياً مثل ممارسة الرياضة أم اجتماعياً مثل الاستمتاع بالوقت مع الأصدقاء وحتى النشاطات المنفردة مثل التأمل.

عموماً، عانى الأشخاص الذين عبَّروا عن عدم إعجابهم بالنشاطات الترفيهية ضعفاً في الشعور بالسعادة ومستويات أعلى من القلق والاكتئاب، قالت "مالكوك": "كنا نمنح المشاركين في الدراسة استراحة من النشاطات الأخرى التي تسبب الملل، ومع ذلك، فإنَّ الأشخاص الذين عدُّوا أنَّ الترفيه مضيعة للوقت لم يروا أنَّ مشاهدة مقاطع الفيديو كانت ممتعة مثلما رآها الآخرون".

إقرأ أيضاً: 8 طرق بسيطة للاستمتاع في الحياة

المتعة والإنتاجية ليستا متناقضتين:

ربما نحتاج إلى نمط آخر في التفكير عندما يتعلق الأمر بتغيير وجهات النظر حول قيمة وأهمية النشاطات الترفيهية؛ حيث أجرى الباحثون دراسة أخرى تضمَّنَت سؤال المشاركين بعد بضعة أيام من عطلة "عيد الهالوين" عما فعلوه في العيد.

ومن بين النشاطات التي كان بإمكانهم الاختيار بينها، هي القيام بنشاطات ممتعة بغرض التسلية؛ مثل الذهاب إلى حفلة أو القيام بشيء ترفيهي يتضمن نوعاً من الهدف مثل أخذ أطفالهم في جولة على المنازل لطلب الحلوى أو القيام بخدعة (وهو النشاط الشائع لدى الأطفال في عيد الهالوين).

أشارت النتائج إلى أنَّ الأشخاص الذين يَعُدُّون أنَّ وقت الفراغ مشكوك بفائدته، فقد استطاعوا الاستمتاع أكثر بنشاطاتهم الترفيهية عندما شعروا أنَّها ذات هدف؛ لأنَّهم شعروا أنَّ نشاطهم الترفيهي لم يكن مجرد مضيعة للوقت.

قالت "مالكوك": "كنا نمنح المشاركين في الدراسة استراحة من النشاطات الأخرى التي تسبب الملل، ومع ذلك، فإنَّ الأشخاص الذين عدُّوا أنَّ الترفيه مضيعة للوقت، لم يروا أنَّ مشاهدة مقاطع الفيديو كانت ممتعة مثلما رآها الآخرون".

عندما يغير الناس وجهات نظرهم عن النشاطات الترفيهية بهذه الطريقة، فربما سيتمكنون من تقدير قيمة الاسترخاء والسماح لأنفسهم بأن يستمتعوا في الحياة.

المصدر




مقالات مرتبطة