كيف تُحسِّن عادات نومك لتشعر براحة أكبر؟

يردد الجميع عبارات مثل: "أحاول النوم مبكراً لكن لا أستطيع التوقف عن التفكير"، أو "أستيقظ في الثانية ليلاً ولا أستطيع العودة إلى النوم"، أو "أنا مشغول لدرجة أنَّني لا أستطيع الحصول على أكثر من 5 ساعات نوم".



يبحث الكثيرون عن وسائل لتحسين عادات النوم، وهو موضوع يستحق الاهتمام.

أظهرت إحدى الدراسات أنَّ عدم الحصول على النوم الكافي يشابه حالة السَّكَر، وعند قياس دقة التصويب في الجيش بعد حصول الجنود على أكثر من 7 ساعات من النوم، تبيَّن أنَّ دقته تصل إلى 98%، بينما انخفضت نسبة الدقة بين الذين حصلوا على 6 ساعات نوم إلى 50%.

ويزداد الأمر سوءاً؛ فنسبة الدقة بين الذين حصلوا على 5 ساعات نوم كانت فقط 23%، أما الذين حصلوا على أقل من 5 ساعات من النوم، فكانت نسبة دقة تصويبهم 13% فقط.

لا يؤثر النوم في دقة التصويب فحسب؛ بل أيضاً في الجوانب الحياتية الأخرى:

  • عاطفياً: يصبح الشخص مزاجياً وسريع الغضب وقد يصاب بالاكتئاب.
  • ذهنياً: لا يستطيع المرء التركيز جيداً أو تذكر المعلومات الهامة.
  • جسدياً: يشعر المرء بآلام وأوجاع.
  • فيزيولوجياً: لا تستطيع خلايا الجسد التجدد، وتزداد الالتهابات في الجسم، كما تظهر مختلف أنواع المشكلات الصحية.

وبالتالي، ما أهمية الحصول على قسط كافٍ من النوم إضافة إلى تنظيم ساعات الراحة؟

يحتاج الجسد إلى إيقاع محدد؛ حيث تدعى دورة النوم واليقظة "إيقاع الساعة البيولوجية" (the circadian rhythm)؛ إذ يحدث تناوب مستمر بين هرمونَي الكورتيزول (Cortisol) والميلاتونين (Melatonin)؛ أما الكورتيزول فهو هرمون اليقظة في الصباح، ويتنشط مع شروق الشمس، بينما الميلاتونين هو هرمون النوم ويزداد فقط عند انخفاض مستوى الكورتيزول في الدم عند المساء.

لعلَّ أول أمر خطر في بالك عند سماع كلمة كورتيزول هو التوتر؛ لأنَّ مستواه في الدم يرتفع عندما يشعر المرء بالضغط والتوتر، أو عندما يعاني من الالتهابات والاحتقان، أو عند هضم الطعام. إذاً، فالأشخاص الذين يستيقظون في الثانية ليلاً ولا يستطيعون العودة إلى النوم، يكون هذا بفعل ارتفاع الكورتيزول وانخفاض الميلاتونين.

نستعرض فيما يلي 5 نصائح للمساعدة على تنظيم مواعيد النوم:

1. حدِّد إيقاع النوم:

تختلف طبيعة الأجساد من شخص لآخر، ولذا يتوجب على الشخص أن يجد ما يناسبه؛ فالبعض يشعر بالراحة أكثر عند النوم باكراً والاستيقاظ في الصباح الباكر، بينما يرى آخرون أنَّهم أكثر إنتاجية عند السهر والاستيقاظ في وقت متأخر.

يجب على المرء أن يُصغي إلى متطلبات جسده لتحديد برنامج النوم المناسب، ولا داعي للقلق، حيث يمكِن عَدُّ الأمر كتجربة؛ لكن الأهم أن يحدد المرء ساعةً للنوم والاستيقاظ، وأن يختبر التوقيت لمدة أسبوع؛ وإن لم ينجح الأمر، يغير التوقيت حتى يحصل على إيقاع يناسبه.

إقرأ أيضاً: كيف تعرف مقدار النوم الذي يناسبك؟

2. حدِّد روتين صباحي يومي مدته 5 دقائق:

خمس دقائق كافية لإخبار جسدك أنَّه حان موعد الاستيقاظ، ولتجهيز الدماغ ليدخل المزاج المناسب؛ أي التركيز والشعور الإيجابي، حيث يستيقظ الدماغ خلال هذه الدقائق الخمس يومياً، ويتحول من حالة اللاوعي إلى حالة الوعي؛ مما يعني أنَّ أي مدخلات يتلقاها الشخص وأي شيء يقوم به خلال هذه الفترة يحدد مسار ما تبقَّى من يومه.

عندما يستيقظ المرء بعجلة، ويفتح جواله ليتأكد من الرسائل الواردة، ويشاهد الأخبار، ويفكر بكل ما يجب عليه القيام به، ويخرج مستعجلاً من منزله، يؤثِّر ذلك في بقية يومه؛ فيشعر الدماغ بالتشتت والضياع، ويعاني المرء من حالة من نقص التركيز وارتفاع مستوى التوتر.

يجب على المرء أن يحدد روتيناً يومياً مصغراً ليشعر بالراحة عند الاستيقاظ وأنَّه متحكم بما تبقَّى من يومه، وعلى الشخص أن يختار عادات يمكِنه تكرارها بشكل يومي حتى لا يضطر الدماغ لاتخاذ أيَّ قرارات في هذه الفترة، مثل: الاغتسال، وشرب كأس من الماء مع الليمون، وترتيب السرير، والتفكير بثلاثة أمور يشعر المرء بالامتنان حيالها، والنظر من النافذة في أثناء احتساء كوب من الشاي، أو المشي لمدة قصيرة تحت أشعة الشمس؛ فامتصاص هذه الأشعة في الصباح يساعد الجسد على النوم أسرع في المساء.

3. استرخِ في المساء:

نصيحة أخرى تساعد على تنظيم ساعات النوم هي تعلُّم الاسترخاء في المساء؛ فمن الضروري أن يجهِّز المرء الجسد والدماغ لوقت الراحة والنوم.

ما يريده المرء هو تخفيض مستويات الكورتيزول في الدم ليفسح المجال لهرمون الميلاتونين بالارتفاع، وإذا تلقَّى الشخص معلومات كثيرة من وسائل التواصل الاجتماعي والأفلام والأخبار، أو دخل في نقاش محتدم، فسيستمر الدماغ بعمله ومعالجة كل تلك المعلومات والعواطف. وعوضاً عن ذلك، يتوجب على المرء أن يسترخي ليتمكن من الحصول على قسط كاف من الراحة.

ولكن كيف يمكِن للشخص أن يخصص ساعةً أو ساعتين في المساء للراحة والاسترخاء قبل النوم حيث ينعزل عن العالم ويريح جسده؟

أولاً: يجب أن يركز المرء على المخرجات لا المدخلات؛ إذ نعيش في عالم من المدخلات، حيث نستمر باستهلاك المعلومات ونتلقى حوافز جديدة من وسائل الإعلام، فنحمِّل أدمغتنا فوق طاقتها، ولا نتوقف عن ذلك حتى في المساء، وذلك من خلال قراءة الكتب أو الاستماع إلى المدونات الصوتية (Podcasts) أو الرد على الرسائل. ولكن ما هي المخرجات التي يمكِن للمرء أن يركز عليها؟

يمكِن للمرء أن يكتب مذكراته، أو يرسم، أو يمارس التأمل، أو يقوم بأي نشاط إما يفصح فيه عن مكنونات قلبه بدلاً من استهلاك معلومات جديدة، أو يعطي الدماغ فرصةً للاستراحة مثل: ممارسة التمرينات الرياضية، والتمدد، واليوغا، والتنفس، وحتى المشي.

ثانياً: لا يجب أن ينظر المرء إلى شاشات الهواتف الذكية؛ إذ يوقف الضوء الأزرق الصادر عن شاشات الهواتف والكمبيوترات إنتاج هرمون الميلاتونين. وفي حال احتاج المرء لاستخدام الشاشة، يجب أن يضع فلتر الضوء الأزرق (Blue light filter) في المساء، مما يؤدي إلى إصدار أشعة حمراء من الشاشة لترتاح الأعين ويستمر إنتاج الميلاتونين، كما يمكِن إيجاد فلتر مناسب لجميع أنواع الأجهزة.

ثالثاً، لا يجب تناول الأطعمة والمشروبات قبل النوم؛ فكما ذكرنا سابقاً، يرتفع منسوب الكورتيزول عند هضم الطعام، ومن الجيد أن يحاول المرء تجنُّب تناول أي شيء قبل ساعتين من موعد النوم، وإن شعر المرء بالجوع، من الأفضل تناول وجبة غنية بالبروتين وليس الكربوهيدرات، كما توجد بعض الأغذية التي تحتوي على البروتين وتحفز إنتاج الميلاتونين مثل: اللوز، وإن أراد المرء أن يشرب، فيُفضَّل تناول المشروبات المرخية مثل: البابونج، أو الخزامى، أو الناردين المخزني.

إقرأ أيضاً: 5 طرق مميّزة لتحافظ على نظام نوم ثابت

4. حسِّن غرفة النوم:

يمكِن للمرء أن يجعل غرفته مناسبة للنوم أكثر باستخدام مرتَبة عالية الجودة وشراشف نظيفة وستائر تحجب أشعة الشمس كي لا تعيق النوم، كما يجب التأكد من عدم ارتفاع الرطوبة أو درجة الحرارة، ومن الضروري الاستثمار لتأمين أفضل ظروف للنوم؛ فالمرء يقضي قرابة 33 عاماً من حياته نائماً.

لا يجب استخدام السرير لأي نشاطات سوى النوم؛ إذ يجب أن يدرب المرء دماغه في هذا الاتجاه؛ فإنَّ تعلُّم الدماغ أنَّ السرير للنوم فقط، سيحترم هذه المعلومة ويساعد على النوم أسرع.

ومن ناحية أخرى، إذا استخدم الشخص الكمبيوتر في السرير، أو شاهد الأفلام، أو تصفح مواقع التواصل الاجتماعي، سيعتقد الدماغ أنَّه يستطيع القيام بنشاطات ذهنية أخرى بدلاً من الاسترخاء والنوم.

وإن لم يستطع المرء النوم وشعر أنَّ دماغه لا يتوقف عن العمل، فيجب أن يخرج من سريره ويتمشى قليلا في المنزل، أو يقرأ كتابا في غرفة المعيشة، أو يشرب بعض الخزامى، ويعاود محاولة النوم، فمن الخاطئ أن يبقى المرء في سريره يتقلب ويتمنى أن يغطَّ في النوم، ومن الأفضل أن يترك المرء غرفة نومه ويعود لاحقا للمحاولة من جديد بهدف تدريب الدماغ على النوم سريعاً واحترام مواعيد النوم.

5. خفِّض مستويات التوتر:

إنَّ آخر نصيحة نحملها في جعبتنا لتحسين مواعيد النوم هي أنَّ المرء يحتاج إلى الحفاظ على مستويات الكورتيزول منخفضة. من الطبيعي أن يرتفع المستوى للحظات، لكن عندما يعاني الشخص من التوتر الدائم ويرتفع الكورتيزول بشكل دائم، يمكِن أن يضر ذلك بالصحة بشكل كبير.

ولهذا ننصح بتحسين مهارات السيطرة على التوتر؛ حيث يمكِن للمرء أن يمارسها في المنزل، أو أن يحصل على كوتش خاص، ومنها:

  • تمرينات التنفس.
  • ممارسة الامتنان.
  • كتابة اليوميات.
  • إعادة صياغة المشكلات.
  • ممارسة التمرينات الرياضية.
  • التأمل.
  • التواصل مع أشخاص إيجابيين.
  • الضحك.
  • الاستماع إلى موسيقى هادئة.
  • ممارسة اليوغا.

يمكِن للمرء أن يجد ما يريحه ويسْهل عليه تنفيذه حتى في أصعب ظروف الحياة. وننسى جميعنا بين الحين والآخر أن نلتزم بهذه الممارسات، ولكن هنالك دوماً متسع من الوقت للعودة إليها بشكل منتظم ومريح.

شاهد بالفيديو: 6 اقتراحات للتعامل مع التوتر

في الختام:

يقول الكاتب المسرحي الإنجليزي توماس ديكير (Thomas Dekker): "النوم هو تلك السلسلة الذهبية التي تربط الصحة بأجسادنا".

لا ينتج ارتفاع مستويات الكورتيزول في أجسادنا لأسباب ذهنية دوماً، حيث يمكِن أن يكون التوتر جسدياً أيضاً حين يواجه الجهاز المناعي البكتيريا والفيروسات والسموم والإصابات، وحتى عند تناول بعض أنواع الأطعمة، وإذا شعر المرء أنَّ هذا هو السبب، فيُنصح أن يحصل على الفحوص الطبية اللازمة لتحديد مصدر الالتهاب.

 

المصدر




مقالات مرتبطة