كيف تساعدك عواطفك على الشعور بالسعادة؟

لقد مضى عام ونيِّف ونحن نعيش في حالة من الاضطراب، فباتت مختلف أنواع العواطف تعصف داخلنا، منها الإحباط والقلق والغم الذي يتبعه شعور الراحة ثم الابتهاج والترقب، وإذا كنت تشعر بمزيج من هذه المشاعر خلال الجائحة؛ فعلى الأرجح أنَّ الأمر سيستمر على هذا المنوال لبعض الوقت.



ومع وجود كل هذه المشاعر، فإنَّ فهم ومراقبة وإدارة عواطفك، سيسهم إلى حد كبير في تحقيق النجاح والسعادة في الحياة؛ وذلك لأنَّه أمر هام أكثر مما نظن، وهناك علم مختص يثبت ذلك؛ لذا فإليك 4 نصائح تفيدك في المضي قدماً في أثناء بدء حياتك في فترة ما بعد الجائحة، كما يساعدك على تجديد أو ربما إعادة التفكير في أساليبك:

1. لا تطلق الأحكام:

يمكن أن تتأثر سعادتنا سلباً إذا حكمنا مسبقاً على مشاعرنا الخاصة سواء كانت صحيحة أم ما إذا كان ينبغي لنا أن نشعر بها، فقد نقسو على أنفسنا في بعض الأحيان؛ وذلك لاعتقادنا بأنَّه ينبغي أن نكون أكثر تأثُّراً عندما نواجه موقفاً محزناً، أو يجب أن نكون أكثر ابتهاجاً عندما نمر بموقف سعيد ومفرح، أو قد يتبادر إلى أذهاننا أنَّنا أكثر توتراً وإجهاداً مما يتطلبه الموقف.

وتشير الأبحاث التي أُجريت على 2324 شخصاً من ثماني دول، والتي نشرتها رابطة علم النفس الأمريكية (American Psychological Association)؛ وذلك لأنَّه عندما نقيِّم عواطفنا تقييماً سلبياً، فإنَّنا نكون عرضة للشعور بالاكتئاب أو الحزن، إلا أنَّ معايشة مجموعة مختلفة من العواطف أمر طبيعي؛ حيث تعدُّ تجاربنا فريدة من نوعها، ومن ثم يجب أن نرأف بأنفسنا حيال بعض المُثل والقيم التي نظن أنَّنا ينبغي أن نتمثلها أو كيف نعتقد أنَّنا يجب أن نشعر.

ومن الخرافات المنتشرة أيضاً الظنُّ بأنَّنا ينبغي أن نكون سعيدين طوال الوقت، وقد ذكر البحث الإضافي المنشور من قبل جمعية علم النفس الأمريكية (American Psychological Association)؛ أنَّ شعور التوتر والقلق ليس بذاك السوء؛ بل إنَّ له دوراً أحياناً في لفت انتباهنا إلى الخطر أو إلى شيء معين نحتاج إلى تغييره في حياتنا؛ إلا أنَّها أصبحت طاغية أو تسبب لنا أذية، فبطبيعة الحال يجب أن نطلب المساعدة.

من الطبيعي أن تتقلَّب مشاعرنا صعوداً وهبوطاً؛ وذلك لأنَّه عندما تراودك مشاعر القلق أو الكآبة، فذلك يزيد من حدة المشاعر السلبية ليس إلا؛ حيث يصف مفهوم تضخُّم السعادة (happiness inflation) أو ما يطلق عليه علمياً تكيف المتعة (hedonistic adaptation)، الاعتقاد السائد بأنَّه لا بد للسعادة أن تكون في تزايد مستمر؛ إلا أنَّ ذلك ليس أمراً واقعياً؛ حيث تمر الحياة علينا بحلوها ومرِّها، وتختلف ردود أفعالنا، ويساهم تقبُّل هذا المسار الطبيعي للحياة في تحقيق السعادة، عن طريق تخفيف الضغط والتخلص منه، وذلك بتبنِّي النظرة الإيجابية للأمور باستمرار.

شاهد بالفديو: 10 طرق مثبتة علمياً تجعلك أكثر سعادة

2. كن صادقاً:

تشكِّل قدرتك على التصرف على سجيتك والتعبير عن نفسك قاعدة أساسية للسعادة؛ حيث يظن الكثيرون أنَّ الجائحة قد سلَّطت الضوء على الصحة العاطفية، وقد وجدت دراسة أُجريت في المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية (National Institute of Child Health and Human Development) أنَّ الأطفال الذين يترعرعون في بيئة أسرية تعبِّر عن ذاتها، يواجهون تحديات أقل تتعلق بالقدرات المعرفية والنمو، كما وجدت الدراسات التي أُجريت في جامعة إكسيتر (University of Exeter) أنَّه من المحتمل لأولئك الذين لا يتصرفون على طبيعتهم أن يعانوا من تقدير منخفض لذواتهم وعدم الرضى عن وظائفهم، كما يكونون أقل التزاماً بعملهم.

وقد ظهرت النتائج السلبية على الناس الذين لا يستطيعون الإفصاح عما يجول بداخلهم، وهو ما يعد أمراً بالغ الأهمية لبناء العلاقات والثقة؛ ولكن هذا لا يعني أنَّك ينبغي أن تشارك الناس بكل شيء؛ وذلك لأنَّ الإفراط في تقديم المعلومات مشكلة واقعية؛ ولذا ينبغي أن يساعدك الظرف وسياق الحديث على تحديد قدر معين من المعلومات التي تستطيع مشاركتها، ولكن يسهم الانفتاح، عموماً في بناء الثقة والعلاقات الإيجابية.

يقدِّر الناس أولئك الذين يتسمون بالصدق وفرصة الشعور بمجموعة من العواطف، وقد أظهرت دراسات أجرتها جامعة واشنطن (Washington State University) على أكثر من 500 مقطع فيديو لأناس يقدِّمون عروضاً على منصة كيك ستارتر (Kickstarter) أنَّه عندما أظهر مقدمو العروض مشاعر السعادة والغضب والحزن والخوف؛ حققوا مشاهدات أكثر وازداد ربحهم ومن ثمَّ توسَّعت قاعدة المساهمين؛ وذلك لأنَّه لا يثق الناس بما لا يفهمونه؛ حيث نميل إلى تفضيل الناس الأكثر انفتاحاً ما يجعل ذلك سبباً إضافياً للتعبير عن مشاعرك والبقاء على سجيتك وقول ما تشعر به بحق.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح مهمة لتتمتع بكاريزما اجتماعيّة

3. تعلَّم كيف تتحكم بنفسك:

في حين أنَّه من الإيجابي التأكد من صحة عواطفك والتعبير عنها، فمن الحكمة أيضاً أن تديرها؛ حيث إنَّه من الممكن أن تخطئ في التفسير أو تبالغ في ردود فعلك العاطفية.

وقد كان العلاج السلوكي المعرفي ناجحاً إلى حد كبير في علاج مسائل الصحة العقلية؛ وذلك من خلال مساعدة الناس على تغيير تفكيرهم؛ حيث يمكن للأفكار والمعتقدات والمواقف الخاطئة، أن تقود المشاعر والسلوكات؛ لذا فمن المفيد التفكير في الأمور التي تثير أفكارك وعواطف غير ضرورية أو قوية؛ ولذا تحدَّ مشاعرك واعلم أنَّك تستطيع إنقاذ نفسك من السقوط في الهاوية.

ومن المهم أن تدير عواطفك؛ وذلك لأنَّ لها تأثيراً غير مباشر ولكنَّه فعال، فقد أثبتت الأبحاث في جامعة كاليفورنيا (University of California) ذلك، فضلاً عن الأبحاث في جامعة ويسكونسن (University of Wisconsin)، والتي وجدت أنَّ المشاعر تؤثر في الانطباعات الأولى، وعندما يحدث هذا تستمر ردود الفعل لفترة أطول؛ فإذا كان الناس يشعرون بالسلبية عموماً، فيمكن للعاطفة أن تؤثر في تصوراتهم بالشخص الذي يقابلونه.

لا ينعكس التعامل مع عواطفك وفهمها وإدارتها على وضعك الحالي فحسب؛ وإنَّما على كيفية فهم الناس من حولك وعلاقاتك معهم أيضاً، فقد أظهرت أبحاث إضافية أنَّ عواطفك تؤثر في فهمك للحقائق، فإذا كنت تشعر بالسلبية فقد ترى نصف الكأس الفارغ فقط من أي أمر تواجهه، ومن ثمَّ عليك معرفة كيفية تحليل الحقائق والتواصل مع من حولك بنفسك.

يعرَّف التنظيم الذاتي بأنَّه القدرة على إدارة استجاباتك وردود أفعالك واتخاذ إجراءات بنَّاءة، وقد درَّسته جامعة جيفاسكيلا (University of Jyväskylä) على مدار 40 سنة، ووجدت البحوث أنَّه عندما يكون لدى الناس قدرة أكبر على التنظيم الذاتي، فإنَّهم يحققون أهدافاً تعليمية أكبر، ويحققون مزيداً من النجاح في العمل والعلاقات الشخصية، كما يُظهر الأشخاص الذين ينظمون أنفسهم أيضاً سلوكات أكثر صحة ويكون لديهم علاقات اجتماعية أفضل، فضلاً عن كونهم أكثر مرونة مع تحديات الحياة؛ لذا فإنَّ التركيز على معالجة العواطف والعمل بطرائق بنَّاءة هما مفتاح النجاح.

4. اطلب المساعدة وقدمها للآخرين:

يعني امتلاكك لمشاعر جياشة أنَّك قادر على التعاطف مع الآخرين؛ حيث إنَّ تحديد مشاعرك الخاصة يمكن أن يساعدك على التعرف إليها والتأكد من صحتها مع الناس من حولك، كما قد يكون هناك جين خاص بذلك، فقد وجدت دراسة أجرتها جامعة كامبريدج (University of Cambridge) على 89,000 شخص في جميع أنحاء العالم، وجود متغير في الصبغي البشري الثالث عند النساء كان مرتبطاً بقدر أكبر من التعاطف والقدرة على قراءة مشاعر الآخرين، وبغض النظر عن نوع الجنس أو علم الوراثة، فقد وجدت دراسة أخرى أجرتها جامعة رويال هولواي (University of Royal Holloway) أنَّه يمكن للناس التأثير في الآخرين عندما يكونون أكثر تعاطفاً وليسوا مدفوعين بالأنانية أو البحث عن السلطة؛ وبذلك يكون تمثيل قيمك في المجتمع، نقطة قوة لمصلحتك؛ وذلك لأنَّها تمنحك الفرصة لأن تؤثِّر إيجاباً.

وأخيراً؛ إذا كنت تشعر بالتوتر أو القلق أو الاكتئاب؛ فاطلب المساعدة وتجنَّب التنفيس عن مشاعرك عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ بل سارع إلى التواصل وطلب الدعم من الناس وجهاً لوجه، فقد وجدت أبحاث أجرتها جامعة ولاية ميشيغان (Michigan State University) أنَّه عندما طلب الناس الدعم من مجموعات على الإنترنت لم تتحسن صحتهم العقلية؛ بل إنَّ الاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي قلَّل بالفعل من صلة الناس بمجتمعهم؛ الأمر الذي أدى بدوره إلى الحد من شعورهم بالأمان؛ لذا اطلب الدعم من الأصدقاء المقربين الذين يمكنك التواصل معهم شخصياً.

إقرأ أيضاً: كيف تطلب المساعدة عندما تخشى ذلك؟

في الختام:

تُعدُّ العواطف أمراً معقداً عموماً؛ إلا أنَّها ملكنا، ويجب أن نفهمها ونديرها، وبدل أن نبقى تحت رحمة عواطفنا، ينبغي أن ندرك ونذكِّر أنفسنا بقدرتنا على التأثير في كيفية رؤيتنا للأشياء وردود أفعالنا تجاهها، ومن ثمَّ نستطيع تهيئة الظروف التي تُشعِرنا بالسعادة والتي تجعلنا بنَّائين ومُبادرين على حد سواء.

المصدر




مقالات مرتبطة