كيف تُدير بيئة عمل متعددة الأجيال؟

وجود فئاتٍ عمريةٍ مختلفةٍ ومتباينةٍ داخل بيئة العمل يجعل أمر إدارتها أكثر صعوبةً؛ وذلك نظراً لاختلاف كل جيل من حيث الثقافة والرؤية وحتى الاحتياجات؛ فكيف تُدير بيئة عمل متعددة الأجيال؟ هذا ما ستجد إجابته في هذا المقال.



ما هي الفائدة من إنشاء بيئة عمل متعددة الأجيال؟

تكون بعض سياسات الشركات واضحة وحاسمة بخصوص العمر، فكثيراً ما يتم وضع شرط خاص بالعمر المسموح به للتقدم للوظيفة أو الشاغر بحيث لا يتجاوز 30 عاماً مثلاً، وسياسة الشركات هذه قد تكون مفهومة لأنَّ إدارة فريق من أعمار وأجيال مختلفة ليس أمراً سهلاً؛ بل يحتاج إلى الكثير من الجهد، ويواجه الكثير من التحديات وخاصةً أنَّ كلَّ جيل لديه من الخصائص ما تجعله مختلفاً، وهذا أمر طبيعي لأنَّ نشأة كل جيل كانت ضمن ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية مختلفة.

لكن على الرغم من هذه الصعوبة، فإنَّ إنشاء بيئات عمل متعددة الأجيال وإدارتها بشكل ناجح يؤدي دوراً كبيراً في تحقيق نتائج مذهلة للشركة؛ وذلك بسبب القدرة على الوصول إلى مستويات عالية جداً من الإبداع والابتكار نتيجةً لتوفر عنصرين أساسيين هما الخبرة والحماسة.

ناهيك عن هذا كله، فإنَّ وجود أجيال مختلفة ضمن الشركة الواحدة يعني وجود العديد من الأفكار ووجهات النظر؛ وبذلك ستحقق الشركة رضى لأكبر قدر من العملاء، ولن ننسى طبعاً الجو التنافسي الذي يُعزَّز في هذا الجو؛ إذ يعمل كل جيل على إظهار أفضل ما لديه.

قبل الحديث عن الطرائق الأفضل لإدارة بيئة عمل متعددة الأجيال، سنتعرَّف إلى الأجيال الموجودة حالياً في سوق العمل، فيوجد حالياً خمسة أجيال مختلفة تعمل تحت قبَّة واحدة؛ وهذا يعني مزيجاً من الحكمة والخبرة والموهبة والحماسة، وهذه الأجيال هي: "جيل المحاربين القدامى"، وأكثر ما يميِّز هذا الجيل العمل بشرف وإخلاص، وبعده جاء جيل "الطفرة السكانية"، ويتميز هذا الجيل بالجدية بالعمل وقد يصل بهم الأمر لمرحلة الإدمان على العمل، كما أنَّهم يقدِّرون المنافسة الشريفة، وأغلبهم حالياً وصل إلى سن التقاعد، فيمكن حصر مواليد هذا الجيل بين عامي 1944 و1960.

أما الجيل الثالث فهو الجيل "إكس"، ويضم هذا الجيل المواليد بين عامي 1961 و1980 ويُعرَف عن هذا الجيل بأنَّه جبل ذوي الآباء والأمهات العاملين، وبالانتقال إلى "جيل الألفية" فهو يُعَدُّ الجيل الرابع، ويشمل المواليد بين عامي 1981 و2000 وهو جيل فترة التكنولوجيا؛ الجيل الذي يعتقد أنَّ بإمكانه تغيير العالم، ويُعَدُّ هذا الجيل الأكثر نشاطاً في سوق العمل داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أما الجيل الذي انضم حديثاً إلى سوق العمل أو ما زال في طور التدريب فهو الجيل "زد" ويضم مواليد عام 2000.

شاهد بالفديو: 12 طريقة فعالة لتعزيز العمل الجماعي

استراتيجيات لإدارة فريق متعدد الأجيال:

إدارة فريق متعدد الأجيال على الرغم من الصعوبة التي يبدو عليها، إلا أنَّه إذا تمَّ بالطريقة الصحيحة، فسيقدِّم للشركة نتائج مبهرة؛ لأنَّ كلَّ جيل لديه ميزات وخصائص ومهارات يمكنها أن تضيف الكثير لمهارات وخبرات الجيل الآخر.

من الاستراتيجيات التي يجب أن تضعها في حسبانك والتي ستساعدك على إدارة ناجحة سنذكر ما يأتي:

  1. الناس من مختلف الأعمار وعلى الرغم من الاختلاف الذي يظهر بينهم هم متشابهون في نهاية المطاف، ويريدون العمل ضمن بيئة داعمة يحصلون من خلالها على التقدير والاحترام وعلى الفرص الأحسن والأفضل لتطوُّر حياتهم المهنية، وهذه المطالب لا تخصُّ جيلاً بعينه ولا تُميِّز عمراً بحد ذاته؛ بل هي رغبة مشتركة، ويجب عليك بوصفك مدير عمل أن تعمل على تأمينها للجميع على حدٍّ سواء.
  2. التعرُّف إلى فريقك عن كثب وفهمه وفهم الاختلافات والفروق بين كل جيل من الأجيال التي تتعامل معها؛ فعندما تتمكن من تحقيق هذا الفهم، ستكون قد وضعت رجلك على الطريق الصحيح في سبيل بناء بيئة عمل صحية، وحاول أيضاً تجنُّب التعامل مع الموظف على حسب الجيل الذي ينتمي إليه؛ بل تعامل معه بصفته فرداً مستقلاً، فتصرفات كل شخص انعكاس لرؤيته المستقلة ولفردانيته التي لا علاقة لها بالجيل الذي ينتمي إليه.
  3. يجب تصميم برامج توجيه تُمكِّن كل جيل من مشاركة مهاراته وخبراته مع زملائه ضمن نفس الفريق، وبهذه الطريقة سيتعلم كل جيل من الجيل الآخر الموجود معه في نفس الفريق.
  4. عدم وضع تصوُّر سلبي مسبق عن اختلاف وتعدد الأجيال ضمن فريقك في الحسبان؛ بل يجب النظر إلى الأمر من جانب أكثر إيجابية؛ لأنَّ وجود المواهب الشابة مع الخبرات الطويلة سيجعل من فريقك أكثر تميزاً وأكثر قدرة على الإبداع والإنجاز، وهذا من شأنه أن ينعكس على بيئة العمل انعكاساً إيجابياً.
  5. العمل على نشر ثقافة العمل التعاوني وجعلها جزءاً من روح الفريق، فالعمل ضمن الأنظمة الهرمية يجعل العلاقات أكثر تعقيداً، ويقلل من فرص تبادل الخبرات والمهارات.
  6. المرونة أيضاً في الإدارة من الأمور الأساسية التي تجعل العمل مريحاً؛ لذلك احرص على توفرها لديك، وأعطِ الأجيال المختلفة لديك الأريحية الكاملة للتعبير عما يريدون.
  7. الحرص على استخدام طرائق تواصل مختلفة، سواء الطرائق التقليدية في التواصل أم الطرائق التكنولوجية الحديثة؛ وذلك لتلبية احتياجات الأجيال المتعددة على أكمل وجه.
إقرأ أيضاً: كيف نحقق التنوع في التوظيف؟

كيف تردم الفجوة الإدارية بين الأجيال المتعددة؟

أسهمت التغيرات السريعة التي يشهدها العالم اليوم على مختلف الأصعدة، إضافةً إلى الطفرات التكنولوجية والأحداث التاريخية، واختلاف اتجاهات المجتمع الفكرية والسلوكية إسهاماً كبيراً في إنشاء فجوة بين الأجيال المختلفة ضمن بيئات العمل، وجعل مهمة لحاق جيل بآخر أمراً صعباً - إن لم يكن مستحيلاً - سواء من ناحية اللغة أم المعرفة بالأمور التقنية والتكنولوجية؛ لذلك ومن أجل ضمان نجاح بيئة عمل تضم أجيالاً متعددة، لا بد من السعي إلى ردم هذه الفجوة الحاصلة، حتى تتحقق الاستفادة القصوى من الخبرات والمواهب المتنوعة والعديدة الموجودة ضمن هذه البيئة.

من الحلول المقترحة لحل وسد الفجوة الإدارية الحاصلة بين الأجيال ضمن بيئة العمل سنعدد ما يأتي:

1. اعتقاد الأجيال الأكبر سناً أنَّهم أكثر خبرةً ومعرفةً:

في حين يرى الأجيال الأصغر أنفسهم الأكثر نشاطاً وحماسةً وذكاءً وكفاءةً؛ وهذا يسهم في تعميق الفجوة الإدارية الحاصلة بين الأجيال، ومن الضروري أن يفهم كل جيل أنَّه لا توجد سمات محددة تُميِّزه، وأنَّ الواقع والعمل على الأرض هو الحكم في الحقيقة، ففي كثير من الأحيان قد يمتلك الجيل الأصغر خبرةً في مجال معين أكثر من الخبرة التي يمتلكها الجيل الأكبر سناً. يمكن إعطاء الخبرات الرقمية مثالاً عن ذلك، لكن في نفس الوقت هذه الخبرة الرقمية لن تفيد شيئاً عند وجود مشكلة إدارية كبيرة، فالتنوع في بيئة العمل ينشئ ثقافة عامة تجعل الجميع بحاجة إلى خبرات بعضهم، ولكل مهمة من يصلح ويتميز بها أكثر من غيره، فلا أحد أذكى ولا أحد أكثر خبرةً، ولكلٍّ دوره فقط.

2. يجب العمل على وجود نظام واضح يضبط عمل الجميع ضمن بيئة العمل:

على هذا النظام أن يتميز بالمرونة بحيث يأخذ العاملون حريتهم بشكل يحقق إنتاجية أكبر؛ مثلاً إذا كان أحد الموظفين يعتقد أنَّ العمل الفردي بالنسبة إليه أفضل من الجماعي، فله الخيار شرط خضوع إنتاجه لمراقبة من قِبل نظام يحدد مدى واقعية معدلات الإنتاج الأفضل تلك، فالمرونة والحرية التي يأخذها كل موظف وعامل لا يجب أن تعني التسيب؛ بل يجب أن تكون محكومة ومضبوطة بنظام يجعل من اكتشاف الخلل وجوانب التقصير أمراً أكثر سهولة.

3. مشكلة اللغة والمصطلحات التي يستخدمها أحد الأجيال ولا يفهمها الجيل الآخر:

فمثلاً يستخدم الجيل "زد" مصطلحات حديثة لا يفهمها الجيل "إكس"، في حين أنَّ الأخير يستخدم مصطلحات قديمة صعبة على الجيل الجديد، وهذه المشكلات في اللغة تسبب مشكلات في التواصل؛ لذلك من الهام العمل على حلها لتقريب الأجيال من بعضهم والقضاء على الفجوة الحاصلة بينهم.

شاهد بالفديو: 6 نصائح حول التواصل المهني بطريقة صحيحة

4. القيام بالنشاطات الجماعية المشتركة من الأمور المساعدة على التقريب بين الأجيال المختلفة:

وتُعَدُّ هذه من مسؤوليات الموارد البشرية، وتساعد هذه النشاطات على تبادل وجهات النظر وفهم كل جيل للآخر، ومن الممكن أن تكون هذه النشاطات مهنية أو ترفيهية.

5. يجب الاهتمام بتصميم بيئة العمل:

فالمكاتب المفتوحة على بعضها تُعَدُّ أفضل من المكاتب المغلقة، وتساعد على إنشاء اتصال وتواصل دائم بين الأجيال المختلفة ضمن بيئة العمل الواحدة.

6. التغيير في بيئة العمل أمر هام أيضاً:

وإذا كانت شركتك تخضع لسياسة وقواعد محددة، فابدأ بهدم هذه السياسات والقواعد وحاول التجديد والتنويع فيها.

7. أهمية العمل الجماعي لا تنفي أهمية وضرورة التركيز على نقاط القوة الفردية:

فالاختلاف الحاصل بين الأجيال والتنوع الكبير من شأنه إنشاء وجهات نظر متعددة تلبي رغبات شريحة واسعة من العملاء، والاختلاف الحاصل ضمن بيئة العمل يعني وجود العديد من الخبرات والمهارات على جميع الأصعدة المهنية والشخصية، فالمدير الناجح يستغل هذا التنوع لمصلحته، ويعمل على إنشاء ورش تدريبية بحيث يتم تبادل الخبرات والمعلومات بين الأجيال بشكل ينعكس إيجاباً على العمل ونجاحه.

إقرأ أيضاً: من الجيل إكس إلى الجيل زد: بناء علاقات قوية في ظل الهوة بين الأجيال

في الختام:

وجود أجيال متعددة ضمن بيئة العمل هو في الحقيقة مشكلة، لكن مع وجود إدارة ناجحة يصبح حلها ليس صعباً؛ بل يمكن تحويلها إلى ميزة وجعلها مصدر قوة للشركة ومساحة لتفريغ الطاقات الإبداعية لجميع العاملين على اختلاف الأجيال التي ينتمون إليها.

المصادر: 1، 2، 3، 4




مقالات مرتبطة