كيف تساعدك استراتيجية الذات المستقبلية على تحقيق مزيد من النجاح؟

عندما فاز الممثل "ماثيو ماكونهي" (Matthew McConaughey) بجائزة الأوسكار لأفضل ممثل في عام 2014، ألقى خطاباً رائعاً حول كيفية نجاحه في الحياة، وقال إنَّ جزءاً كبيراً من نجاحه يرتبط بـ "بطله"، الذي هو الإنسان الذي يحلم أن يكون بعد 10 سنوات.



نقدِّم لك في هذه المقالة أحدث الأبحاث في علم النفس حول موضوع تطوير الشخصية والهوية، وسوف تتعلم لماذا تُعَدُّ الهوية أكثر أهميةً بكثير من الشخصية، وكيف أنَّها محرِّك الشخصية، وكيفية تصوُّر نفسك في المستقبل كي تتمكن من التوقف عن عيش حياتك بناءً على شخصيتك التي كانت في الماضي، ولكن دعنا أولاً نتذكَّر ما قاله "ماكونهي" في خطابه:

"عندما كان عمري 15 عاماً، كان يسألني شخص هامٌّ جداً في حياتي "من هو بطلك؟" وكنتُ أقول له: "إنَّه أنا بعد 10 سنوات". وبعدما بلغتُ الخامسة والعشرين من عمري، سألني الشخص نفسه ما إذا صرتُ بطلاً كما تطلَّعتُ، ولكنَّني لم أكن كذلك، فقلتُ له: "سأكون بطلاً في الخامسة والثلاثين". كما ترون، كنتُ أرى بطلي دائماً بَعد 10 سنوات؛ لذا لن أكون البطل الذي أردتُه أبداً، ولن أحقق ما أريد، وأعلم أنَّني لستُ بطلاً، وهذا جيد بالنسبة إليَّ؛ لأنَّه يدفعني إلى السعي باستمرارٍ إلى امتلاك الشخصية التي أريد امتلاكها".

سيكولوجية "ذاتك المستقبلية":

يتحدَّث "دانييل جيلبرت" (Daniel Gilbert)، عالم النفس في "جامعة هارفارد" (Harvard University)، في خطاب ألقاه على منصة "تيد" (TED) بعنوان "سيكولوجية ذاتك المستقبلية" (The Psychology of Your Future Self)، عن نتيجة رائعة اكتشفها من خلال أبحاثه، ويوضح "جيلبرت" أنَّه عندما يسأل الناس عما إذا كانوا يعتقدون أنَّهم الشخص نفسه الذي كانوا عليه قبل 10 سنوات، يقول معظمهم: "لا"، فمن السهل جداً أن نرى التغييرات التي طرأَت على ذواتنا السابقة إلى ذواتنا الحالية، كما يقول "جيلبرت" إنَّ الناس يغيِّرون عادةً المعتقدات التي اعتقدوا في السابق أنَّها جيدة.

ولكن هنا حيث يصبح الأمر مثيراً للاهتمام حقاً، فرغم قدرة الناس على تمييز التغييرات في أنفسهم، يقللون باستمرار من شأن التغييرات التي ستحدث في المستقبل، ويطلق "جيلبرت" على هذا "وهم نهاية التاريخ" بقوله: "تسير حياة البشر بلا انقطاع، لكنَّهم يخطئون حينما يعتقدون بأنَّها انتهت".

في الواقع، من السهل أن تعتقد بأنَّ شخصيتك الحالية ستكون شخصيتك المستقبلية، وهذا ليس صحيحاً؛ إذ يُظهر البحث الذي أجراه "جيلبرت" وآخرون أنَّ شخصيتك ستتغير كثيراً بمرور الوقت، سواء فعلتَ أي شيء حيال ذلك أم لا.

بصرف النظر عن وهم نهاية التاريخ، ثمَّة بعض الأسباب الأخرى التي تجعل الناس يفترضون خطأً أنَّهم سوف يظلُّون كما هم على الدوام، وأحد الأسباب هو ما تسميه عالمة النفس "كارول دويك" (Carol Dweck) "العقلية الثابتة". لقد وجدَت "كارول" في بحثها أنَّ أولئك الذين يمتلكون عقليةً ثابتةً يحدِّدون مستقبلهم من خلال حاضرهم؛ بمعنىً آخر، إنَّهم يأسرون أنفسهم فيما يحدث في الحاضر فحسب، فإذا فشل أحدهم في الاختبار، يعتقد أنَّه غبي ولن يتجاوز هذا الفشل أبداً؛ وبالتالي، يَعُدُّون الحاضر أداةَ القياس النهائية لما سيحدث دائماً.

إقرأ أيضاً: 5 طرق لتنمية عقلية النمو لتطوير الذات

في المقابل، فإنَّ أولئك الذين يمتلكون عقلية النمو، يستمتعون بما هو موجود حتى الآن دون أن يهتموا بالحاضر اهتماماً مفرطاً ولا يحددون مستقبلهم بناءً على شخصياتهم الحالية؛ بل يرون أنفسهم في حالة من التحوُّل المستمر، وإذا فشلوا، يَعُدُّون الفشل مجرد درس يتعلمون منه.

السبب الرئيس لتكوين العقلية الثابتة هو التجارب المؤلمة التي لم تُحَل - كبيرة كانت أم صغيرة - والتي يمكِن وصفها بأنَّها "صدمة". قد يكون الفشل في اختبار الرياضيات - على سبيل المثال - مؤلماً إذا أصبح تعبيراً عن الهوية؛ إذ تعني أيَّة تجربة سلبية تجعلك تحدِّد من أنت، مثل قول "أنا لستُ جيداً في هذا" أنَّك اخترتَ ربط نفسك بتجربة معيَّنة، ونظرتَ إلى وضعك الحالي بِعَدِّه وضعك الدائم، والسبيل الوحيد للخروج من هذه الصدمة هو النظر إلى المغزى المفيد من التجارب السابقة المؤلمة، مثل أن تقول "يمكِنني التعلم من هذا لأكون شخصاً أفضل في المستقبل".

تُعَدُّ الهوية هامَّةً للغاية، حتى أهم بكثير من الشخصية فيما يتعلق بالنتائج التي تحرزها في الحياة؛ فهويتك هي القصة التي تحكيها عن نفسك، وهي الطريقة التي ترى بها نفسك وتعرفها، وهي التي تشكل السلوك الذي يعكس الشخصية بمرور الوقت.

لقد درس "هال هيرشفيلد" (Hal Hershfield)، عالم النفس في "جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس" (University of California, Los Angeles)، تأثير وجود مفهوم "الذات المستقبلية" في عملية اتِّخاذ القرارات الحالية، ووجد أنَّه من الجيد أن ترى نفسك في المستقبل بصورة مختلفة عمَّا أنت عليه اليوم؛ لأنَّه عندما ترى نفسك في المستقبل كشخص مختلف له وجهات نظر وخيارات مختلفة، تتمكَّن من اتِّخاذ قرارات حالية بناءً على ما تريده ذاتك المستقبلية، حتى لو كانت هذه القرارات تتعارض بالفعل مع ما تفضله حالياً، على سبيل المثال: قد ترغب ذاتك الحالية في تناول العديد من قطع الكعك، ولكن إذا كنتَ تفكر فيما تفضله ذاتك المستقبلية، فقد تتوصل إلى قرار مختلف.

تُظهر أبحاث أخرى أنَّه دون تخيُّل مستقبل واضح في ذهنك، سوف يكون من الصعب - إن لم يكن من المستحيل - اتِّباع "ممارسة واعية" تساعدك على التطوُّر والتعلم الهادف؛ بمعنى آخر، إذا لم تمتلك هدفاً، لن تكون هناك عملية للقيام بها؛ إذ يشكِّل الهدف العمليةَ دائماً؛ وبالتالي، سيجعل غيابه تعلُّمك غير مركَّز أو مُوجَّهٍ نحو تحقيق نتائج محدَّدة. ومع ذلك، نحتاج جميعاً إلى أكثر من "هدف"؛ فنحن بحاجة إلى هوية مستقبلية.

إقرأ أيضاً: لماذا يمكن أن يكون نمو ما بعد الصدمة أساس ازدهارك في عام 2021؟

كيف تحدِّد ذاتك المستقبلية؟

الهوية أمرٌ حاسم لقيادة السلوك الحالي؛ فمن المبادئ الأساسية في علم النفس، أنَّ أفضل طريقة للتنبؤ بسلوك الشخص المستقبلي هي النظر إلى سلوكه السابق. ومع ذلك، عندما ترى ذاتك المستقبلية بوضوح، وتسعى إليها كما فعل "ماكونهي"، سوف يكون مستقبلك - وليس ماضيك - هو ما يحدد سلوكك.

فيما يلي قائمة نصائح تساعدك على القيام بذلك:

  • انظر إلى نفسك في المستقبل كشخص مختلف عمَّا أنت عليه اليوم.
  • تخيَّل من سوف تكون في المستقبل.
  • حافِظ على هويتك الحالية، ولكن ليس بطريقة متعنِّتة، واعلم أنَّ من أنت الآن أمر مؤقت وليس دائماً.
  • امتلِك الشجاعة للاعتراف بما تريده حقاً (أخبِر الناس عن نفسك في المستقبل).
  • اسمح لروايتك الجديدة، التي تركِّز على أهدافك، بتوجيه قراراتك وسلوكك اليومي.
  • قِس تقدُّمك (ممارسة واعية).
  • استثمِر في ذاتك المستقبلية (تعزيز الالتزام).
  • لا تؤمن بأنَّ وضعك الحالي هو وضعك الدائم.
  • اسأل نفسك: "كيف ستبدو في المستقبل؟" و"أين ستكون بعد 10 سنوات؟".

المصدر




مقالات مرتبطة