كيف تخطط لمشروع بحث؟

يُعَدُّ تخطيط المشاريع البحثية ممارسة فكرية عريقة: فهي تتطلب كلاً من الإبداع والمهارات التحليلية الدقيقة. إنَّ الهدف من هذا الدليل الذي سنقدمه لكم هو جعل هذه العملية منهجية وسهلة الفهم في آنٍ معاً؛ وعلى الرغم من أنَّ هناك قدراً كبيراً من الحرية ومساحة مفتوحة للاكتشاف، بدءاً من الموضوعات التي ستختارونها، وصولاً إلى البيانات والأساليب التي تقومون بتطبيقها.



ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدونة "بروك هارينغتون" (Brooke Harrington)، وتُحدِّثنا فيه عن تجربتها في التخطيط لمشاريع البحث.

هناك أيضاً بعض المعايير والقيود التي يجب الالتزام بها، بغض النظر عن مستواكم الأكاديمي أو مجال دراستكم؛ بدءاً من طلاب المدرسة الثانوية حتى طلاب الدكتوراه، ومن تخصص تاريخ الفن إلى علم الآثار، فإنَّ تخطيط البحث يتضمن خطوات متشابهة إلى حد كبير؛ بما في ذلك: صياغة سؤال، أو تطوير حجة، أو تنبؤات بناءً على بحث سابق، ثم اختيار المعلومات اللازمة للإجابة عن سؤالك.

قد يبدو بعض مما ذُكِرَ للتو بديهياً، ولكن كما ستجد، يتطلب البحث طريقة مختلفة في التعامل مع المعلومات واستعمالها عمَّا اعتاد معظمنا عليه في حياتنا اليومية؛ هذا هو السبب في أنَّني أحاول مساعدتكم على التوجه إلى إيجاد وابتكار المعرفة كخطوة أولية في العملية.

هذه المرحلة حاسمة، ومع ذلك، فإنَّها لا تحظى بالتقدير الكافي في التعليم، تماماً كما هو الأمر عند الانتقال من العمل بأجرٍ في شركةٍ ما إلى ريادة الأعمال. فجأة، تصبحون بمفردكم؛ وهذا يتطلب طريقة جديدة للتفكير في طريقة إنجاز أعمالكم.

يمكن القول إنَّه فيما يأتي خلاصة ما تعلمتُه عن هذه العملية - التي يتم فيها التخطيط وإنجاز البحوث - على مدار 27 عاماً بصفتي عالمة اجتماع محترفة. إنَّه يعكس المهارات التي اكتسبتُها من أساتذتي في برنامج الدكتوراه في علم الاجتماع في "جامعة هارفارد" (Harvard University)، بالإضافة إلى ما تعلمتُه لاحقاً بصفتي مشرفة أبحاث لطلاب وطالبات الدكتوراه والماجستير، ثم بصفتي مؤلفة كتب ومقالات علمية حائزة على جوائز.

إنَّ الخطوات التالية ليست محصورة بمجالٍ أو نوعٍ محددٍ من البحوث؛ بل يمكن أن تُطَبق على متطلبات كل من المشاريع القصيرة (مثل أوراق الفصل الدراسي) والمشاريع الطويلة أيضاً، كالأطروحة على سبيل المثال.

 ما الذي يجب أن نفعله؟

يتضمن تخطيط البحث - في أسهل صوره - الخطوات الأربع الموضحة أدناه وهي:

  1. توجيه نفسك نحو إنتاج المعرفة.
  2. تحديد سؤال البحث الخاص بك.
  3. المراجعة والاطلاع على الأبحاث السابقة المتعلقة بسؤالك.
  4. اختيار البيانات ذات الصلة لصياغة إجاباتك الخاصة.

ونظراً لأنَّ تركيز دليلنا هذا ينصب على تخطيط المشروع البحثي، وليس على إجراء مشروع بحثي، فلن نخوض في تفاصيل جمع البيانات أو تحليلها؛ إذ إنَّ هذه الخطوات تحدُثُ بعد التخطيط للمشروع.

وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الموضوع واسع ولا يمكن التطرق إليه بشكل مفصلٍ هنا؛ إذ إنَّ هناك دورات دكتوراه مكرَّسة للبيانات والتحليل لمدة عام كامل؛ لذا، وعوضاً عن ذلك، سنتناول في الجزء الرابع والأخير من هذا الدليل بعض الاستراتيجيات الأساسية التي يمكنك استعمالها في التخطيط لاختيار البيانات وعملية التحليل المناسبة لسؤال البحث الخاص بك.

1. توجيه نفسك:

يتطلب التخطيط وإجراء البحوث القيام بتحول جذري من التفكير كمستهلك للمعلومات إلى التفكير كمنتج لها. قد يبدو الأمر سهلاً للوهلة الأولى، لكنَّه في الواقع مهمة معقدة. من الناحية العملية، يعني هذا أن نضع جانباً عقلية الطالب التي تتعامل مع المعرفة على أنَّها شيء ابتكره أشخاصٌ آخرون؛ فنحن الطلاب، غالباً ما نكون متلقين سلبيين للمعرفة؛ إذ يُطلَب منا القيام بمجموعة محددة من القراءات، ثم يتم تقييمنا من خلال قياس جودة تطبيقنا لما قرأناه.

وهنا يظهر الاختلاف؛ فالباحثون عليهم القيام بدور نشط بوصفهم منتجين للمعرفة. يتطلب إجراء البحث منك أكثر من مجرد قراءة واستيعاب ما كتبه الآخرون.

كيف يتم ذلك؟ تتضمن هذه العملية نقد المعرفة السابقة، وربما محاولة إظهار أنَّ الأفكار التي قبلناها على أنَّها مُسلَّم بها؛ هي حقيقة خاطئة أو غير كاملة. فعلى سبيل المثال، بدلاً من أن تكتفي بأخذ ادعاءات المؤلف الذي قرأت له شيئاً، ستحتاج إلى استخلاص الآثار المترتبة على هذه الادعاءات؛ فإذا كان ما يقوله المؤلف صحيحاً، فما هي الأمور الصحيحة الأُخرى التي قد توحي به هذه الادعاءات؟ وما هي التوقعات التي يمكنك التنبؤ بها بناءً عليها؟

بعبارة أخرى، بدلاً من التعامل مع القراءة للمعلومات كمصدر للحقيقة، حتى وإن كان مصدراً موثوقاً، كالفيلسوف اليوناني "أفلاطون" (Plato) أو العالمة "ماري كوري" (Marie Curie)، فإنَّ هذه الخطوة تتطلب منك التعامل مع الادعاءات التي تقرأها على أنَّها مؤقتة وخاضعة للشك.

ولعل هذه واحدة من أعظم الحِكم التي يمكن أن يعلِّمنا إياها العلم والفلسفة؛ وهي أنَّ أكبر الإنجازات المعرفية وأوجه التقدم في الفهم البشري لم تتحقق من خلال إثبات صوابك في الأشياء السطحية أو التافهة؛ وإنَّما من خلال ارتكاب الأخطاء في أثناء العمل على أمورٍ مثيرة للاهتمام.

لنأخذ مثالًا عن عالم الفيزياء النظرية "ألبرت أينشتاين" (Albert Einstein)، الذي وعلى الرغم من أنَّه كان مخطئاً بشأن ميكانيكا الكم، لكنَّ حججه حول هذا الموضوع مع زميله الفيزيائي "نيلز بور" (Neils Bohr) أدت إلى أحد أكبر الإنجازات العلمية حتى بعد قرن من الزمن.

2. تحديد سؤال البحث الخاص بك:

غالباً ما يعطي الطلاب هذه الخطوة اهتماماً صغيراً، لكنَّ الباحثين المتمرسين يعرفون أنَّ عملية صياغة سؤالٍ بحثيٍ جيد تكون أحياناً أصعب جزء في عملية تخطيط البحث؛ وذلك لأنَّ اللغة الدقيقة للسؤال تشكل إطاراً لبقية المشروع؛ لذلك من الهام صياغة وطرح السؤال بعناية، بطريقة تجعلك مهيَّأً للإتيان بإجابات، وأن يُسفِرَ عن نتائج مثيرة للاهتمام في الوقت نفسه.

شاهد: 6 طرق تساعدك على التخطيط لحياتك

بالطبع، يجب أن تختار سؤالاً يثير اهتمامك، ولكن هذه فقط البداية لما يحتَمل أن تكون عملية متكررة؛ إذ يعود الباحثون معظمهم إلى هذه الخطوة بشكل متكرر، ويعدلون أسئلتهم بحسب قراءاتهم للأبحاث السابقة، والقيود التي تفرضها المصادر والإمكانات المتاحة بالإضافة إلى العديد من الاعتبارات الأخرى.

هناك بعض العوامل التي تجعل سقف الباحثين منخفضاً، وتحديداً عاملا الوقت والمال. على الباحثين والباحثات - كأي شخصٍ آخر - طرح أسئلة بحثية يمكنهم الإجابة عنها بشكل معقول نظراً للقيود التي يواجهونها. على سبيل المثال، إذا كان أمامك أسبوع واحد فقط للإجابة عن السؤال البحثي التالي: "ما هي جذور الصراع العربي الإسرائيلي؟"، فسيكون من غير المستحسن القيام بهذا المشروع البحثي، وخصوصاً إذا لم يكن لديك معرفة سابقة حول الموضوع.

ليس الهدف مما قيلَ آنفاً الحد من مخيلتك، فبإمكانك طرح أي سؤال تريده. لكن عادة ما يتطلب الأمر بعض الإبداع لصياغة سؤال بحثي يمكنك الإجابة عنه إجابةً جيدةً؛ أي من خلال التحقيق بدقة وتقديم رؤىً جديدة ضمن الحدود التي تواجهها.

بالإضافة إلى كونها مثيرة للاهتمام بالنسبة إليك، وتتناسب مع قيود الإمكانات والمصادر المتاحة لك، فإنَّ السمة الثالثة والأكثر أهمية لموضوع البحث "الجيد" هي ما إذا كان يتيح لك إنشاء معرفة جديدة. قد يتضح لك في أثناء صياغة السؤال البحثي أنَّ سؤالك قد طُرِح بالفعل والإجابة عنه. إذا كان الأمر كذلك، فستكتشف ما يجب فعله في الخطوة التالية من هذه العملية.

من ناحية أُخرى، قد تأتي بسؤال بحثي لم يتم التطرق إليه من قبل. لكن ضع في حسبانك احتمال أنَّ هناك الكثير من الأسئلة البحثية التي يحتَمل أن تكون قابلة للبحث لكنَّها لم تُدرَس لأسبابٍ وجيهة؛ فمثلاً قد تتبين أنَّ الإجابات التي وُجِدت تافهة أو ذات فائدة محدودة للغاية. من الممكن أن يشمل هذا أسئلة مثل "لماذا مساحة الدائرة تساوي r²؟" أو "هل أثرت ظروف الشتاء في خطط "نابليون" لغزو "روسيا"؟".

وبإمكانك، طبعاً، أن تُثبت أنَّ هناك أهمية بالغة لسؤالٍ يبدو سطحياً، لكن عليك أن تستعد لدعم ذلك بأدلة مقنعة.

أخيراً، يجب أن تؤدي أسئلة البحث العلمي بطريقة ما إلى رؤى جديدة ومميزة. فعلى سبيل المثال، درس الكثيرون من قبل الأدوار الجندرية في الفرق الرياضية، لكن ما هو السؤال الذي يمكنك طرحه بهذا الخصوص ولم يسبق لأحد طرحه من قبل؟

من هذه الناحية، سيكون أول خط أحمر عليك عدم تجاوزه هو إعادة مناقشة ما هو موجودٌ أصلاً. وهنا تكمن أهمية الخطوة التالية وهي: مراجعة الأبحاث السابقة حول موضوع بحثك. وبالاعتماد على ما تجده في هذه الخطوة، قد تحتاج إلى مراجعة سؤال البحث الخاص بك؛ فوجود التكرار والتشابه بين سؤالك والأبحاث الموجودة هو عملية طبيعية.

لكن لا داعي للقلق، فهذا الأمر لن يستمر. في الواقع، وبينما تُطوِّر فهماً راسخاً للحالة المعرفية الحالية حول موضوعك؛ ستقلُّ الأفكار المكررة مع الوقت وتستقر على سؤالك البحثي.

3. مراجعة البحوث السابقة:

في البحوث الأكاديمية، بدءاً من المقالات ووصولاً إلى الكتب، من الشائع العثور على قسم يسمى "مراجعة الإنتاج الفكري" (literature review)". الهدف من هذا القسم هو وصف أحدث ما توصلت إليه الأبحاث حول سؤال البحث الذي يطرحه المشروع. كما يوضح هذا القسم أيضاً أنَّ الباحثين قد راجعوا بشكلٍ شاملٍ ومنهجي جميع نتائج الدراسات السابقة ذات الصلة حول موضوعهم، وأنَّ لديهم شيئاً جديداً يضيفونه.

يجب أن يتضمن مشروعك البحثي شيئاً من هذا القبيل، حتى لو كانت ورقة بحثية خاصة بالمدرسة الثانوية. في أثناء عملية تخطيط البحث، عليك سرد ​​ما لا يقل عن ست نقاط توضح النتائج الرئيسة التي توصَّل إليها باحثون آخرون حول موضوع بحثك.

وبعد تحديد والوصول إلى هذه النتائج، يجب أن تكون قادراً على أن تُبين بالتحديد أين يمكنك توفير رؤى جديدة وضرورية لمشروعك. هناك نوعان من المواقف الأساسية التي يمكن للمرء أن يتخذها في تأطير الحجة المطلوبة للبحث الأكاديمي:

الموقف الأول: هو البناء على مجموعة من الأفكار الموجودة حالياً أو التوسع والتعمق فيها؛ ما يعني مثلاً: "لقد جادل الشخص (أ) بأنَّ الفكرة (س) المتعلقة بالجندرية صحيحة؛ الأمر الذي ينتج عنه الفكرة (ع)، التي لم يتم اختبارها أو الحديث عنها بعد؛ لذا سأتطرق أنا في مشروعي البحثي إلى الفكرة (ع)، التي ستُغيِّر الطريقة التي نفهم من خلالها الجندرية، إذا وجدتُ دليلاً يدعم أفكاري.

أما الموقف الآخر فهو القول إنَّ هناك فجوة في المعرفة الحالية؛ إما لأنَّ البحث السابق قد توصَّل إلى استنتاجات متضاربة مع الأفكار التي نود طرحها، أو لكونه فشل في أخذ شيء هام في الحسبان. على سبيل المثال، يمكن وصف بحثٍ جندري ما بأنَّه محدود في حال أُجري على طلاب مدارس متوسطة وفي بيئات مختلطة فقط، وأنَّ النتائج لربما كانت ستختلف اختلافاً كبيراً إذا تم إجراء البحث على نطاق أوسع من المدارس؛ حيث يكون الطلاب إما ذكوراً أو إناثاً.

الهدف العام الذي يجب أن تصل إليه باتباع هذه الخطوة هو إظهار أنَّ بحثك سيكون جزءاً من عملٍ أكبر. بدايةً، من الطريقة التي يستهل فيها مشروعك موضوعه مما هو موجودٌ بالفعل، ويتطور بعد ذلك ليقدم معلومات جديدة، أو يتوسع بما هو موجود، أو يتحدى المعرفة الحالية من خلال طرح معلومات مختلفة تماماً حول الموضوع نفسه. بهذه الخطوات سيقدم مشروعك مساهمة إضافية؛ وهذا ما سينمي لديك الدافع نحو بحثك.

عند النظر في مصادر البحوث السابقة ذات الصلة، هناك شيئان جديران بالذكر يجب أن توليهما اهتماماً. أولاً، لا تحصر قراءاتك بالنظر إلى الدراسات التي تتمركز حول الموضوع الدقيق لبحثك. فعلى سبيل المثال، إذا كنت ترغب في دراسة الطرائق التي تتكون من خلالها الهوية الجندرية في المدارس، فلا يجب أن تقيد نفسك بدراسات المدارس؛ إذ يُعَدُّ المكان الذي ستُبنى عليه التجربة (المدارس) ثانوياً بالنسبة إلى العملية الاجتماعية الأكبر التي تشغل اهتمامك؛ وهي (كيف يبني الأشخاص هويتهم الجندرية).

كوِّن فكرة واسعة عن الدراسات الموجودة بخصوص هذا الموضوع، كون هذا الأمر يحدثُ في العديد من الأمكنة المختلفة. ثانياً، تأكد من استعمال مصادر موثوقة كالمقالات التي خضعت لنوع من عملية التدقيق، سواء كان ذلك يتضمن "مراجعة الزملاء" (Peer Review) كما هو الحال مع مقالات المجلات الأكاديمية أم المراجعة التحريرية، كتلك التي نجدها في منشورات وسائل الإعلام والمجلات المعروفة، كمجلة "ذا إيكونوميست" (The Economist) أو "ذا واشنطن بوست" (The Washington Post).

الأمر الذي - حتماً - عليك تجنبه هو استعمال مصادر غير مدققة ومثبتة علمياً مثل "المدونات الشخصية" (Personal Blogs) أو موقع "ويكيبيديا" (Wikipedia). ربما تتساءل الآن: "لماذا؟" الجواب بكل سهولة هو للإمكانية المتاحة لأي شخص في كتابة وتعديل المحتوى في تلك المنتديات والمواقع، ولا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كانت الادعاءات التي تجدها صحيحة؛ إلا إذا كنت خبيراً بالفعل. لكن وبكل الأحوال، إنَّ ما قد تجده هناك - في أغلب الأحيان - ليس دقيقاً.

4. اختيار البيانات والمنهج المناسب.

مهما كان السؤال البحثي الخاص بك، فإنَّك في النهاية تحتاج إلى التفكير في المصدر المناسب للبيانات والاستراتيجية التحليلية التي قد تمنحك الإجابات التي تبحث عنها. بدايةً، عليك التفكير في نوع البيانات الذي قد يخدم الإجابة عن سؤالك بشكلٍ أفضل واختيار مثلاً البيانات النوعية (كالمقابلات أو الملاحظات أو السجلات التاريخية)، أو البيانات الكمية (مثل الاستطلاعات أو السجلات الاحصائية) أو ربما مزيج من الاثنين معاً.

ومتى حددت نوعية مصادر البيانات التي تريدها، ستجد تلقائياً خيارات تتعلق بالطرائق والمناهج التحليلية. قد تحتاج إلى جمع بياناتك الخاصة، أو قد تجد كل ما تحتاجه متاحاً بسهولة في مجموعة بيانات موجودة أنشأها شخص آخر.

إنَّ أفضل مكان للبدء هو مع أمناء مكتبات الأبحاث، الذين دائماً ما نستطيع أن نجدهم في مكتبات الجامعة، وتحديداً في الجامعات العامة أو الحكومية؛ حيث يمكن لأمناء المكتبات العمل والتعاون مع الجميع، بما في ذلك الأشخاص غير المنتسبين إلى الجامعة. إذا لم تكن جامعة كهذه في متناول اليد في منطقتك، فما تزال تُعَدُّ المكتبة العامة العادية انطلاقةً جيدة. غالباً ما يكون أمناء المكتبات على دراية جيدة بطرائق الوصول إلى مصادر البيانات التي قد تكون ذات صلة بدراستك، كالإحصائيات، أو المحفوظات التاريخية.

نظراً لأنَّ مهمتك في هذه المرحلة هي التخطيط للبحث، وليس إجرائه، فإنَّ الهدف من هذه الخطوة ليس إلزامك بمسارِ عملٍ محددٍ بشكل لا رجوع فيه. على العكس تماماً، هدفك الأساسي هنا هو التفكير بطريقةٍ ومنهجٍ عملي للوصول إلى إجابة عن سؤالك البحثي.

إقرأ أيضاً: 15 طريقة لزيادة الإنتاجية في العمل

فمثلاً، ستحتاج إلى معرفة ما إذا كانت البيانات التي تريدها متوفرة، وإذا لم تكن موجودة، فهل تعتقد أنَّ فكرة جمع البيانات بنفسك هي فكرة ممكنة بالنسبة إليك؟ أم أنَّه سيكون من الأفضل تعديل سؤال البحث الخاص بك؟

من حيث الاستراتيجيات الخاصة بالتحليل، هل تتطلب استراتيجيتك تطبيق الأساليب الإحصائية؟ إذا كانت إجابتك "نعم"، فهل تمتلك هذه المهارات؟

في حال لم تكن تمتلكها، هل لديك الوقت لتعلُّمها، أو المال الكافي لتوظيف باحث مساعد للقيام بهذه الخطوة نيابة عنك؟

وعليك الانتباه جيداً عند النظر أو التفكير في الدراسات النوعية، تحديداً، فهي ليست مشروعاً عرضياً كما قد تبدو عليه.

يُخطئ الكثيرون عند الاعتقاد بأنَّ فقط البيانات والنُّهج الكمية تحمل سمة علمية ومنهجية، والذهاب إلى أنَّ الأساليب النوعية هي مجرد طريقة منمقة للقول: "لقد تحدثت إلى بعض الناس، وقرأت بعض الصحف القديمة، وتوصلت إلى استنتاجاتي الخاصة".

هذا التفكير الشائع حول الدراسات النوعية هو أبعد ما يكون عن الحقيقة. في القسم الأخير من هذه المقالة، ستجدون بعض روابط المصادر التي ستمنحكم المزيد من المعلومات حول المعايير والإجراءات التي تحكم البحث النوعي. فتماماً كما هو الحال بالنسبة إلى البيانات والدراسات الكمية، هناك قواعد تحكم ما يمكن أن يكون دليلاً موثوقاً وطريقة تحليلية صالحة للبيانات النوعية.

في أثناء تخطيطك لمشروعك باتباع هذه الخطوات الأربع، من الطبيعي تماماً الرجوع إلى المراحل السابقة والمراجعة في كل حين؛ إذ إنَّه نادراً ما يسري التخطيط للبحث بشكل خطيٍّ مستقيم. من الشائع أيضاً أن تظهر سبل جديدة وغير متوقعة في أثناء تخطيطك للبحث.

كتب عالم الاجتماع "ثورستين ڤيبلين" (Thorstein Veblen) عام 1908: "يجب أن تكون نتيجة أي بحثٍ جاد إثارة سؤالين تم طرح أحدهما فقط من قبل"؛ والأمر ينطبق على تخطيط البحث كما هو الحال بالنسبة إلى مشروعٍ بحثيٍ مكتمل؛ لذا استمتع بالآفاق التي تنفتح أمامك في أثناء القيام بهذه العملية برمَّتها، بدلاً من التوتر.

المصدر: 1




مقالات مرتبطة