كيف تستفيد من قوة الشك في حياتك المهنية؟

إنَّ عدم اليقين الذي تشعر به هو إرث أسلافنا، ففي وقتٍ مبكِّر من تاريخنا البشري، كان لعدم اليقين دورٌ هام في حمايتنا، فقد جعلنا حذرين نُقيِّم المواقف بعناية ونتجنَّب المواقف المشكوك فيها، كما شجَّعتنا تجربة عدم اليقين على تجنُّب مواقفٍ قد تكون خطيرة أو مليئة بالمجازفات من أجل الحفاظ على حياتنا.



ومع ذلك، في عصرنا الحديث من النادر أن يكون الخطر مُميتاً حينما نشعر بانعدام اليقين، وأصبح عدم اليقين أقل ارتباطاً بفكرة أنَّ البقاء للأقوى في هذه المرحلة الزمنية، وبدلاً من ذلك، يمكنه في الواقع إنشاء تجربةٍ معاكسة؛ حيثُ يتطوَّر بعض البشر الذين يتعلَّمون كيف يسيطرون على عدم اليقين.

وعلى الرغم من عدم وجود نمورٍ ذات أسنانٍ حادَّة خلف أبوابنا، فإنَّ عدم معرفة تفاصيل الموقف، والحل لمشكلة ما أو الإطار الزمني لحدثٍ ما - على سبيل المثال، الحجر الصحي بسبب الجائحة - لا يزال يُعيد لنا الشعور بالتهديد، فبقايا العصور الماضية هي التي تعطينا تصوراً سيِّئاً عن عدم اليقين.

كيف يمكن لعدم اليقين أن يؤذيك؟

نظراً لأنَّ عدم اليقين أصبح يؤدِّي دوراً أقل في الأذى البدني، فلا تزال هناك طرائق يمكنه من خلالها تقويض تقدُّمنا ونجاحنا.

1. العمل التقليدي:

يخلق عدم اليقين شكوكاً فيما يتعلق بكيفية إنجاز المهام وتحقيق النجاح؛ لذلك نعتمدُ على عاداتنا وسلوكاتنا وأفكارنا السابقة، قد يكون اتِّباع نهج العمل التقليدي أمراً آمناً، لكنَّه يعوق تطورنا، ففي هذه الحالة، نحن لا نُجرِّب طرائق مختلفة، ولا نتعلم أشياء جديدة، ونتوقف عن التفكير الإبداعي ونلجأ إلى الممارسات الروتينية، وبالمجمل نكون في حالة ركود.

2. الحد من الرغبة في المجازفة:

نحن نشعر بالضعف عندما نشعر بعدم اليقين فالمجهول يزيد من انعدام الأمن لدينا، ومن أجل تقليل هذه المشاعر، نحن نعود إلى طرائقٍ آمنة للتصرف، ونتردد إلى حد التقاعس عن العمل، وبذلك نحدُّ من فرصنا؛ وذلك لأنَّنا لسنا على استعدادٍ لقبول فرصةٍ في شيءٍ مختلفٍ أو جديد.

إقرأ أيضاً: 8 أسباب تجعل فرصة نجاح الأشخاص الذين يُقْدِمون على المجازفة أكبر

3. التركيز على السلبية:

نحن نميل في لحظات عدم اليقين إلى التركيز على الأشياء السيئة التي يمكن أن تحدث، وتميل الافتراضات التي يخلقها عدم اليقين لدينا إلى التركيز على النتائج السلبية المُحتَملة، فبمجرَّد حدوث ذلك، نبدأ دون وعي بتهيئة أدمغتنا للانتباه إلى المعلومات التي تدعم إمكان حدوث نتائج سلبية، وهذا يؤثر في كيفية رؤيتنا للعالم ويخرِّب أداءَنا.

شاهد بالفيديو: 8 طرق لتدريب العقل على التحلي بمزيدٍ من الإيجابية

ما هو دور اجترار الأفكار في عدم اليقين لديك؟

عندما نُحدِّد اتجاهاً لنسير وفقاً له، فإنَّنا غالباً ما نفكر في جميع الخيارات أو الجوانب لتحديد أفضل خطوة، ومع تزايد عدم اليقين لدينا، فإنَّنا نواصل تقييم جميع المعلومات، ونفقُد ثقتنا بقدرتنا على اتخاذ القرار الصحيح، وقد نأتي بمعلوماتٍ إضافية من مصادر متعددة، مما يزيد من تعكير العملية، وتبدأ عبارة "ماذا لو" لدينا بالسيطرة على أفكارنا، ونتردد في كيفية المضي قدماً، وبعبارةٍ أخرى، نكون عالقين في دائرةٍ من اجترار الأفكار.

يؤدي اجترار الأفكار دوراً مهماً في عدم اليقين؛ حيثُ يتضمن اجترار الأفكار بشكلٍ أساسي الإفراط في التفكير وتكرار الأفكار نفسها والخيارات، وقد يعاني الموظفون ذلك في أثناء تحديد ما إذا كانوا سيقبلون منصباً في شركةٍ أخرى؛ حيثُ تظلُّ أفكارهم تتقلب بين علاقاتهم مع شركاتهم الحالية، والمدة الطويلة التي قضوها هناك، وقرب عملهم من المنزل ومعرفة مسؤوليات وظيفتهم مقابل فرصة التطوُّر وزيادة الراتب والمرح والمشاريع الصعبة ومكتب في وسط المدينة، عوضاً عن تجاوَز هذه الأفكار، يظلُّ هؤلاء متأرجحين بين هذه العوامل.

إنَّ ممارسة اجترار الأفكار بهذه الطريقة لا تؤدي إلى نتيجة مثمرة أو اتخاذ قرار، ويمكن أن يخلق تجربة مماثلة لتكرار أغنيةٍ مزعجة في رأسك، والتي تستمر في إعادتها مراراً وتكراراً، وبشكلٍ عام، يؤدي اجترار الأفكار إلى شَكِّك بالموقف وبقرارك وبنفسك.

إقرأ أيضاً: كيف تتوقف عن اجترار الأفكار؟

ما هي الاستراتيجيات التي يمكنك استخدامها لإدارة عدم اليقين؟

للتأكُّد من أنَّ عدم اليقين لا يُفسد خططك للنجاح، إليك بعض الطرائق للتحكم به:

  1. تحديد الفكرة التي تخلق حالة عدم اليقين، فنظراً لأنَّ جميع المشاعر تتولَّد من الأفكار، فإنَّ معرفة ما هي الفكرة، تسمح لك بالتركيز على المصدر، فبمجرَّد أن تعرف الفكرة أو الأفكار التي تخلق حالة عدم اليقين، ستتمكن من التركيز على تغييرها.
  2. استبدال الفكرة بأخرى للتقليل من الشعور بعدم اليقين، فالأفكار البديلة لا تستند بالضرورة إلى المنطق؛ وذلك لأنَّ الكيفية التي تُفسِّر بها أدمغتنا "المنطق" يمكن أن تختلف، فعادةً ما تستند الأفكار البديلة الفعَّالة إلى البيانات أو الأدلَّة أو التجربة الشخصية. فقد تشعر مثلاً بعدم الارتياح بسبب عدم اليقين بشأن ما إذا كنت ستحصل على وظيفةٍ أجريتَ مقابلةً من أجلها، ففي الخطوة الأولى، أنت تُحدِّد الفكرة التي تخلق المشاعر: "أنا لست متأكداً من أنَّني أعطيتُ الإجابات الصحيحة لأسئلة المقابلة"، وقد تكون الفكرة البديلة هنا هي "لقد أعطيت الإجابات بناءً على خبرتي المهنية، وإذا لم تكن الإجابات مناسبة، فهذه الوظيفة ليست مناسبة لي على الأرجح"، قد يستغرق الأمر أحياناً محاولاتٍ عدَّة قبل العثور على الفكرة البديلة التي تُعَدُّ فعَّالة.
  3. إنشاء "نقاط اليقين" و"خطوات العمل" فيما يتعلق بالموقف: في السيناريو الذي نستخدمه، قد تكون إحدى نقاط اليقين أنَّك قدَّمت كل ما باستطاعتك في المقابلة، وقد تكون نقطةً أخرى هي أنَّك لم تسمع أي رد؛ وذلك لأنَّ لجنة التوظيف قالت سيتم اتخاذ القرار في غضون الأسابيع العديدة القادمة.

تخلق نقاط اليقين هذه الحدود المعروفة حول الموقف، وتُوازِن أو تحلُّ محلَّ أوجه عدم اليقين؛ وبذلك، تُوفِّر لك خطوات العمل شعوراً بالتحكم الوظيفي؛ حيث يمكنك كتابة رسالة شكر أو إرسال بريدٍ إلكتروني إلى لجنة التوظيف، والتقديم على وظائف أخرى، وإنشاء خطةٍ للتعرُّف إلى كيفية التعامُل مع الموقف إذا لم تتلقَّ رداً بحلول نهاية الشهر: احصل على اسم الشخص الذي يمكن الاتصال به، ودَوِّن رقم هاتفه وعنوان بريده الإلكتروني وحدد تاريخ الاتصال.

ما هي فوائد عدم اليقين بالنسبة إليك؟

بمجرد تطبيق الاستراتيجيات واستخدامها لإدارة عدم اليقين، يمكنك البدء بتحسين حالة عدم اليقين تجاه أهدافك، نعم يمكن أن يكون عدم اليقين أداةً فعالة نحو النجاح.

أولاً، يوفِّر عدم اليقين مساحةً لك للبحث عن فرصٍ مختلفة وخياراتٍ جديدة وحلول تغاضيت عنها، ثانياً، عندما لا تعرف كيف سينتهي الموقف، لا تحصِر نفسك في نتيجة نهائية واحدة محددة، ثالثاً، يمكننا بعد ذلك استكشاف هذه النتائج الأخرى والنظر فيها وتحليلها وتحديدها، قد ينتجُ عن هذا مساراً أفضل من المسار الذي كنت تتبعه في الأساس.

وفي نهاية المطاف، هو لا يحدِّد النتيجة النهائية أو الحل الوحيد الذي يُعَدُّ الهدف فيما يخص عدم اليقين، فالهدف عند مواجهة عدم اليقين هو تعلُّم أن تكون على ما يرام معه، وأن تُطبِّق الاستراتيجيات المذكورة؛ بحيث يمنحك عدم اليقين فُرصاً، ولا يفرض قيوداً، ولا يمنع افتراضاتك من اغتنام الفرص الجديدة التي قد تظهر.

ترتبط المسألة أيضاً بتبنِّي فكرة أنَّه في حين أنَّك قد لا تعرف النتيجة الدقيقة، إلَّا أنَّه سيكون لديك استراتيجيات أو خطط لمعالجتها مهما كانت، وبهذه الطريقة، يصبح عدم اليقين قوةً خارقة عوضاً عن كونه خصمك.

المصدر




مقالات مرتبطة