كيف تربي طفلك دون عقاب؟

صوت بكاء وصراخ في الغرفة المجاورة، فتهرع الأم خائفة لترى ما حدث، والمفاجأة أنَّ كل هذه الجلبة هي بسبب شجار طفليها على لعبة صغيرة مكسورة، والمضحك في الأمر أنَّ غرفتهما مليئة بالألعاب، فتأخذ الأم بحزم شديد اللعبة وترميها في القمامة أو تخفيها عن أنظار الطفلين، وتعاقبهما بالصراخ أو الحرمان من اللعب وتأمرهما بترتيب غرفتهما على الفور أو إكمال دروسهما، وقد يتطور الأمر نحو الضرب.



قد يبدو هذا السيناريو مألوفاً جداً، وقد تكون أمهات كثيرات قد عشنه وتصرفن بواحدة من الاحتمالات المذكورة آنفاً، لكن ماذا يستفيد المربي من الصراخ على الأطفال لأنَّهم صرخوا؟ وما هي الفائدة من حرمان الطفل من اللعب أو ضربه لأنَّه أخطأ؟ وهل تعلَّم الطفل كيفية التصرف الصحيح في مثل هذا الموقف أم أنَّ فهمه للموضوع قد لُجم بطريقة قسرية؟

في الحقيقة لا صحة للعقاب في أسلوب التربية الصحيحة، فإذا رأيت مفهوم التربية دون عقاب أمراً مستحيلاً فتابع معنا هذا المقال لنوضح لك كيف تربي طفلك دون عقاب.

هل يستحق الطفل العقاب؟

إنَّ مفهوم العقاب في اللغة هو "جزاء فعل السوء" فهل يفعل الأطفال سوءاً متعمداً؟ بالتأكيد لا، إنَّ عقاب الطفل في الحقيقة هو ممارسة ظالمة بحقه تدل على ضعف سيطرة المربي على أعصابه وكلماته وتصرفاته وقصر نظره التربوي؛ وذلك لأنَّ الأطفال أبرأ وأنقى من أن يتعمدوا إيذاء أحد أو إزعاجه، فعلى أي أساس يجيزون القسوة على أفعالهم؟

إنَّ كل تصرف خاطئ (من منظورنا) يرتكبه الطفل مردُّه إلى سبب من ثلاثة أسباب:

1. الاستكشاف والفضول:

قد يكسر الطفل المرآة في أثناء لعبه بها أو قد يعبث بالكهرباء أو قد يسكب الماء وهو ينقله من كأس إلى كأس، فهل عقابه بالضرب على يده يقدم له أيَّة فائدة أم أنَّه يلجم فضوله الذي هو أساس عملية التعلم بالنسبة إليه؟

2. الافتقار إلى قدرة التعبير عن المشاعر:

قد يبكي الطفل لأنَّ طفلاً آخر قد أخذ لعبته، وقد يصرخ ويكسر ألعابه لأنَّه يفتقد أباه الغائب، وقد يعض رفاقه في الروضة لأنَّه يريد أمه ويشتاق إلى منزله، فهل العقاب يعلم الطفل كيف يعبر عن مشاعره وكيف يصف ما يشعر به باستخدام الكلمات؟

3. لفت الانتباه:

قد تلاحظ أنَّ طفلك يتعمد فعل الأشياء السيئة والخاطئة عندما يكون في بيتك ضيوف أو في أثناء حديثك على الهاتف أو اجتماع "الأونلاين" الخاص بعملك، فما هو السبب يا ترى؟ إنَّ الأطفال يفعلون ذلك عندما يشهدون تحول اهتمام ذويهم عنهم، فإنَّها طريقتهم في لفت الانتباه وطلب الاهتمام، فهل عقاب الطفل على طلب الحب أمر جائز؟

في الحقيقة لا شيء من تصرفات الأطفال يستدعي العقاب؛ بل إنَّ البديل التربوي الصحيح لمفهوم العقاب هو التوجيه؛ لذا فإنَّ تعلُّم المربي لأصول التوجيه الصحيح هو الأسلوب الأنجع في التربية، وهو الجواب الأفضل لسؤال "كيف تربي طفلك دون عقاب؟".

شاهد بالفديو: 8 أخطاء شائعة في تربية الأطفال

كيف تربي طفلك دون عقاب؟

لقد تحدَّثنا عن دوافع الأطفال تجاه الأفعال الخاطئة، وها نحن هنا نقدم لك خطوات عملية تجيبك عن تساؤل "كيف تربي طفلك دون عقاب؟" وتساعدك على اختيار البديل الأفضل للعقاب في المواقف الحاسمة والحرجة مع طفلك:

1. وضع نفسك مكان طفلك:

عندما تضع نفسك مكان طفلك ستعرف حتماً كيف تربيه دون عقاب، فقبل أن تتخذ أي رد فعل عنيف أو قاسٍ تجاهه، أيقظ الطفل الداخلي في نفسك، وضع نفسك مكان طفلك وفكر في دافعه تجاه الفعل الذي أزعجك، فإنَّ تقدير دوافع الطفل في فعل أي أمر من شأنه أن يخفف نوبات الغضب التي تحدث عند المربي والتي غالباً ما تتسبب في عقاب الطفل.

إذا ما رأيت طفلك يضع أحمر الشفاه الخاص بأمه فضع نفسك مكانه وستدرك بأنَّ دافعه هو الفضول وتقليد الكبار وهو أمر لا بد أنَّنا فعلناه جميعاً في طفولتنا، وإذا ما رأيت طفلك يضرب أخاه الرضيع فضع نفسك مكانه وتخيل تحوُّل الاهتمام الكلي عنك نحو شخص آخر، وفكر كيف يمكن أن توصل إليه أهميته في حياتكما ومكانته التي لا يمكن أن يزاحمه عليها أحد، وإذا أردت أن تعرف كيف تربي طفلك دون عقاب فضع نفسك في مكانه وأوجد المبررات لتصرفاته ثم عد إلى موقعك بصفتك مربياً وتصرَّف باستجابة واعية.

2. تعليم طفلك أساسيات الذكاء العاطفي:

إذا أردت أن تعرف كيف تربي طفلك دون عقاب فتعلم كيف تمرر له مهارات الذكاء العاطفي، وهنا قد يقول قائل كيف يمكن لطفل صغير أن يدرك مفاهيم الذكاء العاطفي الواسعة؟ في الحقيقة إنَّ الأطفال كائنات كاملة المشاعر وناقصة التجارب، وإنَّهم يشعرون بكامل أنواع المشاعر الإنسانية التي يشعر بها البالغ من حزن وغضب وحب ووحدة وملل، ولكنَّهم يفتقرن إلى مهارات التعامل مع هذه المشاعر، هذه المهارات التي يتعرف إليها البالغ بالاطلاع أو التجربة.

قد يتلقى أطفال كثر العقاب لأنَّهم عبروا عن مشاعرهم بطريقة خاطئة أو لأنَّهم دخلوا في نوبات بكاء حادة بسبب شعور لم يدركوا كيفية التعامل معه، ألم يسبق أن عض طفلك صديقه المفضل فعاقبته بحرمانه من اللعب؟ وألم تحرم أم طفلها من الرضاعة لأنَّه عض ثديها؟ إنَّ الأطفال يحتاجون إلى أن يتعرفوا إلى مشاعرهم وطرائق التعبير عنها.

في حال عض طفلك صديقه المفضل فإنَّه لم يجد طريقة ليعبر له عن حبه فقام بعضه، وهنا من الأجدر بك أيها المربي أن تأخذ طفلك جانباً وتخبره بأنَّك تعلم كم يحب صديقه، ولكنَّ العض مؤلم، وتعلمه كيف يقول له أحبك أو يستأذنه من أجل عناق، وفي المثال الثاني الذي لا بد أنَّ جميع الأمهات قد مررن به، يجب أن تبعد الأم طفلها عن ثديها وتخبره بأنَّها تتألم بالكلمة التي يفهمها بنبرة لطيفة حازمة دون أن تحرمه من حقه الذي منحه الله له، ثم تضمه إليها وتعلمه مفردات الحب.

في استكمالنا لموضوع كيف تربي طفلك دون عقاب، لا بد أن نشير إلى ضرورة استثمار المواقف من أجل تمرير شعور جديد إلى مفاهيم الطفل، ففي المثال الذي تحدَّثنا فيه عن نوبات الغضب من المولود الجديد يمكن تعليم الطفل مفهوم شعور "الغيرة" وتعليمه حقه بالاعتراف بمشاعره دون إنكارها، ومن ثم التعامل بهدوء مع هذا الشعور.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح ذهبية لتنمية الذكاء العاطفي عند الأطفال

3. تعلُّم أسلوب التوجيه الصحيح:

في الإجابة عن سؤال "كيف تربي طفلك دون عقاب؟" لا بد من التنويه إلى أهمية تعلُّم أساليب التوجيه الصحيح الذي سوف نوضحه بالمثال الآتي "قام طفلك بإطعام الحلوى لأخته الصغيرة، وقد نوهت له آلاف المرات بأنَّها لا تملك أسناناً، وطلبت منه ألا يطعمها أي شيء، ولكنَّه في كل مرة يكرر الفعلة ذاتها"، في مثل هذه الحالات يجب فعل ما يأتي:

  • إخراج الأطعمة من فم الرضيع وتهدئته دون تأنيب الطفل الأكبر.
  • اختيار وقت مناسب للتحدث مع الطفل بهدوء بعيداً عن الغضب والصراخ.
  • الجلوس أو الانحناء إلى مستوى نظر الطفل ليحدث تواصل بصري بينكما.
  • اختيار كلمات مفهومة بالنسبة إلى الطفل وواضحة ومختصرة تشرح التقبل لمشاعره وخالية من عبارات اللوم والتأنيب، فبدلاً من قول "لا تطعم أختك كدت أن تخنقها" يجب القول "حبيبي، أعرف أنَّك تحب أختك وترغب في مشاركتها طعامك، ولكنَّها صغيرة ولا تستطيع أن تتناول غير الحليب لأنَّها لا تملك أسناناً حالياً".
  • وضع بديل نابع من تفهم موقف الطفل ويلبي شعوره ورغبته، ففي المثال السابق يمكن أن تضيف الأم "ما هو رأيك أن تحمل لها زجاجة الحليب من المطبخ إلى الصالة بعد أن أُعدها؟".

4. عاقبة وليس عقاباً:

في الكثير من المناهج التربوية يصر المتخصصون على عَدِّ عاقبة الفعل بديلاً لعقاب الطفل، فإذا ما قام الطفل برفض ترتيب ألعابه في غرفته فإنَّ ضياع لعبة وعدم قدرته على العثور عليها لاستكمال اللعب يُعَدُّ عاقبة لا يتمناها الطفل، وإذا ما أصر الطفل على اللعب بكأس زجاجي فإنَّ رؤية الكأس ينكسر بحد ذاتها عاقبة هذا اللعب، وإذا ما أصر الطفل على الخروج بلباس شتوي على الرغم من حرارة الطقس فشعوره بالحر عاقبة فعلته، وهنا فإنَّ الطفل يفهم دواعي تحذير ذويه له.

تجدر الإشارة إلى ضرورة عدم إهانة الطفل وتذكيره بصورة متكبرة بقول المربي "ألم أقل لك إنَّ الطقس حار؟"؛ وذلك لأنَّ هذا الكلام القاسي الذي يلمِّح إلى ضعف قدرة الطفل على التقدير يُعَدُّ نوعاً من العقاب اللفظي؛ إذ إنَّ الطفل يتعلم من تجاربه كما نفعل جميعاً، فلماذا نضيف إليه فوق عاقبة فعله عقاباً؟

إقرأ أيضاً: عقاب الأطفال، وأهم أساليب التأديب الفعالة لتعديل سلوك الطفل السلبي

تذكير هام:

في تعقيب أخير نود تقديمه في مقالنا "كيف تربي طفلك دون عقاب؟" نود أن نشير إلى أنَّ تخويف الطفل بالعقاب سواء كان ضرباً أم صراخاً أم حرماناً من نزهة أو شيء يحبه لن يقوِّم سلوكه؛ بل سيجعله مطيعاً لكلام المربي خوفاً من عقابه.

إذا ما اشترط المربي على الطفل التفوق الدراسي وإلا فإنَّه سيحرمه من المصروف أو استخدام الآيباد، فإنَّه بذلك يحوِّر الدافع الرئيس لديه تجاه عملية التعلم، فبدل أن تكون غايته من المذاكرة تحصيل العلم تتحول لتصبح الحفاظ على المصروف أو استحواذ الجهاز المحمول، وكذلك الأمر عندما يطيع الطفل والديه خوفاً من عقابهما بالضرب فإنَّه متى اشتد عوده أصبح متمرداً ومتى أصبح والداه في حالة من الضعف فسيتوقف عن طاعتهما أيضاً.

في الختام:

أيها المربي الذي يحمل على عاتقه مهمة ليست بالسهلة أبداً، فلتنظر إلى الهدف الأساسي من عملية التربية على أنَّه إنشاء طفل مستقل وصاحب قيم ومتوازن نفسياً، ولتجاهد نفسك على نسيان المعتقدات التربوية المغلوطة التي تربينا عليها وزُرعت في برمجتنا، ولتفتح عقلك وقلبك للتربية بالحب غير المشروط وستجد نفسك حتماً تتقن كيف تربي طفلك دون عقاب.




مقالات مرتبطة