كيف تستخدم مصفوفة إدارة الوقت لإنجاز المهمات الهامة؟

عندما تحدث تغييرات أو اضطرابات كبيرة في الحياة، فإنَّ إدارة الوقت هي أول الأشياء التي نفقد سيطرتنا عليها، وفي تلك الحالات، قد يفقد الوقت كل معانيه، ويصبح مفهوماً تماماً لماذا تأخذ كلمتا "مُلِحٌّ" و"هام" معانٍ جديدة.



نشر ستيفن كوفي (Steven Covey) مفهوماً أطلق عليه اسم مصفوفة إدارة الوقت في كتابه: "العادات السبع للناس الأكثر فعالية" (The 7 Habits of Highly Effective People)، حيث قسَّم الوقت الذي نقضيه في أثناء الاستيقاظ إلى أربعة أجزاء:

  • الجزء الأول: مُلح وهام، مثل الحصول على المساعدة في حالة الطوارئ الطبية، أو منع طفل صغير من الاصطدام بسيارة.
  • الجزء الثاني: ليس مُلحَّاً، لكنَّه هام، مثل: تغيير زيت سيارتك بانتظام، أو تحقيق هدف الشركة بالرد فعليَّاً على كل اتصالٍ يَرِدُ من العملاء في غضون ساعة.
  • الجزء الثالث: مُلح، لكنَّه غير هام، مثل: إجابة زميل عمل يسأل سؤالاً ما، أو الرد على العروض التي ستنتهي في غضون وقتٍ قصير.
  • الجزء الرابع: ليس مُلحَّاً ولا هاماً، مثل: تصفُّح مواقع التواصل الاجتماعي، أو الرد على تعليقات نشرها أشخاص لا تعرفهم، أو مشاهدة التلفاز لساعات طويلة.

لتحقيق أفضل استخدام ممكن لهذه الأجزاء الأربعة، نحتاج إلى أن نكون صادقين للغاية بشأن كيفية التعامل مع شروط "كوفي"، وإليك كيفية القيام بذلك:

1. ربط الوقت بالمال:

إذا كنت ترغب في التخلص من عوامل تضييع الوقت في حياتك، فابدأ التعامل مع وقتك كما لو كان مالاً. قد يبدو اعتبار الوقت ثروة كبيرة مفهوماً غامضاً إلى حد ما؛ لذا سيؤدي ربطه بالمال إلى توضيح الأمر بسرعة.

يقترح الخبير المالي "ديف رامزي" (Dave Ramsey) تتبُّع كل قرش تكسبه عن طريق إدراج أموالك تحت فئات معينة، على سبيل المثال، قد يندرج 1000$ من راتبك التالي في فئة "الإيجار"، و400$ في فئة "مصروفات البقالة"، وما إلى ذلك.

من دون تقسيم الوقت إلى فئات ومراقبته، لن تكون إدارة الوقت أكثر من مجرد عملٍ مبنيٍّ على التخمين واتِّباع الحدس، ويُعدُّ الجمع بين مصفوفة إدارة الوقت وتقنية "كوفي" الخطوة الأولى نحو التحكم في وقتك، فقد تقرر أنَّ كل ساعة من وقتك تعادل 30$، فعلى سبيل المثال، قد تقضي 4.5 ساعة في مشاهدة التلفاز؛ أي ما يعادل 135$، دوِّن هذا في سجل يومي تحت عنوان "الترفيه". وإذا كنت مثل معظم الناس، قد تفهم المسألة بوضوح في نهاية الشهر عندما تجمع إجمالي المبالغ التي حددتها لفئات حياتك المختلفة.

قد تستخف بمبلغ 135$ الذي صرفته على مشاهدة التلفاز في يوم واحد، ولكن ما هو شعورك عندما تكتشف أنَّك أنفقت 1485$ في شهر واحد ضمن تلك الفئة؟ تذكَّر أنَّ قيمة وقتك في الشهر الواحد (31 يوم) -بافتراض أنَّك تبقى مستيقظاً 16 ساعة في اليوم- تساوي 14،880$، وبذلك قد تستهلك ساعات العمل وحدها بين 4500$ و6000$.

يمكنك الآن معرفة كيفية إدارة أولوياتك بوضوح تام، فهل كانت مشاهدة التلفاز تستحق حقاً حوالي 10% من إجمالي ساعات يقظتك؟ أنت فقط من يستطيع الإجابة عن هذا السؤال.

إقرأ أيضاً: قيمة الوقت: كم يستحق وقتك حقاً؟

2. تحضير نفسك للنجاح في مصفوفة إدارة الوقت:

2. 1. البدء بتدوين جميع المهمات:

في هذه المرحلة، كل ما تحاول القيام به هو تدوين أفكارك، لا تهدر أي طاقة في التفكير فيما هو مُلح أو هام أو موعد نهائي، سيأتي هذا الجزء لاحقاً، وفي الوقت الراهن، ما عليك سوى بذل قصارى جهدك لتدوين جميع المهمات التي تفكر بها في جدول بيانات أو على الورق.

استخدم أفضل الأدوات التي تناسبك حتى تتمكن من تدوين أفكارك في أسرع وقت ممكن، ولا تتوقف قبل التأكد من أنَّك تذكرت كل شيء ودوَّنته.

2. 2. تحديد موعد نهائي لكل مهمة:

ابدأ بملء المواعيد النهائية التي تعرف أنَّها لن تتغير، وللحفاظ على علاقات صحية، يجب أن تعطي الأولوية لالتزاماتك تجاه الآخرين، وإن أمكن، حدِّد مواعيدك النهائية قبل وقتها الحقيقي، فقد تحتاج إلى هذا الوقت الفائض في المستقبل، وابدأ إدارة الوقت بحيث تكون ذلك الشخص الذي لا يعطي وعوداً لا يستطيع الوفاء بها ويقدم أداءً يفوق ما هو مُتوقَّع.

ركِّز على المهمات المُلحة، ولكن كن حذراً عند تصنيفك لما هو "مُلح"؛ فما يبدو لك مُلحَّاً، قد لا يكون هاماً بالنسبة لعائلتك وأصدقائك وعملائك، فيحتاج كل شخص إلى تحديد تعريف شخصي يستخدمه في العمل، ولكن مبدئياً، استخدم هذا التصنيف باعتدال.

رتِّب الالتزامات السابقة حسبَ تصنيفك، ويمكنك دائماً الرجوع وترقية مهمة معينة إلى هذه الحالة، ولكن ابدأ إظهار بعض ضبط النفس، ففي النهاية إذا رأيتَ كل شيء مُلحَّاً، فلن يكون هناك أي شيء مُلح بحق.

شاهد بالفيديو: 7 طرق لتسليم مهامك في الموعد النهائي

2. 3. إعادة ترتيب قائمتك حسب الأهمية:

هنا تأتي أهمية استخدام جدول بيانات بدلاً من الورق؛ لذا أدخِل عمود الأهمية في جدول البيانات، أو اختر قلم تحديد بلون مختلف إذا كنت تستخدم الورق أو بطاقات الفهرسة، وامنح كل مَهمَّة تصنيفاً للأهمية من 1 (ليس هاماً على الإطلاق) إلى 100 (للأهمية القصوى).

يُفضَّل استخدام مقياس من 1 إلى 100 بسبب الدقة التي يوفرها، فعلى سبيل المثال، قد تكون مهمتان لهما تقييم 8 على مقياس من 1 إلى 10، لكن يمكنك التمييز بين 82 و88 عند الفرز.

إقرأ أيضاً: تحديد الأولويات: أفضل استثمار للجهد والوقت

3. إدراج حياتك في مصفوفة إدارة الوقت:

الآن، تراجع خطوة إلى الوراء وانظر إلى ما لديك، فإذا كنت قد أنجزت واجبك، فيجب أن ترى الآن كل مهمة من مهماتك جنباً إلى جنب مع تصنيفاتها من حيث الأهمية والإلحاح.

ابدأ بنقل كل مهمة إلى أحد الأجزاء الأربعة لمصفوفة إدارة الوقت، ويُفضَّل البدء بالموضوعات الواضحة، وبمجرد أن يكونوا على المخطط، تستطيع تقييم المهمات المتشابهة التي يمكن وضعها في جزأين، وقد تضطر إلى إعادة تصنيف المهمات من حيث الأهمية أو الإلحاح، ولكن لا بأس بذلك؛ فقد تدرك أنَّ بعضها ليس هاماً أو مُلحاً كما كنت تعتقد في البداية.

3. 1. الجزء الأول "إبقاء هذا الجزء مفتوحاً على كل الاحتمالات":

حاول قدر الإمكان إبقاء أكبر عدد ممكن من المهمات خارج الجزأين المُلح والهام، وقد لا يكون ذلك ممكناً في محاولتك الأولى في إدارة الوقت، ولكن حاول على الأمد البعيد الحفاظ على مساحة مفتوحة في الجزء الأول، ويمكنك تحقيق ذلك من خلال التعامل مع المهمات التي تظهر في الأجزاء الثلاثة الأخرى بأكبر قدر ممكن من الكفاءة والفاعلية.

على سبيل المثال، يرغب مؤسس شركة ناشئة في الحفاظ على لياقته البدنية، ولكن ليس لديه الوقت الكافي ليقضيه في صالة الألعاب الرياضية.

يوصي الصحفي في صحيفة وول ستريت جورنال (Wall Street Journal) الدكتور جون جاكويش (John Jaquish) بتمرينات المقاومة المتغيرة بدلاً من تمرينات الأوزان الثقيلة؛ حيث يقول: "ثبت علمياً أنَّ تمرينات المقاومة المتغيرة تؤدي إلى نتائج أفضل للياقة البدنية في وقت أقل بكثير، هذا إلى جانب نظام غذائي غني بالبروتين يمكن أن يمنح روَّاد الأعمال النتائج التي يريدونها دون التضحية بوقت ثمين من يومهم".

قد يتصل بك عميل بعد 10 دقائق من الآن ويطلب شيئاً ترى أنَّ مكانه المناسب هو الجزء الأول، قد لا يوجد تخطيط أو تحضير من جانبك يمكن أن يمنع وضعه هناك؛ لذا فهذا ليس خطأك؛ فمهمتك هي إبقاء هذا المكان متاحاً لهذا الاحتمال.

3. 2. الجزء الثاني "إنجاز المهمات المُحدَّدة زمنياً":

إذا كان هناك شيء هام، فهناك فرصة جيدة لأن يصبح مُلحاً في النهاية، وباستخدام مثال تغيير زيت السيارة، من الواضح أنَّك تريد معالجة هذه المهمة قبل أن يتعطل محرك سيارتك، وإذا لم تفعل ذلك، فيجب نقل هذه المهمة فجأةً من الجزء الثاني إلى الجزء الأول، وبذلك سيكون لديك جزء أول جديد تماماً، أو ستضطر إلى استئجار سيارة.

قد لا تصبح مهمات الجزء الثاني الأخرى مُلحَّة أبداً، لكن هذا لا يقلل من أهميتها؛ حيث تقول الكاتبة والمساهمة في مجلة فوربس (Forbes) دانا براونلي (Dana Brownlee): "ربما تكون ملتزماً بتعلُّم المزيد للمساعدة في تعزيز مناهضة العنصرية في مكان العمل، ولكن لن يتحقق هذا الهدف على الأرجح إلا إذا حدَّدت الوقت مسبقاً في برنامجك اليومي لضمان تخصيص الوقت اللازم لتحقيقه"، فبدون بذل جهد واعٍ لجدولة هذه المهمات، فإنَّها لن تُنجز أبداً.

3. 3. الجزء الثالث "طرح بعض الأسئلة عن العناصر المُلحَّة":

توجد مشكلة واحدة على الأقل في هذه الفئة وهي أنَّ المهمات المُلحَّة غالباً ما تبدو هامة، ومن الشائع الخلط بين الاثنتين؛ لذلك من الضروري أن تتعلَّم كيفية التمييز بينهما، ويُعدُّ استلام رسالة نصية من عميل محتمل تأمل في التعامل معه أمراً مُلحَّاً، بينما يمكنك تأجيل رسالة بريد إلكتروني من شركة التأمين تطلب تحديد موعد لمراجعة السياسة السنوية حتى يوم الجمعة.

تحمل رسائل البريد الإلكتروني والبريد الصوتي والرسائل النصية وغيرها من أشكال التواصل الفوري دائماً طابع الإلحاح، ولكنَّها قد لا تكون هامة، فعندما تنظر إلى المهمات الموجودة في الجزء الثالث، اسأل نفسك عما إذا كنت تشارك إحساس المرسل بالإلحاح أم لا، فقد حان الوقت لإلغاء الاشتراك مع بعض المجموعات أو الأفراد أو الرسائل الإخبارية لتقليل الفوضى في الجزء الثالث.

3. 4. الجزء الرابع "تحقيق أقصى استفادة من نشاطاتك غير المُلحَّة وغير الهامة":

الجزء الرابع هو الجزء الذي يرغب في التخلص منه كل من يريد أن يتقن إدارة الوقت، ولكن لا تتسرع في ذلك، فبينما تريد بالتأكيد التخلص من الوقت الضائع، فإنَّ هذا أيضاً هو الجزء الذي يحتوي على فترات الاستراحة؛ وبدلاً من التعهد بإلغاء جميع نشاطات الجزء الرابع بالكامل، حقق أقصى استفادة من النشاطات التي تشارك فيها.

أولاً، ابدأ إلغاء أو تفويض المهمات التي لا تُمثِّل أفضل استخدام لوقتك، بالتأكيد قد تحتاج إلى إعادة تنسيق تقرير ما، ولكن من الأفضل تكليف أحد المتدربين بتنسيقه نيابة عنك، واستخدم البرامج لأتمتة عملية إرسال رسائل البريد الإلكتروني الهامة حتى لا تضطر إلى إرسالها جميعاً بنفسك.

عندما يتعلق الأمر بالاستراحة، اعرف النشاطات التي تجعلك تشعر بالانتعاش وتلك التي تجعلك تشعر بالإرهاق، ووافق على نشاط المشي في الغابة وارفض الجدال مع الغرباء على وسائل التواصل الاجتماعي؛ فعندما تختار النشاطات الترفيهية بحكمة، ستحقق أقصى استفادة من الجزء الرابع.

إقرأ أيضاً: الأهم أولاً: نصائح سريعة من كتاب إدارة الأوليات لستيفن كوفي

أفكار أخيرة:

تعد مصفوفة "كوفي" لإدارة الوقت أداة رائعة يجب استخدامها عندما تشعر أنَّ برنامجك يتحكم بك بدلاً من أن تتحكم به، ويتوقف نجاحك فيها على مستوى صدقك مع نفسك عند تصنيف المهمات.

لا تتردد في سؤال نفسك: "هل هذا أمر مُلح حقاً؟"، ستحتاج أيضاً إلى التمييز بدقة بين ما هو هام بالنسبة لك وما هو هام بالنسبة لشخص آخر، ومن السهل جداً قبول تصنيف شخص آخر بأنَّ شيء ما هو "هام" أو "مُلح" دون أن تجادله في ذلك.

الأمر الجيد في إدارة الوقت هو أنَّه يمنحك تحكماً كاملاً في برنامجك دون الميل إلى التفكير الجامد، فيحتاج روَّاد الأعمال، على وجه الخصوص، إلى مراعاة بعض المرونة في برامجهم حتى يتمكنوا من الاستفادة من فرص الجزء الأول التي تظهر فجأة، ومع ذلك، فإنَّ الإفراط في المرونة، سوف يؤدي إلى إضاعة الوقت.

في أثناء قيامك بتخصيص تقنيات "كوفي" و"رامزي" لتناسب حياتك، امنح نفسك الفرصة لارتكاب الأخطاء والتعديل حسب الحاجة، وفي النهاية سوف تنجح لا محالة.

 

المصدر




مقالات مرتبطة