كيف تساعد العادات على تحديد صحتك وسعادتك وثروتك؟

وضعَ عالم النفس الأمريكي الألماني الأصل "كورت ليفين" (Kurt Lewin) في عام 1936م معادلة بسيطة غيَّرت نظرتنا إلى العادات والسلوك البشري. تنص هذه المعادلة على أنَّ "السلوك حصيلة تفاعل الفرد مع بيئته".



يحتوي هذا المفهوم البسيط المعروف في يومنا هذا باسم معادلة ليفين (Lewin)، على كل ما نحتاج معرفته حول غرس العادات الحسنة، والإقلاع عن الأخرى السيئة، وإحراز تقدم في حياتنا؛ وإليكم هذا المقال الذي يعرض هذه المعادلة وآلية عملها، وكيفية تطبيق هذه الأفكار لترسيخ العادات المرتبطة بتحسين صحتك وسعادتك وثروتك.

ما الذي يحفز سلوكنا؟

قبل أن يُقدَّر لمعادلة ليفين (Lewin) رؤية الضوء، اعتقد معظم الاختصاصيين حينها أنَّ عادات الشخص وأفعاله كانت نتيجة نمط شخصيته وليس البيئة التي يعيش فيها؛ وما تزال توجد الكثير من الأمثلة التي تدعم ذاك الاعتقاد حتى يومنا هذا، كأن يقول الشخص الذي يجد صعوبة في التقيد بالحمية الغذائية: "ليس لدي قوة إرادة"، أو أن يقول الكاتب الذي يواجه صعوبة في إتمام تأليف كتاب: "أنا أبدع في كتابة المقدمات، لكنَّني أتعثَّر بالخواتيم"؛ حيث تدل هذه العبارات على أنَّ عاداتنا وأفعالنا محددة بمجموعة من الصفات الفطرية، ممَّا يعني أنَّها تستند بقوة إلى هوياتنا.

جاء ليفين ليدحضَ هذه الاعتقاد السائد، حيث قال أنَّ الصفات الشخصية ليست هي وحدها ما يحفز سلوكنا، وأنَّ العادات تستند إلى الحالة أو السياق الذي نعيشه، وأنَّه يمكن للبيئة في كثير من الحالات أن تحفز سلوكك أكثر ممَّا تفعل شخصيتك؛ إذ من المحتمل أنّّك لا تتقيد بالحمية لأنَّك محاط بالخيارات الخاطئة أو الأشخاص غير الأصحاء، وليس بسبب ضعف إرادتك.

دعونا نتحدث عن الشخصية والبيئة كلٌّ على حدة، وكيفية تحسينهما لتبنِّي العادات الحسنة والتخلص من السيئة.

إقرأ أيضاً: التحفيز وتأثيره الإيجابي على حياة الإنسان ونجاحهِ العملي

مكونات الشخصية:

نحن نعرف المزيد عن خصائصنا الشخصية في يومنا هذا أكثر ممَّا كنَّا نعرفه في عصر ليفين؛ ولعلَّ الأمر الأكثر أهمية هو أنَّنا نعي أنَّ قدراتنا ليست ثابتة، بل قابلة للتطور؛ ومع ذلك، يعدُّ الإيمان بقدرتنا على التطور العامل الأهم.

لقد اشتُهِرت الأستاذة في جامعة ستانفورد كارول دويك (Carol Dweck) بأبحاثها القائمة على تحليل الاختلافات بين العقلية الثابتة وعقلية النمو؛ حيث يعتقد الأشخاص الذين يملكون عقلية ثابتة أنَّ قدراتهم في جانب معين فطرية وغير قابلة للتطور، بينما يؤمن الذين يمتلكون عقلية النمو أنَّ بإمكانهم تحسين قدراتهم الحالية والتعلم والبناء عليها.

لكن تذكر دويك (Dweck) في كتابها "العقلية" (Mindset) أمراً مثيراً للجدل، حيث تقول أنَّ الشخص قد يمتلك عقلية نمو في جوانب معينة، وعقلية ثابتة في أخرى؛ وبعبارة أخرى، تؤثر هويتك ومعتقداتك في عاداتك؛ لذا في حال كنت راغباً في اعتماد هوية جديدة، فعليك تمكينها أولاً، وإنَّ أفضل طريقة لتطوير قدراتك ومهاراتك هي الممارسة المتعمَّدة لها.

شاهد بالفديو: 12 طريقة فعالة لتطوير الذات

مكونات البيئة:

قد يبدو العامل الثاني في معادلة ليفين المتمثل بالبيئة أمراً غير خاضع إلى سيطرتنا، إذ من الصعب تغيير مكان عملنا أو الأشخاص من حولنا أو المكان الذي نعيش فيه؛ لكن يوجد عدد لا بأس به من الاستراتيجيات التي يمكننا اتباعها لتعديل بيئتنا وتبنِّي عادات أفضل:

  1. يمكنك اتباع استراتيجية عالم الاجتماع "بي جي فوغ" (BJ Fogg) التي تُدعَى "التصميم المضاد للكسل"، والتي توضح كيف يلعب الابتعاد عن محفزات السلوك دوراً كبيراً في الحد من العادات السيئة؛ فمثلاً: إن كنت تريد التقليل من تناول الأطعمة غير الصحية، فعليك وضعها في مكان عالٍ يصعب الوصول إليه، بحيث يثنيك عناء الوصول إليها عن تناولها كلما خطرت في بالك.
  2. قد يتغير سلوكك تغيراً جذرياً بتأثير الحيز المادي الذي تعيش فيه وترتيب الأشياء التي تصادفك؛ وإليك هذه الأمثلة للتوضيح:
    • يذكر عالم الاقتصاد الأمريكي ريتشارد تالر (Richard Thaler) في كتابه "وكزة" (Nudge) متاجر البقالة كمثال يتحدث فيه عن ارتفاع نسبة مبيعات مواد البقالة الموضوعة على رفوف بمستوى النظر مقارنة بتلك الموضوعة على الأرض.
    • أجرى الباحثان في مجال السلوك المعرفي إريك جونسون (Eric Johnson) ودانيال غولدشتاين (Daniel Goldstein) دراسة كشفت كيف أثَّر وجود نموذجين من طلبات التبرع بالأعضاء على معدلات التبرع.
    • اكتشف القائمون على مستشفى ماساتشوستس العام (Massachusetts General Hospital) في مدينة بوسطن الأمريكية أنَّ باستطاعتهم زيادة كمية الماء وتقليل نسبة المشروبات الغازية التي يشربها الأشخاص من خلال تغيير طريقة عرضها في مقهى المشفى. وبمعنى أوضح: يشير المصطلح المعروف بـ "التصميم الهندسي للقرار" (choice architecture) إلى قدرتنا على بناء حيز مادي حولنا لاختيار الخيار الصائب.
  3. توجد مجموعة كبيرة من المحفزات الرقمية التي تعزز سلوكنا؛ فمثلاً: قد يطلب منك تطبيق فسيبوك (Facebook) إعادة تسجيل الدخول كلما أجرى تحديثاً جديداً لميزاته، أو قد تجد نفسك ملزماً بالرد على الرسائل الإلكترونية التي تصلك من الآخرين؛ إذ إنَّ هذه المحفزات الرقمية هي طرائق بسيطة لتبنِّي السلوكات التي تنمِّي العادات المرتبطة بالمنتجات والخدمات عبر الإنترنت، والتي تصبح في كثير من الحالات عوامل تشتيت تلهيك عن العمل والعادات الهامة بالنسبة إليك.

يمكنك التغلب على هذا التشتيت عن طريق تحجيم وإزالة كل ما هو غير ضروري، أو عن طريق استخدام خدمة مثل تطبيق فريدوم (Freedom) على شبكات الاتصال لتقليل المماطلة والتشتت.

إقرأ أيضاً: كيف تستثمر قوة عقلك الباطن في تحقيق الثروات؟

السلوك والإنسان والبيئة:

لا شك أنَّ تغيير السلوك والتمسك بالعادات الجديدة ليس بالأمر السهل، لكن من حسن الحظ أنَّ معادلة ليفين تسهِّل الأمر عليك.

تنص معادلة ليفين على أنَّ السلوك هو محصلة التفاعل بين الفرد وبيئته، وتُصاغ كالتالي: (B = f(P,E

معادلة ليفين

حيث تشير الرموز:

  • B إلى السلوك (Behavior).
  • F إلى التفاعل (Function).
  • P الشخص (Person).
  • E البيئة (Environment).
إقرأ أيضاً: لماذا يكون تغيير السلوك أمراً صعباً؟

لذا عليك تطوير نفسك والتكيف مع بيئتك لتسهيل ممارسة العادات الحسنة والابتعاد عن السيئة، بحيث يصبح التمسك بالعادات الحسنة أسهل بكثير؛ ولمزيد من الأفكار العملية حول الابتعاد عن العادات السيئة وخلق عادات حسنة، اقرأ كتاب "العادات الذرية" (Atomic Habits) للكاتب والمدوِّن جيمس كلير (James Clear) الذي يعرض كيف تؤدي التغيرات الطفيفة على العادات إلى نتائج مذهلة.

المصدر




مقالات مرتبطة