كيف تحافظ على صحتك النفسية في زمن الكورونا؟

اعتدنا على الحياة الروتينية الرتيبة، وأصبحنا من عشَّاق النَّمطية؛ ففي حين أنَّنا نُبدِي تمرداً واستياءً من واقعنا الممل، إلَّا أنَّنا احترفنا أسلوب الحياة التقليدي حتى أصبحنا من مقاومي التغيير، حيث يشتعل الخوف والتوتر في قلوبنا من جراء أدنى تغيير يحصل في مظهرنا الخارجي أو عملنا أو طريقة تعاملنا مع الآخرين.



لقد غصنا في تحديات الحياة وتفاصيلها وأشخاصها حتى نسينا البحث داخل أنفسنا وأصبحت مَهمَّة الجلوس مع ذواتنا من أصعب المهمات وأكثرها مشقة، وأصبح الهروب عنواناً لحياتنا؛ سواء كان هروبنا هذا من المشاعر الحقيقية، أم الأفكار الاستثنائية، أم التجارب المتفردة، أم التطورات الإيجابية في الشخصية.

نعم، لقد أصبحنا غرباء عن أنفسنا، وعاشقين للروتين، وهاربين من النمو والارتقاء؛ ممَّا استدعى حدوث حدث مفاجئ وصادم جداً، مثل ظهور فيروس كورونا؛ ذلك لأنَّ البشر بحاجة إلى مَن يوقفهم قليلاً عن جريهم اللاهث وراء الدنيا ويذكِّرهم بأصلهم وأنفسهم وجوهرهم.

نعم، لكورونا وجهها الإيجابي؛ فهي رسالة كونية شديدة البلاغة وواضحة الدلالة، ودعوة إلى البحث عن الشغف المفقود، وإصلاح العلاقات المضطربة، وإعطاء جانبك الروحي حقه المشروع؛ كما أنَّها فرصة حقيقية لمواجهة مخاوفك المشتعلة وابتكار الأدوات المساعدة لكي تتجاوزها وتُحسِن إدارتها كيلا تتغلب عليك، وإحياء للشكر والحمد والقدرة على استبصار أهمية كل تفصيل في حياتنا مهما صغر.

يصبح الشخص في ظل جائحة كورونا أكثر امتناناً لأدق تفاصيل حياته، فيتحول فنجان القهوة الصباحي مع شريك الحياة إلى نعمة حقيقية، ويعود الرونق إلى الأمور التي اعتاد الإنسان على وجودها في حياته، وتُثار بالتالي مخيلته الإبداعية من جديد لكي تبتكر أجمل الأفكار وأكثرها قيمة؛ فيكتشف الإنسان ذاته وعطايا اللَّه من جديد، ويرتقي في سلم الوعي أكثر وأكثر.

كيف أحافظ على صحتي النفسية في ظل جائحة كورونا؟

1. لا تستمع إلى الأخبار المبالغ فيها وسلِّم مخاوفك:

تزخم منصات التواصل الاجتماعي بالكلام السلبي المبالغ فيه عن فيروس كورونا، حيث يُصدَّر الخوف والقلق ويُبالَغ في الأرقام والإحصائيات، وتُضخَّم الروايات والحكايات الخاصة بالمصابين؛ لذلك ابتعد عن الحرب النفسية تلك، والتزم بيتك، ومارس عادة إيجابية عوضاً عن قضاء الوقت في متابعة منصات التواصل الاجتماعي.

يوجد نوعان من الخوف: خوف طبيعي فطري، وآخر مرضي.

يحميك الخوف الطبيعي من الوقوع في المخاطر الكبيرة، في حين يُعِيقك الخوف المرضي عن ممارسة حياتك بصورة طبيعية؛ لذلك خذ كل الاحتياطات والإجراءات الاحترازية للوقاية من الإصابة بالفيروس، ولكن لا تبالغ في ذلك؛ فقد تحوَّل الكثير من الأشخاص إلى مرضى وسواس قهري من جراء الهوس في التعقيم، الأمر الذي أثَّر سلباً في حياتهم وحياة من حولهم.

اعلم أنَّ الخوف يشل الإنسان؛ لذلك اقضِ على مخاوفك، كأن تتخيل أسوأ سيناريو يمكن أن يحدث لك ومن ثم تقول: "لا يهمني، فالله أكبر من كل أمر"؛ وتعلَّم مهارة تسليم الأمور التي لا تستطيع تغييرها إلى اللَّه، فمن شأن ذلك أن يُدخِل السلام والراحة إلى قلبك.

2. تعلَّم مهارة التكيُّف مع المتغيرات السريعة:

قلبت كورونا حياتنا رأساً على عقب، وغيَّرت من أسلوبها ومسارها، وتكمن إيجابية هذا الوضع في إتاحة الفرصة لتعلم مهارة التكيف مع المتغيرات؛ فأنت الآن بلا عمل، ويحفِّزك هذا الأمر للسعي في المجال المالي لكي تكتشف طرائق أكثر إبداعاً لتستطيع الحصول على المال من خلالها في ظل ظرفك الحالي؛ كأن تعيد إحياء مواهبك المدفونة وتجعل منها خدمات تُعطي قيمة للناس، وتحصل من خلالها على عائد مادي.

من جهة أخرى، تُوقِظ كورونا قدرتنا على خلق عادات جديدة صحية في حياتنا؛ فأنتَ الآن تمتلك وقتاً كثيراً تقضيه في المنزل؛ فاسعَ إلى بناء عادات مفيدة، كالقراءة أو تعلُّم لغة جديدة أو الرياضة.

إقرأ أيضاً: 100 نشاط يمكن أن تمارسه أثناء الحجر الصحي المنزلي

3. اكتشف شغفك:

تمنحنا الكورونا فرصة حقيقية لإعادة ترتيب حياتنا من جديد، ولإعادة فتح ملفاتنا القديمة والبحث فيها عن قضايا تُسعِدنا وأخرى تُثيرنا وثالثة تحرك إبداعنا؛ فكم من أفكار فاعلة وأمنيات عظيمة بقيت أسيرة قلوبنا على مر السنين دون الإعلان أو الإفصاح عنها؟ وكم نسينا تفاصيل هامة جداً بينما نمضي في زحمة الحياة؟

تهِبُنا فترة الحجر الصحي الفرصة للجلوس مع أنفسنا، ومصادقتها، والبعد كلياً عن لومها، وتقبلها بكل أفعالها وسلوكاتها، وإعادة اكتشاف الأمور التي تعيد ذلك البريق إلى روحنا وأعيننا.

4. أعد بناء الرابط مع الله تعالى:

أهم درس علمتنا إيَّاه جائحة كورونا هو أنَّه مهما عَظُمت إنجازاتنا العلمية وارتفعت مناصبنا، نبقى عباد اللَّه تعالى؛ لذا اكسر الغرور الذي يعتمل في داخلك، وحطِّم العظمةَ الوهمية التي تُقيِّد حياتك، وفكَّ وثاق الطفل البرئ الذي يعيش فيك.

تضرَّع إلى اللَّه بصدق وخشوع، ولا تكبت رغبتك في البكاء بين يديه، واسأله أن يفتح بصيرتك ويُبيِّن لك الأسباب التي قمت بفعلها واستحقيت بموجبها أحداثاً سلبية في حياتك؛ فأنتَ تعترف بين يدي اللَّه أنَّك المسؤول عمَّا يحدث لك، ولكنَّك ترغب في تبيان الأسباب الكامنة وراء الأمور السلبية الظاهرة في حياتك.

إقرأ أيضاً: 7 نصائح لتقوِّي صلتك بالله سبحانه وتعالى

5. شارك الآخرين:

إنَّ فترة الحجر الصحي الناجم عن تفشي جائحة الكورونا فترة يمكنك فيها أن تكتشف أهمية المشاركة والمبادرة مع الآخرين؛ لذلك غذِّ جانب الخير فيك، وابتعد عن الطمع والجشع والأنانية.

لقد أبدى الكثير من الناس سلوكات غير إنسانية في ظل الكورونا؛ حيث احتكر الكثير من التجار المعقمات والمواد الغذائية لكي يُعِيدوا بيعها عندما ترتفع الأسعار؛ لكن اعلم أنَّ رزقك يزيد عندما تُعطِي منه، واعلم أنَّ هناك وفرة في الكون، وأنَّك إن شاركت ما تملكه -حتى لو كان قليلاً- مع الأخرين، سيزداد رزقك حكماً؛ في حين أنَّك لو احتكرت ممتلكاتك ورفضت مساعدة الآخرين، سيقل رزقك وينهار لا محالة؛ ذلك لأنّ القيمة والعطاء رسالة الإنسان.

اعلم أنَّ القوي هو مَن يمتلك قلباً رحيماً، فالرحمة صفة من صفات اللَّه عز وجل، فكن رحيماً مع الآخرين، وهدِّئ من روع أولئك الذين تملَّكهم الخوف وسَيطر على تفكيرهم وشلَّ حركتهم، وابتعد عن السخرية منهم، واحتويهم وقدِّر موقفهم، وابتعد عن إطلاق الأحكام المسبقة على الآخرين أو الانتقادات التي لا تفيد في شيء سوى في التركيز على السلبيات، والتزم عوضاً عن ذلك بدائرة تأثيرك وما تستطيع التحكم به.

6. اشكر:

نمضي في الحياة ونغوص في ضغوطاتها وإيقاعها السريع، وننسى التفكر في النعم التي تزين حياتنا، ونقضي أيامنا في التركيز على ما ينقصنا لا على ما نملكه؛ لكن تعطينا فترة الحجر الصحي فرصة لإعادة التفكير في كل النعم المحيطة بنا مهما بدت أنَّها بسيطة؛ إذ إنَّ كلَّاً من المشي، والقدرة على الكلام، والبصر، والصحة، والمشاعر، والعقل، وامتلاك الأهل والأولاد وغير ذلك؛ نِعَم وعطايا من الله، وعلى الإنسان شكر الله عليها؛ ذلك لأنَّ الإحساس بالنعم والامتنان لها يوسِّع الرزق، ويزيد الرضا النفسي، ويرفع من طاقة الإنسان الخيِّرة.

شاهد بالفيديو: 6 نصائح لتحقيق الامتنان في حياتك

7. اقضِ وقتك رفقةَ أهلك:

أهلك هم أكثر الأشخاص الموثوقين في حياتك، إلَّا أنَّك لا تمنحهم الوقت الكافي، فتؤجِّل الجلوس معهم وتنسى مشاركتهم أفكارك ومخططاتك، حيث تأخذك الحياة بتغيراتها ومسؤولياتها، وتجعل تواصلك مع أهلك قليلاً وغير فعَّال.

تمنحك فترة الحجر الصحي الفرصة لإعادة بناء جسور التواصل مع أهلك، حيث تقوي صلة الرحم المناعة، وتمنحك طاقة عالية ومشاعر إيجابية رائعة.

8. اكسر التعلق:

تُعطيك جائحة كورونا درساً هاماً في ضرورة كسر التعلق، إذ عليك أن تقوم بما تستطيع القيام به، ومن ثم تُسلِّم الأمور إلى ربِّ العالمين.

لا تعش متوتراً وقلقاً، ولا تتعلق تعلقاً مَرضِياً بالأشياء والأشخاص، كأن يصبح لديك هوس بجمع الأدوية، ويسيطر الرعب عليك لدى خروج أحد أطفالك خارج المنزل؛ بل على العكس، ابقَ هادئاً ومسلِّماً وراضياً وحكيماً، واستنبط الرسائل الكامنة وراء الظروف التي تعيشها، وابنِ لك عادات مفيدة تجعل يومك ناجحاً ومثمراً.

الخلاصة:

لا يهم الظرف الذي تختبره، فما يهم هو تفسيرك لهذا الظرف وطريقة تعاملك معه؛ فأنت وحدك المسؤول عن إحداث الفارق في معادلة حياتك وجذب السعادة والرضا والبهجة إليها.

المصادر: 1، 2، 3




مقالات مرتبطة