كيف تستخدم الذكاء العاطفي في فهم مشاعرك والعيش بذكاء؟

لقد نجحنا بالفعل في فك شيفرة الحياة؛ إذ يتطلب التمتع بصحة جيدة تناول طعام صحي وممارسة الرياضة، ويتطلب تحقيق النجاح العمل بجد وذكاء، وأما عن السعادة، فيتطلب تحقيقها الرضى بما لديك وتقديم عطاء يفوق ما تتلقاه والاستمتاع بوقتك من حين إلى آخر؛ فهي أمور أصبحت بديهية، ويعرفها الجميع؛ لكنَّ ثلثي سكان الولايات المتحدة يعانون من زيادة الوزن، ولا ينجح الجميع، ويبدو أنَّ البؤس منتشر بقدر انتشار السعادة، ولا يفاجئنا كل هذا؛ لأنَّنا اعتدنا رؤية مثل هذه الأمور، حتى إنَّنا وقعنا فريسة لها بأنفسنا.



إليك فيما يأتي الأخطاء التي ارتكبها بعض مشاهير العالم:

  • كان لرئيس الولايات المتحدة الأسبق "بيل كلينتون" (Bill Clinton) علاقة غرامية.
  • سرق رجل الأعمال الأمريكي "بيرني مادوف" (Bernie Madoff) نحو 50 مليار دولار في أكبر عملية احتيال في العالم.
  • توفي الممثل الأمريكي "كريس فارلي" (Chris Farley)، والمغني الأمريكي "إلفيس بريسلي" (Elvis Presley)، وكثيرون غيرهم بسبب تعاطي المخدرات.
  • توفي مؤسس شركة "فيكتورياز سيكريت" (Victoria’s Secret)، "روي ريموند" (Roy Raymond) منتحراً.

أيُعقَل أنَّ أحداً من هؤلاء الأشخاص لم يعرف الحل المناسب في وضعه؟ فهل اعتقد "بيل كلينتون" أنَّ الدخول في علاقة غرامية سيساعده في حياته المهنية؟ أولَم يعلم "بيرني مادوف" أنَّ السرقة فعل شائن؟ لقد عرف هؤلاء الأشخاص ما هو صائب؛ لكنَّهم اختاروا الخطأ بمحض إرادتهم.

العواطف الإنسانية:

وقع "بيل كلينتون" فريسة الشهوة، بينما سمح "بيرني مادوف" للجشع بتسيير حياته، كما أُصيب "روي ريموند" بالاكتئاب بعد أن أفلست شركته الثانية وانفصل عن زوجته، وهذا دفع به إلى الانتحار، وإنَّ القاسم المشترك بين كل هؤلاء الأشخاص هو أنَّهم يتركون حالتهم العاطفية تملي عليهم أفعالهم.

كان "روي ريموند" شخصاً ذكياً وماهراً جداً؛ فربما وجد الحب مرة أخرى بعد الطلاق، أو استطاع بدء عمل تجاري آخر أو على الأقل الحصول على وظيفة مرموقة بمؤهلاته، وكان من الممكن أن يكون سعيداً لو تمتع بالعقلية المناسبة؛ لكنَّه اختار الاعتقاد بأنَّه لم يبق له أي شيء، فدفعته مشاعره السلبية إلى الانتحار.

كما ينطبق الأمر ذاته على الجرعات الزائدة من المخدرات؛ إذ يتعاطى الناس المخدرات لملء فراغ في حياتهم، وعندما يسبب شيء ما الإدمان ويجعلك تشعر باللذة، فسيكون خطر أخذ جرعة زائدة منه مرتفعاً، وللأسف، يمكن أن يتسبَّب في قتلك، وتكمن المفارقة في أنَّ الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات يتعاطونه ليشعروا بتحسن، أما الانتحار فيلجؤون إليه للتوقف عن الشعور بأي شيء؛ فكلاهما رد فعل على القلق العاطفي والألم.

أما "مادوف" صاحب السمعة السيئة، فقد سرق ناساً كثيرين، وكذب على ناس أكثر من ذلك بكثير، ولقد كان جشعاً مثل الكثيرين غيره، لكن على عكسهم، كان لديه الدهاء والمكانة لاستغلال تلك السمة.

شاهد بالفيديو: 8 طرق يمكنك من خلالها بناء ذكائك العاطفي

هل العواطف سيئة إذاً؟

كانت المشاعر الخارجة عن السيطرة المشكلة الأساسية مع هؤلاء الأشخاص؛ فكانوا جميعهم يعرفون الصواب من الخطأ؛ لكنَّهم اختاروا إرضاء مشاعرهم التي أحسوا بها في تلك اللحظة، الأمر الذي قمنا به جميعاً في مرحلة ما من حياتنا، فما هو المغزى من هذه القصص إذاً؟

لا يعني كل هذا إلغاء عواطفنا؛ لأنَّها هامة وذات قيمة، فمعانقة شريك حياتك، ومشاهدة فيلم رائع، والاستمتاع بإجراء محادثة، ودفعة السعادة تلك التي تأتيك دون سبب معين، جميعها تجارب مدهشة تثري حياتنا، ومن السهل معرفة لماذا يعيش بعض الناس لمشاعرهم؛ ذلك لأنَّ مشاعرنا هي التي تجعلنا نشعر بأنَّنا على قيد الحياة.

إقرأ أيضاً: ما هي العواطف؟ وما هو مفهومها؟

ماذا يجب أن نفعل بعواطفنا؟

العواطف هي مؤشرات وأجهزة استشعار في المقام الأول؛ فهي تشير إلى وجود مشكلات داخلية أو خارجية مثل الشعور بالغضب والحزن والاكتئاب والقلق، كما تشير إلى التمتع بحياة صحية مثل الشعور بالسعادة والفرح والضحك، كما تستشعر العواطف المواقف أيضاً، وهذا يجعلنا نشعر بكل شيء من الكراهية والغيرة إلى الصداقة والحب، والعواطف مفيدة جداً في إعلامنا بما يجري وراء أي حدث سطحي.

لا بُدَّ أنَّك تحدثت إلى شخص ما وشعرت بعدم الارتياح ذات مرة، فهذا مؤشر عاطفي يعني أنَّك لا تحب الشخص هذا أو لا تثق به أو لا تستطيع التفاهم معه، أو قد تنظر إلى شخص ما لأول مرة، وتشعر على الفور بالحماسة والسعادة، فيعني هذا أنَّك انجذبت إليه، وتسمى قدرتنا على فهم ماهية عواطفنا وكيفية التعامل معها بالذكاء العاطفي (Emotional Intelligence).

إقرأ أيضاً: الذكاء الوجداني (العاطفي) نافذتك على التوازن النفسي والنجاح في الحياة

أهمية الذكاء العاطفي في العيش بذكاء:

العواطف هامة؛ لكنَّ المدارس لا تعلمنا شيئاً عن الذكاء العاطفي؛ فلا يعرف معظم الآباء سوى القليل عن الذكاء العاطفي مثلهم مثل أطفالهم، وهذا يزيد انتشار "الغباء العاطفي"، وهو أن يعيش الناس بمشاعر لا يعرفون كيف يفسرونها أو يتحكمون بها؛ فلا نعرف سوى أنَّ البكاء يعني الحزن، وأنَّ الابتسامة العفوية تعني أنَّنا سعداء؛ لكن لسوء الحظ لا يكفي إدراك العواطف هذه فقط في الحياة.

إذا كان لديك ما يكفي من المقومات لامتلاك جهاز كمبيوتر وإمكانية الوصول إلى الإنترنت لتتمكن من قراءة هذا المقال، فعلى الأغلب لا تكمن مشكلتك في أنَّك لا تستطيع كسب قوت يومك؛ بل في أنَّ وظيفتك تثير توترك، أو تريد مزيداً من الحياة، أو تشعر بالوحدة؛ فهذه مشكلات عاطفية.

إنَّ التعقيد العاطفي وراء بعض القرارات هائل، وقد يكون من الصعب سبر أغواره؛ لكنَّ الأمر يتحسن مع الممارسة، فيمارس ما يقرب من 1 من كل 592 شخصاً - وهي بيانات غير مؤكدة - مهارة تحديد مشاعرهم، فإذا أردت أن تطور تلك المهارة لديك، وتستفيد من القوة التي تكتسبها من تحديد مشاعرك، فابدأ بسؤال نفسك: كيف أشعر؟

إقرأ أيضاً: التنظيم الذاتي العاطفي: مفهومه واستراتيجياته

كيف يساعدك فهم مشاعرك في الحياة اليومية؟

إذا شعرت بالتوتر بسبب إلقاء خطاب، ففهم ذلك الشعور ومعالجة مخاوفه غير المنطقية - فأسوأ سيناريو قد يحدث هو إلقاء خطاب سيئ، وهو ليس بحدث مروع في الحياة - سيخفف من الضغط الهائل الذي يلقيه على كاهلك جهازك العصبي، وإذا خفت من مستقبلك، فنحن نعطي القوة لمخاوفنا عندما نتجاهلها؛ لذا اعترف بما يخيفك وواجهه، فالحلول ليست مستحيلة كما أشار خوفك، أما إذا شعرت بالحزن، فلا تنكر ذلك؛ بل اعترف به؛ إذ يشعر الناس بتحسن بعد البكاء؛ لأنَّه يحرر قواهم العاطفية، وبعد الانتهاء منه، سيرون في النهاية أنَّ دوام الحال من المحال، وستستمر الحياة.

في الختام:

الذكاء العاطفي مهارة تستحق التطوير؛ فالعامل المشترك بين كل الأمثلة السابقة هو أنَّك عندما تقر بشعور ما، تديره بصورة أفضل، أما عندما تنكره، فقد يتفاقم بداخلك ويخرج بطرائق غير متوقعة؛ لذا كلما ازداد وعيك بمشاعرك، خدمتك أكثر وسبَّبت أضراراً أقل.




مقالات مرتبطة